صنعاء- سبأ:
نص الدرس التاسع لقائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي من وصية الإمام علي لابنه الحسن – عليهما السلام 09-12-1444 هـ 27-06-2023 م:
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيم.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَوَات: السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُــه؛؛؛
وصلنا إلى قوله “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((فَتَفَهَّمْ يَا بُنَيَّ وَصِيَّتِي))، وتكرر التأكيد منه على التفهم، وعادةً ما يكون التفهم: هو الذي ينقصنا تجاه ما نسمع من التوصيات المهمة، عندما نقرأ القرآن الكريم، عندما نسمع النصوص النبوية عن رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، عندما نسمع الحِكم، والمواعظ، والنصائح، ينقصنا التفهم في أكثر الأحيان.
نسمع؛ الاستماع العادي الروتيني، بنقصٍ كبير في مستوى التركيز ومستوى التأمل، فتغيب عنّا حالة التفهم: التي من خلالها نستفيد بشكلٍ أكبر، ندرك قيمة ما نسمع أو نقرأ، وندرك أهميته في واقع حياتنا، نتأثر به في واقع العمل والالتزام، فالتفهم مسألة مهمة جدًّا، ينبغي أن يحرص الإنسان على أن يتعود عليها، إذا كان قد اعتاد على أن يكون سماعه، أو قراءته للأشياء المهمة بشكلٍ اعتياديٍ روتينيٍ عابر، من دون تركيز بالشكل المطلوب، من دون تأمل بالشكل المطلوب، فليحاول ألا يستمر على ذلك؛ لأن هذا سيكون سببًا في أن يخسر الكثير الكثير من الفائدة، من إدراك قيمة ما يسمع، أو يقرأ، من الانتفاع، وهذه هي النقطة المهمة: من الانتفاع بما يسمع أو يقرأ، عندما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات: 55]، لماذا تنفعهم؟ هذا يعود إلى اهتمامهم هم بما يُذكَّرون به، تجاه ما يُذكَّرون به، التركيز من جانبهم، التأمل، التفاعل، التأثر، في مقام العمل، في مقام الالتزام وهكذا، وبالتالي يكون لذلك أثر في واقع حياتهم، بما يترتب على ذلك من نتائج مهمة، فيما يتحقق للإنسان من مكاسب عظيمة، من نتائج عظيمة، مما وعد الله به عباده الذين يستجيبون له.
فتجاه ما ورد في هذه الوصية من حقائق مهمة، من نصائح مهمة، من تعليماتٍ مهمة، لا يستفيد الإنسان منها إلا من خلال التفهم، أما مجرد السماع العادي الذي اعتاده الكثير من الناس، يسمع وقد يتفاعل إلى حدٍّ بسيط، أثناء السماع نفسه، وبعد ذلك انتهى كل شيء، بعد أن يفرغ من سماع محاضرة، أو درس، أو قراءة شيء مفيد، فور أن ينتهي من ذلك، انتهى مع ذلك كل شيء، تأثره، تفاعله، اهتمامه، انتفاعه في واقعه العملي، ينتهي كل شيء.
أحيانًا يهدن الإنسان نفسه، قد يسمع بعض الحقائق المهمة، والنصائح والتعليمات القيمة، ولكنه يعتبرها من الأشياء المعروفة، التي طالما سمعها في مناسبات، ومقامات، ومواقف متعددة، أو من خلال اطلاعه المتكرر، أو سماعه المتكرر لدروس ومحاضرات، فيعتبر تلك الحقائق التي قد سمعها كثيرًا، من الأشياء المعروفة التي لا يحتاج تجاهها لا إلى تأمل، ولا إلى تفهم، ولا إلى حتى تركيز، بل يَمَلّ من سماعها مجددًا، يقول: [ما أكثر ما قد سمعنا هذا الكلام، لماذا لا يقدَّم إلينا، أو يقدم لنا غير هذا الكلام]، وهذه إشكالية كبيرة على الإنسان؛ لأنه في كل تلك المرات المتكررة، لم يعطِ نفسه فرصة التفهم، سمع كثيرًا، أصبح يعيش حالة الملل عندما يسمع من جديد، ولكن لو اتجه إلى التفهم، لأدرك قيمة ما سمع، وأهمية أن يسمع الحقائق المهمة، القضايا الأساسية، التعليمات القيمة، أن يسمعها كثيرًا، لا ضير في ذلك، سيستفيد أكثر، سينتفع أكثر، ستترسخ في نفسه، في وجدانه أكثر وأكثر.
((فَتَفَهَّمْ يَا بُنَيَّ وَصِيَّتِي))، أن ندرك أهمية التفهم؛ لأن هذا هو الذي سيفيدنا، بما نستفيده من هذه الوصية، بما نسمعه، أو نقرأه.
((وَاعْلَمْ أَنَّ مَالِكَ الْمَوْتِ هُوَ مَالِكُ الحَيَاةِ، وَأَنَّ الْخَالِقَ هُوَ الْمُمِيتُ، وَأَنَّ الْمُفْنِيَ هُوَ الْمُعِيدُ، وَأَنَّ الْمُبْتَلِيَ هُوَ الْمُعَافِي، وَأَنَّ الدُّنْيَا لَمْ تَكُنْ لِتَسْتَقِرَّ إِلّا عَلَى مَا جَعَلَهَا اللهُ عَلَيْهِ مِنْ النَّعْمَاءِ، وَالْاِبْتِلَاءِ، وَالْجَزَاءِ فِي الْمَعَادِ، أَوْ مَا شَاءَ مِمَّا لَا تعْلَمُ، فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ ذلِكَ فَاحْمِلْهُ عَلَى جَهَالَتِكَ، فَإِنَّكَ أَوَّلُ مَا خُلِقْتَ جَاهِلًا، ثُمَّ عَلِّمْتَ، وَمَا أَكْثَرَ مَا تَجْهَلُ مِنَ الأَمْرِ، وَيَتَحَيَّرُ فِيهِ رَأْيُكَ، وَيَضِلُّ فِيهِ بَصَرُكَ، ثُمَّ تُبْصِرُهُ بَعْدَ ذلِكَ. فَاعْتَصِمْ بِالَّذِي خَلَقَكَ وَرَزَقَكَ وَسَوَّاكَ، وَلْيَكُنْ لَهُ تَعَبُّدُكَ، وَإِلَيْهِ رَغْبَتُكَ، وَمِنْهُ شَفَقَتُكَ)).
في بداية الكلام من قوله: ((وَاعْلَمْ أَنَّ مَالِكَ الْمَوْتِ هُوَ مَالِكُ الحَيَاةِ))، وما تخلل من ذلك إلى قوله: ((فَاعْتَصِمْ بِالَّذِي خَلَقَكَ))؛ لأن قوله ((فَاعْتَصِمْ)) هي النتيجة، النتيجة لما تعلمُه من تلك الحقائق المهمة، تلك الحقائق أول ما يسمعها الإنسان المسلم يقول: [أنا أعلم ذلك، وأُقِّرُ بذلك]، وهي من البديهيات فيما يُقِرُّ به الإنسان المسلم: أن مالك الموت هو مالك الحياة، وأن الخالق هو المميت، وأن المفني هو المعيد، وأن المبتلي هو المعافي، …إلخ.
مشكلتنا أننا نكتفي تجاه الحقائق المهمة، التي يجب ترسيخها فكرًا، واستيعابًا، وفهمًا، ووجدانًا، في عمق الإنسان، في مشاعره، حتى تصل أو تتحقق النتيجة، وتثمر الثمرة، في مدى تفاعل الإنسان بناءً على تلك الحقائق، تجاه نتائج تلك الحقائق، النتائج المترتبة عليها، إن كان الإنسان فعلًا عَلِم، فَهِم، استوعب، وتيقن، وأصبح ذلك راسخًا في وجدانه، هذه الحقائق المهمة التي تبيِّن لنا أن “الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: هو مالك الموت والحياة، هو الخالق المميت، هو المفني المعيد، هو المبتلي المعافي، هو مدبر شؤون السماوات والأرض، وشؤون البشر، هو الذي رسم في هذه الحياة سُننها، وما يُبنى على ذلك في الأسباب والنتائج، هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” المهيمن، القاهر فوق العباد، القوي العزيز، هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” المحيي المميت، أمر الحياة بيده، الرزاق الذي أمر رزق العباد بيده، الذي إليه المصير، المجازي، المحاسب، المعاقب، المثيب، إلى غير هذه الحقائق مما ذكره الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في كتابه الكريم، وأنبأنا عنه رسوله وخاتم أنبيائه محمد “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، هذه الحقائق التي نُقِرُّ بها، ولكن ما مدى وعينا بها وبما يترتب عليها، من نتائج مهمة جدًّا في واقعنا.
عندما نتأمل في واقعنا العام، في الساحة الإسلامية بشكلٍ عام، يعاني المسلمون في مختلف أقطارهم وبلدانهم من تسلط الطغاة، والظالمين، والجبابرة المستكبرين عليهم، ووراء أولئك الطغاةِ الأعداء أعداءُ الأمة من اليهود والنصارى، الذين يتجهون أصلًا إلى استعمار هذه الشعوب والسيطرة عليها، عبر أولئك الطغاة الذين يتوجهون بتوجيهاتهم، يعملون وفق السياسات التي يرسمونها لهم، وهم من جانبهم يلتجئون إلى أعداء الأمة، ويرون فيهم سندًا لهم، لحمايتهم، لإعانتهم، لمساعدتهم في السيطرة على أبناء هذه الأمة.
وما ترتب على ذلك، من غياب لمبادئ الإسلام الكبرى في إقامة العدل، في إقامة القسط، في إقامة الحق، في تربية هذه الأمة بشكلٍ عام، على أساسٍ من هدي ربها، وتوجيهاته، وتعليماته في كتابه، وكذلك ما غاب من واقع هذه الأمة من إقامة المشروع الحضاري الإسلامي، الذي يُفترض أن تقدِّم به هذه الأمة النموذج المتميز الراقي، بين بقية المجتمعات البشرية، لتكون هي الأمة الرائدة في المجتمع البشري، بحضارتها الإسلامية الإنسانية، القائمة على أُسس الحق، والعدل، والخير، والقيم الإلهية. غاب كل هذا من واقع الأمة، لماذا غاب؟ لأن هناك نقصًا كبيرًا في استيعابنا لهذه الحقائق، وفي العمل بناءً على نتائجها، الانطلاقة من خلال نتائجها في واقعنا العملي.
ما يؤثر على أكثر الناس هو الرهبة، والرغبة، التي تجعلهم يتجهون في قراراتهم ومواقفهم، اتجاهًا معينًا، اتجاه الخنوع، الخضوع، الاستسلام للطغاة والجائرين والمستكبرين، بقدر ما يرهبونهم، بقدر ما يخافون من تسلطهم، وطغيانهم وجبروتهم، وبقدر ما يرغب الكثير فيه إليهم، ما ينشدونه منهم، ما يرجونه منهم، من رغائب هذه الحياة، من متطلباتها المادية والمعنوية. فهذه الحالة السائدة في واقع الأمة، على كثير من أبنائها، إلا القليل الذين لهم وجهة مخالفة، هي نتيجة البعد عن هذه الحقائق التي يُقر الجميع بها.
في مقام الإقرار؛ كلُّ مسلم هو يُقر بهذه الحقائق، لكن عند التوجه العملي؛ على أي أساسٍ يتجه؟ أين هي رهبته، وأين هي رغبته؟ أين مخاوفه المؤثرة عليه، الضاغطة عليه؟ أو أين آماله وتطلعاته ورغباته؟ إلى أين تتجه؟ هنا تقع المشكلة التي تدل على نقص كبير في العلم الحقيقي، العلم الذي يترك أثره في وجدان الإنسان، في تفاعله، العلم الذي يثمر يقينًا، أكثر من مسألة الإقرار والعلم العادي، أنه [أنا أعلم. يعني قد قيل لي ذلك وأقررتُ به، قد عرفت ذلك معرفة عادية، وأقررتُ بذلك]. المسألة أعمق من ذلك: علمٌ يترتب عليه أثر ونتيجة، في الرغبة لدى الإنسان، في التوجه لدى الإنسان.
يقين الإنسان وترسيخ هذه الحقيقة في وجدانه، أن أمر حياته وموته بيد الله، ليس بيد الناس، ليس بيد الطغاة، ليس بيد الجبابرة، هم مخلوقون كمثلك، هم- بأنفسهم- مهما بلغت إمكاناتهم، قوتهم، جبروتهم، ما بأيديهم من الإمكانات والوسائل، هم بأنفسهم أمر حياتهم وموتهم بيد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويجري عليهم أمر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وتدبيره في شؤون عباده، لن يدفعوا عن أنفسهم الموت، لهم آجال محدودة ستنتهي، عندما تنتهي آجالهم، لا يستطيعون أن يغيروا شيئًا من تلك الحقائق، أن يخلِّدوا أنفسهم في هذه الحياة، أن يردوا عن أنفسهم أمر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يأتيهم الموت فيكونون في حالة العجز التام.
أقوى ملك في هذه الدنيا، أكبر زعيم في الأرض، يقود أقوى جيش في هذا العالم، يمتلك أكبر القدرات المادية، والعسكرية، والأمنية، في هذه الحياة، عندما يأتيه الموت، وسيأتيه حتمًا، وأجله محدود، سيكون في حالة عجزٍ تام عن ردِّ ذلك، لن يستطيع أن يدفع عن نفسه ذلك، أكبر طاغية في الأرض على مرِّ التاريخ، عندما يأتيه الموت، مهما بلغ في طغيانه، في غروره، في جبروته، فرعون الذي قال عن نفسه: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}[النازعات : 24]، قال لهم: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}[القصص : من الآية 38]، منتهى الطغيان، منتهى الكبر والغرور، عندما حل به الهلاك، وأغرقه الله في قعر البحر، وهو في حالة الهلاك، ولحظة الهلاك، كان في حالة عجزٍ تام، لم يستطع أن يعمل لنفسه أي شيء، {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[يونس: من الآية 90]، حالة عجزٍ تام، بعد أن كان في حالة غرور، وطغيان، وكبرياء، ويأمر بأن يبنوا له صرحًا لعله يصعد من خلاله إلى السماء، يقول لهم: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}[القصص: من الآية 38]، وهكذا.
على مستوى الأشخاص، على مستوى الأمم، أمة من الأمم تصبح ذات قدرة ضخمة، إمكانيات هائلة، تتمكن في الأرض، يصبح لها نفود، تسيطر على رقعة واسعة من هذه الأرض، تقهر العديد من البلدان، والأمم، والجيوش، تسيطر، وتتجبر، وتتكبر، بعد مرحلة زمنية معينة، تبدأ قوتها، جبروتها يتجه نحو الضعف، نحو التراجع، نحو العجز شيئًا فشيئًا، وفي بعض الحالات: في مراحل محدودة، فتتجه من القوة إلى الضعف، تتلاشى قوتها، إمكاناتها، جبروتها، نفوذها، سيطرتها، يتراجع كل ذلك، وتصل إما إلى حالة انهيار تام، وتبقى فقط خبرًا من أخبار التاريخ، كان هناك أمة، أو دولة، أو قوم، لهم سطوة وجبروت، وإمكانات هائلة، ونفوذ كبير، وإمكانيات مادية ضخمة، وجيوش كبيرة، قهروا بلدانًا عديدة، جيوشًا كثيرة، دخلوا أمصارًا وبلدانًا متنوعة ومتعددة، فعلوا، عملوا.. أين هم؟ تلاشى كل شيء، أصبحوا خبرًا من أخبار التاريخ، لماذا؟ لأنهم عباد عاجزون، ليسوا هم من يملك الحياة، حتى يبقوا في الحياة، وليسوا هم من يملك الموت، حتى يدفعوا عن أنفسهم الموت، أو يقرروا الفناء لغيرهم، حتى لا يبقى إلا هم.
وهكذا؛ هذه الحقيقة التي إن تأملنا ما هي مصاديقها، ما هي شواهدها، على مدى التاريخ، بما حل بالأمم، بما حل بالطغاة، بالمتجبرين، بالمتمكنين، وفي واقعنا، أو في تاريخنا المعاصر، سنجد الأمثلة الكثيرة من خلال تلك الشواهد والمصاديق، تترسخ لدينا هذه القناعة، يترسخ لدينا المفهوم الحقيقي، عن هذه المبادئ المهمة، والحقائق المهمة جدًّا، لنبني على الشيء مقتضاه، أمر الحياة والموت بيد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ}[الحج: من الآية 66]، هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الذي يملك حياتكم، موتكم، قال “جَلَّ شَأنُهُ” في القرآن الكريم: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ}[البقرة: من الآية 28]، هو الذي وهبكم الحياة ابتداءً، هو الذي أحياكم بعد أن كنتم عناصر ميتة في التربة، ثم وهبكم الحياة، وجاء بكم إلى هذا الوجود، {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ}، حقيقة واضحة، لا أحد يستطيع أن يرد الموت، أو أن يلغي ويشطب هذه الحقيقة، يقول: [خلاص تبقى حياة على طول، ويُلغى الموت]، هل هناك زعيم في هذه الدنيا، ملك أو أمير أو قائد، مهما كان تمكنه، هل هناك أمة- مهما كانت مقتدرة في إمكاناتها- تستطيع أن تغير هذه الحقيقة في واقعها، تلغي الموت، تقول: [ستبقى في الحياة للأبد]، لا أحد.
{ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ}[الروم : من الآية 40]، يوم القيامة، {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[البقرة : من الآية 28]، يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[الزمر : 62]، هو الخالق لكل شيء، ما لدى العباد بكلهم: هو مجرد التصرف في نعمه، العمل في نعمه، كل شغلهم، كل ابتكاراتهم، كل صناعتهم، فيما خلقه من نِعمٍ لهم، فهم إنما يتصرفون فيها، بأشكال وأنواع التصرف، بحسب ما سخَّر الله لهم ومكنهم منه، في إطار تمكينه، وتسخيره، وخلقِه، لا يستطيعون أن يخلقوا شيئًا من العدم، أن يوجدوا شيئًا غير الذي قد خلقه الله لهم، ثم يعملون فيه، كل تصرفهم هو في إطار النعم التي خلقها الله لهم، وهبها لهم، ثم هم يتصرفون فيها بأشكال وأنواع التصرف، لكن في حدود التسخير الإلهي، في حدود ما سخَّره الله لهم، وفي حدود ما أقدرهم ومكنهم منه، تجاه تلك النعم التي منَّ بها عليهم.
يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}[فاطر : من الآية 3]، هو الذي يخلق لكم أرزاقكم، خلق لكم أصول النعم، التي تتصرفون فيها بأنواع التصرف، وفي حدود ما سخَّره لكم، {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}[فاطر :من الآية 3]، يقولوا الله: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[الأنعام : 102] ، يقول “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا}[النجم : 42 – 44]، أمر الحياة والموت بيده، الرزق بيده، هو الرزاق ذو القوة المتين، هو المفني، والمعيد أيضًا، هو القائل “جَلَّ شَأنُهُ”: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}[الرحمن : 26]، كل من عليها؛ من على الأرض: فانٍ، مصيره المحتوم هو الفناء، هل أحد يستطيع أن يرد هذه الحقيقة، هل أحد يستطيع أن يقرر لنفسه البقاء، وأن يمنع عن نفسه الفناء، لا أحد، هذا هو في إطار قدرة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وتدبيره في شؤون خلقه.
هو المبتلي المعافي، هو المبتلي وهو المعافي. والدنيا- واقع هذه الحياة التي نعيش فيها- لم تكن لتنتظم، وتنتظم أحوالها، إلا على ما جعلها الله عليه، في تدبيره الحكيم “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، من النعماء والابتلاء والجزاء في المعاد.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عندما خلقنا في هذه الحياة، جعل هذه الحياة- بالنسبة لنا- ميدان مسؤولية واختبار، نحن في حالة اختبار، وفي واقع مسؤولية، حياتنا هذه نحن نعيش فيها واقع المسؤولية، مسؤولية واختبار، ولذلك لا يمكن للإنسان أن يغير هذه الحقيقة، فيحوِّل حياته وفق أمنياته ورغباته، ويُخرج نفسه من دائرة المسؤولية والاختبار، وما يرتبط بذلك من تغير الأحوال، من الظروف التي يواجهها الإنسان في هذه الحياة، كل الناس يواجهون ظروف هذه الحياة المختلفة.
الإنسان في مسيرة حياته، منذ طفولته، إلى نهاية حياته، يمر بظروف مختلفة، من اليُسر والعُسر، من الشدة والرخاء، من الأحوال المتقلبة والمتغيرة، هو يعيش في حياته ظروفًا متنوعة، هو يُختبر فيها: كيف سيتعامل في حالة اليُسر، في حالة العُسر، في حالة الشدة، في حالة الرخاء، وأيضًا هي ترتبط أيضًا بأسباب، أسباب معينة في واقع الإنسان، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” رسم سُنن هذه الحياة، وما يترتب على الأسباب من نتائج مرتبطة بها تمامًا، فالإنسان وهو يواجه هذه المتغيرات، وهذه الأحوال المختلفة في حياته، عليه أن يكون واقعيًا ومتفهمًا، أن ظروف الحياة هذه هي ميدان اختبار، وميدان مسؤولية، لا يمكن أن أعيش فيها وفق أمنياتي، أن يكون واقع هذه الحياة وفق ما يتمناه الإنسان، وأن يحدد مسيرة حياته، ويبني مسيرة حياته، فتكون وفق ما يشاء أن تكون عليه، من دون تغيُّرٍ في شيء، الإنسان يواجه في أحواله الكثيرَ من الأشياء التي لا يرغب بها أصلًا، التي يتألم منها، التي يتضايق منها، الأشياء التي تؤلمه، يواجه حالة الشدة كما يعيش حالة الرخاء، حالة العسر كما مرّ باليسر، وهكذا أحوال متقلبة، وأحوال مختلفة.
هذه الحياة هي ميدان مسؤولية، يهمنا فيها أن نركز على أداء مسؤولياتنا بشكلٍ صحيح، وأن ندرك أن وراء هذه الحياة الجزاء، والمعاد، والحساب، وأن تلك الحياة الأبدية الدائمة المهمة جدًّا: هي نتيجة لهذه الحياة، ومترتبةٌ على طريقة أدائنا للمسؤولية في هذه الحياة، ولذلك تمتد نظرتنا، لا تكون نظرة محدودة، تتجه حصرًا إلى واقع هذه الحياة، بل تمتد إلى الحياتين الأولى والأخرى، بما بينهما من ترابطٍ تام، ترابطٍ أساسي، فنظرة الإنسان الواقعية، الواعية، الفاهمة، إلى أن هذه الحياة هي ميدان مسؤولية واختبار، ويرتبط بها حتمًا الحياة الأخرى وما فيها؛ إما من النعيم والسعادة الأبدية، أو العذاب والشقاء الأبدي، لهذا أهمية كبيرة جدًّا في كيفية تعامل الإنسان مع هذه الحياة، وواقعيته، وإدراكه لمسؤولياته، وتفهُّمه أنّ ما يطمح فيه في هذه الحياة من رغبات، ما يطمح فيه من ماديات، ما يطمح فيه من سعادة وراحة، ولا يصل إلى مستوى طموحه، أن هناك في مستقبله في الآخرة ما هو أكبر من طموحاته تلك، ورغباته تلك، ما هو أعظم، ما هو أرقى، وما هو أبقى.
ولذلك عندما يتجه الإنسان بنظرة واعية، ثم يدرك أيضًا السنن الإلهية، التي لها أهمية كبيرة جدًّا حتى في تحقيق الكثير من الأمور المهمة في هذه الحياة، وهناك تقصير كبير جدًّا في الاستيعاب للسنن الإلهية، من يتأمل واقع الأمة يعجب من حالها، يريدون القوة ويأخذون بأسباب الضعف، يريدون العزة ويأخذون بأسباب الذلة، يريدون التمكين والنصر فيأخذون بالأسباب التي تودي بهم إلى أن يكونوا أمة مغلوبة مقهورة، ليس هناك وعي كافٍ بمسألة الأسباب والنتائج وفق ما أرشد الله إليه، وعي بالسنن الإلهية وما يترتب على الأسباب من نتائج معينة، وبشكلٍ صحيح، الفهم للأسباب الحقيقية، ونتائجها الحقيقية، كما أرشد الله إليه في القرآن الكريم.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو مدبِّر شؤون السماوات والأرض، ولذلك عندما نوقن بذلك، فنتجه في مسيرة حياتنا على أساس الالتجاء إليه، السير على هديه، الارتباط به “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لهذا عندما قال “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَاحْمِلْهُ عَلَى جَهَالَتِكَ))، قد لا يستوعب الإنسان الحكمة في بعضٍ من الأمور، أو لا يدرك ما وراء بعض ما يحصل، مما يستشكله، مما يرى فيه أنه مغاير للحكمة، قد تكون بعض الأمور هي بسبب من الإنسان نفسه، وعندما يعود إلى معرفة ذلك قد يزول عنه الإشكال، أو قد يكون وراءها أيضًا حكمة يجهلها.
الإنسان يدرك أن معرفته محدودة، معرفته عن واقع الحياة، عما يجري فيها، عن الحكمة من وراء كثير من الأمور، معرفته محدودة، وجهله كبير، فإذا أشكل عليه شيءٌ من ذلك، فلا يتهم الله، لا تتحول تساؤلاته، حالة الإشكال عنده نحو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: الحكيم، العظيم، الكريم، الرحيم، القوي، العزيز. بل يدرك الإنسان حقيقة ما هو عليه من الجهل بكثير من الأمور، ((فَاحْمِلْهُ عَلَى جَهَالَتِكَ))، الإنسان خُلق جاهلًا، {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}[النحل: من الآية 78]، خرج الإنسان من بطن أمه وهو جاهل بكل شيء، ليس عنده علم بأي شيء، ثم يكتسب المعرفة شيئًا فشيئًا، وتبقى دائرة ما يجهل واسعة جدًّا، ما نجهله هو كثيرٌ جدًّا، في مقابل ما نعلمه وهو القليل جدًّا، حتى في مستوى العلم المتوفر؛ فيما قد توفر للناس، ما أعطاهم الله من العلم كمجتمعٍ بشري، يقول الله في القرآن الكريم: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء: من الآية 83].
فمستوى الجهل كبيرٌ جدًّا، ومستوى ما نعلمه في مقابل ما نجهله، ليس إلا الشيء القليل القليل، فنحن نعلم القليل كمجتمع بشري بكله، في مجموع ما أوتينا من العلم، نعلم القليل، ونجهل الكثير الكثير الكثير.
((فَإِنَّكَ أَوَّلُ مَا خُلِقْتَ جَاهِلًا ثُمَّ عَلِّمْتَ، وَمَا أَكْثَرَ مَا تَجْهَلُ مِنَ الأَمْرِ))، ما أكثر ما تجهله، شيء كثير جدًّا، ((وَمَا أَكْثَرَ مَا تَجْهَلُ مِنَ الأَمْر))، في كثيرٍ من الأمور، مما تشاهده، من أحداث تحصل، من قضايا، من مواقف، من وقائع، من متغيرات، لا تعرف الحكمة فيها، لا تعرف أسبابها، ((وَمَا أَكْثَرَ مَا تَجْهَلُ مِنَ الأَمْرِ، وَيَتَحَيَّرُ فِيهِ رَأْيُكَ))، لا تمتلك تجاهه رأيًا معينًا، لا تدري لماذا، وكيف، وعلى أي أساس؟ تبقى في حالة حيرة، ((وَيَضِلُّ فِيهِ بَصَرُكَ))، لا تمتلك تجاهه البصيرة والفهم والمعرفة، ((ثُمَّ تُبْصِرُهُ بَعْدَ ذلِكَ))، وهذا يحصل للإنسان في مسيرة حياته، ينتقل أو يرتقي في مقام المعرفة، إن اتجه على أساس الارتقاء المعرفي، والاستفادة من التأمل في واقع الحياة، والاستفادة من هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فيبصر الأشياء تدريجيًا، ثم يدرك تجاه ما كان يجهل، وجهَ الحكمة، أو الأسباب، أو الموقف الصحيح، أو ما ينبغي أن يفعل، إلى غير ذلك.
النتيجة لكل هذه الحقائق المهمة من قوله: ((وَاعْلَمْ أَنَّ مَالِكَ الْمَوْتِ هُوَ مَالِكُ الحَيَاةِ))، وتجاه واقع هذه الحياة، وأنه يخضع لتدبير الله، للسنن التي رسمها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، النتيجة لكل هذه الحقائق هي في قوله: ((فَاعْتَصِمْ بِالَّذِي خَلَقَكَ وَرَزَقَكَ وَسَوَّاكَ، وَلْيَكُنْ لَهُ تَعَبُّدُكَ، وَإِلَيْهِ رَغْبَتُكَ، وَمِنْهُ شَفَقَتُكَ))، التجئ إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتمسك به، في كل أمورك وأحوالك، اجعل الالتجاء إليه أساسًا تعتمده في مسيرة حياتك، تلتجئ إليه وتتمسك به في كل أمورك وأحوالك، وتسير على أساس هديه وتعليماته، وتثق به، وتتوكل عليه، وترجوه، وترهبه، وترغب إليه. إذا تحقق هذا في واقع الإنسان، كيف سيكون واقع حياته؟ ما الذي يمكن أن يشكل عائقًا أمام استجابته لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، تجاه تعليمات الله، أوامر الله، نواهي الله، هدي الله؟
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: الذي ((خَلَقَكَ))، تذكَّر هذه الحقيقة، هو الذي وهبك هذا الوجود، هو الذي أعطاك ما أعطاك في خلقك وتكوينك، من حواس، وأعضاء، وجوارح، وقدرات، وطاقات، ومواهب، كُلهُ منه، وأنت تعيش في إطار نعمته، ((وَرَزَقَكَ))، هو الرازق لك منذ وأنت جنين في بطن أمك، ومنذ وجودك في هذه الحياة، وخروجك إلى هذه الدنيا، هو الرازق لك، ((وَسَوَّاكَ))، هو الذي سوَّاك على هذه الكيفية كإنسان، أعطاك هذه الصورة، وخلقك في أحسن تقويم، فاعرف لله هذه المنة والنعمة، و أدرِك حاجتك إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأن الأولى بك أن ترجع إليه، وتلجأ إليه، لأنه هو ربك، المالك لك، الخالق لك، المنعم عليك، والذي مصيرك إليك.
((وَلْيَكُنْ لَهُ تَعَبُّدُكَ))، توجه إليه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بالرهبة، والرغبة المطلقة، ترهبه فوق كل شيء، ترغب إليه فوق كل شيء، تثق به، تلتجئ إليه، تسير وفق هديه، تخضع لتعليماته، تطيعه، تأتمر بأمره، ((وَإِلَيْهِ رَغْبَتُكَ))، ارغب إليه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” فوق كل شيء، ((وَمِنْهُ شَفَقَتُكَ))، حاذر الوقوع في أسباب سخطه وعذابه وغضبه؛ لأن المسألة خطيرة عليك، لا تتجه إلى الآخرين على حساب ما ينبغي أن تكون عليه تجاه الله، فتنصرف عن نهج الله من أجلهم، عن هدي الله، رهبة منهم ورغبة إليهم.
هذه الحقائق إذا تيقَّنها الإنسان واستوعبها كما ينبغي، ستترك أثرها في حياته، فيتحرك على هذا الأساس، اتجه برغبته ورهبته إلى الله بثقته إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وإذا انطلق مجتمعنا المسلم على أساسها، فهي كفيلة بأن تحرره تمامًا من هيمنة الطغاة والمستكبرين، والجبابرة الظالمين، والمفسدين في الأرض، ثم يتجه على أساس تعليمات الله، وتوجيهات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لما لها من أثار إيجابية عظيمة، تَصلُح بها حياة الناس، وتستقيم بها شؤونهم.
نكتفي بهذا المقدار.
وإن شاء الله نعود إلى الدروس المباركة من يوم السادس عشر من شهر ذي الحجة؛ لأننا قادمون على العيد، وما بعد العيد أيام التشريق، وبقية أيام العيد، إلى غير ذلك، الناس عادةً ينشغلون فيها بالزيارات، وصلة الأرحام، وغير ذلك، فإن شاء الله نكون على موعدٍ للقاء بكم في هذه الدروس القيمة، والمباركة، والمفيدة، والتي سيأتي فيها الكثير من النصائح القيِّمة، والتعليمات المهمة، في جوانب كثيرة من شؤون الإنسان، سلوكه، تصرفاته، تجاه كثير من الأمور التي تتعلق بها هموم الإنسان، ومشاكله، وظروفه في هذه الحياة، حِكَم مهمة، وقيمة، ومفيدة، ونافعة، قدَّمها أميرُ المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ” عُصارةً وخلاصةً لما استفاده من هدى الله من القرآن الكريم، وهو قرين القرآن، من كان مع القرآن والقرآن معه، هو قرين الحق، من هو مع الحق والحق معه، وأيضًا خلاصةً لتجربته في مسيرة حياته، ليس هذا فحسب، وأيضًا تجربة السابقين من الأمم والأقوام، الذين سطَّر الله قصصهم في القرآن الكريم، وأيضًا في التاريخ؛ سطَّر التاريخ قصصهم، فقال في وعيه واستيعابه لتجربتهم: ((حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ))، استيعاب عميق لتجربتهم، وقدَّم الخلاصة في هذه الوصية المباركة والمفيدة.
نَسْأَلَ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن يُوَفِّقَنَا وَإيَّاكُمْ لمِا يُرضِيهِ عَنَّا، وأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَارَ، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّــــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتـــُه؛؛؛