[5/اغسطس/2019] سبإ
“الجغرافيا الجيولوجية للمنطقة الاستراتيجية على عدة مستويات”
بقلم: نيكولاس رافين
(صحيفة “فان مينيوت- minutes “20 الفرنسية, ترجمة:أسماء بجاش-سبأ)
– ارتفاع معدل الحوادث منذ أشهر بالقرب من منطقة مضيق هرمز في الخليج الفارسي.
– المضيق هو نقطة عبور أساسية لإمدادات النفط العالمية.
– أسوأ الاحتمالات تكمن في إغلاق المضيق من قبل إيران.
تجعل الشواطئ الجميلة التي تحد مضيق هرمز مكاناً هادئاً وسياحياً في منطقة شبه الجزيرة العربية, ففي هذه المنطقة البحرية الصغيرة الواقعة بين إيران وسلطنة عمان والتي يبلغ عرضها 40 كيلومتراً- أي ما يعادل القناة الإنجليزية- حيث تعبر سفن الرحلات البحرية والنفطية.
ومنذ عدة أسابيع، ارتفعت وتيرة الأعمال العدائية بين إيران وعدة قوى غربية، مسببة بذلك القلق بشأن استمرار تلك الأعمال التجارية, ولفهم الوضع الراهن في تلك المنطقة, تسلط صحيفة “minutes 20” الضوء على مدى أهمية هذه المنطقة.
– لماذا يعتبر هذا المضيق استراتيجي؟
باختصار شديد جداً, يكمن السبب وراء اعتبار هذا الجزء من العالم مكاناً استراتيجياً بسبب حركة مرور ناقلات النفط, ومن ثم بسبب وجود القاعدة العسكرية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة, كما أن هذا المضيق يعتبر هو البوابة إلى منطقة الخليج الفارسي, فهو أيضاً موطن العديد من محطات النفط، حيث تأتي إليه ناقلات الذهب الاسود من جميع أنحاء العالم لملئ خزاناتها الضخمة قبل البدء برحلتها, إذ تبيع إيران, والعراق, والكويت, والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة الكثير من نفطها عبر هذا المضيق.
ووفقا لشركة تحليل “Vortexa”, فإن حوالي 17.4 مليون برميل نفط يمر عبر هذا المضيق كل يوم, وهذا ما يعادل 20 ٪ من إجمالي الاستهلاك العالمي اليومي من الذهب الأسود.
وبالتالي ليس من المستغرب أن تجد الولايات المتحدة الأمريكية بالقرب من هذا المكان الاستراتيجي, حيث يمتلك الأمريكيون قاعدة بحرية ضخمة في مملكة البحرين، في قلب الخليج الفارسي … ومقابل الساحل الإيراني مباشرة, إذ تضم هذه القاعدة في طياتها 7.000 جندي أمريكي، كما أن هذه القاعدة هي الموطن الحالي للأسطول الخامس للبحرية الأمريكية.
لماذا تحوم الكثير من المخاوف حول هذا المضيق؟
لأنه منذ عدة أشهر وحتى الآن، لا تزال التوترات في تزايد مستمر, ففي أوائل مايو شددت الولايات المتحدة الأمريكية من لهجتها الهجومية ضد إيران: فاليوم لا يُسمح لأي دولة بشراء النفط الإيراني، وذلك بسبب العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على طهران بعد اعلانها الانسحاب من الاتفاق النووي.
وبعد بضعة أيام من هذا الإعلان، في 12 مايو، تعرضت أربع ناقلات شحن للهجوم، بما في ذلك ناقلتا شحن ترفع العلم السعودي، أثناء وجودها بالقرب من مضيق هرمز.
وبعد شهر من ذلك الهجوم، تعرضت سفينتين في 13 يونيو للهجوم مرة أخرى في بحر العرب، شرق المضيق, حيث لم يتم تبني تلك الهجمات، ولكن الولايات المتحدة تشير بأصابع الاتهام إلى إيران بأنها من يقف وراء هذا الهجوم.
وفي 20 يونيو، أعلنت إيران أنها أسقطت طائرة بدون طيار أمريكية زُعم أنها انتهكت مجالها الجوي, بيد أن الولايات المتحدة الأمريكية تؤكد أن الطائرة كانت على عكس المجال الجوي الإيراني.
لم تتوقف هذه الاعمال التخريبية عند هذا الحد فحسب بل طالب الأمريكيون “بتحالف دولي” لحماية حركة مرور الناقلات في هرمز.
عملت القوات البحرية البريطانية على احتجاز ناقلة نفط إيرانية في 4 يوليو في مضيق جبل طارق جنوب إسبانيا, حيث تشتبه السلطات قيام هذه الناقلة بتسليم النفط إلى سوريا، إذ يعتبر هذا التصرف بمثابة انتهاك صارخ لعقوبات الاتحاد الأوروبي.
وبعد أسبوعين، في 19 يوليو، اعلنت إيران احتجازها لناقلة النفط البريطانية
“Stena Impero”, حيث اشترطت على السلطات البريطانية إطلاق سراح ناقلتها, وهو ما ترفضه لندن, وهكذا أصبح مضيق هرمز نقطة توتر عالمي.
تتردد خلال الفترة الحالية أصداء “حرب الناقلات” إحدى حلقات الحرب العراقية الإيرانية 1980- 1988, حيث عملت إيران على تدمير عدة ناقلات للنفط في الخليج الفارسي في ذلك الوقت رداً على الهجمات العراقية.
ترى الباحثة “ليه ميشيليس” من معهد البحوث الاستراتيجية للمدرسة العسكرية التابع لمعهد الأبحاث العامة للعلاقات الدولية والاستراتيجية الفرنسي ومؤلفة كتاب *”إيران ومضيق هرمز” أنه وفي الفترة ما بين عامي 1984 – 1986 نجحت إيران في تقييد تجارة النفط، مما اضطرت الولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية أخرى إلى إرسال سفن حربية لتأمين المضيق.
في حين يرى جان سيلفستر مونجريني، من معهد توماس مور الفرنسي – البلجيكي أن مبدأ حرية الملاحة البحرية أمر أساسي للغاية، وفي عالم منفتح ومتشابك، ومن الصالح العام خدمة أمن مجتمعاتنا وازدهارها, ومع ذلك، يعمل النظام الإيراني على نشر “فقاعة استراتيجية” على مضيق هرمز للإطاحة بالقوات الغربية.
ما هي السيناريوهات المحتملة ونتائجها؟
أردفت الباحثة “ليه ميشيليس” حديثها حول الوضع الراهن في منطقة مضيق هرمز, حيث أشارت إلى وجود شك حول إيقاف إيران لعملياتها الاستفزازية في الحال، فمصداقيتها اليوم على المحك, كما أشارت ايضاً إلى أنها لا ترى بالفعل وجود مخرجاً للأزمة على المدى القصير, حيث أن ما يمكن أن يساعد في اخماد فتيل هذه التوترات في المقام الأول يكمن في جلوس إيران والمملكة المتحدة مع بعضهما البعض على طاولة المفاوضات لحل أزمة الناقلات النفطية, ومن خلال هذا السيناريو، يمكن بالتالي استمرار المناوشات والاستفزازات الحالية، مما يزيد من خطر التصعيد, حتى ولو تم إغلاق المضيق بالكامل؟
يقول الباحث تيري كوفيل، من معهد البحوث الاستراتيجية للمدرسة العسكرية الفرنسية، في مقابلة مع صحيفة لوفيجارو: “يبدو أن الإيرانيين يلوحون بهذا التهديد كسلاح الملاذ الأخير”, إذ أن ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية من إعادة فرض العقوبات، وتجفيف منابع صناعة النفط التي تمثل 80 ٪ من اجمالي موارد إيران من النقد الأجنبي تعتبر بمثابة عمل حربي … وبالتالي كان على طهران أن ترد”.
إيران تلعب لعبة الوقت للاستفادة:
استطردت الباحثة “ليا ميشيليس” حديثها حول هذا الوضع, حيث أشارت إلى أن الحل الوحيد للخروج من الوضع الراهن وتجنب الحرب، يكمن في المفاوضات بين طرفي الأزمة – إيران والولايات المتحدة الأمريكية- إذ لا ترى أي بديل سوى إعادة النظر في العقوبات ضد إيران والاتفاق النووي الجديد الذي سيضم الولايات المتحدة التي سبق لها الانسحاب أحادي الجانب من الاتفاق السابق في العام 2018.
ومن جانبه, يرى الباحث جان سيلفستر مونجريني أن الصفقة النووية الإيرانية لديها الكثير من العيوب وثغرات, إذ أن هذه الصفقة لم تتطرق إلى ذكر برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية، أو زعزعة الاستقرار الإقليمي – مشاركة إيران في الحرب في سوريا- كما تبقى المشكلة الأساسية في ضرورة أن يستسلم أحد الطرفين”.
وفي مقابلة أجرتها وكالة الصحافة الفرنسية مع أجاث ديمارس، مدير توقعات الأبحاث والفروع المستقبلية لمجموعة الإيكونوميست, أشار إلى أنه قد يتم تأجيل لفتة الانطلاق هذه، بالنظر إلى حجم القوات المعنية, حيث سوف تستمر التوترات على الأقل طالما استمر الرئيس دونالد ترامب على راس السلطة في البيت الابيض، لأن لا يوجد هناك سوى صقور في السياسة الخارجية, وبالإضافة إلى ذلك، سوف يتباطأ الاقتصاد الأمريكي، وبالتالي سيكون لديهم مصلحة في وجود سياسة خارجية قوية لتشتيت انتباه الناخبين, وفي المقابل، ستلعب إيران لعبة الوقت، حيث ستنتظر حتى حلول العام 2020 على أمل ألا يتم إعادة انتخاب دونالد ترامب, وحتى ذلك الوقت، يبدو أن الطقس السيئ سيستمر طويلاً في مضيق هرمز.
* “إيران ومضيق هرمز: التحديات الاستراتيجية والسلطة منذ السبعينيات” دار هرماتان لنشر 2019″