ألقى قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي كلمة بمناسبة تدشين فعاليات المولد النبوي الشريف للعام 1444هـ فيما يلي نصها:
حياكم الله جميعاً وأهلاً وسهلاً ومرحباً.
نرحب بكل الحاضرين، بالآباء العلماء الأجلاء، وبالإخوة المسؤولين في الدولة، وباللجان التنظيمية، والوجاهات، والثقافيين، والخطباء… وكافة الإخوة الأعزاء الحاضرين.
أهلاً وسهلاً بكم جميعاً.
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[الأحزاب: الآية56]، اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين والمجاهدين.
أيُّها الإخوة الحاضرون: السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
أبارك لكم، ولكل أبناء شعبنا اليمني المسلم العزيز، ولأمتنا الإسلامية كافة، بدخول شهر ربيعٍ الأول، شهر ذكرى مولد رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، محمد بن عبد الله، خاتم النبيين، ورحمة الله للعالمين، والبشير النذير، والسراج المنير، الرسول الأكرم الخاتم.
هذه المناسبة المهمة العظيمة، التي ندشِّن اليوم الفعاليات والأنشطة التحضيرية لها، وصولاً إلى الفعالية الكبرى، التي تقام في الثاني عشر من الشهر إن شاء الله.
وشعبنا اليمني العزيز تميَّز بإحيائه لهذه المناسبة بشكلٍ كبير، وبأنشطةٍ وفعالياتٍ متنوعة، وتصدَّر الشعوب الإسلامية، في مدى اهتمامه بهذه المناسبة، وابتهاجه بها، وطريقة إحيائه لها، وفي حضوره الحاشد والكبير في الفعالية الرئيسية في الثاني عشر من الشهر، كما كان ذلك واضحاً في الأعوام الماضية.
وهذا الاهتمام هو من تجليات ومصاديق الحديث النبوي الشريف: ((الإيمان يمان، والحكمة يمانية))؛ لأن الصلة برسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، والعلاقة به لأمته، هي صلةٌ إيمانية، وعلاقةٌ إيمانية، منطلقها وأساسها الإيمان به، وبرسالته، وبعظيم منزلته عند الله “سبحانه وتعالى”، وبمهمته المقدَّسة، ودوره العظيم، وبأنه صلةٌ للأمة بالله “سبحانه وتعالى”، وبهديه، وبنوره؛ ولـــذلك عندما اهتم شعبنا هذا الاهتمام الكبير، وتصدَّر بقية الشعوب، وبرز في عنايته بهذه المناسبة بشكلٍ كبير، فغير غريبٍ على هذا الشعب، الذي هو شعبٌ يجسِّد إيمانه برسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” بكل هذا الالتزام، والاهتمام، والجوانب العملية، والاقتداء، والتأسي، والإتِّباع، والاهتداء، كما يجسِّد ذلك بهذا التعظيم والتوقير لرسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”.
غير غريبٍ على أحفاد الأنصار، الذين نصروا رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، وآووا رسول الله، والمهاجرين معه في صدر الإسلام، وحملوا راية الإسلام، وجاهدوا مع رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، فسمَّاهم الله في كتابه بالأنصار، أحفاد الأنصار هم اليوم يتحركون كأنصار، كما كان آباؤهم وأجدادهم، يحملون الراية (راية الإسلام)، يسيرون في إطار الاقتداء برسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”.
كـــذلك شاهدنا في الآونة الأخيرة، والأعوام الماضية، حضوراً جديداً، بل كذلك استعادة هذه المناسبة لحضورها في الساحة الإسلامية في عددٍ من البلدان الإسلامية، في شرق آسيا، وفي باكستان، وفي الدول العربية في لبنان، وفي الجمهورية الإسلامية في إيران، في دول المغرب العربي، في عددٍ من بلدان العالم الإسلامي، عادت هذه المناسبة بشكلٍ جيد، وعاد الاهتمام بإحيائها بشكلٍ بارز.
وهذه المناسبة كانت تحظى في الماضي باهتمامٍ كبير في العالم الإسلامي، وفي أوساط المسلمين، وكانت مناسبة ذكرى مولد النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” يوماً مميزاً في العالم الإسلامي، في الاهتمام بها، في إحيائها بالمحاضرات الدينية، والندوات، والخطابات، ومظاهر الابتهاج والسرور، والزيارات للأرحام… وغير ذلك.
ثم في عقودٍ زمنية معينة، في الآونة والمرحلة الماضية، والآونة الأخيرة كانت قد غابت من كثيرٍ من البلدان الإسلامية؛ بفعل النشاط السلبي التكفيري، الذي يحارب المناسبات الدينية المهمة، ويصفها بالبدعة، وفي مقدِّمتها: ذكرى مولد الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، بل يحارب كل مظاهر التعظيم والتوقير والتعزير لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، حتى مفردة (التعظيم للنبي) يعتبرونها من الشرك، من الكفر، من الخروج من الملة، مما يبنون عليه مواقفهم العدائية الشديدة لمن يحمل هذا التوجه، ويكون له هذا المنطق، في إطار دورهم التخريبي الهدَّام في الساحة الإسلامية في واقع المسلمين من الداخل، إضافةً إلى الهجمة الغربية، الهجمة الغربية المعادية للإسلام، والحرب الشيطانية الناعمة الغربية على مبادئ الإسلام، ورموز الإسلام، ونبي الإسلام، والقرآن الكريم، ومعالم الإسلام البارزة والأساسية، والحرب التكفيرية، كلاهما توأمان، وكلاهما يمثل توجهاً يتحرك نحو أهدافٍ واحدة، وإن تنوعت الوسائل والأساليب، وإن تنوعت الساحات والميادين، أولئك من خارج الأمة، وأولئك من داخل الأمة.
لكن بفضل الله “سبحانه وتعالى”، بتوفيقه، بهدايته، استعادة هذه المناسبة حضورها، بدءاً من بلدنا العزيز، الذي كان رائداً في إحياء هذه المناسبة، ثم يتنامى الاهتمام بها، والاستعادة لهذه المناسبة في قدسيتها، وفي العناية بها في بقية البلدان الإسلامية، ويتفاوت هذا الحال من بلدٍ إلى آخر.
على كل حال، هذه المناسبة العظيمة هي من المناسبات المهمة والمفيدة، والتي تحتاج إليها الأمة، وتزايدت أهميتها بالنظر إلى واقعنا كأمةٍ إسلامية، واقع يحتاج إلى الالتفاتة والعناية الكبيرة، والعمل الجاد لكل ما يساهم في إعادة انتعاش الأمة، وإحياء مبادئها العظيمة، وإحياء قيمها المهمة والأساسية، التي بها تحيا الأمة، تستعيد حضورها بين الأمم، حضورها بمبادئها، بأخلاقها، بقيمها، برسالتها، بدورها الذي أراده الله لها، هذه الأمة التي شرَّفها الله بالإسلام، وأنعم عليها برسول الإسلام، وبالقرآن الكريم، وصلت إلى ما وصلت إليه من تدنٍ، وشتاتٍ، وفرقةٍ، وضعفٍ، نتيجةً لغياب كثيرٍ من المبادئ والقيم المهمة من واقعها، أثَّر ذلك عليها تأثيراً بالغاً، ولكن عندما تعود إلى مصادر مجدها، ومصادر عزتها، ومصادر إحياء دورها الرائد بين الأمم، دورها العظيم، دورها المميز، الذي شرَّفها الله به، مسؤوليتها المقدَّسة التي حمَّلها الله إياها، فهي بشكلٍ تلقائي ستحظى برعاية الله، بمعونة الله، بتوفيق الله “سبحانه وتعالى”، وفي ذلك إنقاذٌ لها أولاً، إنقاذٌ لأمتنا، هي بحاجة إلى الإنقاذ، وإنقاذٌ للبشرية من حولها؛ لأن طريق الفلاح، والخير، والرشد، والسمو الإنساني، ومعالجة المشاكل الكبيرة المتفاقمة في الواقع البشري، لا يتأتى ولن يكون إلَّا بالعودة إلى الله “سبحانه وتعالى”، العودة الواعية، العودة إلى منهجه، إلى هديه، إلى كتبه ورسله وأنبيائه، إلى وريث رسله وأنبيائه: خاتم النبيين رسول الله محمد “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، وإلى كتاب الله المهيمن على كل كتبه، الذي تضمَّن هدي الله الكافي لعباده، نور الله، الذي يخرج عباده من الظلمات، وهو القرآن الكريم.
من أهم ما نعبِّر به في إحيائنا لهذه المناسبة، وفي الفعاليات التي هي تحضيرية للمناسبة الرئيسية، هو: النظرة إلى رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” كنعمةٍ عظيمةٍ من الله، فنظهر التقدير لهذه النعمة، الابتهاج بهذه النعمة، الفرح بهذه النعمة، التعظيم لهذه النعمة، وهذه مسألة مهمة جدًّا، الله “سبحانه وتعالى” ذكَّرنا في القرآن الكريم بعظمة وأهمية هذه النعمة؛ لكي تكون نظرتنا إليها على هذه الأساس، أعظم نعمة أنعم الله بها على البشرية هي نعمة الهداية، الهداية بالرسول وبالكتاب، فنعمة الهدى هي أعظم النعم على الإطلاق، أعظم من النعم المادية ومن غيرها، وهي المفتاح الذي من خلاله تحظى البشرية بالتنعم ببقية نعم الله “سبحانه وتعالى”، ويتحقق لها الخير في حياتها، تحظى بالحياة الطيِّبة، بالعزة، بالكرامة، بما أراده الله لها من الخير العظيم، والفلاح، والنجاح في الدنيا والآخرة.
والله “سبحانه وتعالى” قال في القرآن الكريم: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[آل عمران: الآية164].
هكذا يأتي هذا التعبير القرآني: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ}، هي نعمةٌ عظيمة من الله “سبحانه وتعالى”، عندما بعث رسوله خاتم أنبيائه “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، بهذه المهمة المقدَّسة، التي أهَّله الله لها، واصطفاه لها، وأعدَّه لها، فكان في أداء مهمته هو القدوة، هو الأسوة، هو الهادي، هو المربي، هو المعلم، فأتى ليصلنا بهدي الله، بنور الله، بتعليمات الله، بما يعلِّمنا الله به من العلم، من الحقائق، من البصائر.
{يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ}، يصلنا بنور الله، بهدي الله، بتعليمات الله، بكلمات الله “سبحانه وتعالى”، بالحق من عند الله “جلَّ شأنه”، مهمة عظيمة، مهمة مقدَّسة، البشرية بدون هذه الصلة بنور الله “سبحانه وتعالى”، تعيش في حالة جاهليةٍ جهلاء، تغرق في الظلمات، تتبنى الكثير من المفاهيم الخاطئة والظلامية، التي تعتمد عليها فتتيه من خلالها في حياتها، وتشقى في حياتها.
{إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ}، وما أحوج البشرية إلى الزكاء، ما أحوج كل إنسانٍ منا إلى أن يتزكى، وإلى ما يزكيه، وكان من المهام الرئيسية لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، وهو يتلو آيات الله، وهو يتحرك على أساس هدى الله “سبحانه وتعالى”، وهو يقدِّم التعليمات لكل المؤمنين، ولكل البشرية من خلفهم، وهو يتحرك بكل الوسائل فيما يقدِّمه من ارشادات وتعليمات، من أجل أن يزكي هذه النفس البشرية، التي لا يتحقق لها سموها الإنساني، وكمالها الإنساني، إلَّا بالتزكية، وإلَّا تدنست، وخسرت قيمتها الإنسانية، وهذا ما يعاني منه الناس إلى حدٍ كبير، كلما فقدوا زكاء النفوس، كلما تدنست النفوس؛ كلما ساءت التصرفات والأعمال، ويكون لذلك تأثيراته السلبية في واقع الحياة، في واقع حياة الناس.
{وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، فهذه النعمة العظيمة، النعمة التي ترتقي بنا، ترتقي بنا في كمالنا الإنساني، تستعيد لنا قيمتنا الإنسانية، فنحظى بنور الله، بتعليمات الله، بتوجيهات الله “سبحانه وتعالى”، التي بها نتزكى، وبها تستقيم حياتنا، بها يتحقق لنا الرشد في فكرنا، في ثقافتنا، ويتحقق لنا الصلاح في أعمالنا، والاستقامة في سلوكنا وتصرفاتنا ومواقفنا، ونحظى من خلالها بالحكمة، لنكون أمةً حكيمة، حكيمةً في ثقافتها، في فكرها، في سلوكها، في تصرفاتها، في مواقفها، في أفعالها، في أقوالها، وما أحوجنا إلى الحكمة! فهي نعمةٌ عظيمة، نعمةٌ تتجه إلى أنفسنا، تتجه إلى واقعنا، لفلاحنا في الدنيا، ولإنقاذنا في مستقبلنا الكبير والأبدي في الآخرة، لنجاتنا من عذاب الله “سبحانه وتعالى”، ولنجاتنا من الشقاء، والخزي، والهوان، لنجاتنا من الضلال، وآثار الضلال، ونتائج الضلال في الدنيا، وعواقبه الوخيمة في الآخرة.
{وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، بدون هذه الرسالة، بدون رسول الله محمد “صلوات الله عليه وعلى آله”، كان مستقبل البشرية هو الاستمرار في ذلك الضلال المبين، والضياع، والتيه، وكانت الظلمات والأباطيل والمفاسد والرذائل ستتنامى في الواقع البشري، وتكبر، وتستمر، وتشتد؛ لأن هناك من قوى الطاغوت، والضلال، والباطل، والكفر، من ينميها، من يحميها، من يتحرك بها، من يجعل منها منهجاً وسياسةً، من ينشط لفرضها على الناس… إلى آخر ذلك.
فهذه النعمة الكبيرة علينا أن نقدِّرها، أن نعي أهميتها؛ ولـــذلك عندما قال الله “سبحانه وتعالى” في القرآن الكريم: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس: الآية58]، (بِفَضْلِ اللَّهِ)، وما له من أثرٍ علينا في أنفسنا، في السمو بنا في حياتنا، في عزتنا، في كرامتنا، في فلاحنا، في نجاتنا، فيما نفوز به من رضوان الله، والمنزلة عند الله، والعاقبة الحسنة عند الله “سبحانه وتعالى”، والجنة، والسلامة من عذاب الله، (وَبِرَحْمَتِهِ)، رحمة الله في كل آثارها، في أنفسنا، في حياتنا، في واقعنا، في مستقبلنا الأبدي عند الله، هذا شيءٌ يجب أن نقدِّره، أن نعي قيمته، أن ننظر إليه كنعمةٍ عظيمة، أن نبتهج به، أن نسرَّ به، أن نستبشر به، وأن نتفاعل معه بكل رغبة، بكل إقبال، بكل سرور، من واقع الإدراك أنه نعمةٌ عظيمة، أنه شرفٌ كبير، أنه فضلٌ عظيم، أنَّ به كل الشرف، وأسمى مستوى من الشرف، هذا ما يجب أن نتحرك على أساسه.
في علاقتنا الإيمانية التي يجب أن نسعى إلى الارتقاء بها، مستوى إيماننا برسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، والذي تدخل في ضمنه الكثير من المفردات والعناوين، من ضمنها: المحبة لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، والتي يجب أن تكون على مستوىً عظيم، ومرتبةٍ عالية.
الله “سبحانه وتعالى” بيَّن هذه المرتبة، التي يجب أن نسعى للوصول إليها، عندما قال في القرآن الكريم: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[التوبة: الآية24]، نجد في هذه الآية المباركة أنها ذكرت وجمعت لربما ما هو أعز على الإنسان في روابطه الاجتماعية: الأب، الأبناء، الإخوة، الزوجة، العشيرة، وارتباطاته المادية: التجارة، أو المال، أو حتى المساكن، المسكن الذي يأويك، ويكون مرضياً عندك، كل روابطك الاجتماعية، وكل روابطك المادية يجب أن تبقى تحت سقف المحبة، وتحت مستوى في علاقتك بها، في محبتك لها، في انشدادك إليها، تحت مستوى سقف ومرتبة المحبة لله أولاً.
في التربية الإيمانية يجب أن يكون أعظم مستوى من المحبة في قلوبنا ووجداننا لله “سبحانه وتعالى”، فوق كل شيء، أن نحب الله، وهو ربنا، وملكنا، وخالقنا، والمنعم علينا، والعظيم في كماله، أن نحبه فوق كل شيء.
ثم تأتي المرتبة الثانية، والمستوى الثاني في المحبة لمن؟ {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ}، المرتبة الثانية هي لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، بعد الله، في مستوى محبتنا يجب أن نحب رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، أن نحمل هذا المستوى العظيم من المحبة لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، هذه هي المرتبة المطلوبة، هذا هو المستوى المطلوب، الذي ينبغي أن نسعى للوصول إليه؛ حتى يتحقق، يتحقق فعلاً، حتى يكون ملموساً في وجداننا، وفي مشاعرنا، في قلوبنا، ويتجلى أثره في التزامنا العملي، في اهتماماتنا العملية، في مواقفنا، تبين لنا الآية هذا المستوى المهم، كيف نصل إلى هذا المستوى إن لم نحرص على أن نعرف منزلته عند الله، أن نعرف كماله العظيم، أن نطَّلع على سيرته في القرآن الكريم، وفيما يوافق القرآن الكريم، أن نعرف وأن نستوعب إنجازه العظيم، أن نستوعب قدسية مهمته، أن نستوعب كيف كان تجاهنا، في حرصه على نجاتنا، في اهتمامه بأمرنا، في سعيه الحثيث على نجاتنا، لم يكن فقط يحمل هذا الهم، هذا الحرص، هذه العناية لأهل زمنه لأهل عصره، بل لكل أمته، وللبشرية إلى قيام الساعة، هذا هو رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”.
من المفردات المهمة في علاقتنا بالرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” هي: التوقير، والتعظيم، والتعزير، أن نعظِّمه، أن نجلَّه، أن نحترم مكانته، أن نعرف منزلته العظيمة عند الله “سبحانه وتعالى”، وأن يكون ذلك واضحاً متجلياً في اهتمامنا بهذه الصلة بالنبي “صلوات الله عليه وعلى آله”، التعظيم الذي يحضر في كل واقعنا، من خلال الإتِّباع، والتأسي، والاقتداء، والابتهاج، والمناسبات، والأقوال، والأفعال… وغير ذلك، أن يتجلى هذا التعظيم والتوقير.
الله قال في القرآن الكريم: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}[الفتح: من الآية9]، وقال “جلَّ شأنه”: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف: من الآية157]، فتأتي مفردة: {وَعَزَّرُوهُ}، {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ}، التعزير للنبي “صلوات الله عليه وعلى آله”: التعظيم، تعظيم المتَّبعين، المقتدين، المناصرين، المؤيِّدين، الذين يحترمون مكانته، يعون موقعه، منزلته، دوره، رسالته؛ فيعظِّمونه، هذه مسألة أكَّد عليها القرآن الكريم كثيراً.
لم يتنبه لها البعض من المسلمين في عصر النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” بالمستوى المطلوب، فكان لذلك تأثير سلبي عليهم، في مدى الاهتداء، والاقتداء، والإتِّباع، وفي طريقة التعامل مع النبي “صلوات الله عليه وعلى آله”، فكان القرآن الكريم يعاتبهم، يوبِّخهم، يحذِّرهم، يؤدِّبهم، عندما قال في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}[الحجرات: الآية2]، إلى هذا المستوى أهمية التعظيم للنبي، التوقير للنبي، الاحترام لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، لها هذه الأهمية، هذا المستوى من الأهمية، (لَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ): لا تتخاطبوا معه في صوتكم، يكون مستوى صوتكم وأنتم تتحدثون إليه، أو تتخاطبون معه، كما تخاطبون بعضكم بعضاً، اخفضوا أصواتكم، اعرفوا من تخاطبون، مع من تتحدثون، إنه رسول الله، والأهمية لهذا المستوى من الالتزام، والأدب، والتعظيم، والتوقير، لدرجة أنَّ عدم الالتزام بها هو سببٌ كافٍ في أن تحبط كل أعمالكم، من صلاة، وجهاد، وصيام، يعني: يقول لهم: لا قيمة لجهادكم، لا قيمة لصلاتكم، لا قيمة لصيامكم، لا قيمة لأعمالكم كلها من فعل الخير والعبادة والذكر إن لم تحترموا رسول الله، إن لم تتأدبوا مع رسول الله، كلها ستحبط، كلها لن يكون لها أجر، ولا قيمة، ولا ميزان لها، ولا ثواب عليها، {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}، هذا يقرِّب إلى أذهاننا مدى الأهمية لتعظيم النبي، بدون تعظيمك لرسول الله، واحترامك لمكانة رسول الله، لا قيمة لأيٍّ من أعمالك، وعباداتك، وكل ما تفعله من الخير، لا قيمة له، ولهذا يقول لهم: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}[الحجرات: الآية3]، {وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}، لأولئك الذين حملوا في قلوبهم مشاعر التعظيم لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، فكان لذلك الأثر على طريقة تعاملهم، وخطابهم، وأسلوبهم في التعامل مع رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، فكانوا يغضون أصواتهم، قال عنهم: {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}، {وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} بكل ما تعنيه الكلمة.
كان مثلاً من مظاهر عدم الاستيعاب لمكانة الرسول، لدوره، لقدسية مهمته، للتعامل معه، ومع ما يأتي به، مثالٌ آخر في قصة حضورهم عند رسول الله وهو يتحدث إليهم، وهو يخطب فيهم، عندما قال الله “جلَّ شأنه” في القرآن الكريم: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[الجمعة: الآية11]، هكذا يؤدِّبهم، يذكِّرهم، ينبههم.
فالتوقير لرسول الله، والتعظيم لرسول الله، والاستيعاب لمكانته، أمرٌ مهمٌ جدًّا في علاقتنا الإيمانية برسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، وأن يظهر ذلك في خطابنا، في حديثنا، في مناسباتنا، في التزامنا العملي، في اهتمامنا بالاقتداء والتأسي.
من المفردات والعناوين المهمة في علاقتنا بالنبي “صلوات الله عليه وعلى آله”، والتي وجدناها في الآية المباركة في قوله: {وَنَصَرُوهُ}، {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ}[الأعراف: من الآية157]، هذه المفردة، هذا العنوان المهم: {وَنَصَرُوهُ}، كيف تكون أنت بانتمائك للإسلام، بانتمائك الإيماني، من أنصار رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، هذا جزءٌ أساسيٌ من علاقتك الإيمانية به، لا يكفي أن تقول: (أشهد أن محمداً رسول الله) وانتهى الأمر، لهذا الالتزامات التي تبنى على ذلك، فيأتي قول الله “سبحانه وتعالى”: {وَنَصَرُوهُ}، ليبين أن هذا جزءاً أساسياً من العلاقة الإيمانية بالرسول “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”.
فإذاً لابدَّ أن نسعى جميعاً لأن نكون من أنصار رسول الله، أن ننصر رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، لنكون من أنصار الله، نصرتنا حتى نكون ممن نصروه، حتى ندخل في حساب وعداد من نصروه، عندما ننصر قضيته، رسالته، منهجه الذي أتى به، هذا المنهج العظيم، هديه العظيم، رسالته العظيمة، التي تحارب أشد الحرب، في مبادئها، في قيمها، في أخلاقها، في تعاليمها، أولياء الشيطان كل همهم، كل جهدهم، وبكل الوسائل والأساليب، الحرب الشرسة ضد هذا الهدي العظيم، والدين العظيم، والرسالة العظيمة، التي أتى بها رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، إن لم تكن متجنداً مع هذه الرسالة، تنصرها بكل الوسائل، في كل المجالات، بحسب قدرتك، بحسب استطاعتك، بحسب إمكاناتك، إن لم تتحرك هذا التحرك كجنديٍ من الأنصار بما تعنيه الكلمة، فأنت مخل بمدى إيمانك، وأنت ناقص الإيمان برسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”.
نصرتك لقضيته، موقفك من أعدائه، كيف يكون من أنصار رسول الله، كيف يكون في عداد من نصر رسول الله من ليس له أي موقف من أعداء رسول الله؟! أعداء رسول الله الذين يحاربون رسالته، الذين يسيئون إليه، الذين يعملون على تقديم أسوأ صورةٍ سلبيةٍ عنه، وعلى فصل البشرية عن إتِّباعه.
الهجمات الغربية في الإساءة إلى النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” هي عدائية، ضد الإسلام، ضد رسالة الله تعالى، ضد الحق، سعيهم الحثيث والمستمر في التشويه للنبي، والإساءة للرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، هو لفصل الأمة عن إتَّباعه، عن الاقتداء به، عن الاهتداء بهديه، عن التأسي به.
فمن ليس له أي موقف، ولا يستفزه أي إساءة تصدر من أولئك ضد رسول الله، تجاه رسول الله، بحق رسول الله، كما يستفزه أبسط، أو أقل كلمة تجرح مشاعره فيما يتناوله شخصياً، أو يتناول من يعزون عليه، جماعة، أو حزب، أو فئة، أو غير ذلك، فهو ناقص الإيمان، بعيدٌ عن هذه العلاقة الإيمانية المتكاملة الصحيحة، التي تحقق الإيمان الصادق برسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”.
وهذا ما نلحظه من البعض للأسف، لو يعرف أن كلمة قد لا تكون جارحةً بشكلٍ كبير، جارحة ولو بشكل قليل، ولو بشكل محدود، وجهت إليه شخصياً، أو إلى من يهتم بأمرهم من جماعته، أو حزبه، أو أصحابه، أو من له صلة بهم جامعة وخاصة، قد يستفزه ذلك، وقد يرى ذلك كافٍ في أن يكون له موقف، يتكلم، ينطق، يباين، يخاصم، يسيء، يبادل ذلك بالموقف، لكن تجاه ما يصدر إلى رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، تجاه أعداء رسول الله، تجاه من يقودون الحرب ضد الإسلام، ضد الرسالة الإلهية، ليس له أي موقف، ليس هذا فحسب، بل ويغضب ويستاء ممن لهم موقف، ينتقدهم، يفترض من الكل ألَّا يكون لهم أي موقف تجاه أولئك من أعداء رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” وأعداء الإسلام، ويريد من البقية ألَّا يكون لهم موقف، كمثله هو، هذه نقص، هذه حالة من النقص الكبير في الإيمان.
في النصرة أيضاً يجب أن نكون حاضرين وفاعلين بكل ما نستطيع في التصدي للحرب الشيطانية، من أعداء رسول الله، من أعداء الإسلام، من أعداء القرآن، من أعداء الله، الذين يشنون حربهم الشيطانية الناعمة، المفسدة، المضلة، التي تسعى إلى فصل الأمة عن مبادئ الإسلام، عن قيم الإسلام، عن مكارم الأخلاق، الذين يسعون بها إلى ضرب الأمة في أهم أساسٍ يمكن أن يعيد للأمة عزتها، ومجدها، وقوتها، وأن يصلح واقعها ويغير وضعها، هذه مسألة مهمة جدًّا، تدخل في إطار {وَنَصَرُوهُ}، {وَنَصَرُوهُ}.
ثم يقول “جلَّ شأنه”: {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ}[الأعراف: من الآية157]، اتبعوا القرآن الكريم، القرآن هو نور الله، نور الله، ما فيه من تعليمات وحقائق، ما فيه من هدى، هو نور، يضيء لنا الدرب، يكشف لنا كل ضلالٍ وباطل، وإتباعه والاهتداء به هو أمرٌ أساسيٌ في العلاقة بالرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”؛ لأن من مهامه الأساسية هو “صلوات الله عليه وعلى آله” مرتبطٌ بالقرآن، هادٍ بالقرآن، بالقرآن الكريم، ولأن القرآن هو النور، تأتي هذه التسمية متكررة في آياتٍ كثيرة، كما في هذه الآية المباركة: {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ}، وكما في قوله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا}[التغابن: من الآية8]، وكما في قوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}[المائدة: من الآية15]، وكما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا}[النساء: الآية174]، فالقرآن هو النور، كل ما يخالفه هو باطل، هو ضلال، هو أفكارٌ ظلامية بكل ما تعنيه الكلمة، ولـــذلك يجب أن تكون صلتنا وعلاقتنا بالقرآن الكريم في الاهتداء والإتِّباع مبنيةً على هذه النظرة: أنه هو النور، هو الحق، هو الحكمة، هو الصواب، هو الرشد، ما يخالفه باطل، زائف، ضلال، تافه، لا قيمة له، ظلمات، يضيع البشرية ويتيه بها.
{أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف: من الآية157]، الفلاح والنجاح، والفوز في مسيرة الحياة وللمستقبل الأبدي مرتبطٌ بهذا الإيمان، {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ}[الأعراف: من الآية157]، بهذا كله تتحقق هذه النتيجة العظيمة: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، الفلاح بكل ما يعنيه: بالسلامة من الخسران، بالفوز بالحياة الطيبة، بالكرامة، بالعزة، بالحرية في مفهومها الحقيقي، بالخير كله، بالسلامة من الضلال، والضياع، والعذاب، والشقاء، والهوان، والخسران، بالفوز برضوان الله وجنته، والسعادة الأبدية، والسلامة من عذاب الله، الآمال العظيمة التي يطمح إليها كل إنسانٍ سليم الفطرة تتحقق على هذا الأساس، بهذا، إنقاذ البشرية، صلاح حياتها، استقامة حياتها، مرهونٌ بذلك، ليس هناك أي بديل يمكن أن يصل بالبشر، ولا بالأمة، ولا بأي مجتمع إلى هذه النتيجة أبداً، فللمسألة هذه الأهمية.
ولـــــذلك يجـب أن نحرص في أنشطتنا، في فعالياتنا على ترسيخ هذه المفاهيم العظيمة، وعلى ربطها بواقع حياتنا، بمسيرة حياتنا؛ حتى تترك أثرها الكبير في أنفسنا، في أعمالنا، في واقعنا، في اهتماماتنا.
خلال هذه الفترة، وإلى الفعالية الكبرى في الثاني عشر من الشهر، نأمل- إن شاء الله تعالى- أن يكون هناك نشاط واسع: على المستوى التثقيفي والتربوي، على المستوى الإرشادي، على مستوى الندوات والمحاضرات، للحديث عن رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، ورسالته، والإيمان به، وكماله العظيم، وما يربط الأمة به، ما يربط الأمة إلى مبدأ التأسي به، كما في قول الله “سبحانه وتعالى”: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: الآية21]، فجزءٌ من الأنشطة الأساسية هي: تثقيفية، توعوية، إرشادية، في المساجد، في المجالس، في الفعاليات والأنشطة المتنوعة.
وكذلك الاهتمام بالإحسان خلال كل هذه الفترة، الإحسان سلوك مطلوبٌ العناية به بشكلٍ دائم، لكن أن يبرز في مثل هذه المناسبة بشكلٍ أكبر، الإحسان إلى الفقراء، رعاية المحتاجين، إنقاذ المكروبين، إغاثة الملهوفين، مساعدة المحتاجين، هذا مما ينبغي أن يكون بشكلٍ منظم وواسع، وسواءً على المستوى الفردي، أو على المستوى التعاوني، وفي التعاون الخير والبركة، أن يكون هذا من الأنشطة الأساسية.
ثم العناية بالتحشيد للفعالية الكبرى، ليوم الثاني عشر، الإحياء الجماهيري الواسع جدًّا، بالطريقة التي يقيمها شعبنا، هو مظهر من مظاهر التعظيم لرسول الله، من مصاديق {وَعَزَّرُوهُ} التعظيم لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، وهو يوجه رسالة إلى أعداء رسول الله، أعداء الإسلام، أعداء الله، أعداء البشرية، الذين دائماً يقودون الحملات المسيئة إلى رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، بالرسوم، بالهجمات الثقافية، الإعلامية، بأساليبهم الشيطانية المتنوعة، الإحياء الواسع هو رسالة ضدهم، رسالة تحذير، رسالة تبين أن هذه الأمة تتجه أكثر وأكثر لتعزيز وترسيخ ارتباطها الإيماني برسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”.
نأمل- إن شاء الله- كما في الأعوام الماضية وأكثر، ما أؤمله منكم، وما أؤمله من شعبنا العزيز، يمن الإيمان والحكمة، هو أكثر حتى من الأعوام الماضية.
أسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛
رعاكم الله، وفقكم الله، وأعانكم الله.