صنعاء سبأ : مركز البحوث والمعلومات: خالد الحداء
بعد ما يقارب عام على وصول جو بايدن وإدارته إلى البيت الأبيض، بدا واضحاً أن الإدارة الأمريكية ماضية في تنفيذ ما وعدته به خلال الحملة الانتخابية الرئاسية 2020، والمتمثلة في الحد من التصعيد مع الجانب الإيران من خلال تخفيف الضغوط ورفع العقوبات “وإن بشكل جزئي” والمفروضة من قبل الإدارة الأمريكية السابقة.
وجاء هذا التطور بعد أن رفعت واشنطن جزء من العقوبات من خلال إعادة العمل بإعفاءات أساسية تتعلق بالبرنامج النووي المدني الإيراني، وتلك الإعفاءات كانت تحمي الدول والشركات الأجنبية المشاركة في مشاريع نووية غير عسكرية، من التهديد بفرض عقوبات أميركية عليها، وهي إعفاءات كان قد ألغاها الرئيس الأميركي السابق “دونالد ترمب” في عام 2020، وتزامنت خطوة ترامب مع انسحاب الولايات المتحدة وبصورة أحادية عام 2018 من الاتفاق النووي وأعاد فرض معظم العقوبات الاقتصادية الأمريكية على طهران، ولم يكتفي ترامب وإدارته بإعادة العمل بالعقوبات، ولكنه وسع مستوى العقوبات لتشمل أغلب المجالات الرئيسية، بالإضافة إلى التهديد بفرض العقوبات بحق كل بلد أو شركة أو أفراد قد يثبت مساهمتهم في تجاوز العقوبات الأمريكية.
يشار إلى الاعفاءات المعلنة جاءت في أعقاب العودة إلى مسار المفاوضات في شهر أبريل 2021 واستطاعت تلك المفاوضات الماراثونية، وفي جولاتها الأخيرة، من تحقيق تقدم وتوافق على الخطوط العامة لتسوية مقبولة بشأن تقليص البرنامج النووي، ورفع العقوبات وإنقاذ الاتفاق النووي الموقع عام 2015.
هذا التقدم أكد ما كان سائداً بأن جو بايدن ماضي في تغيير سياسات بلاده تجاه الملف النووي الإيراني، ولم يكن ذلك التغيير سوى إيذاناً بتدشين مرحلة مختلفة عن ما كان عليه الوضع خلال ولاية الرئيس السابق “دونالد ترامب”، الذي انقلب على الاتفاق النووي في مايو 2018؛ من خلال قرار الانسحاب من الاتفاق النووي بحجة أنه لا يخدم الولايات المتحدة ومصالحها العليا، ولكون الاتفاق اعطى إيران جملة من المكاسب منها: القدرة على استئناف بيع نفطها في الأسواق العالمية، إضافة إلى أن الاتفاق سمح لإيران العودة للساحة الدولية بعد سنوات من العقوبات، كذلك اعطى الاتفاق لطهران الوصول إلى عشرات المليارات من أصولها المجمدة في الخارج.
وفي هذا السياق يمكن القول أن الهدف الأمريكي من تخفيف العقوبات على إيران أراد خلق حالة من التوازن مع الطرف الإيراني القوي، لا سيما وأن المصلحة تستوجب انتهاج سياسة دبلوماسية مرنة في سبيل التهدئة كمرحلة أولى، وفي المرحلة الثانية الانفتاح تجاه طهران من أجل التهيئة لمستقبل التواجد الأمريكي في الشرق الأوسط وبما يسمح الحفاظ على المصالح الاستراتيجية، التي اصبحت محل تنافس دولي، ولا سيما التنين الصيني والدب الروسي.
وخلال عام تقريباً من وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، يمكن ملاحظة مسار التحول في السياسة الأمريكية خاصة مع تبدل الوسائل التصادمية إلى أخرى دبلوماسية، وسعت إدارة بايدن ومازالت للوصول إلى تفاهمات مع الجانب الإيراني فيما يخص ملفها النووي، هذا التراجع من قبل بايدن وإدارته يمكن قراءته في سياق الاستعداد إلى التخفيف من التواجد العسكري في الشرق الأوسط، وهو ما يستوجب التهدئة مع الجانب الإيراني للوصول إلى بقاء آمن للأمريكان من خلال الاحتفاظ بقواعد محدودة في الشرق الأوسط والخليج العربي على وجه التحديد.
ولا بد من الإشارة أن السياسة الخارجية للرئيس الديمقراطي جو بايدن، جاءت في أعقاب الفشل الذريع لحالة التصعيد المكثفة من قبل سلفه الرئيس الجمهوري “دونالد ترامب”، لا سيما بعد فشل سياسة الضغوط القصوى التي جُربت خلال السنوات الماضية والتي لم تدفع طهران للتسليم، بل أنها استطاعت كسب تعاطف المجتمع الدولي؛ ولا سيما أطراف الاتفاق النووي “الصين – روسيا – الاتحاد الأوروبي” الذين لم يخفوا انزعاجها من التصرفات الأحادية من قبل واشنطن ومحمّلة إياها تبعات التصعيد بعد انسحابها المنفرد في مايو 2018 من الاتفاق المبرم.
وأمام ذلك الفشل كانت الخيارات المتاحة تفرض نفسها على صانع السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الملف النووي الإيراني، وبالتالي فإن التراجع إلى الوراء خطوة واحدة والعودة إلى الاتفاق النووي “خطة العمل الشاملة المشتركة” أفضل من الخيارات الأخرى، التي قد تكلف واشنطن الكثير من الخسائر، خاصة وأنه لا توجد استراتيجية بديلة قابلة للتطبيق لتحل محل الاتفاق النووي.
وفيما يخص التحركات الامريكية (للعودة الى الاتفاق) لم يكن من الصعب ملاحظة تسارع تلك التحركات والتي كانت تستبق دخول أطراف دولية أخرى إلى منطقة الشرق الأوسط كمنافسين للنفود الأمريكي، وأمام تلك المعطيات كانت الدبلوماسية الخيار الأمثل من أجل العودة إلى الاتفاق النووي، كونه يحقق مجموعة من المصالح العليا كما يُعتقد أمريكياً، ومن تلك المصالح:
ـ العودة بالعمل بما يسمى “خطة العمل الشاملة المشتركة” يخدم التوجه الأمريكي في تقليص قواته، مع الاحتفاظ بقواعد محدودة في الشرق الأوسط.
ـ الاتفاق يساعد في الحد من السياسات العدائية الإيرانية التي قد تلحق الضرر بالمصالح الأمريكية على المدى المتوسط والطويل.
ـ الدبلوماسية القائمة على التفاوض تسهم في منع إيران من الحصول على السلاح النووي.
ـ العودة إلى الاتفاق النووي يعيد الاعتبار للتحالفات التقليدية بما فيها التحالف مع أوروبا، التي عارضت خروج “دونالد ترامب” الاحادي من الاتفاق النووي.
ـ يسهم الاتفاق في “حال عودته” على مساعدة طهران للعودة إلى بناء علاقاتها الدولية مع المجتمع الدولي على اعتبارها فاعل رئيسي في الشرق الأوسط، ولكن دون تعارض ذلك مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية.
ويشير عدد من المراقبين، أن تحقيق المصالح الأمريكية السابقة كان يستوجب تسريع الخطى من جانب واشنطن للعودة إلى الاتفاق النووي، ولكن ما حدث لم يفضي إلى انفراجه ملموسه، واعتقد البعض أن هناك اخفاق في المفاوضات مع استمرار الخلافات حول عدد من النقاط، ومع مرور الوقت وتوالي جوالات التفاوض، تصاعدت الاتهامات بشأن الطرف المعرقل، ولكن التصريحات الأخيرة من قبل أطراف التفاوض دفعت إلى التفاؤل مجدداً.
ووفقاً لوكالة مهر الإيرانية، فإن أطراف التفاوض يعملون حاليا على نص واحد وثلاثة مرفقات أولها: رفع العقوبات، ويفسر رفع العقوبات الأمريكية عن إيران وتتم كتابة هذه المسودة أيضا من قبل اللجنة المعنية بإزالة العقوبات، وأشارت الوكالة إلى أن المرفق الثاني يتعلق بالالتزامات النووية لإيران: حيث يصف خطوات إيران وكيفية العودة عن خفض التزاماتها النووية، ومجموعة العمل النووية مسؤولة عن كتابة هذه المسودة، فيما الملف الثالث: يشير إلى تنفيذ إجراءات الأطراف والترتيبات التنفيذية للاتفاقيات المبرمة، كما تتم كتابة هذا الملحق واستكماله في لجنة الترتيبات التنفيذية.
ومن الواضح أن مضمون التسريبات السابقة سوف تفضي في نهاية الأمر إلى إعادة واشنطن إلى الاتفاق ورفع العقوبات التي فرضتها بعد انسحابها عام 2018، والتحقق من ذلك بصورة عملية مع تقديم الضمانات المناسبة بعدم تكرار الانسحاب مستقبلاً، بالمقابل سوف يضمن إحياء الاتفاق عودة طهران إلى احترام كافة التزاماتها النووية بحسب الاتفاق المبرم عام 2015.
يبقى القول، أن مسار المفاوضات الطويل وعلى الرغم من الاقرار بصعوبته، إلا أنه ماضي في إعادة إحياء الاتفاق النووي، وأن أولى المؤشرات على ذلك المسار بدا واضحاً مع إعلان الولايات المتحدة رفع جزء من العقوبات المفروضة سابقاً على إيران، من خلال اعادة العمل بإعفاءات أساسية تتعلق بالبرنامج النووي المدني الإيراني.