نص كلمة قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، حول آخر تطورات معركة طوفان الأقصى الخميس 26 محرم 1446هـ 1 أغسطس 2024م:
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْــــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَــنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}[الأحزاب: 23]، صَدَقَ اللهُ العَلِيُّ العَظِيم.
بالأمس كانت ذكرى استشهاد الإمام الشهيد زيد بن علي بن الحسين، سبط رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”، وابن عليٍّ أمير المؤمنين ” عَلَيْهِمُ السَّلَامُ”، وتزامنت هذه الذكرى في هذا العام مع العدوان الهمجي الإجرامي الوحشي الإسرائيلي، على الشعب الفلسطيني المسلم المظلوم الصابر، وتزامنت الذكرى أيضاً مع أبرز مستجدات هذا الأسبوع، وهي: جريمة العدو الإسرائيلي بالاستهداف لشهيد الأمة، شهيد الأقصى وفلسطين، المجاهد الكبير، والقائد الإسلامي الفذ، الأخ العزيز الشهيد/ إسماعيل هنية “رحمه الله”، وكذلك باستهداف الأخ المجاهد، القيادي الكبير في حزب الله السيد/ فؤاد علي شكر “رحمه الله”، الذي هو أيضاً من فرسان الأمة الإسلامية، وله رصيدٌ عظيمٌ من الجهاد على مدى عقودٍ من الزمن في مواجهة العدو الإسرائيلي.
وللشهيد إسماعيل هنية “رحمه الله”، هنيئاً له الشهادة، الخاتمة المباركة، والفوز العظيم، بعد رصيدٍ عظيمٍ من الجهاد والعمل في سبيل الله تعالى، والإسهام الكبير المتميز في خدمة القضية العادلة المقدسة، في السعي لإنقاذ الشعب الفلسطيني المسلم، وتحرير فلسطين والمقدسات، وعلى رأسها المسجد الأقصى الشريف.
وفي هذا المقام، نتوجه من جديد بأحرِّ التعازي وخالص المواساة إلى أسرته الكريمة، التي قدَّمت الكثير من الشهداء، وإلى حركة المقاومة الإسلامية حماس، وكافة الفصائل الفلسطينية والشعب الفلسطيني المسلم العزيز.
ونتوجه كذلك بأحرِّ التعازي وخالص المواساة إلى أسرة وأقارب الشهيد القيادي العزيز، السيد/ فؤاد شكر “رحمه الله”، وإلى حزب الله، وأمينه العام “حفظه الله”، والشعب اللبناني.
كما نتوجه أيضاً بالعزاء إلى أسر الشهداء الأعزاء في العراق، الذين قضوا نحبهم في سبيل الله تعالى، إثر عدوانٍ أمريكيٍ عليهم أثناء أدائهم لمهامهم الجهادية، فعزاؤنا لأهاليهم، وللمقاومة الإسلامية في العراق.
مهما كان حجم التضحيات في سبيل الله تعالى، ومهما كان مستوى الإجرام من قِبَل العدو الإسرائيلي، ومعه الأمريكي شريكه في كل جرائمه، فإنه لن يوهن أبداً من عزم المجاهدين، ولن يكسر من روحهم المعنوية، ولا من إرادتهم الحديدية، بل نتيجته على مستوى الشعوب المجاهدة المضحية: المزيد من الصبر، والمزيد من الاستعداد للتضحية في سبيل الله، والتصميم على مواصلة الجهاد في سبيل الله تعالى، والواقع يشهد بذلك في كل محطات الجهاد والتضحية.
ففي تاريخ حركة حماس، عندما ارتكب العدو الإسرائيلي جريمة الاستهداف الظالم للشيخ المجاهد الشهيد/ أحمد ياسين “رحمه الله”، ومن بعد ذلك الاستهداف للشهيد العزيز أسد فلسطين/ عبد العزيز الرنتيسي “رحمه الله”، وغيرهما من القادة، لم ينل العدو الإسرائيلي ما أراده، لا في إضعاف المجاهدين، ولا في كسر إرادتهم، ولا في ضرب الروح المعنوية للشعب الفلسطيني، ولا في إطفاء جذوة الجهاد في سبيل الله تعالى؛ بينما كان لاستشهاد أولئك القادة الأثر الكبير في الدفع والتحفيز لغيرهم بمواصلة المشوار، وتنامت مسيرة الجهاد أكثر وأكثر، وحققت الإنجازات تلو الإنجازات.
وكذلك هو تاريخ حزب الله، بعد استشهاد القادة، من ضمن ذلك استشهاد السيد/ عباس “رحمه الله”، والشيخ/ راغب حرب “رحمه الله”، والحاج/ عماد مغنية “رحمه الله”، وكذلك قادة آخرون فيما بعد، لم يؤثِّر ذلك في حزب الله تأثيراً سلبياً، لا أصابه بوهنٍ، ولا ضعفٍ، ولا استكانة؛ إنما كان التصميم أكثر، وتحققت الإنجازات أكثر وأكثر.
أما العدو الإسرائيلي فهو بالمزيد من جرائمه يُقَرِّب نفسه من الزوال يوماً بعد يوم، والزوال المحتوم بوعد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ونرى ما يقابل إجرامه من تنامٍ لجبهات الجهاد في سبيل الله تعالى، ومن تطورٍ أيضاً في الأداء والمواقف.
كانت جريمة العدو الإسرائيلي، التي هي باستهداف شهيد الأمة وشهيد فلسطين والأقصى، الشهيد الكبير والقائد الإسلامي الكبير/ إسماعيل هنية “رحمه الله”، أتت في إطار تصعيدٍ واضح، أتت بعد عودة نتنياهو من أمريكا، وكانت أيضاً استهدافاً للشهيد العزيز وهو ضيفٌ في الجمهورية الإسلامية في إيران، ضمن وفود أتت من أكثر من ثمانين دولة، في حضور مراسم أداء الرئيس الإيراني لليمين الدستوري، واستلامه لمهامه الرئاسية، كانت انتهاكاً سافراً وواضحاً لكل الأعراف والحرمات، وجريمةً وقحةً، بغطرسةٍ واستهانة، مع ذلك يفتضح الأوروبيون وبعض الدول العربية معهم بموقفهم، الذي لم يصل حتى إلى مستوى التنديد بتلك الجريمة، بعد أن نددت بها كثيرٌ من الدول في مختلف أنحاء العالم.
جريمة العدوان على الضاحية الجنوبية لبيروت، واستهداف القيادي الكبير في حزب الله السيد/ فؤاد شكر، كانت كذلك عدواناً واضحاً وتصعيداً خطيراً، مع استمرار الجرائم في غزة، والمجازر الجماعية التي بلغت هذا الأسبوع ما يقارب الخمسة والعشرين مجزرة، والجرائم الوحشية الفظيعة بحق الأسرى الفلسطينيين، التي يندى لها جبين الإنسانية.
كل هذا المستوى من التصعيد، والاستمرار في الإجرام، من الواضح أنه مرتبطٌ بزيارة المجرم نتنياهو للولايات المتحدة الأمريكية، حيث عاد منها لتنفيذ تلك الجرائم، وتزامن مع ذلك تحركات أمريكية في الخليج، وفي البحر الأبيض المتوسط، فالأمريكي هو شريكٌ واضحٌ، وهو- في نفس الوقت- مخادع، يتحدث عن ضرورة منع توسع الحرب، ثم يُقدِّم الدعم، ويشارك مع العدو الإسرائيلي لتوسيعها، ويُصَعِّد بجرائم كبيرة، ثم يقول إنه لا يريد توسيع الحرب ولا التصعيد، ويتيح المجال للعدو الإسرائيلي، ويطلق له المجال ليفعل ما يشاء ويريد، ثم يقول أنه لا يريد التصعيد، وأنه يريد ضبط النفس، ويُحذِّر، ويتوعد، ويهدد تحت هذا السياق، فيكون دور الأمريكي مع التصعيد الإسرائيلي هو التحذير من أي رد، والدور الأوروبي هو التخدير، والسعي لاحتواء المواقف، أو أن تكون تحت سقف ومستوى ضعيف جداً، بشكلٍ رمزيٍ لا يمثل ردعاً في مقابل جرائم العدو الإسرائيلي.
المواقف من تلك الجرائم فيما يتعلق بالمحور (محور القدس والجهاد والمقاومة(، فالموقف واضح، لابدَّ من الرد عسكرياً على تلك الجرائم التي هي خطيرة ووقحة، وتصعيد كبير من جانب العدو الإسرائيلي، هناك مواقف واضحة ومعلنة بالنسبة للجمهورية الإسلامية، وكذلك هو الحال بالنسبة لبقية المحور، ويجري العمل من أجل ذلك، كذلك على المستوى الشعبي، هناك تحرُّك واسع، لاسيما في دول المحور.
على مستوى الموقف السياسي، كان هناك إدانات واسعة من معظم الدول العربية، ومن دول إسلامية متعددة، لكن بالنسبة للجامعة العربية إلى حد الآن لم نسمع ولم نعرف بأي موقفٍ يتضمن إدانةً صريحة لتلك الجرائم البشعة، كان هناك أيضاً مواقف تدين العدوان والجرائم الإسرائيلية من بعض الدول الأخرى، كـ: روسيا، والصين.
خرجت أيضاً على المستوى الشعبي تظاهرات شعبية واسعة في المغرب العربي، وفي الأردن، وخرجت تظاهرات في لبنان، وكان هناك مسيرة حاشدة في تركيا، ووقفات كبيرة في موريتانيا.
الملفت هو الموقف السلبي والسيء والمخزي لبعض الأنظمة العربية، التي سبق وأن أصدرت بيانات عاجلة، تدين فيها بشدة الخدش الذي تعرضت له أذن [ترامب]، فيما يقال أنها محاولة اغتيال، وعبَّرت في بياناتها تلك بعناية عن تضامنها وتعاطفها معه، فيما لم يصدر منها إدانة للجريمة بحق أبناء هذه الأمة، وقادة من قادتها الأخيار: الشهيد إسماعيل هنية، والشهيد فؤاد شُكر؛ بل ظهر إعلامها متشفياً ومحتفياً، ومقدماً لما حدث بأنه نصرٌ للإسرائيلي، وعمل ذبابها الإلكتروني في هذا الاتجاه والله المستعان!
تجاه هذه الجرائم، وتجاه العربدة الإسرائيلية، والإجرام اليهودي الصهيوني المستمر، الذي يستهدف الشعب الفلسطيني، بالدرجة الأولى في قطاع غزة، واستهدف الشعب الفلسطيني في الضفة وفي سائر أنحاء فلسطين على مدى كل هذه العقود من الزمن، ويُصَعِّد في محطات ومراحل كثيرة، ويرتكب أبشع وأفظع الجرائم، وكذلك يستهدف الأمة الإسلامية عموماً، ويستهدف المحيط العربي والإسلامي لفلسطين، الخيار الصحيح المشروع القرآني الإسلامي هو: الجهاد في سبيل الله تعالى، هو وحده الخيار الصحيح، الحكيم، والمشروع بحق لمواجهة العدو الإسرائيلي اليهودي المجرم.
العدو الإسرائيلي هو كيانٌ إجراميٌ من يومه الأول، تأسس على الإجرام، والظلم، والقتل، والدموية، والاغتصاب، والتاريخ يشهد بذلك، منذ بداية حركة العصابات الصهيونية على أرض فلسطين، وهي ترتكب أبشع الجرائم، واستمر العدو الإسرائيلي كذلك لم يتغير أبداً، ولن يتغير، وقام وتأسس على الإجرام، والعدوان، والقتل ظلماً وعدواناً وبغياً، وارتكاب أبشع وأفظع وأشنع وأسوأ الجرائم، هو كيانٌ إجراميٌ في معتقداته، في ثقافته، في نظرته، هو يعتبر العرب والمسلمين عموماً، بل وكل البشر الآخرين بأنهم ليسوا من البشر، ويستبيحهم، يستبيح الدم، يستبيح العرض، يستبيح الممتلكات والأوطان، يستبيح كل شيء، وجرائمه الفظيعة، والبشعة، والوحشية، في قطاع غزة على مدى عشرة أشهر، بمرأى ومسمعٍ من العالم، تشهد على ذلك، تشهد على حقيقته الإجرامية، ونزعته الإجرامية، جرائم فظيعة للغاية يشاهدها الناس، كل من يتابع ويشاهد.
القرآن الكريم شهد على هذه الحقيقة قبل كل ذلك، وما يجري على مدى التاريخ هو مصاديق وشواهد للحقائق القرآنية، التي ذكرها الله في آيات كثيرة في القرآن الكريم، وهو يتحدث عن حقدهم، وعن عداوتهم، وعن إجرامهم، وعن وحشيتهم، وهم الذين ورثوا من أسلافهم، الذين كانوا في الخط المنحرف المحارب لأنبياء الله، من قتلة الأنبياء، من قُساة القلوب، من المحرفين لكتب الله ورسالاته، ثم من المحاربين لرسول الله وخاتم أنبيائه محمد بن عبد الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، كانوا في نهجهم، في إجرامهم، في ضلالهم، في عدوانيتهم، كما حكى الله عنهم في القرآن الكريم: {يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة: 62]، هم عدوانيون، يحملون العداء وأشد العداء للمسلمين، {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ}[المائدة: 82].
كم في القرآن الكريم من حديث عنهم، أنهم أعداء لهذه الأمة، وأنهم أعداء حاقدون، سيئون، مجرمون، ليس لديهم أي قيم، يستبيحون الأمة، هم من حكى الله عنهم أنهم قالوا: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}[آل عمران: 75]، وما فعلوه وما يفعلونه على مدى هذه العشرة الأشهر، في عدوانهم وتصعيدهم فيه الكفاية، فيه الكفاية لأن يراهم الإنسان بوجههم البشع، الإجرامي، المتوحش، البعيد كل البعد عن أيِّ مشاعر إنسانية، أو قيم إنسانية، والمتجاوز لكل الاعتبارات، والحرمات، والأعراف، والشرائع… وكل شيء، ليس عندهم أي اعتبار لأي شيء، يُقدِمون على أيِّ جريمة دون أي اعتبار: لا أخلاقي، ولا إنساني، ولا ديني، ولا قيمي، ولا قانوني… ولا أي شيء، ينتهكون كل الحرمات بكل جرأة ووقاحة، وعدوانية وتوحش.
الغرب الكافر أيضاً أباح لهم، الدول الأوروبية معظمها، والغرب الكافر أباح للعدو الإسرائيلي أن يفعل ما أراد بالعرب والمسلمين عموماً، أباح العرب والمسلمين للعدو الإسرائيلي، أباح الدم وأهدره، وأباح الأوطان والممتلكات، وأباح الأعراض؛ ولذلك ليس هناك أي ممانعة من قِبَل الدول الأوروبية في معظمها، من قِبَل الغرب الكافر ليس هناك أي ممانعة، ولا اعتراض تجاه ما يفعله العدو الإسرائيلي بالعرب أو بالمسلمين عموماً، ليقتل، ليغتصب، ليرتكب أبشع الجرائم، ليحتل الأوطان، ليصادر الممتلكات، أو يدمِّر، ليفعل ما يشاء ويريد، وهو مطلق اليد والتصرف من جانبهم، ولكن بعد كل ما يفعله، يبادرون لمنع ردة الفعل، لمنع الدفاع المشروع عن النفس، والعرض، والممتلكات، والأوطان، والحقوق، يبادرون من هناك على المستوى الدبلوماسي، على المستوى السياسي، على المستوى الإعلامي، على مستوى الضغوط بأشكال وأنواع مختلفة، لاحتواء أي ردة فعل، وهذا واضح، الإسرائيلي يذهب لارتكاب أي جريمة مهما كانت، ولأي مستوى من التصعيد يريد، بعد أن يكمل، تبادر الدول الأوروبية لاحتواء ردة الفعل؛ لحماية العدو الإسرائيلي، المهم عندهم دائماً هو ألَّا تأتي ردة فعل تجاه ما يفعله، مهما كان حجم التصعيد من جانبه، ومهما كان مستوى الإجرام من جانبه، لا يهم عندهم، المهم ألَّا تأتي ردة فعل على تلك الجريمة، أو على ذلك التصعيد، أو مقابل ذلك العدوان والإجرام، وهذا واضح، ما بعد ارتكاب العدو الإسرائيلي لهذه الجرائم الكبيرة، باستهداف شهيد الأمة، القائد الإسلامي الكبير إسماعيل هنية “رحمه الله”، وكذلك القائد الكبير، المجاهد العزيز فؤاد شكر “رحمه الله”، واستشهاد من استشهد معهم، يأتي الأوروبيون، وتأتي المساعي من هنا وهناك، وبمساعي حثيثة وكبيرة، في محاولة احتواء ردة الفعل، في محاولة الضغط السياسي والدبلوماسي على الجمهورية الإسلامية؛ لكي يكون ردها كما يقولون: [رداً رمزياً]، أو ليضعوا له حدود هم من عند أنفسهم، بالقدر الذي يرغب به الإسرائيلي.
وهذا ما يجب أن تكون الأمة على وعيٍ تجاهه: لا يمكن أبداً أن تعوِّل هذه الأمة، لا في محور القدس والجهاد والمقاومة، ولا في بقية أبناء الأمة، أن يعوِّلوا على الغرب، أو أن يعوِّلوا على المؤسسات الدولية، التي دائماً مهمتها أن تدعو إلى ضبط النفس- كما يقولون- بعد أن يفعل العدو الإسرائيلي ما يفعل، أو يساوون بين الضحية والجلاد، والمظلوم والظالم، والمعتدي والمعتدى عليه، في بعض الحالات إذا اتَّجهوا إلى موقفٍ معين، يساوون ما بين هذا وذاك، لا ينبغي أن يعوَّل عليهم أبداً، إذ لا يمكن أن يكون هناك أي نتيجة، ولا أي ثمرة، ولا أي ردع، ولا أي إيقاف للجرائم، حتى لو كان موقف الأمة تجاه جريمةٍ معينة بمستوى ضعيف، أو مستوى محدود، أو مستوى رمزي، هذا يشجِّع العدو الإسرائيلي على المزيد والمزيد من ارتكاب الجرائم.
الحل للأمة هو الجهاد في سبيل الله، هو الخيار المشروع الوحيد الذي يجدي ويفيد، هو الذي قدَّمه الله لهذه الأمة في القرآن الكريم، والذين آمنوا بهذا الخيار، من خلال إيمانهم بالله، بهديه، بكتابه، بتعليماته القيِّمة، بأهمية الالتزام بأوامره “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هم المفلحون، هم الناجحون، هم المنتصرون، هم الذين تتوقف على جهودهم وتضحياتهم يتوقف مستقبل هذه الأمة، هو مرهونٌ بذلك، وعندما يكون هناك تضحيات في سبيل الله، وفي هذا السياق، فستكون مثمرة، والعاقبة التي وعد الله بها هي للمتقين، الصابرين، المضحين.
ورسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” هو القدوة، وهو الأسوة لكل المسلمين، الأسوة والقدوة للموقف الحق، والخيار الصحيح، والاتِّجاه الذي يفيد الأمة، ويدفع عنها المخاطر، ويرقى بها إلى مستوى التحديات؛ ولهذا خاطبه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم، قائلاً له: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[التوبة: 73]، لأن جبهة الكفر والنفاق هي جبهة شر، وعدوان، وظلم، وطغيان، وإجرام؛ فالخيار الصحيح في مواجهتها، هو: الجهاد في سبيل الله.
يقول الله له في القرآن الكريم: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا}[النساء: 84]، فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يتدخل بتأييده، بنصره، بدفع كيد الأعداء وبأسهم، لكن مع الموقف، مع التحرك، مع الجهاد، مع الاستجابة العملية.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ}[الأنفال: 65]، فالمقام مقام تحرُّك، تحرُّك للجم أعداء الله، لدفع شرهم، وإجرامهم، وطغيانهم، وعدوانهم، وفسادهم، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ}[الأنفال: 65]، إن يكن منكم مائة صابرة {يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ}[الأنفال: 65]، بالصبر، بالتضحية، بالجهاد، بالموقف العملي؛ يأتي النصر من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والرعاية الإلهية.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ}[التوبة: 88]، لكن في مقابل الخيارات الأخرى:
– خيارات المنافقين، المتواطئين مع الأعداء.
– وخيارات المتخاذلين، المثبطين، الجامدين.
كان هناك الخيار الصحيح، الخيار المشروع، الخيار الذي اختاره الله، وأمر به، ووجَّه إليه، وهو: الجهاد في سبيل الله، كان هذا الخيار هو الذي تحرَّك به مَنْ؟ رسول الله وخاتم أنبيائه “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[التوبة: 88]، فالرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بالمال والنفس، وهم الذين تتحقق لهم، وتحققت لهم تلك النتائج الكبرى والعظيمة، التي وعدهم الله بها، بعد التضحية، بعد الصبر، بعد العطاء، بعد المثابرة، لفترة زمنية، ولسنوات، ولمواقف طويلة، ومتعددة، وكبيرة، وفي جبهات متعددة، {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[التوبة: 88].
ثم يبيّن الله لنا أنَّ الأسوة والقدوة هو رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”، فيقول لنا في (سورة الأحزاب)، في سياق العرض لأحداث الأحزاب، لغزوة الخندق، وما حصل فيها: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: 21]، وفعلاً التجربة والواقع يشهد بأنَّ الجهاد هو الذي يرتقي بالأمة في بنائها، وبناء قدراتها، لترتقي لتكون في مستوى مواجهة التحديات، وهو الذي يصونها من سيطرة أعدائها، ويصونها أيضاً من استغلال أعدائها لها، استغلال أعدائها لها لخدمتهم، واستنزافها، واستنزاف قدراتها في سبيلهم.
ولذلك نرى أنَّ الذين لهم خيارات أخرى في الخضوع للأعداء، يتَّجهون لبذل الأموال بالمليارات، بالمليارات، فيما يخدم الأعداء، يثيرون الفتن، يقدِّمون تضحيات كبيرة جداً، هي استنزاف لهم، واستنزاف للأمة، ولخدمة الأعداء، وقد يكون ما يقدِّمونه في هذا السبيل بأكثر بكثير مما قدَّمه من خيارهم الجهاد في سبيل الله في الموقف الحق، والقضية العادلة، والميدان الواضح، الذي هو صراعٌ واضح ما بين الإسلام والكفر، ما بين جبهة الحق وجبهة الباطل، بحسب القدرات والإمكانات.
والتضحيات في سبيل الله هي تضحيات مثمرة، لها نتائج؛ لأنه لابدَّ من أن يكون هناك تضحيات، يحصل ذلك، لكن مع التضحيات يكون هناك نتائج برعايةٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يرعاها في عباده؛ لأنها تضحيات في سبيله، وهو لا يضيع أجر المؤمنين، وأجر المحسنين، وأجر الصابرين، والواقع يشهد بذلك، على مدى التاريخ، وقد مرَّت بنا في هذا الشهر ذكرى عاشوراء، واستشهاد الإمام الحسين “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وكذلك ذكرى شهادة حفيده: الإمام زيدٍ “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، ونرى كيف امتد النهج الجهادي القرآني في مواجهة الطغيان جيلاً بعد جيل، برعايةٍ من الله، وتأييدٍ من الله، ونصرٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
مستقبل الأمة مرهونٌ بذلك، الصراع مع العدو الإسرائيلي هو صراعٌ حتمي؛ لأنه كيانٌ عدوانيٌ مجرم، يستهدف الأمة، لن يكفَّ يده بالشر والسوء عن الأمة، الصراع معه حتمي، وفي نفس الوقت زواله محتومٌ أيضاً، وفي وعد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الذي لا يتخلَّف، ولا يتغيَّر، ولا يتبدَّل، وكذلك خسارة الذين يوالونه، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أكَّد ووعد بخسارتهم، وأن يصبحوا خاسرين، وأن يصبحوا أيضاً نادمين.
ونحن في هذه المرحلة في مرحلة مهمة، ومن الشرف الكبير، والفضل العظيم، والأجر العظيم، أن يتوفَّق الإنسان للتحرك في سبيل الله تعالى في هذه المرحلة، التي هي مرحلة استثنائية، ومرحلة مصيرية لمستقبل الأمة، ووزر التخاذل أيضاً فيها كبير؛ لأنه يعبِّر عن ارتداد عن مبادئ الإسلام، وعن قيمه، كما في الآية المباركة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة: 54]، الإنسان في هذه المرحلة التاريخية المهمة:
– إمَّا أن يتَّجه ضمن هذه المواصفات القرآنية، التي وصف الله بها أولئك القوم؛ ليتوفَّق، وليأخذ بأسباب التوفيق من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ليكون من أولئك القوم.
– وإلَّا فالبديل عن ذلك، هي: حالة ارتداد عن مبادئ الدين، عن قيمه، عن أوامر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وعن توجيهاته.
من المفترض أن يكون الحضور الشعبي واسعاً في مستوى هذه التطورات المهمة، والخطيرة، والكبيرة، في مختلف الأنشطة، ومنها: المسيرات والمظاهرات، وكذلك التعبئة، وأنشطتها من تدريبٍ وغير ذلك، وأن يكون هناك المزيد من الاهتمام والتفاعل؛ حتى يرى الأعداء أنَّ جرائمهم إنما تزيد أحرار الأمة وأبناء الأمة انطلاقةً، وتفاعلاً، وثباتاً، وصموداً، وجديَّةً، وحتى يرى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” منَّا الصدق والصبر، وهو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” خير الناصرين، بالثبات، بالعمل، بالتضحية، بالاستمرار على الموقف، يأتي من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” النصر، ويأتي العون، ويأتي التأييد الإلهي.
من المهم الحضور الواسع في مظاهرات الجمعة، والتحرك في الأنشطة المساندة للأسرى الفلسطينيين أيضاً في يوم السبت، تلبيةً لدعوة الشهيد القائد الكبير، والأخ العزيز: إسماعيل هنية “رحمه الله”، في يوم الجمعة يفترض أن يكون الحضور الشعبي واسعاً جداً، والتفاعل الشعبي واسعاً جداً، وأن يكون واضحاً في تأييده للخطوات العملية القادمة، وللرد الكبير من قِبَلِ المحور، وأن يكون واضحاً أيضاً في موقفه المساند للشعب الفلسطيني، والمواسي للشعب الفلسطيني والشعب اللبناني، وكذلك أيضاً في الموقف من العدو الإسرائيلي.
فيما يتعلَّق بالأنشطة التي تحدد- إن شاء الله- ليوم السبت، كل هذا أيضاً في إطار تلبية دعوة الشهيد العزيز إسماعيل هنية “رحمه الله”، من الوفاء له، ومن الوفاء للشهداء، ومن إرث الشهداء، هو مواصلة المشوار بعزم وجد، مع الثقة بنصر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الوعد من الله بالنصر هو وعدٌ صادقٌ لا يتخلف، ولا يتغير، ولا يتبدل، ومهما كانت شماتة الشامتين، فالمتغيرات ستأتي بما يسوؤهم، ويسوء العدو الإسرائيلي، ويخزيهم جميعاً بإذن الله تعالى.
أدعو شعبنا العزيز إلى الخروج المليوني الواسع يوم غد الجمعة- إن شاء الله- في العاصمة صنعاء، وسائر المحافظات والمديريات.
نَسْألُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاء الأُمَّةِ فِي فِلَسطِين، وَلُبْنَان، وَالعِرَاق، وَاليَمَن، وَأنْ يَرْفَعَ مَقَامَهُم، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالنَّصرِ وَالفَرَجِ لِلشَّعبِ الفِلَسْطِينِي المَظْلُوم، وأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصرِهِ، وَيَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَيَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَيُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛