يعيش حسين أبو النجا مأساة يومية، وهو يشاهد ابنته هدى (12 عاماً) تذبل أمام عينيه، بعدما أنهك جسدها الصغير سوء التغذية الحاد، حتى فقدت معظم وزنها ولم تعد قادرة على اللعب أو حتى المشي لبضع خطوات.
منذ ولادتها، تعاني هدى من حساسية القمح، لكنها كانت تحافظ على صحتها بتغذية بسيطة تعتمد على الخضروات واللحوم بتكلفة زهيدة. إلا أن سياسة التجويع التي يمارسها العدو الإسرائيلي والنزوح المتكرر جرّدا الأسرة من أبسط مقومات الحياة.
يقول والدها لموقع “فلسطين أون لاين”: كل ما كانت تحتاجه هو طعام صحي، لم يكن يكلفني أكثر من عشرين شيقلاً يومياً، واليوم لا أستطيع تأمين أبسط ما يحافظ على حياتها.
تعيش العائلة نزوحها السادس، وتقيم حالياً في منطقة مواصي القرارة بظروف قاسية: حر خانق، انعدام للنظافة، تفشي الحشرات، وشح حاد في الغذاء. ومع الحصار المستمر، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل خيالي، فيما اختفت الأغذية الصحية الضرورية لحالة هدى.
تحولت حياتها إلى صراع يومي مع المرض والجوع؛ فقد هبط وزنها من 48 كيلوغراماً إلى 18 فقط، وتراجعت نسبة دمها إلى 6.8، فيما تساقط شعرها وتقشرت بشرتها حتى باتت عاجزة عن الحركة.
يروي والدها: “سقطت ذات ليلة أثناء ذهابها إلى الحمام، وأصيبت إصابة بالغة في فكها، لم تعد بعدها قادرة على الحركة كما كانت.”
ورغم محاولات الأطباء في غزة، لم تفلح العلاجات المتاحة. وأقرّت لها الجهات الطبية تحويلاً عاجلاً للعلاج في الخارج، لكن العدو الإسرائيلي ما زال يمنع سفرها. ويضيف والدها بأسى:”هدى بحاجة ماسة لغذاء صحي وعلاج سريع، لكن الأبواب كلها موصدة في وجهنا.”
لم تقتصر معاناة هدى على الجانب الجسدي، بل انعكست على حالتها النفسية أيضاً. فقد قضت أربعة أشهر في قسم سوء التغذية، حيث شاهدت بأم عينيها وفاة ستة أطفال كانوا يتقاسمون معها الغرفة. يقول والدها: “لم تحتمل رؤية أصدقائها يموتون واحداً تلو الآخر، فطلبت مغادرة المستشفى وهددت بالهرب إن بقيت فيه.”
اليوم، يناشد أبو النجا المؤسسات الدولية ومنظمات الصحة وحقوق الإنسان التدخل العاجل لإنقاذ حياة طفلته، قبل أن تنضم إلى قائمة ضحايا الجوع والحصار في غزة.
ويواجه فلسطينيو قطاع غزة موجة غير مسبوقة من الجوع منذ إغلاق العدو الإسرائيلي معابر القطاع، مطلع مارس الماضي، وفرض قيود مشددة على دخول المساعدات الغذائية والإغاثية والوقود والدواء.
ومع مرور الوقت، استنفد سكان غزة كل موارد الطعام وأصبحت المحلات فارغة، وباتت العثور على رغيف خبز أشبه بالمستحيل، فيما يشهد المتوفر من البضائع ارتفاعاً خيالياً في الأسعار، حتى بات “الموت جوعًا” سببًا من أسباب الموت في القطاع وأشرسها.
وتُعاني المنظومة الصحية في قطاع غزة من انهيار شبه كامل منذ بدء العدوان الإسرائيلي في أكتوبر الماضي، وسط حصار خانق يمنع دخول المعدات الطبية والوقود والأدوية، إلى جانب تعطيل مستمر لتحويل الحالات الحرجة للعلاج خارج القطاع.
وتفرض سلطات العدو قيودًا مشددة على سفر المرضى عبر معبر رفح أو كرم أبو سالم، وغالبًا ما تماطل في إصدار التصاريح، أو ترفضها دون مبررات، ما يؤدي إلى تفاقم حالتهم الصحية أو استشهادهم.










