[29/ ابريل/2021]
صنعاء-سبأ:مركز البحوث والمعلومات
كانت الحرب على اليمن في 2015 مثال حي على تناقض المواقف الدولية تجاه الانتهاكات المستمرة من قبل التحالف السعودي الإماراتي في عدوانها على اليمن، ولم يكن استخدام الاسلحة المحرمة دولياً سوى غيض من فيض تلك التجاوزات، والتي لم تقابل في المجمل سوى بإدانات محدودة “في اغلبها هدفها الابتزاز” أو أن يكون غض الطرف من قبل المجتمع الدولي في اغلب الاحيان.
ومنذ البدايات الأولى للحرب على اليمن، كان من الواضح أن المجتمع الدولي قد تجاوز حقائق الإبادة بحق الشعب اليمني، على الرغم من أن هناك قوانين ومعاهدات دولية تفرض على المجتمع الدولي إدانة المعتدي الذي تجاوز اخلاق الحرب خاصة مع استخدام الاسلحة المحرمة وبكميات مهولة تجاه المدنيين في اليمن، والمؤسف أن تلك المجازر “وما أكثرها” من قبل العدوان لم تكن قادرة على إحداث تغيير واضح في المواقف الدولية ولو في حدودها الدنيا
وما يدعوا للحيرة والتعجب في عالم اليوم، هو حرص العالم على إحياء ذكرى جميع ضحايا الحرب الكيميائية والذي يصادف 29 أبريل من كل عام، فيما الصمت العالمي يدخل عامه السابع تجاه استمرار الانتهاكات والمجازر بحق الشعب اليمني من قبل التحالف الذي استخدم في عدوانه ملايين الأطنان من القذائف والصواريخ والقنابل المحرمة دولياً “بحسب القانون الدولي والمعاهدات الدولية”، إلى جانب الآلاف من القنابل العنقودية؛ التي يتعاظم تأثيرها المدمر مع مرور الوقت، إضافة إلى استخدام مختلف أنواع الاسلحة “حديثة الصنع” لمعرفة فعاليتها وقدرتها التدميرية على الحجر والبشر دون استثناء.
شهادات طبية:
في سياق البحث عن الحقائق تجاه استخدام الاسلحة المحرمة، أشار عدد من الاطباء أن الوقائع الميدانية تؤكد أنه خلال سنوات الحرب كان هناك إصابات ناتجة عن استخدام أسلحة “غير تقليدية” وأنه على الرغم من إجراء التدخلات الطبية الضرورية؛ إلى أن الملاحظ “وكما يذكر الأطباء: لم تكن هناك استجابة من بعض تلك الحالات للعلاج وهو ما ساهم في تدهور الحالة المصابة، وفي هذا السياق يشير عدد من الأخصائيين: أن هناك تزايد في أعداد حالات الإجهاض والتشوهات الجنينية والاطفال المشوهين نتيجة تعرض النساء خلال فترة الحمل للغازات السامة المنبعثة من القنابل والصواريخ المحرمة دولياً.
وتؤكد الدكتورة أسماء محمد “اخصائية توليد في مستشفى السبعين بالعاصمة صنعاء” “وصول عشرات الحالات المصابة بتشوهات جزئية وكلية في الأعضاء والأطراف، فيما حالات الإجهاض تتزايد؛ إما بسبب الخوف والأمراض الفيروسية أو بأسباب تتعلق بالحرب كاستنشاق الغازات والأدخنة الناتجة عن العمليات العسكرية في اليمن”.
فيما تشير الدكتورة وفاء المعمري “استشارية الصحة الإنجابية” إلى أن التشوهات الجنينية ووفيات الأجنة قد تحدث لعدة أسباب من بينها “مرض ما يصيب الأم الحامل أو فيروس يصيب الجنين أو نتيجة سوء التغذية”، ولكن الغريب حسب المعمري “وجود تزايد في ظواهر التشوهات الجنينية، ولا يستطيع الأطباء توضيح أسبابها، وهو ما يشير الى احتمالية ارتباطها بالحرب ومخلفات الأسلحة المستخدمة”.
وتعدد الدكتورة بشرى الأهدل “أخصائية في الصحة الإنجابية” أنواع التشوهات الجينية التي يتعرض لها الأطفال وهي ما بين “ظهور نتوءات جسدية” أو “بروز واختفاء بعض الأعضاء الجسدية” وتعتقد الأهدل بتورط الحرب في زيادة التشوهات الجينية للأطفال.
وتؤكد الاستشارية في مجال الصحة الإنجابية وفاء المعمري، أن التشوهات الجنينية ووفيات الأجنة قد تحدث لأسباب عدة، وقد تكون نتيجة مرض يصيب الأم أو فيروس يصيب الجنين أو نتيجة سوء التغذية، ولكن الغريب في الأمر هو وجود تزايد في ظواهر التشوهات الجنينية دون أن يتمكن الأطباء من توضيح أسبابها، مما يشير الى احتمالية ارتباطها بالحرب ومخلفات الأسلحة المستخدمة.
وفي اتساق مع الشهادات الطبية السابقة، تؤكد الدكتورة انتصار أحمد “اخصائية توليد في مستشفى السلام بصعدة”، “أن هناك عدد من الأمهات الحوامل يأتين في الشهور الأخيرة، ولا يستطعن إجهاض الطفل بسهولة؛ مما يضطر معظمهم لاستقبال أطفال تظهر عليهم علامات غريبة كانتفاخ الرأس أو عدم وجود فتحات للأنف أو الأذن أو اختلالات جسدية أخرى، وإن أغلب الحالات المصابة تأتي من مديريات “البقع ورازح” والمناطق الحدودية الواقعة تحت القصف المباشر”.
وخلال سنوات الحرب لم يوفر العدوان من استخدام اليمن “شعب وأرض” ساحة تجارب عسكرية لمختلف أنواع الأسلحة المحرمة دولياً، التي تقسم حسب وصف العميد الدكتور “أمين حطيط” إلى ثلاثة أنواع، الأولى: قنابل فراغية يتم استخدامها ضمن المناطق الهائلة، الثانية: قنابل مشبعة باليورانيوم، الثالثة: قنابل فسفور ابيض.
وفي إطار ما تقدم من شهادات ووفقا للتحقيقات والشواهد المباشرة، يمكن القول إن استخدام الأسلحة المحرمة دولياً خلال الحرب “التي تدخل عامها السابع”، هو السبب الأول في ارتفاع حالات التشوهات الجنينية بل وتحولها مع مرور الوقت إلى ظاهرة منتشرة في أغلب المديريات والمناطق الواقعة تحت خط القصف وبأعداد أقل في بقية المناطق.
من جهة أخرى، لم تقف الآثار المدمرة للأسلحة المحرمة عند مستوى التشوهات فقط؛ ولكنها توسعت وشملت صنوف أخرى من الأمراض، وفي مقدمتها مرض “أورام السرطان” وتشير التقارير والاحصاءات الطبية إلى ارتفاع قياسي في أعداد الإصابة منذ بداية العدوان على اليمن، حيث أخذت الأعداد المصابة بالأورام تسجيل قفزات كبيرة يتجاوز النسب والمعدلات الطبيعية، وفي أحدث تقاريرها تشير “وزارة الصحة في العاصمة صنعاء” إلى تسجيل 71 ألف إصابة منذ بداية الحرب، وأن هناك 9 آلاف حالة تضاف سنوياً، وما نسبته 15% بين الأطفال، وتضاعف أعداد المرضى بنسبة 100% فيما يستقبل 160 حالة يومياً من مختلف المحافظات، ويسجل سنويا حوالي ستة آلاف مريض جديد.
التقارير الدولية:
لم تكن وقائع ومشاهدات استهداف الشعب اليمني وبمختلف أنواع الاسلحة بما فيها المحرمة دولياً، خافية على أحد في المجتمع الدولي خاصة مع دخول الحرب عامها السابع، هذه الجرائم لم تستطيع أن تُشكل موقف دولي موحد يستهدف وقف الانتهاكات ومحاسبة المعتدي، ولم يكن هناك سوى إدانات من قبل بعض المنظمات الدولية “على استحياء”، هذا الواقع المخزي لم يكن له أن يُفسر سوى أن أموال التحالف السعودي الإماراتي ومع بداية العدوان، استطاع شراء صمت المجتمع الدولي “دول ومنظمات” إلى جانب مختلف وسائل الاعلام الدولي “كبريات القنوات الفضائية ووكالات الأنباء العالمية والصحف والمواقع الاخبارية العالمية، ومواقع وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة”.
ولكن الصمت الدولي المطبق شهد بعض التحول، خاصة مع تعاظم الجرائم والانتهاكات بحق الشعب اليمني، وهو ما ساعد في المحصلة على صدور بعض التقارير الدولية بشأن الحرب في اليمن، وفي سياق هذا التحول البطيئ أشارت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في عدد من تقاريرها رصدها استخدام الأسلحة المحرمة من قبل التحالف التي تقوده السعودية، وإنه توجد لديها أدلة ذات مصداقية بأن قوات التحالف استخدمت في حربها على اليمن ذخائر عنقودية محظورة “من صنع الولايات المتحدة”، وذكرت المنظمة في أحد تقاريرها الصادرة: أنها وثقت استخدام ستة أنواع من الذخائر العنقودية على الأقل، ثلاثة تم أسقاطها من الطائرات وثلاثة حملتها صواريخ أرضية على عدة مواقع في خمس محافظات يمنية (عمران وحجة والحديدة وصعدة وصنعاء) وفي تقرير أخر، نشرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” صور لبقايا قنابل محرمة دولياً استخدمتها قوات التحالف عند قصفها لأحياء سكنية في العاصمة صنعاء، مما خلف خسائر بشرية في صفوف المدنيين داخل المناطق المأهولة بالسكان.
وفي ذات السياق، وجهت منظمة “العفو الدولية” اتهامات لقوات التحالف باستخدام أسلحة محرمة دولياً، وأن لديها أدلة تفيد بإلقاء التحالف قنابل عنقودية محرمة من صنع الولايات المتحدة وبريطانيا والبرازيل، وأشارت المنظمة أن الأسلحة المحرمة تؤدي إلى “الحاق الضرر المؤكد بالكبد والكلى، السرطان، كما تسبب أضراراً وراثية وهو ما يؤدي إلى تزايد عدد حالات الإجهاض ووفيات المواليد وانتشار التشوهات الخلقية للأجنة”.
جدير بالذكر أن عمليات الرصد والتوثيق من قبل المنظمات الدولية، لم تكن هي السباقة في الكشف عن استخدام الاسلحة المحرمة من قبل السعودية وحلفائها، حيث سبقها في التحرك عدد من المنظمات اليمنية المتخصصة في الجوانب الإنسانية والحقوقية والقانونية، التي عملت في المرحلة الأولى على رصد وتوثيق مختلف أنواع الضربات الجوية ومدى قوتها ومشاهد الانفجارات التي احدثتها، إلى جانب الرصد الإحصائي عن الأمراض المتفشية “من سوء تغذية وتشوهات جنينية وإجهاض” نتيجة استخدام الأسلحة والقنابل المحرمة دوليا، وفي المرحلة الثانية سعت المنظمات المحلية إلى الكشف عن تلك الجرائم عبر مختلف وسائل الإعلام “التقليدي والحديث” في سبيل إيصالها إلى كل مكان في العالم.