[13/ ابريل/2020]
صنعاء-سبأ:
مركز البحوث والمعلومات: خالد الحداء
يخوض العالم حربا غير تقليدية في مواجهة فيروس كورونا أو ما اصطلح على تسميته باسم كوفيد- 19، وفي هذه الحرب تعددت طرق المواجهة والاستجابة من دولة إلى أخرى ومن قارة إلى قارة، وخلال الثلاثة الأشهر الماضية سُجلت العديد من التجارب المتميزة وأخرى لم يكن النجاح حليفها، وكشفت الأزمة عن معاناة كبيرة في العديد من الدول ،التي توصف بالمتقدمة، وكان التخبط والتردد العنوان الأبرز في إدارة المواجهة مع الوباء الغامض،وقد يكون الفشل في إيقاف انتشار الوباء حقيقة شملت الجميع دون استثناء ولكن بنسب مختلفة ومرد هذا الفشل أن فيروس كورونا المستجد ليس معروف من سابق لدى الخبراء والعلماء بل أنه تم توصيف الفيروس من قبلهم : بالمفاجئ والغير مفهوم، وبالتالي الصعوبة في ايجاد العلاج المناسب، وهذا ما يفسر سرعة انتشاره في مختلف الدول والقارات وتزايد أعداد الضحايا والمقدرة بعشرات الآلاف.
وتكمن خطورة الفيروس حسب الخبراء في كونه وباء يسهل انتقاله من شخص إلى آخر وتحتاج بعض الحالات المصابة للعناية الطبية الخاصة والتي تتطلب معدات طبية متقدمة كأجهزة تنفس اصطناعي، ويرى الخبراء أن كبح الفيروس بحاجة إلى إجراءات احترازية ضرورية مرتبطة بتقييد حركة التنقل للأشخاص المصابين وإلزامهم بالحجر الصحي في المنزل أو المشفى لمنع انتقال الفيروس، وللأشخاص غير المصابين من خلال الحد من التنقل والحركة بالحجر في المنزل للحد من حدوث المزيد من الحالات المرضية مستقبلا.
والملاحظ أن انماط التجارب والاستجابة للدول قد تباين وأن لكل تجربة ما يميزها عن غيرها من التجارب، وهناك العديد من المعايير الرئيسية التي يمكن من خلالها معرفة الفرق ما بين تجربة وأخرى، ومن تلك المعايير: سرعة الاستجابة، الاستقرار السياسي داخل الدولة، التجارب السابقة، مستوى التفاعل ما بين القرارات والإجراءات الحكومية والمجتمع المحلي، المنظومة الصحية عموما والإجراءات الاحترازية السابقة للمواجهة، القدرات والامكانيات الاقتصادية للدولة.
من خلال المعايير السابقة يمكن الاجابة على العديد من الاسئلة التي مازالت قائمة إلى اليوم والمتمثلة في لماذا نجحت دول في التصدي بفاعلية لجائحة كورونا بينما هناك دول لم يكن بمقدورها تحقيق ذات النجاح في المعركة.
التجربة الآسيوية
تعلم دول شرق آسيا جيداً أنها اكثر عرضة لتفشي الاوبئة والأمراض من غيرها من الدول، حيث سُجلت خلال العقود الماضية العديد الأوبئة الجديدة في دول المنطقة ولم يكن أخرها فيروس سارس وحمى الضنك، وكان لتلك التجارب أن تمثل جرس إنذار “مستمر” تجاه مختلف الأمراض أياً كان مستوى خطورتها، والمؤكد أن التعامل مع تزايد حالات الإصابة بالالتهاب الرئوي في ووهان الصينية، وقبل أن يصنف كفيروس كورونا الجديد، جاء في هذا السياق، ومع إعلان الصين عن اكتشاف الفيروس الجديد عملت دول شرق آسيا تحديدا كوريا الجنوبية واليابان وتايون وسنغافوره على رفع حالة الطوارئ الصحية وبما يتناسب مع الغموض الذي شكله الفيروس، بمعنى أخر أن تلك الدول لم تتعامل مع الوباء القادم من الصين على اعتباره شأن صيني بحت.
مع انتشار الوباء في الصين خلال يناير الماضي اتُخذت مجموعة من الإجراءات الاحترازية الصارمة منها فرض حجر صحي شامل ومشدد وتعطيل الحياة العامة على إقليم خوبي بالكامل ومن ضمنه مدينة ووهان “بؤرة الوباء” واستعانت السلطات بالأدوات الأمنية والعسكرية لضمان الالتزام الصارم بالإضافة إلى تطوير نظام الكتروني للمراقبة واسعة النطاق كما هي في تتبع المواقع الجغرافية للأشخاص بهدف مراقبة انتشار فيروس كورونا والسيطرة عليه.
وشملت تلك الإجراءات تعزيز القيود على التنقل لكبح انتشار فيروس كورونا خاصة وأن بداية انتشار الفيروس في نهاية ديسمبر 2019 قد تزامنت مع عطلة الاعياد “عيد الربيع”.
ولكن التقارير الغربية شككت في جدوى تلك الإجراءات معتبره إيها منافية للأعراف الطبية والإنسانية ومرتبطة بالطابع السلطوي الشمولي للنظام السياسي وبما يتوافر لديه من امكانيات وقدرة على حشد الموارد ووجهت في هذا السياق الانتقادات اللاذعة للسلطات الصينية بشأن تلك الإجراءات.
ثمة ما يجب التأكيد عليه أن الصين أخذت الموضوع على محمل الجد منذ اكتشاف الفيروس وهذا ما تبين من خلال الإجراءات الاستباقية تجاه الوباء، بالرغم من أن خبراء الصحة أشاروا في بداية الأمر إلى أن الفيروس الجديد ليس فتاكا كما يتم تصويره، حيث كانت الأرقام تشير إلى عدم خطورة كورونا مقارنة بفيروس “سارس” إلا أن السلطات الصينية لم تقف كثيرا أمام تلك المقارنات بل أنها سارعت إلى إيقاف تمدده من خلال تكثيف الإجراءات الاحترازية الحاسمة للحيلولة دون تفشي الوباء إلى مختلف المقاطعات، وهو ما اعُتبر مؤشراً جيد على نجاح الصين في ما قامت به من إجراءات بهدف احتواء انتشار الفيروس.
وهناك شق آخر في التجربة الصينية من الضروري الحديث عنه حيث مثلت القدرة الاقتصادية الكبيرة داعما للإجراءات حيث استطاعت السلطات الصينية حشد القدرات في هذه المواجهة من خلال بناء العديد من المستشفيات الميدانية خلال أيام معدودة وتعزيزها بالكوادر الطبية المناسبة من مختلف المقاطعات.
إضافة إلى ما سبق لم تقف الإجراءات عند هذا مستوى ولكنها ترافقت مع مجموعة كبيرة من القرارات الاقتصادية الساعية إلى الحد من الاضرار الناتجة عن وباء كورونا والبداية من خلال تقديم الدعم للفئات الأكثر تضررا مثل الأسر محدودة الدخل، وكذا أعفاء الشركات الصغيرة من دفع فواتير الخدمات العامة ورسوم الضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى اتخاذ مجموعة أخرى من القرارات الساعية إلى الحد من حالة الخوف لدى الشركات المختلفة.
مما لا شك فيه إن مؤشرات النجاح بدأت في التشكل خاصة وأن التجربة الصينية في مكافحة جائحة كورونا كانت فعالة إلى حد الإبهار، إذا ما قورنت بالتجارب في أوروبا والولايات المتحدة الامريكية، والملفت انها اتت أُكلها بعد حوالي أربعة أشهر
واللافت للانتباه أن النجاح الصيني في الحد من وباء كورونا قد يكون هو الأبرز، غير أن هذا النجاح لم يكن سوى تراكم هائل من الخبرات في التعامل مع مختلف أنواع الأوبئة ويكفي القول أن الأمراض المعدية شهدت انخفاضا تدريجيا منذ نحو نصف قرن، وهو إنجاز تحقق من خلال الجهود الكبيرة والفعالة والمقدمة لمئات الملايين وعلى امتداد الجغرافيا الصينية الممتدة على مساحة 9.6 مليون كم².
فيما قدمت كوريا الجنوبية تجربة مختلفة إلى حدٍ ما عن التجربة الصينية “عزل المدن” وهذا التمايز مرده إلى توفير المعلومات ومشاركتها على نطاق واسع، فعند اكتشاف حالة مصابة يتم الحجر الصحي للحالة بإجراءات صارمة ومن ثم التواصل بمن خالطهم المصاب للقيام بأجراء الفحوص المخبرية لهم، وقد ساعدت نقاط ومراكز الاختبار، والتي تتوفر على عشرات الآلاف من أجهزة الفحص، في الكثير من موقع والاكشاك المنتشرة في مختلف المناطق الكورية في سرعة الحصول على النتائج، وهو ما ساهم في معرفة الحالات المصابة وحجرها سريعا، وكان لهذا الإجراء تحديدا دورا متقدما في الحفاظ على المنظومة الصحية عبر تخفيف الضغط على المستشفيات والحد من الازدحام.
يشار إلى ان تجربة الاحتواء الحالية لفيروس كورونا الجديد في كوريا الجنوبية لم يكن لها ان تتشكل على هذا المستوى من التناغم دون الاستفادة من التجارب الصحية السابقة والتي وصفت بالمؤلمة خاصة مع فيروس ” MERS” (متلازمة الشرق الأوسط التنفسية) في العام 2015 الذي ينتمي لعائلة الكورونا، وهو ما ساهم في المحصلة النهائية في تحديث وتطوير الأنظمة الصحية والإدارية والتشريعية في كوريا الجنوبية.
وساهم التفويض القانوني الذي مُنح للحكومة في الكشف عن خصوصية بعض البيانات الهامة خلال عملية الرصد للحالة المصابة في المدة القصيرة قبل التشخيص، عبر تتبع مسار التنقل والحركة للمكالمات الهاتفية وبطاقة الائتمان المصرفية لمعرفة المواقع التي زراها، ومن ثم القيام بتوجيه الرسائل النصية التحذيرية للأشخاص في المناطق التي تواجد المصاب بها سابقا.
ومع مرور الوقت اثبتت تلك الإجراءات نجاعتها في التصدي للوباء خاصة مع النجاح في تضييق نطاق مناطق الحجر الصحي على مستوى البلد ككل، وكان من الواضح أن مستوى التفاعل الايجابي ما بين السلطات والمجتمع الكوري الواعي هو نقطة الارتكاز في هذا الانجاز حيث ساهم كان للعمل التطوعي للأفراد ومنظمات المجتمع المدني في هذه المواجهة دوراً مهما في إحداث التكامل مع السلطات الحكومية كفريق واحد لاحتواء تفشي الوباء في كوريا الجنوبية.
أخيرا، اللافت للانتباه أن الأرقام تبين ترابطا بين مساري احتواء وباء كورونا في الصين واحتواء تفشيه في بقية دول شرق آسيا، على الرغم من اختلاف الأنظمة السياسية والسياسات الصحية فيما بينها، إلا أن تجاربها في تجاوز جائحة كورونا كانت متقاربة خاصة وأن هناك تجذر في التقاليد المجتمعية الشرق آسيوية تفرض على الفرد رفع قيمة الولاء للجماعة على ما دونه من اعتبارات أخرى.