[13/ نوفمبر/2020]
صنعاء-سبأ: مركز البحوث والمعلومات/ زيد المحبشي “لا تلوموني على حبي لرسول الإسلام، حبي وشغفي بالإسلام ورسوله بلا حدود، حتى إن البعض يقول إنني أُخفي إسلامي، وأنا أقول مقولة شاعر هندوسي: “قد أكون كافراً أو مؤمناً، فهذا شيءٌ علمهُ عند الله وحده، ولكني أود أن اُنذِر نفسي كمُحب مُخلِّص لسيد المدينة العظيم محمد رسول الله”، فلماذا تلومونني على حبي ودفاعي عن رسول الإسلام؟، في حين لم يتعرض شخص في التاريخ للظلم الذي تعرض له “محمد” في الغرب!. فأساطير القرون الوسطى اتهمته بأنه كان “كاردينالاً” استاء لعدم تعيينه بابا في الكنيسة، فانفصل عنها وأسس ديانة جديدة، واتهمته رواية فرنسية بأنه شارك مع شخصين آخرين في تكوين نوع من “الثالوث” الشيطاني!، وجريمة لا تغتفر في حق “محمد” ارتكبها الأدباء الإنجليز، حولّوا اسم “محمدٍ” ليكون “مرادفاً” للشيطان!، وحول الأدب الألماني اسم “محمد” إلى “ماحوم”، واتهموا المسلمين بأنهم يعبدون “أصناماً” ذهبية لـ”ماحوم”. للأسف فإن مثل هذه الصور الشنيعة راسخةً في اللاوعي الجماعي للغرب، وهو ما يفسر العداء الغربي للإسلام، أليس هذا الظلم دافعاً لي لتوضيح حقيقة رسول الإسلام، والدفاع عنه، حتى لو كلفني ذلك حياتي، فإن الساكت عن الحق شيطان اخرس؟!”. لم تكن هذه الصورة السوداوية للإسلام ونبيه التي أجلتها المستشرقة الألمانية الأديبة “آنا ماري شيمل” سوى خطوط عريضة للصورة المرتسمة في عقول الكثير من سكان الغرب، المتهمين الإسلام وتعاليمه بأبشع الصفات، العارية تماماً عن حقيقته ومكوناته، المتسمة بالديناميكية والديمومة والعالمية والخيرية، والحافظة للإنسان كرامته وحريته وسعادته، بعيداً عن صخب المادية الغربية الموغلة في الفُحش والانحطاط واللاوعي والفساد والضياع الروحي والتخبط الحياتي. والمؤكد أن سمو ما دعى إليه الإسلام من حياة مثالية فاضلة قائمة على العدل والمساواة واحترام الأخر وإعمار الكون بالخير والفضيلة، كان مبرراً كافياً لتصويب سهام النقد والخلخلة والتشويش والتحريف والتشويه ضده، منذ اعتمال معاول الهدم اليهودي بمدينة يثرب، وما تلاها من محاولات الوقيعة والتسقيط، لتزداد الحملة إستعاراً مع مقدم جحافل الصليبية والهزيمة الماحقة التي لحقتها، فاتحين لمخيلاتهم الغثائية العنان لتشبيه نبينا صلى الله عليه وآله وسلم بمقبحات الأشكال ومنكرات الأقوال، وكلها باءت بالفشل، لبطلان مستنداتها. نشر صور ورسوم مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في فرنسا خلال شهر أكتوبر 2020، على واجهات المباني والصحف، بالتوازي مع المحاولات المتكررة من قبل الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، للربط بين الإسلام والإرهاب وادعائه بأن الإسلام يعاني من أزمة، وأنه في مهمة مقدسة لتحريره منها، وإصراره على عدم التراجع عن “الرسوم الكاريكاتورية” المسيئة، واعتبارها ضمن قيم حرية التعبير الغير قابلة للتنازل والمساومة، كل هذه التصرفات اللا أخلاقية واللا إنسانية ليست سوى تكرار شائه لمسلسل بدأت حلقاته مع يهود يثرب، واتسعت رقعته مع بداية الحرب الصليبية، وبدأت خطواته بالاتجاه نحو التكتيك المؤسسي المنظم ما بعد أفول نجم الاتحاد السوفيتي، لتتضح الصورة أكثر على أنغام تداعيات أحداث 11 سبتمبر 2001 إثر تدشين بوش الابن حملته العالمية ضد ما أسماه الإرهاب، الحرب المقدسة التي أسماها بالصليبية. ومعها بدأت التنظيرات الغربية تطلق عنان تساؤلاتها حول العلاقة بين حرية التعبير المتشدق بها الغرب، والمترفعة فوق كل حق باستثناء التاريخ اليهودي والقضايا المتعلقة به، المسيجة بشباك حمراء لا يجوز الاقتراب منها، وفي المقابل حساسية المقدسات ورموزها المهدورة حرمتها لعدم اشتمال قوانين الغرب على ما يحفظ كرامتها واحترامها، ليتم التساؤل عن حمى حوار الحضارات وتفاعل الثقافات، في ظل ما نشهده من غطرسة وهيمنة وتهميش متعمّد، وقمع متواصل للأقليات الدينية والعرقية، المكتوية بنيران التمييز العنصري بالمجتمعات الغربية.ما يجعل من رسوم الإساءة إلى نبينا صلى الله عليه وآله وسلم متعدية لمضامينها الكريهة، ليبدأ التساؤل عن مستقبل العلاقة بين العالمين الغربي والإسلامي، وجوهر التفاعل الغربي مع قضية المعتقد والمقدس، ومدى قابليته للتكيف مع الأخر واحترامه ذاتاً ومعتقداً، في إطار حرية التعبير، الممهورة بالدماء المهدورة في فلسطين والعراق واليمن وسورية وليبيا، والأحاجي الضغطية لانتهاك سيادة وحرمة الآخرين وسلب مقدّراتهم وخيراتهم وثرواتهم في سبيل تسيد الرأسمالية عالمياً، وعيثان الصهيونية العالمية كونياً. وقبل الإسترسال في قراءتنا نؤكد على حقيقة في غاية الأهمية هي بحسب الدكتور “بسام خفاجي” في كتابه القيّم “لماذا يكرهونه؟” ضرورة الفصل بين أمرين:1 – العلاقة بين الشعوب، والتي كانت في كثير من الأحيان تميل الى السلام والوئام، وكذا العلاقات السياسية التي تتبدل وتتغير وفق المصالح.2 – الرؤى الفكرية تجاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتي لم تتغير كثيراً في الغرب منذ بعثته صلى الله عليه وآله وسلم، وحتى التاريخ المعاصر، وكانت في مجملها رؤى ومواقف معادية وصدامية. الحيثيات:ما إن بدأت كفة الحرب الباردة تميل لصالح الرأسمالية حتى بدأ منظري الغرب مشوار البحث عن عدو جديد يتم تقميصه شماعة الاختلالات والاضطرابات والأزمات الكونية، فلم يكن من بديل للشيوعية غير الإسلام المتزايد في الاتساع والانتشار عالميا، وتحديداً منذ العام 1980، عندما خرج قاموس “روجيت ثيساورس” الأميركي بتعريف فض للعربي، واصفاً إياه بالشخص النذل والمخادع، وكانت النتيجة حدوث احتجاجات عارمة، أرغمته على تغيير انطباعه حول العرب. ليأتي التواجد العسكري الأميركي في الخليج العربي بعد الحرب الخليجية الثانية مؤذناً بانتشار فوائح الكراهية الغربية ضد الإسلام، بسبب الرفض الإسلامي لهذا التواجد المتزايد في التصاعد بعد الحرب الخليجية الثالثة، وما أفرزه من ملفات متأزمة، أعطت للغرب حق إملاء ما يكون وما لا يكون على المنطقة الشرق الأوسطية، بهدف إعادة تأهيلها ومقرطتها. ومعها بدأت محاولات التدجين الهادفة إلى إيجاد إسلام معولم، بعيداً عن أي أثر ديني، واستخدموا من أجل تحقيق هذه الغاية الشيطانية العديد من الوسائل، أبرزها اعتبار المقاومة التي تمارسها الحركات الإسلامية ضد عربدة الكيان الصهيوني الغاصب وغطرسة الإمبريالية الأميركية خاصة والغربية عامة، بالعمل الإرهابي، وتكبيل حركات المقاومة ومحور الممانعة بشكل عام بسيل منهمر من العقوبات والتهم، والعمل على وتر تدجين القرآن، والدعوة إلى إعادة النظر في المناهج الدينية، والمطالبة بحذف الآيات الحاثة على الجهاد والفاضحة لحقيقة اليهود، ودفع الدول العربية والإسلامية للتطبيع مع الكيان الصهيوني من أجل رفع سيف الإرهاب المسلط على رقابها.. ألخ. والأكثر خطورة تفجير الغرب ملفات الأقليات الدينية ومنها أتباع الديانة الإسلامية الممثلة الرقم الثاني بعد المسيحية في أوربا، وبروز معضلة تكييف الجاليات الإسلامية مع التوجهات الغربية لعولمة الفكر والثقافة، والأهم من هذا تزايد حوادث وعمليات التفجيرات في الغرب، المتهم فيها إسلاميين، ودون أي تحقيق مسبق، لذا لا نستغرب ما ذهب إليه رئيس المعمدانية الإنجيلية الأميركية “فالويل” من أن الإسلام دين الإرهاب والعنف ونبيه إرهابي شرير، كما لا نستغرب ما ورد في مذكرات ملكة الدانمارك من فزعة غير مبررة ضد الإسلام باعتباره تهديداً عالمياً، داعية إلى إجراءات صارمة ضد الجاليات الإسلامية بأوربا. وهكذا بدأت التأصيلات التنظيرية الشيطانية الغربية، مرسخة في عقول سكانها أن الإسلام الخطر رقم واحد، لأنه دين الرجعية والتخلف والإرهاب والتطرف، والخطر الأكبر على الأنظمة والحكومات والعمران والحضارات، ونبيه كاذب أطلق لنفسه عنان الشهوات وصيد المومسات، بحسب إدعاءات مؤسس الكنيسة البروتستانتية “مارتن لوثر”، والدجال بحسب تخاريف المستشرق “وات”. كما لا نستغرب ما ذهب إليه المنظر الأميركي “هينتجنتون” بعد انهيار الاتحاد السوفيتي من تأصيل لمفهوم نهاية العالم، واعتبار الفاشية الإسلامية أخطر على الرأسمالية من الفاشية الشيوعية، لأن الإسلام حسب زعمه خلال أربعة عشر قرناً يؤكد بأنه خطر على أي حضارة واجهها خاصة المسيحية، ناسياً أن الحضارة الأوربية مهما حاولت المغالطة جزافاً، لن تستطيع إنكار قيام حضارتها المعاصرة على ركائز الحضارة الإسلامية، كما جاء في شهادة المستشرق البلغاري المسلم الدكتور “توفيان”. الأهداف والغايات:النشر المتكرر والمتعمّد من قبل صحف اليمين المتطرف والصحف الشعبية الهابطة “تابليود” في الغرب، للرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، يأتي أولاً في سياق مبدأ “لا ترويها بل اعرضها”، لأن العرض عبر الصور والأفلام أكثر تأثيراً على المتلقي من الكتب والمقالات والتنظيرات الفكرية، وفي هذا تأكيد واضح على أن الهجوم المتكرر والممنهج على الإسلام ونبيه لم يكن مجرد صور نمطية مجردة، أو تهكم وازدراء عابرين، بل هو امتدادٌ لبناء فكري مركب، نمى وتكوّن عبر تاريخ الاحتكاك العنيف بين الغرب والشرق، كنتاج طبيعي لعدة عوامل تاريخية، أدى تراكمها إلى تأجيج ثقافة الكراهية، المعاد إنتاجها اليوم برعاية صهيونية، من أجل تحقيق رزمة من الأهداف الخادمة للمشروع الصهيوني، وللمصالح الإمبريالية الاستعمارية الغربية، منها: 1 – إحلال الإسلام كعدو بديل للرأسمالية، بعد أفول نجم الشيوعية.2- الحيلولة دون إقبال الغربيين على الإسلام أو حتى مجرد التعرف عليه، بعد نجاح الإعلام “التابليودي” الهابط في زرع بذور الخوف من الإسلام، ومن كل ما يمت لأتباعه بصلة، بما صار يعرف اليوم في لغة الإعلام بشيطنة العدو، والتي عادة ما يتم ربطها بسياقات نظرية مرتبطة بالتحولات السياسية، المتمخضة عن السياسة الدولية، لها أفكار وأهداف محددة، تستمد تغذيتها من خلفيات تاريخية ومعرفية محددة تجاه الآخر، انطلاقاً من انتماءاته العرقية والدينية، والطافحة على السطح عادة خلال فترات حصول أزمة أو نقاش في الغرب تجاه قضية ما من القضايا الإسلامية. مترافقاً مع توجه ماكينات ميديا الكراهية الغربية إلى الإساءة والتشويه لرسول الرحمة والدين الخاتم، بالصور التي تُرضي أذواق المشاهدين والقراء، كما رأيناه في قصة المرتد سلمان رشدي، وقضية الحجاب بفرنسا، وما تلاها من تضييق على الأقليات الإسلامية في فرنسا خاصة والغرب عامة، والتسويق الممجوج لمصطلح “الإسلاموفوبيا” في الأوساط الشعبية الغربية، وأحداث 11 سبتمبر 2001، وأزمات العراق وأفغانستان والربيع العبري والشرق الأوسط.وكلها تندرج ضمن سيناريو أسلمة وتعريب الإرهاب، وصولاً إلى جعل الإسلام العدو الأول على الأنظمة والحكومات والعمران والحضارات، مدعوماً بتقديم الإحصاءات المهولة أو الرسوم المثيرة أو التحقيقات الميدانية الباعثة على نقل صور مشوهة عن المسلمين والعرب كمتخلفين ومتطرفين وناقمين على الغرب وغيرهم. يأتي هذا التوجه الخطير في وقت تمكّن فيه المحافظون الجدد واليمين المتطرف والصهيونية العالمية من تحويل حملات الإساءة والتشويه للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى صواعق لتفجيرات يجري إشعالها من حين لآخر بدعاوى واهية، كي تبقى حرية التعبير المتشدقين بها سيفاً مسلطاً فوق رقابنا، تُؤلِّب بواسطته الرأي العام العالمي، وتحديداً الغربي ضدنا وقت ما تشاء، تبعاً لمقتضيات صراع المصالح، وخدمة لحسابات وأهداف استراتيجية محددة ومدروسة، المستفيد الأول منها اليهود وفقاً للكاتب الأميركي “كريستوفر بولين”. وفي المحصلة فالعداء والكراهية الغربية للإسلام ونبيه، ليس بالأمر الطارئ والجديد، بل هو كما أسلفنا امتداد للموقف الغربي التاريخي من الإنسان الشرقي بصورة عامة، والتي شهدت أولى فصولها ما قبل الإسلام بقرون، محركاتها التهديد الوجودي والحضاري، في وقت تمكن فيه الفينيقيين والآراميين والكنعانيين من مدّ توسعاتهم إلى قلب أوربا، بما رافق ذلك من إشعاع حضاري وثقافي، أخاف الغرب. يأتي هذا التحول رغم اعتراف مؤرخيهم بما للشرق من فضل عليهم، من قبيل ذهاب أساطيرهم إلى أن تسمية أوربا كان تيمناً بأميرة سورية، تحمل نفس الإسم، فرت إلى أوربا بعد نزاعها مع أخيها فتمكنت من فرض سيطرتها وإسمها، وكذا أخذ الغرب آلهتهم ومعتقداتهم الدينية وآرائهم الفلسفية عن الفينيقيين، المتمكنين من الوصول إلى بريطانيا، والعائد فضل تسميتها إليهم، الأمر الذي دفع الغرب إلى اتهامهم بدلاً من العرفان بالجميل بالمتخلفين والمتوحشين والهمجيين، في زمن كانوا فيه أكثر تقدماً وحضارة ورُقياً وأخلاقاً، من اليونان والرومان.الصورة عن الإنسان الشرقي المتوحش ظلت محفورة في الذاكرة الغربية ولازالت إلى يومنا، ومن ذلك الحين اتسمت علاقة الغرب بالشرق بالتضاد والصراع والحروب والتربص، رغم نجاح الشرق في خلق جسور للتواصل مع الحضارات الأخرى خارج أوربا، لاسيما بعد ظهور الإسلام بما تمخض عنه من أبعاد جديدة للصراع، قادة إلى اعتبار الغرب الدين الجديد تهديداً وجودياً مُؤذناً بانقراضهم، ما يعني أن الصراع اليوم أكبر من كونه مجرد اختلاف أيديولوجي في وجهات النظر أو أعراض جاذبية تظهر بين الحين والآخر. “أنطوني ناتنج” في كتابه “الغرب” يشير إلى حقيقة ذلك بقوله: “منذ أن جمع محمد أنصاره في مطلع القرن السابع الميلادي، وبدأ أول خطوات الانتشار الإسلامي، فإنه بات على العالم الغربي أن يحسب الإسلام كقوة دائمة وصلبة، تواجهنا نحن أبناء الحضارة الغربية عبر البحر المتوسط”. وهكذا بدأت ماكينة الكراهية والتشويه ضد الإسلام، بدءاً من يهود يثرب، ومروراً بالروم المفضلين وقتها تبنى فكرة المواجهة مع المسلمين على عكس الحضارات الأخرى خارج أسوار أوربا، وانتهاءً بالعصور الوسطى بما زخرت به من نشر متعمّد للأساطير المسيئة والمتهمة للرسول الخاتم بـ”الساحر” الكبير، المتمكن عن طريق السحر والخداع من تحطيم الكنيسة في إفريقيا وفي الشرق، والادعاء بأن العرب أعراق منحطة ومتوحشة يجب إبادتهم، كي يتمجّد الرب، ويعود اليهود إلى وطن آبائهم وأجدادهم كما ورد في كتاب “حياة محمد” لـ”جورج بوش”، جد الرئيس الأميركي السابق “جورج دبليو بوش”، في القرن السابع عشر: “إن الإسلام مجرد بلاء جاء به الدعي محمد!، ساعد الرب على انتشاره، عقاباً للكنيسة التي مزقتها خلافات البابوات بهرطقاتهم!”. وبهذا صار الاحتفاء بكراهية وازدراء النبي معلماً بارزاً للفكر المسيحي الكاثوليكي والبروتستانتي في أوربا الغربية، مصحوباً بالعديد من الرسوم والتماثيل المسيئة لنبي الإسلام على حوائط الكنائس والأديرة باستثناء الأرثوذوكسية، إلى الحد الذي لا نجد له مثالاً ضد أي شخص آخر في التاريخ الإنساني، وهو موقف لم يشذ عنه سوى القليل من مفكري ومتديني غرب أوربا، ممن ليس لهم أي تأثير على صناعة القرار والفكر. ما سبب كل هذه الكراهية للإسلام؟السؤال الأكثر تداولاً في العقدين الأخيرة، وفي معرض الإجابة عليه يرى الكاتب “فؤاد كاظم” في كتابه القيّم “الإسلام وشبهات المستشرقين”، أن العداء الغربي للإسلام والنبي الخاتم ناجم عن معرفة حقيقية بالإسلام، وليس عن جهل مطبق، ساهم في تشكيلها البنيوي ثلاثة قوالب متداخلة وغير متعارضة هي: “الميثولوجية واللاهوتية والعقلانية”، ما نجد مداليله في الخطبة الشهيرة للبابا “أوروبانس” الثاني بمجمع “كليرمون” بفرنسا عام 1905، الداعي فيها حكام وملوك أوربا إلى استعادة أراضيهم المقدسة من قبيلة الفرس والأتراك، التي تخدم القوى الشيطانية بحسب زعمه. وبصورة أكثر بساطة ووضوحاً تظل مركزية توحيد الله وعبادته لدى المسلمين الداعي إليها نبي الرحمة، من أهم العوامل المهددة بانقراض الغرب المسيحي، المعتقد بأن الفرد لا سواه مركزية الكون، وبالتالي صيرورة هذا التنازع من أهم المشاكل المتأججة في مسار العلاقات الغربية بالعالم الإسلامي والعربي، والدافعة بالغرب إلى كراهية النبي الخاتم.وكانت الحملات الصليبية السبع في القرون الوسطى، بمثابة أول رد فعل جمعي غربي، لإهدار قيمة كل مقدس، بعد فشلهم في تحجيم التأثير الإسلامي العالمي، المعيق لتطور وتوسع المسيحية والغرب، والحامل رايتها المسمومة اليوم الرموز الدينية اليمينية المتطرفة والصهيونية والتيارات العلمانية، والقادة السياسيون، ووسائل الإعلام المرتبطة باليهود، دافعها عقدة الخوف من تحول الإسلام إلى قيادة بديلة للقيادة الدينية النصرانية للعالم، إلى جانب عقدة الشعور بالنقص أو ما يعرف بالمعجزة الإغريقية. الصورة بمجملها تنم عن الانتقائية العدائية المعاصرة الغربية في صراعها القائم مع الإسلام، لأحداث غابرة، يُعاد استحضارها، في وقت تدعي فيه أن مجتمعاتها أُسست على قيم سامية، فإذا هي تنفخ في كير صندوق الشرور والكراهية، بما يتلاءم مع نواياها ومصالحها ومخططاتها الرامية إلى إبقاء المسلمين والعرب أذلاء خانعين، بعد بروز الإسلام كأكبر تحدٍ حضاري وديني، بما يؤثر سلباً على مفاعيل حوار الحضارات والثقافات والأديان، من ذلك ما ذهب إليه القس اليهودي “جير فولويل” في قوله: “أعتقد أن محمداً كان إرهابياً”، وهو الهدف المراد ترسيخه خدمة للصهيونية العالمية، بحيث يصير معه كل من يعتنق الإسلام مُلاحقاً بتهمة الإرهاب.القس “فرانكلين جراهام” يذهب هو الآخر إلى أن “الإرهاب جزء من التوجه السائد في الإسلام، وأن القرآن يحض على العنف، والإرهاب لا يرتبط بعدد محدود من المتطرفين المسلمين، لأنه نابع من الإسلام نفسه، وإذا اشتريت القرآن فاقرأه وستجد الإرهاب فيه”، وهذا للأسف ما يعمل الرئيس الفرنسي الحالي “إيمانويل ماكرون”، على ترسيخه منذ توليه السلطة في بلاده، ومن قبله سلفه “ساركوزي” وكلاهما مجرد إمتداد لسياسات ” نابليون بونابرت” الظلامية، عندما غزا مصر وفلسطين عام 1798، فأعلن بأنه وجيشه “مسلمون مؤمنون” وأنهم أتوا لتحرير المسلمين والإسلام من طغيان المماليك، فارتكبوا كل الأفاعيل المنكرة، بينما يعيد “ماكرون” ذات الكذبة بإعلانه السعي إلى “تحرير” الإسلام في فرنسا من التأثيرات الأجنبية عبر تحسين الرقابة على تمويل المساجد، وتحت مظلتها مارسوا أبشع أساليب الاضطهاد ضد مسلمي فرنسا بدعوى محاربة الإرهاب. كما يعتقد رئيس وزراء أسبانيا السابق “خوسيه ماريا آثنار” بأن “مشاكل أسبانيا مع القاعدة بدأت مع فتح الأندلس” أي منذ القرن الثامن الميلادي، مستخدماً هنا كلمة القاعدة وليس الإسلام، ما يعني بداهةً أن كل المسلمين تنظيم قاعدة وإرهابيين، مضيفاً في معرض رده على المطالبين بابا الفاتيكان بالاعتذار عما ألحقه من إساءة لنبي الإسلام أواخر العام 2006 “ما السبب الذي يجعل الغرب فقط هو الذي يقدم الاعتذار بينما هم – أي المسلمون- احتلوا أسبانيا لمدة ثمانية قرون، وفي الوقت الذي أسمع دعوات البابا لتقديم اعتذاره عن تصريحات حول الإسلام فإني لا أسمع أي مسلم يعتذر عن احتلال أسبانيا!”. تجريم دولي لكن من يهتم:هناك العديد من القوانين الدولية التي تجرِّم إزدراء الأديان والرموز الدينية من أبرزها القرار الأممي 224 الصادر عن الدورة 65 للجمعية العامة للأمم المتحدة، المنعقدة في 11 أبريل 2011، وهو خاصٌ بـ “مناهضة تشويه صورة الأديان” وحثت الفقرة 16 منه جميع الدول على القيام في إطار نظمها القانونية والدستورية، بتوفير الحماية الكافية من جميع أعمال الكراهية والتمييز والتخويف والإكراه، الناجمة عن الحطّ من شأن الأديان وعن التحريض على الكراهية الدينية عموماً.كما أصدرت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في العام 2018 حكماً اعتبر أن الإساءة للنبي محمد ليست حرية تعبير، وكلها مجرد حبر على الورق من أجل رفع عتب الدولة المستضعفة على أدعياء الحرية في العالم الغربي.