[12/ ديسمبر/2020]
صنعاء – سبأ : استطلاع / سوسن الجوفي
اسوء ما يحدث للجراح التي لا تلتئم ان يظل الوجع مزمن لا يلفت الانتباه ولا يثير الشفقة مع مرور الوقت لسبب بسيط هو الاعتياد على الالم و الالتحاف به.
الثلاسيميا وتكسرات الدم الوراثية قاسمت حياة المصابين الوجع لحظة بلحظة وكسرت الدم في عروق اجسامهم الهزيلة التي اعياها تعب نقل الدم والأثار الجانبية لاستخدام الأدوية التي تخفف الألم هذه الأمراض التي تلازم الطفل والشاب والرجل والمرأة مدى الحياة يمكن تأمينها بخطوة واحدة هي فحص ما قبل الزواج ولأسباب قد يكون أبرزها قلة الوعي تتضاعف عدد الحالات في الأسرة الواحدة لمرض يفرز “موتى على قيد الحياة”.
سطور (سبأ) اقتربت من اجسام هزيلة ووجوه شاحبة مصفرة لا تقوى على الحركة فقط تجيد وتتقن إصدار انات الالم وأباء متعبين من الذهاب والإياب لإنقاذ ما يمكن انقاذه وجيوب اهلكها المرض والصرفيات في ظروف مادية أقل ما يمكن وصفها بالمأساوية.
الثلاسيميا والأنيميا المنجلية
يعرف الدكتور مختار اسماعيل محمد مدير مركز رعاية مرضى الثلاسيميا الدم الوراثي بأن الثلاسيميا “فقر دم البحر الأبيض المتوسط”، مرض ينتقل بالوراثة ويحدث عند التقاء جينين احدهما من الأب والاخر من الأم مسببا خللا في سلاسل البروتين الموجودة في جزيء الهيموجلوبين أو “خضاب الدم” فإذا كان الخلل والنقص في سلاسل بيتا يكون المرض بيتا ثلاسيميا واذا حصل النقص في سلاسل “الفا” فالمرض الفا ثلاسيميا وقد تكون الحالة خفيفة تسمى الصغرى او متوسطة أو كبرى والتي يحتاج فيها المريض الى نقل الدم كل ثلاثة الى اربعة اسابيع مدى الحياة واستخدام ادوية لسحب او ازالة الحديد من أنسجة ودم المريض بشكل دائم.
هناك مرض اخر من أمراض فقر الدم الوراثي الا وهو فقر الدم المنجلي والذي يتوغل ويزداد انتشارا في بلادنا اكثر مقارنة بمرض الثلاسيميا وهو عبارة عن خلل في كريات الدم الحمراء يكون فيها زيادة في نوع غير طبيعي من هيموجلوبين الخلية يسمى s hb وهو ناتج عن وراثة جين المرض من الأبوين فإذا انتقل جين واحد يكون الطفل حامل للمرض “AS” ولا تظهر اعراض المرض فيه اما إذا ورث جينين من الاب والأم معا ” فيكون الطفل مريضا” أي (ss ) وتظهر عليه أعراض المرض المتمثلة غالبا في فقر الدم الناتج عن تكسر كريات الدم الحمراء غير الطبيعية ذات الشكل المنجلي والتي تكون غير مرنة و غير قابلة للمرور السلس في الأوعية الدموية مقارنة بالكريات الطبيعية التي تكون مرنة وقابلة للمرور بكل سهولة في الشعيرات او الأوعية الدموية ما يسبب نوبات ألم شديدة في العظام والمفاصل والدماغ وأجزاء مختلفة من جسم المريض وتناقص في خضاب الدم او الهيموجلوبين مؤديا الى مضاعفات .
صفات وجع مشتركة
تعجز احلام عن وصف صدمتها بنتائج الفحوصات التي تم اجراءها لطفلتها عبير التي بدأت تعاني من اصفرار وشحوب في وجهها ما دفع والديها للذهاب لفحصها و اقصى ما كانت تسوء الظن به هو انه صفار ويحتاج الى علاج ودائما ما كانت تظل عبير مستلقية على الأرض لا تتفاعل مع والدتها عندما تحاول اضحاكها ومداعبتها واكثر ما لفت انتباه احلام هو ضعف بنيتها وتأخر نموها فسارعت في عرضها على الطبيب الذي بدا له من النظر اليها بانها طفلة تعاني من امراض الدم الوراثية فطلب من الام بسرعة عمل الفحوصات اللازمة للتأكد من المرض الذي بات شبح يقلق احلام التي لم تعد تحلم سوى بلحظة العافية التي تفتقدها فلذة كبدها ضحية مرض الثلاسيميا وانه استوطن جسم طفلتها التي سينقل لها الدم كل ثلاثة اسابيع مدى الحياة.
يتشارك مرضى الثلاسيميا بأعراض المرض وهي الشحوب وبروز عظام الوجه والوجنتين وصعوبة التنفس وسرعة الاجهاد وفقر الدم الشديد وتأخر النمو وتظهر هذه الأعراض بعد ستة أشهر من الولادة على الأغلب كما يحدث تضخم في الطحال والكبد اما في الحالات البسيطة لدى حاملي المرض فقد يحدث فقر دم بسيط بدرجة لا يكون المرض فيها باديا للعيان ويعيش صاحبه بشكل طبيعي جدا ولا يحتاج الى اي علاج .
تتحفظ عائلة عبدالرحمن بنوع المرض الذي يصيب طفلها واكتفت والدته بترديد ” أنتم لا تعلمون حجم المأساة ” والتي جاءت بشرارة غضب تنتقد معلمات المدرسة بالسماح لعبدالرحمن للعب في الساحة المدرسية ما تسبب في إجهاده وتعبه وتعرضه للبرد وعندما حاولت ادارة المدرسة التعرف على سبب منع الطفل من اللعب مع زملاءه والاختلاط بهم لم تفصح ام عبدالرحمن غير انها لا تريد سوى بقاء طفلها في الفصل دون تعليق …
مشرفة الطلاب للصفوف الأساسية الأستاذة بشرى تعلم جيدا ان عبدالرحمن من مرضى الثلاسيميا لأن أعراضه تبدو واضحة على ملامح وجهه وجسمه النحيل ولكنها تستغرب تحفظ والدته وتكتمها الشديد وكأن هذا المرض معيب أو انه انتقاص في حق الأسرة بالرغم من ان الافصاح عن المرض هو الطريقة الصحيحة للتعامل مع الطفل نفسيا وجسديا .
وألمح الدكتور مختار في هذا الجانب ان للمرض أثار مادية ونفسية واجتماعية وان المعاناة لا تقف عند المصاب والأوجاع التي يعاني منها بل ان المرض سبب من اسباب الطلاق المبكر ويستنزف كل ممتلكات وموارد الأسرة المادية اضافة الى انه يؤدي الى الشعور بالوحدة والعزلة داخل المجتمع.
واضاف الدكتور مختار أن كثير من الأسر تتحفظ تجاه الإصابة أو حمل السمات الوراثيه للمرض وعندما يقوم المركز بتوعية وإرشاد الكثير من الشباب بضرورة طلب فحص قبل الزواج من الفتاة التي سيتزوجها للتأكد من عدم حمل المرض او الاصابة به لتأمين طفوله سليمة يرى الشاب ان هذا طلب معيب ولا يمكن الإفصاح به لانه سيكون سبب واضح وصريح للرفض وهذه المواقف تتكرر ولكنها تسبب كوارث مستقبلية تهدد الأسر واستقرارها وأمنها .
ويلخص الدكتور مختار دور جمعية مرضى الثلاسيميا منذ تأسيسها في ابريل من عام 2000م رغم شحة الموارد وضعف الإمكانيات أنها سعت بكل الوسائل الى توفير الدعم الممكن لتقديم خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية للمرضى وبذل جهود كبيرة في مجال التوعية بالمرض واسبابه واعراضه ومضاعفاته وطرق انتقاله وسبل الوقاية منه ، غير ان الجهود المحدودة كانت اضعف من أن تواجه مثل هذه الأمراض المنتشرة على نطاق واسع في ظل انتشار الجهل والأمية وتزايد معدلات الفقر وتفاقم الوضع الصحي مع تضاؤل الجهود الرسمية في مراحل كان يمكن ان يتم العمل على مكافحة مثل هذه الأمراض بقوة القانون وحضور الدور الرسمي مثل كثير من دول العالم التي سبقتنا بعقود وتخلصت من المرض بعدم تسجيل حالات جديدة فيها.
قصص نجاح لقهر الألم
رقية محمد المسؤولة الإعلامية في مركز رعاية مرضى الثلاسيميا خريجة علاقات عامة كلية الإعلام والتي رافقتها الأنيميا المنجلية منذ ان كانت طفلة لم تتجاوز العام وعانت رقية نوبات ألم شديدة متكررة في جسمها تعجز عن وصف قوته وتمكنه من انهاك قواها ويتركز ذلك الوجع في عظام الجسم خاصة في فصل الشتاء مع البرد الشديد يزداد الألم ولازمتها هذه الأوجاع طوال فترة الدراسة والتي كانت تتغيب من المدرسة فترات طويلة قد تمتد للشهر بسبب تلك النوبات ولكنها واصلت دراستها وتقاسمت الالم مع الدراسة بفضل تشجيع ومساندة والدتها واخوانها وصديقاتها في المدرسة حيث كانت تصلها الدروس والواجبات اولا بأول واجتازت رقية مرحلة الثانوية التي اعتبرتها اصعب مرحلة لأنها كانت كثيرا ما تتفاجأ ان العام انتهى سريعا وهي طريحة الفراش ..فقد فكرت في ترك الدراسة والبقاء في المنزل لكن الجلوس في المنزل معناه البقاء مع الألم اكثر واكثر فأصرت على مواصلة الدراسة الجامعية برفقة شقيقتها التي كانت لو تغيبت رقية عن الدوام في الجامعة تعود محملة بالمحاضرات والكتب الى ان تخرجت من كلية الاعلام وتزوجت بعد الاشتراط على الزوج بعمل فحص للتأكد من خلو الزوج من الاصابة او حمل السمات الوراثية للمرض وتم ذلك والان لدى رقية طفل سليم تتمنى له رقية ولجميع الأطفال الصحة والعافية .
لا تقل معاناة الدكتور عبدالسلام حامد الشميري عن ما واجتهه رقية فهو الطفل الذي كثيرا ما كان يخرج للعب مع اصدقاءه وجيرانه وسريعا ما يعود للمنزل بسبب التعب والاجهاد الذي عجز عبدالسلام عن تحمله وبعد ان بدت أعراض الأنيميا المنجلية تظهر واضحة لوالديه كان كثيرا ما يلازم المنزل بمدينة الحديدة ورغم الألم والتعب المصاحب له إلا ان اصراره على مواصلة التعليم خطوة كان لوالده المتوفي فضل كبير في انجازها ، لم يكتف الدكتور عبدالسلام بدراسة الدبلوم ولكن اصراره على اعادة الثانوية العامة والحصول على معدل اعلى يمكنه من الحصول على بكالوريوس تمريض بجامعة صنعاء بعد انتقال أسرته من الحديدة الى صنعاء لتكون رسالة قوية لمرضى يكتفي الأغلب منهم بملازمة الفراش واستخدام الأدوية وعدم ممارسة الحياة الطبيعية والدكتور عبدالسلام يقدم الخدمات الطبية للمرضى في مركز الثلاسيميا فهو يحس بمعاناتهم ويشعر بأوجاعهم ويسعى لتخفيفها عن تجربة يتعايش معها حتى الأن .
جهود توعوية قاصرة
يوضح الدكتور مختار ان المناطق التي تنتشر فيها الثلاسيميا محافظات مختلفة اكثرها في الشمال والوسط بينما ينتشر مرض فقر الدم المنجلي في حجة وتعز والحديدة والمحافظات المحاذية للساحل الغربي والجنوبي الغربي ويقدر عدد المصابين من خلال احصائية غير رسمية بأكثر من 35 ألف حالة بينما الحاملين لجينات المرض يقدر بمئات الالاف وربما الملايين ما ينذر بخطر كبير على مستقبل الطفولة في حالة عدم الاكتراث الى أهمية التوعية بطريقة الوقاية من هذه الامراض .
وكانت وما تزال جهود التوعية بمختلف الوسائل والأساليب سواء بالاتصال المباشر او عبر كل القنوات المتاحة والإذاعات والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي ورسائل الجوال لكن تبقى هذه الجهود قاصرة اذا لم يتم دعمها وتبنيها من قبل الجهات الرسمية المعنية في الإعلام والصحة والعدل والتربية والتعليم والجامعات والأوقاف ومختلف الجهات ذات العلاقة ومنظمات المجتمع المدني وبمزيد من الاهتمام بطريق الوقاية الأهم والأسهل هو اجراء الفحوص الطبية والمشورة قبل اتخاذ قرار الزواج إذ ان سلامة احد طرفي الزواج وخلوه من جينات المرض تكفي لإنجاب اطفال اصحاء .
احتياجات المصاب
ويحدد مدير المركز احتياج مرضى الثلاسيميا وتكسر الدم الوراثي الى الدعم المستمر بالأدوية الأساسية وخصوصا أدوية سحب الحديد لمرضى الثلاسيميا والمرضى المعتمدين على نقل الدم باستمرار وكذلك علاج الهيدركسي يوريا لمرضى فقر الدم المنجلي وايضا مركز رعاية مرضى الثلاسيميا والدم الوراثي بحاجة ماسة الى المحاليل المخبرية والمستلزمات الطبية اللازمة لاستمرار تقديم الرعاية الصحية كما يحتاج المرضى الى امدادات مستمره بالدم الأمن الضروري جدا لاستمرار حياتهم ويوجه مناشدة عاجلة للقادرين على التبرع بالدم للتوجه الى المركز الوطني لنقل الدم وابحاثه لانقاذ العديد من المرضى والذين ينتظرون اياما للحصول على حاجاتهم من خلايا الدم الحمراء المركزة .
و بشكر الدكتور مختار المركز الوطني للدم للوقوف الدائم والتعاون المستمر مع المرضى على الرغم من العبء الثقيل الذي يواجهه المركز من زيادة في الطلب على الدم ومشتقاته وكذا نداء استغاثه الى المنظمات الداعمة بضرورة توفير الاحتياجات اللازمة والملحة لبنوك الدم لاستمرار تدفق الإمداد بالدم ومشتقاته لكل فئات المرضى دون توقف او نقصان.
بوسط صالة الانتظار بمركز الثلاسيميا تحتضن الأم القادمة من وصاب لمعالجة طفلها فاضل عبدالملك ” ثلاثة اعوام وفراشة نقل الدم “الكنيوله” تتوسط يده الصغيرة وهي تناقله بين ذراعيها ربما اختلاف حالات الضم والاحتضان قد تخفف الالم او تسكت الأنين الذي يصدر من فاضل لتحسم الام الأمر وتقوم بالمشي واللف في ارجاء المركز الذي اعتادت عليه والمكان اعتاد عليها وعلى طفلها ايضا كل ما تعلمه الأم عن مرض طفلها ان زواجها من ابن عمها هو سببا فيما يعانيه الصغير رغم ان لديها طفلين سليمين ورغم التعب الذي تلاقيه الأم إلا انها تعتقد ان الطفل الرابع الذي ستنجبه قد يكون سليما.
وهذا ما صنفه الدكتور مختار بقلة الوعي والجهل الذي ينتشر بين الأسر المصابة او الحاملة للمرض خاصة التي تأتي من الريف حيث يقوم المركز بعملية التوعية ونصح وارشاد الجميع بالتوقف عن الإنجاب في حالة ان يكون الطفل الأول مصاب ومع ذلك تتكرر المأساة ويصر الأبوين على الإنجاب للمرة الثانية بحجة انه ليس بالضرورة ان يكون المولود الثاني مصاب فالإرادة الالهية اقوى من الطب ومن كلام الأطباء ومع ذلك اكد مدير المركز ان هناك أسرة تتعامل مع المركز انجبت خمسة أطفال جميعهم مصابون بتكسرات الدم لتوقعات وهمية ان القادم سيكون سليم.
المركز الوطني لنقل الدم عطاء لا ينضب
العدوان ضاعف من معاناة مرضى الثلاسيميا وتكسرات الدم الوراثية وحصار المنافذ والموانئ والمطارات اليمنية من قبل تحالف العدوان تسبب في نقص الأدوية وقد استهدف العدوان وتوحشه في احد غاراته على المركز الوطني لنقل الدم وأبحاثه في العام 2018م القطارة لشبكة المياه الرئيسية وكانت الأجهزة شغالة وتأثر جزء من المبنى بالضربة وكذلك بعض الأقسام تضررت مثل قسم التطابق وقسم الأمراض المعدية هذا ما لخصه الدكتور عدنان الحكيمي المدير الفني بالمركز الوطني لنقل الدم .
واضاف ان أمراض الدم الوراثية “الثلاسيميا والأنيميا المنجلية” يتم الصرف لهذه الحالات ما يقارب بنسبة من 30% الى 40% يوميا من الدم بحسب الطلب ويرى الدكتور الحكيمي أن مرضى الثلاسيميا الذين يتم نقل الدم لهم كل 21 يوم بصورة دائمة ومجانية انها من المهام والخدمات الرئيسية التي يقوم بها المركز تجاه مرضى تكسرات الدم الوراثية .
احصاءات عالمية
ما يقارب 7% من اجمالي سكان العالم حاملون لأمراض الاضطرابات في الهيموجلوبين300 إلى 500 ألف طفل يولدون مصابين بأمراض الاضطراب في الهيموجلوبين 70% من الاطفال يولدون مصابين بالأنيميا المنجلية والبقية مصابون بالثلاسيميا ، ويموت سنويا 50ـ 80 % من الاطفال المصابين بالأنيميا المنجلية ويموت سنويا 50 الى 100 الف طفل مصاب بالثلاسيميا الكبرى.
لفته دون ألم
تظل الأمراض المزمنة تلوك صاحبها وجعاً والماً ويبقى المريض في جولات صراع مع مراحل معاناة ابدية اما الاستسلام والخنوع لها او مقاومتها وتحدي اعراضها والتمسك بفرص النجاة التي تعين مصاب الثلاسيميا والأنيميا المنجلية على هزيمتها فيما تمنح البقية الصحة والسلامة الدائمة ببضع دقائق يقضيها المقبلين على الزواج في فحص يأمن حياة بلا تكسرات ويقي من تشوهات طفولية نفسية وجسدية معيقة للحياة.