[23/يناير/2022]
صنعاء – سبأ : مركز البحوث والمعلومات نحن اليوم مع الابوة ومع الحنان والعطف والرحمة، ومع بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مع سيدة نساء اهل الجنة، لنرى الاحوال والاحداث بين فاطمة ورسول الله. والحديث عن السيدة فاطمة حديث عن الصفات والخصال الإيمانية التي تحلت بها الزهراء كنموذج للمرأة المؤمنة التي تحلت بالأخلاق والقيم الفاضلة باعتبارها القدوة لكل نساء العالمين والمثل الأعلى للمرأة المؤمنة والزوجة الصالحة، ومناسبة عظيمة ويوم عالمي للمرأة المسلمة. وأهمية استعادة القدوة والمُثل العليا في واقعنا اليوم في ظل التحديات الكبرى التي تواجه الأمة الإسلامية. مولدها سلام الله عليها بمكة المكرمة في يوم الجمعة 20 جُمادى الأخرة، السنة الثانية وقيل الخامسة بعد البعثة النبوية، وقيل الخامسة قبل البعثة، والثالثة بعد حادثة الإسراء، والـ 18 قبل الهجرة، الموافق 27 يوليو 604 ميلادي. مع الايام تكبُر فاطمة وتكبُر معها الاحداث، وفي سن الخامسة تبدأ تدرك ما حولها، لترى امها تصعد الى الجبل، حيث يختلي ابيها بنفسه، تحمل له الطعام، وترى امها تُهدئ من روع ابيها بعد ان جاءه جبريل يبلغه الرسالة. لم تكن فاطمة سلام الله عليها تفهم تفاصيل الامر، لكن قلق ابيها كان ينتقل اليها، ومع الوقت فهمت ان أباها نبي الله الى مكة والعالم. وعندما جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، اهل بيته، وقال لهم “يا بني هاشم انقذوا انفسكم من النار، يا بني عبدالمطلب انقذوا انفسكم من النار، يا عباس عم النبي انقذ نفسك من النار، يا صفية عمت النبي انقذي نفسك من النار، يا فاطمة بنت محمد انقذي نفسك من النار، فإني لا املك لك من الله شيئا”.. سمعت هذا الكلام وعمرها خمس سنوات فقررت ان تعيش خالصة لهذا الدين الحنيف. وفي فترة مكة، ومنذ الصغر وفاطمة تعيش مع ابيها معاناته مع قومه، واستمرت تُعين أباها عاماً بعد عام، فقد رأت ابوها وامها واهلها محاصرين في شعب ابي طالب لمدة ثلاث سنين، ولم يجدوا ما يأكلون إلا ورق الشجر، وعند خروجهم من هذا الشعب ماتت امها، وعاشت وحيدة في بيتها، وعاشت المحنة التي واجهها ابوها عند نشر الدعوة. رأت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يتعرض من كفار قريش لجميع انواع الاذى، فكانت معه وجنبه تدافع عنه وتزيل عنه وعن ثيابه وعن ظهره التراب والجزور والقذارات التي كان يضعها عليه كفار قريش. اطلق عليها العديد من الالقاب منها سيدة نساء العالمين والزهراء والصابرة والصديقة والطاهرة وريحانة رسول الله والبتول وكنيت بأم أبيها وأم الحسنين. كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب فاطمة حباً شديداً، وكان لها منزلة خاصة في نفسه، ليس لأنها جزء منه، ولكن كانت اكثر الناس شبهاً به، سواء في الشكل او الخلق او المشي، وكانت السيدة عايشة تقول “ما رأيت احداً اشبه سمتا وخُلقاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل فاطمة”.. وقالت “ما رأيت اشبه بمشيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من فاطمة”.. وقالت “ما رأيت اصدق ولا اكثر حياءاً من فاطمة إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقيامها وجلوسها ونومها، كأنك ترى النبي صلى الله عليه وآله وسلم”، فكانت نسخة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا إحد اسباب المكانة العظيمة التي وصلت اليها السيدة فاطمة في قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وسبب آخر انه لم يرد عنها أي شُبهه او غِيبة او نميمة طوال حياتها، على أحد. عندما هاجرت الى المدينة كان عمرها ثمانية عشر سنة، وجاءها خُطّاب كُثُر، كلهم يريدون مصاهرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان ممن تقدم يريد خطبتها أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وعبدالرحمن بن عوف، لكن النبي ردهم جميعا بلطف.. كان النبي قد جهزها لشخص أخر يستحقها ولكنه لم يتقدم لها بعد. وكانت ظروف الامام علي عليه السلام في هذه الفترة لا تسمح له بطلب التقدم للزواج منها، فبدأ الأنصار يقولون له سبقك الكثير، فلماذا لم تتقدم لها؟. قال: ليس عندي شيء، قالوا: ولكن رسول الله يحبك. ذهب علي عليه السلام للنبي في حياء وعفة وجلس أمامه دون أن ينطق.. فسأله: لما تسكت؟، لم يجب، فبادره النبي: لعلك جئت تطلب فاطمة؟، قال: نعم، فقال له: هل معك شيء تتزوجها به؟، فقال: لا يا رسول الله، فقال أليس عندك درع؟، فقال نعم، فقال النبي: زوجتك به. ذهب النبي الى فاطمة وقال لها إن علياً يذكرك.. فسكتت.. استحت وهي قمة الحياء، بل هي اصل الحياء، في يوم من الايام سأل الرسول الصحابة ما افضل شيء للمرأة، فسكت الرجال.. يقول علي بعد ان تزوج فاطمة، قلت لها الرسول يسأل ما افضل شيء للمرأة، فقلت رضي الله عنها خير للمرأة ان لا يراها الرجال. باع علي الدرع بـ400 درهم، فأعطى النبي بعضها الى بلال وقال له اشتري لفاطمة عطراً، واعطى بقيت المال الى أم سلمة وقال لها اشتري لها جهاز العروس. وفي حفل بسيط، تركب فاطمة بغلة النبي، يقودها سلمان الفارسي، والصحابة يحتفلون حولها في عرض تقليدي برفع السيوف وينشدون اغاني الفرح والبهجة، وزفت السيدة فاطمة لسيدنا علي، وانتقلت الى بيت بسيط في اخر المدينة، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم “يا علي لا تحدث شيئاً حتى آتيكما”.. وظل الاثنان ينتظران الرسول حتى جاء، ولما دخل امسك يد علي ووضعها على يد فاطمة، ثم قال “اللهم ان فاطمة بضعة مني، اللهم انها حبيبة الى قلبي، اللهم ان علياً اخي واحب الناس الي، اللهم بارك لهما وبارك عليهما واجمع بينهما في خير”.. ثم قال الرسول لعلي “يا علي ضع يدك على رأس فاطمة وقل “اللهم أني اسألك خيرها، وخير ما خلقت له، واعوذ بك من شرها ومن شر ما خلقت له”، ويفعل علي ما أمره به الرسول.. وقبل ان يتركهما نظر اليهما وقال لهما قبل ان يخرج “قوما فصليا ركعتين، اللهم اني استودعكما الله واستخلفه عليكما”. وفي بيت زوجها نفذت فاطمة وصية أبيها برعاية زوجها، كانت تعرف انها بنت رسول الله وابنة خديجة، لذا لابد ان تعطي المثل والقدوة لأجيال قادمة، في الاهتمام بزوجها ورعايته، فكانت تنظف وتعجن وتخبز وتطحن، وعاشت رضي الله عنها فقيرة فكانت صابرة محتسبة. ولم يستطيع النبي فراق حبيبته وزهرة حياته فاطمة عليها السلام، لان بيتها بعيد، فلم تتوقف زيارته له ابدا، الا انه كان يريدها الى جانبه، وكان النبي يعيش في ارض يملكها صحابي من الانصار اسمه حارثة بن النعمان، وكان كلما كان النبي يتزوج يعطيه حارثة قطعة اضافية من الارض، واستحى النبي ان يطلب من حارثة قطعة ارض اخرى، وشعر حارثة بما يدور في خلد الرسول، وقال له يا رسول الله “اما تشتاق لقرب فاطمة”.. فنظر اليه الرسول وقال “بلى ولكني استحييت منك يا حارثة فقد اعطيتنا كثير” فقال يا رسول الله “والله ان ما تأخذه مني احب إلىّ مما تتركه لي، وإن ما أعطيه اليك لأحب إلى قلبي مما تبقيه لي، فخذ هذا المكان لهما يا رسول الله”.. فقال له رسول الله “ابدلك الله به يا حارثة قصرا في الجنة”. وتأتي فاطمة لتعيش بجانب الرسول مع زوجاته ليهدأ بال الرسول، وتسعد فاطمة بقربه. وحين بشر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمولود فاطمة، فرح بهذا المولود البكر، وسماه الحسن، ثم يأتي حفيدة الاخر وسماه الحسين، ثم يأتي الثالث وسماه الرسول محسن، الا انه توفى صغيرا، ثم تلد فاطمة بعده زينب وأم كلثوم. لقد تكونت الاسرة التي كانت تخفف عن الرسول وتقر عينه وتعيد اليه بسمته وقت الأزمات.. انهم آل البيت الذين قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم “والذي نفسي بيده لا يبغضنا – اهل البيت – رجل الا ادخله الله النار”. كانت سلام الله عليها شديدة الحرص على اصطحاب أولادها الى محراب عبادتها، وتعليمهم كل أنواع التبتل والتهجد، ومحامد الأخلاق، والترديد على مسامعهم خُطب جدهم رسول الله، وهم لم يبلغوا بعد سن الخامسة. توفيت عليها السلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة اشهر، وعمرها ثمان وعشرون عاما في السنة الحادية عشرة للهجرة الموافق 28 أغسطس 632م، فكانت عليها السلام القدوة في العفة والطهارة والوعي والثقافة القرآنية والأخلاق والقيم والعطاء والتضحية والتي ترسخت في نفوس الأجيال عبر العصور. يقول الفيلسوف والشاعر الباكستاني محمد اقبال في مدح سيدة نساء العالمين: نسب المسيح بنى لمريم سيرة ** بقيت على طول المدى ذكراهـــا والمجد يشرق من ثلاث مطالع ** في مهد فاطمة فما أعلاهـــــا هي بنت من هي زوج من هي أم من ** من ذا يداني في الفخار أباها هي ومضة من نور عين المصطفى** هادي الشعوب إذا تروم هداها ولــزوج فاطمة بسورة هل أتى ** تاج يفوق الشمس عند ضحاهـا في روض فاطمة نما غصنان لم ** ينجبهما في النيرات سواهــــا حسن الذي صان الجماعة بعدما ** أمسى تفرقها يحل عراهـــــا وحسين في الأبرار والأحرار ما ** أزكى شمائله وما أنداهـــــا هي أسوة للأمهات وقــــدوةٌ ** يترسم القمر المنير خطـاهـــا لما شكى المحتاج خلف رحابها ** رقت لتلك النفوس في شكواهـــا جادت لتنقذه برهن خمارهــا ** يا سـحب أين نداك من جدواهــا نور تهاب النور قدس جلالـه ** ومنـى الكواكب أن تنال ضياهــا جعلت من الصبر الجميل غذاءها ** ورأت رضى الزوج الكريم رضاها فمها يرتل آي ربك بينمــــا ** يدها تدير على الشـعير رحاهــا بلّت وسـادتها لآلئ دمعهـــا ** من طـول خشيتها ومن تقواهــا جبريل نحو العرش برفع دمعها ** كالطلّ يروي في الجنان رُباهـــا لولا وقوفـي عند أمر المصطفى ** وحدود شرعته ونحن فداهـــا لمضيت للتطواف حول ضريحها ** وغمرت بالقبلات طيـب ثراهـا