بالتوازي مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة، منذ 417 يومًا، تعيش آلاف الأسر الفلسطينية النازحة في مخيمات الإيواء في القطاع، أوضاعا قاسية تفاقمت أكثر مع اشتداد موسم الشتاء القارس، ونقص الإمكانات الأساسية لمواجهة الطقس، وفي ظل غياب الظروف الملائمة للحياة الآمنة.
فما بين القصف وقذائف الطائرات والمدافع، وأصوات الرصاص التي تدوي بلا توقف، جاء فصل الشتاء بطقسه القاسي ليمثل معاناة إضافية كبيرة لسكان قطاع غزة من النازحين واللاجئين ممن حاصرتهم الظروف الصعبة من كل اتجاه.
ولا يقتصر الأمر على تأثير الطقس المباشر، إذ أنّ سقوط الأمطار في ظل الدمار الواسع النطاق الذي تسبب فيه جيش العدو، زاد من المخاطر الصحية والوبائية، في فصل تنشط فيه أنواع عدة من الفيروسات، ناقلة الأمراض التي تصيب الإنسان.
وفي هذا السياق، قال مفوض وكالة الأونروا الأممية فيليب لازاريني: إن الشتاء في غزة يعني موت مزيد من الفلسطينيين بردا في خيام هشة أمام الرياح والأمطار، وليس فقط جراء الإبادة الصهيونية المتواصلة منذ 14 شهراً.
وفي بيان له بعنوان (شتاء آخر في غزة) نشره على منصة “إكس”، تساءل لازاريني “كيف يمكن وصف البؤس فوق المأساة الإنسانية؟”.
وأضاف: “على مدى الأشهر الـ14 الماضية كان الناس في حالة نزوح مستمر هربًا من الموت، لقد فقدوا كل شيء، وهم بحاجة إلى كل شيء، ولكن القليل جدًا يصل إلى غزة”.
وتابع قائلاً: “تنخفض درجات الحرارة ويبدأ هطل الأمطار، ولا ملاجئ آمنة أو بطانيات أو ملابس دافئة للناس، وسائل التدفئة غير موجودة والملاذ الأخير للحصول على التدفئة هو حرق البلاستيك”.
وأردف: “الشتاء في غزة يعني أن الناس لن يموتوا فقط بسبب الغارات الجوية أو الأمراض أو الجوع، الشتاء في غزة يعني أن مزيداً من الناس سيموتون وهم يرتجفون من البرد، خاصة بين الفئات الأكثر ضعفاً، بمن فيهم كبار السن والأطفال”.
وفي وقت سابق اليوم الثلاثاء، جددت الأونروا تحذيراتها من تداعيات الأمطار على خيام النازحين وخاصة في خانيونس جنوب قطاع غزة.
وقالت الوكالة الأممية في منشور لها على “إكس”: “في خانيونس جنوب قطاع غزة، يحاول الناس استعادة أمتعتهم من الخيام التي غمرتها المياه”.. مُضيفة: إنه “مع ازدياد حدة الشتاء، تواجه العائلات المقيمة في الخيام البدائية أمطارا غزيرة وارتفاعا في مستوى المياه وغارات صهيونية مستمرة”.
وفي الأثناء، أكد المرصد الأورومتوسطي أن هذه الظروف الكارثية تنذر بزيادة تعرض الفلسطينيين لأمراض خطيرة في ظل عدم توفر العناية الطبية اللازمة.. مشدداً على أن الحرمان المستمر والشديد من الأساسيات اللازمة للحياة هو فعل من أفعال الإبادة الجماعية عبر تجريد المدنيين من أبسط وسائل الحماية وخلق ظروف تهدف إلى تدميرهم ومحو وجودهم.
وقال المرصد في بيان له اليوم: إن العدو الصهيوني يمنع إدخال احتياجات الفلسطينيين في قطاع غزة في إطار مساعيه لفرض ظروف معيشية قاسية تؤدي إلى هلاكهم، مطالباً المنظمات الدولية والأممية بالضغط عليه لإدخال المواد الأساسية.
وأوضح المرصد أن إجمالي ما يدخل إلى القطاع من شاحنات مساعدات لم يتجاوز ستة في المائة من الاحتياجات وأغلبها مواد غذائية، ما تسبب بأزمة حقيقية حيث ترك أهالي القطاع بمن فيهم الأطفال وكبار السن دون ملابس كافية تحميهم من البرد القارس في ظل بقاء الغالبية العظمى منهم في الخيام.
من جانبه أكد مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية أمجد الشوا، أن فلسطين تمر بأخطر مراحل العدوان الصهيوني، خاصة مع دخول فصل الشتاء.. مشيرا إلى أن آلاف الخيام غرقت خلال الساعات الماضية التي تنتشر في مختلف مناطق قطاع غزة، إذ إنها لا تستطيع الصمود أمام الأمطار أو الرياح الشديدة.
وأضاف الشوا: إن هذه الخيام تحتوي أُسر تضم أطفال ونساء ومسنين وكذلك مرضى وجرحى في وضع إنساني معقد وصعب، معظمهم بات وهو جائع في ظل عدم توافر المواد الغذائية.. موضحاً أن هذه الخيام مُقامة على أراض طينية أو موجودة على ساحل بحر غزة.
وأشار إلى اشتداد الطقس فجر أمس، إذ ارتفعت الأمواج لتغرق مئات الخيام التي غرقت بشكل كامل.. مُبيناً أن عدم توفر الخيام ومستلزمات الإيواء دفع شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية إلى التحذير من خطر كبير للغاية على حياة السُكان.
وأكد أن 95 في المائة من أبناء الشعب الفلسطيني هم النازحين الذين خرجوا من منازلهم تحت تهديد أوامر الإخلاء القسري التي فرضها العدو الصهيوني أو بسبب تدمير العدو لمنازلهم وأماكن إيوائهم المختلفة، وجزء من هذه الأسر مازال موجود تحت ركام المنازل.
وبهذا، قال مدير الإغاثة الطبية في جنوب قطاع غزة بسام زقوت: إن الأوضاع الإنسانية تزداد كارثية، مبينا أن الجوع والبرد آفتان تقتلان المواطنين في القطاع في هذه المرحلة.. مشيراً إلى مناشدات من عشرات العائلات النازحة خلال ساعات الليل، لإيوائها بعد أن أغرقت مياه الأمطار خيامها وباتت بلا مأوى.
وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يؤكد سكان قطاع غزة على صمودهم وعزمهم على العيش في أرضهم، فصوت المواطن الغزاوي لا يزال يدوي في أرجاء العالم، يُذكِر الجميع بأن الحق لم يمت، وأن الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن حقوقه مهما طال الزمن.