[01/ اكتوبر/2020]
صنعاء – سبأ:
استطلاع / سوسن الجوفي
يرتشف عشاق القهوة عالميا اكثر من 2.25 مليار فنجان يومياً ويعتبرون هذا الفنجان هو مفتاح النهار كما وصفه الراحل محمود درويش ، فيما يصفه البعض بالنكهة الخاصة والفريدة التي تحدد مسار الفكر والمزاج في أول اليوم .. لا يذكر تاريخ البن إلا وذكر اغلب المؤرخين ان اوائل المستخدمين الذين جعلوا من القهوة مشروبا اجتماعيا وعادة منتظمة هم أهل اليمن.
سطور (سبأ نت) في اليوم العالمي للبن تعرفت على شجرة البن والتحديات التي تواجه هذا المحصول النقدي واقتربت من وزارتي الزراعة والصناعة لمعرفة دورهما في تنمية انتاج هذه الحبوب السمراء التي تجود بها أرض اليمن الزراعية والتي تعتبر من اجود الأنواع المرغوبة عالميا.
شجرة دائمة الخضرة
يعرف محمد نايف صالح غازي ، عضو في جمعية النخبة التعاونية الزراعية لمنتجي البن واللوز ، شجرة البن بأنها من الأشجار دائمة الخضرة تزرع في مناطق ترتفع 1500_2200 عن مستوى سطح البحر حيث يزرع اجود انواع البن في هذا النطاق ، وشجرة البن يفضل زراعتها بين 25_30 درجة حرارة مئوية وفي تربة بركانية خصبة جيدة الصرف .
ويعدد غازي الأصناف الرئيسية للبن بعد الاشارة الى أن اصل البن اليمني ارابيكا وهناك نوع اخر يسمى روبوستا .. والبن اليمني يوجد منه اصناف عديدة ومسميات كثيرة بناء على مكان الانتاج وعلى شكل الشجرة وكذا على شكل الثمار ، ولكن تم الاتفاق على ثلاثة اصناف رئيسية هي ، البن الدوائري ، البن التفاحي ، البن العديني ويعتبر الاخير اجود انواع البن.
فيما يلخص المهندس محمد قائد حارث ، مدير عام البن بوزارة الزراعة والري دور الوزارة في تشجيع توسعة البن وزيادة انتاجه في إعطاء هذا المحصول الاهتمام والدعم من خلال تبني إنشاء مراكز بحوث البن ، تقوم بإجراء كافة البحوث العلمية التي ستعزز من الاهتمام بهذا المحصول وايجاد الحلول لإبراز المشاكل التي يعاني منها المزارع خصوصا الأفات والامراض وكذا تصنيف علمي للبن ، كما قامت الوزارة بإنشاء الادارة العامة لتنمية البن تهدف الى رفع الانتاجية وتحسين الجودة للمحصول وتم اعداد استراتيجية لتنمية محصول البن اقرت من مجلس الوزراء في ابريل 2020م وتحتوي هذه الاستراتيجية على عدد من البرامج التنفيذية لتطوير هذا المحصول ولعل اهم مخرجات هذه الاستراتيجية ان نرفع الانتاجية من 18 ألف طن الى 50 ألف طن مع حلول عام 2025 م بإذن الله تعالى .
فنجان السلام الداخلي
ام حسن تصب مرارتها اليومية في جوف فنجان قهوتها الذي تشعر بالهدوء والسلام الداخلي والسعادة عند ارتشافه ، ورغم معرفتها بأضرار القهوة التي قد بدا تأثيرها واضحا على اسنانها إلا ان الفنجان الصغير الذي كانت تشرب فيه قهوتها تضاعف حجمه ولم تستطع الحد او التقليل من شرب القهوة يوميا فهي على قيد القهوة على حد تعبيرها وكل منغصات الحياة التي تواجهها تتناساها بفنجان قهوتها .
لمياء ربة بيت وام لثلاثة اطفال لديها وجهة نظر خاصة بخصوص مذاق ورائحة البن فكمية البن البلدي الذي تشتريه لا يتجاوز استهلاكها الأسبوع ومن ثم تقوم بشراء كمية أخرى لأنها تلاحظ ان النكهة والمذاق قد تغيرا في البن الذي تحتفظ به لأكثر من ذلك ، ولا تشعر لمياء بروعة وطعم ورائحة قهوتها إلا عندما تكون منفردة بالفنجان وعلى حد تعبيرها فإن الضوضاء والضجيج دائما يفسد الطعم والمزاج .
تحولات اقتصادية
هناك تحولات ضخمة يشهدها الذوق العالمي تجاه القهوة، إذ زاد الطلب عليها في بلدان كانت تعد تاريخيا من مستهلكي الشاي مثل بريطانيا التي تحولت من مستهلك رئيسي للشاي الى مستهلك قوي ومؤثر في سوق القهوة العالمية، وتشير اغلب التوقعات الى ان سوق البن سيواصل انتعاشه ايضا خلال السنوات القادمة و يعتمد 25 مليون من المنتجين البسطاء حول العالم على القهوة في عيشهم خصيصا في البرازيل حيث ينتج فيها ثلث القهوة الموجودة في العالم كله .
اضافة الى ذلك فإن القهوة الخضراء غير المحمصة والتي تعد واحدة من أكبر السلع الزراعية المتداولة حول العالم والتي تشير الدراسات الاقتصادية بانه سيتم تداولها في العقود القادمة في العديد من المبادلات التجارية .
تنقية تجارة البن من الخطر
عبدالله عبدالولي نعمان ، وكيل وزارة الصناعة لقطاع التجارة الخارجية ، يشير الى ان الوزارة حاليا ممثلة بقطاع التجارة الخارجية وبالتعاون مع وزارة الزراعة بصدد اعداد لقاء تشاوري مع مختلف المهتمين بإنتاج وتسويق وتصدير البن لمعرفة الممثل الحقيقي لتجار البن ، وانه لا بد من تجاوز كثير من الإشكاليات التي تضر بسمعة البن اليمني ، وفي هذا الجانب فقد وقع وزيرا الصناعة والزراعة قرارا بمنع دخول البن الخام للبلاد وتظل القائمة مفتوحة بعد إجراء تغيير للبن فكميات البن الخام التي كانت في السابق تدخل الى ارض الوطن يتم خلطها من قبل بعض ضعفاء النفوس بالبن اليمني ويتم تصديره وبهذه الطريقة يفقد البن اليمني سمعته بعد عملية الغش التي تتم .
واضاف الوكيل نعمان ” نريد ان ننقي تجارة البن من خطر هؤلاء فالبن اليمني مطلوب وسعره غالي جدا ولدينا سمعة تاريخية لا نريد فقدانها ولو تمت تنمية عملية القدرات التنافسية التصديرية للبن في الأسواق الخارجية سيتم تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية باعتبار هذا المحصول محصولا نقديا .
ولفت الوكيل عبدالله نعمان الى ان الحكومات التي تعاقبت لم تقوم بأي اجراء عملي لتنشيط هذه التجارة ، وحاليا لا يمكن إغفال دور وزير الزراعة عبد الملك الثور في تنشيط واستدعاء والاهتمام بشجرة البن وزراعتها في الجمهورية اليمنية وهذا جهد مثمر كجانب اقتصادي .
وفي هذا الجانب يؤكد المهندس محمد حارث ان وزارة الزراعة قامت بتوفير شتلات البن وتبنت برنامج لزراعة مليون شتلة بن وبتمويل من صندوق تشجيع الانتاج الزراعي والسمكي ونفذ البرنامج بنسبة 80% تقريبا ، كما ساهم القطاع الخاص والمزارعين بإنتاج شتلات البن وتم انتاج اكثر من مليون شتلة بن هذا العام وتوزيع اكثر من 300 الف شتلة حتى الان ، وهذه الكمية تم زراعتها في مساحة تتجاوز 250 هكتار تقريبا وتتصدر ذلك محافظة صنعاء ثم محافظات تعز واب وذمار التي كان لها النصيب الاكبر في زراعة شتلات البن يليها محافظتي ريمة وحجة كما نشير الى انه تم توزيع شتلات لمحافظات الضالع و المحويت وعمران وسيتم قريبا زراعة شتلات بن في محافظة صعدة بعد ان تم اعادة تأهيل المشتل وانتاج شتلات بن في المحافظة والذي دمر بسبب العدوان الغاشم من تحالف الشر.
البن التجاري والمختص
فهد عبدالعزيز المدير التنفيذي لمتجر القهوة المختصة “درر” يوضح ان هناك فرق كبير بين البن التجاري والبن المختص ، فالتجاري بن لا يؤخذ في الغالب من مناطق محددة وينتج بكميات كبيرة ولا تراعى فيها معايير الجودة العالمية من الجمعية الأمريكية للبن في القشر والفرز ولا يتم عمل شهادات تذوق له كما يتم عملية تقشيره ببله بالماء في حين ان البن المختص منتج من مناطق مخصصة محددة مثلا حرازي ،اسماعيلي ، حواري ، حيمي ، انسي الكميات مقشرة ومفروزة وفق المعايير المطلوبة ويتم فرز حبيبات البن اليا ويدويا ويتم تخزينها عند درجة الرطوبة المناسبة وفي أكياس مخصصة .
مدير متجر القهوة المختصة يؤكد انه يتم تمييز حبة البن من مختلف المناطق باختلاف نكهاتها او رائحتها او شكلها او حموضتها ولا تعتمد صفات النكهة فقط على المنطقة التي زرعت فيها القهوة بل ايضا على الأنواع الفرعية الوراثية وطريقة معالجتها.
في احد المحال التجارية الخاصة بالعطارة يشكو عبدالله الهمداني من ارتفاع اسعار البن كل ما عاود الشراء في حين علق صاحب المحل ان المزارع الذي يبيعه حبوب البن يشكي ايضا خسارته والمردود الضعيف من البيع .
عبدالولي عبادي الفضلي ، رئيس دائرة التسويق والتصدير بالاتحاد التعاوني لجمعيات منتجي البن ممثلا عن جمعية بني فضل ، انس _ذمار ، يرى ان العائد المادي للمزارع أصبح ضعيف جدا بالرغم من أن البن محصول نقدي وذلك بسبب تدني أسعار البن مما يرغم المزارع على تحويل الأراضي الزراعية الخاصة بالبن الى مزارع قات لما يعود عليه بالفائدة والمردود الربحي السريع ليصبح القات هو المنافس الوحيد لشجرة البن الى جانب زيادة تكاليف الانتاج مقابل اسعار البن البسيطة ما جعلت حالة المزارع المادية ضعيفة لأن المتحكم عليه هو التاجر او الشركة مقارنة بما يحصلوا عليه من فوائد كبيرة لا تصل الى المزارع إلا الفتات .
يتصدر البن قائمة الشراء المنزلية لأم يافع الزبيدي ،فجميع افراد عائلتها لا يستغنون عنه وكلا يصنع قهوته الصباحية بنفسه وبطريقته الخاصة ،ام يافع ترى ان التخفيف منها اصبح ضرورة بعد سماعها وقراءتها لعدد من الدراسات التي تشير الى اضرار الإكثار من شرب القهوة ولكنها بالطبع تعجز عن توصيل الفكرة لزوجها وابناءه الأربعة ، اما بالنسبة لميزانية البن الشهرية فهي تتجاوز قليلا عن عشرة الاف ريال خاصة وان اسعار البن ارتفع سعره في الفترة الاخيرة .
الأدب والحب والبن
كبار الشعراء والأدباء كتبوا عن القهوة وزراعتها وفي ملحمة غنائية من اجمل الملاحم الريفية اليمنية هي “الحب والبن ” تغنى شعراء اليمن بالبن ومنهم الراحل مطهر الارياني في احد اجمل الاشعار المغناة في اليمن والتي لحنها علي بن علي الانسي ولخص الشاعر الحياة الوجودية للأمة اليمنية وروح البن منذ زراعته والى جني ثماره .
كما ان كثير من الأدباء والروائيين دخلت القهوة وفناجينها وطقوس شربها كمفردة أساسية في تكوين الصور الشعرية لقصائدهم وتركيبها اللغوي ومن ابرز هؤلاء الشعراء محمود درويش ونزار قباني .
ايضا اعمال ادبية غلفت القهوة عناوينها حيث انها لم تسيطر فقط على موضوع الرواية او الكتاب بل احتلت الكثير من العناوين لهذه الأعمال .
القهوة من جانب صحي
تحذر كثير من الدراسات الطبية من الإفراط في تناول القهوة باعتبارها سببا لارتفاع ضغط الدم وزيادة نبضات القلب لاحتوائها على نسبة عالية من الكافيين التي تعمل على تنشيط الجهاز العصبي المركزي ، ومن مسببات قرحة المعدة ، كما ان شرب القهوة يتسبب في فقدان بعض الفيتامينات والعناصر الغذائية الضرورية لصحة الجسم اضافة الى عددا من المشاكل الصحية في الكلى هذا ما اشارت اليه الدراسات.
علام مهدي المطري ، ضابط مبيعات ، بشركة يمن موبايل لا يعير الأضرار الصحية التي تشير اليها الدراسات بخطورة البن اي اهتمام مقابل رائحته ومذاقه في الصباح الباكر فهو رفيق الطفولة والدراسة والمذاكرة وشربه بعد صلاة الفجر للتركيز والاستعداد لبداية يوم جديد وعلى حد تعبير علام ” جدتي أرست قاعدة ضرورة شرب البن لفتح الشهية قبل وجبة الإفطار ودائما ما تردد بالعامية عشان تفرق”.
لازم قلص بن
أميرة طالبة ادارة اعمال بجامعة صنعاء ومدربة لياقة بدنية في نادي نسائي والتي لا تجد أي اضرار للقهوة معلقة بقولها “البشر هم من يضرون اما القهوة فلا ضرر منها على العكس تعدل المزاج وبعد شربها نعقد مصالحة مع النفس الى ان ينتهي مفعولها ونجدد العهد بفنجان جديد وهكذا هي قصتنا مع فنجان القهوة “
مقاهي الزمن الجميل
المقاهي قديما كان يجلس فيها كبار الشعراء والكتاب والأدباء يستلهمون افكارهم او يعبرون عنها حوارا او كتابة وكانت المقاهي مساحة واسعة لنشر الأفكار وسرد قصص التاريخ والملاحم وكان الكثير من زوارها يطلبون فناجين القهوة أثناء نقاشات سياسية او اجتماعية وعرفت كثير من العواصم العربية بمقاهيها الثقافية، اما اليوم فقد تغير الوضع كثيرا فقد اصبحت الحوارات والكتابات والنقاشات تدار وترسل من خلف جدران البيوت والنوافذ المغلقة والمغطاة بستائر معتمة عبر اجهزة الاتصالات الذكية التي خلقت الجفوة بين لقاءات واجتماعات حقيقية الى تواصل افتراضي عبر الشاشات .
وفي سمسرة وردة أشهر واقدم مقهى في مدينة صنعاء القديمة وتحديدا “سوق الملح” يجتمع أيمن فكري طالب كلية الإعلام ومصورفوتوغرافي مع اصدقائه في ساعات الصباح الأولى لإرتشاف قهوة البن اليمني الأصيل وسط زحام الشوارع والأزقة الضيقة التي تتسع بالأصالة والألفة ويضفي على تلك الأجواء الصباحية الرائعة الطعم الأصيل للبن الذي يعده صاحب السمسرة بسرعة واحتراف ويصف أيمن المكان والوقت مع فنجان القهوة بداية يوم حتما لا تخلو تفاصيله من الروعة والجمال وينهي طالب الإعلام حديثه عن المكان “أن الكثيرمن الناس يتوافدون للسمسرة في وقت مبكر جدا ربما لارتباطهم بمكان يجتمع فيه ضدان الهروب واللجوء “
أخر فنجان قهوة
ترجع كلمة قهوة الى الكلمة العربية قوى ” القوة والطاقة” وانتقلت كلمة القهوة من جزيرة العرب الى تركيا ليطلق عليها “قهفة” والإيطاليون أطلقوا عليها “كافيه ” ووصلت الى بريطانيا تحت اسم “coffee”، تعددت المسميات وفنجان القهوة يرتشفه السياسي والمثقف والأديب والتاجر والمواطن البسيط والذي تختزل الذاكرة ملايين الافكار والقصص و الحكايا اثناء تناوله.