نص الدرس الثامن لقائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي من وصية الإمام علي لابنه الحسن – عليهما السلام 08-12-1444 هـ 26-06-2023 م:
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيم.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَوَات: السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُــه؛؛؛
وصلنا في سياق الحديث والتعليمات القيِّمة في وصية أمير المؤمنين لابنه الحسن “عَلَيهِمَا السَّلَامُ”، إلى قوله: ((وَأَنْ أَبْتَدِئَكَ بِتَعْلِيمِ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّوَتَأْوِيلِهِ، وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَأَحْكَامِهِ، وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، لَا أُجَاوِزُ ذلِكَ بَكَ إِلَى غَيْرِهِ))، حدد الأولويات في المسار التعليمي، التي ينبغي التركيز عليها ابتداءً، وأن تكون في مقدمة ما هو مهم وما هو مطلوبٌ تعليمه للجيل الناشئ، الإنسان أحوج ما يكون كمسلمٍ إلى أن يوجه اهتمامه في التعلُّم بتعلُّم كتاب الله “عَزَّ وَجَلَّ”.
تحدثنا بالأمس عن أهمية القرآن الكريم، وما يمثله لنا بحسب انتمائنا الإسلامي، ما يمثل من أهمية لنا في ديننا، في حياتنا، فيما نكتسبه منه، من الوعي، والمعرفة الواسعة، والبصيرة، والنور، والهداية، إلى غير ذلك.
((ثُمَّ أَشْفَقْتُ أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَيْكَ مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ أَهْوَائِهِمْ وَآرَائِهِمْ مِثْلَ الَّذِي الْتَبَسَ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ إِحْكَامُ ذلِكَ عَلَى مَا كَرِهْتُ مِنْ تَنْبِيهِكَ لَهُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ إِسْلَامِكَ إِلَى أَمْرٍ لَا آمَنُ عَلَيْكَ بِهِ الْهَلَكَةَ، وَرَجَوْتُ أَنْ يُوَفِّقَكَ اللهُ فِيهِ لِرُشْدِكَ، وَأَنْ يَهْدِيَكَ لِقَصْدِكَ، فَعَهِدْتُ إِلَيْكَ وَصِيَّتِي هذِهِ))، مع الاهتمام في المعارف الدينية بكتاب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في إتقان قراءته، وتلاوته، وفي معرفة علومه، وفي الاهتداء به، وفي التعلم لشرائع الإسلام، والسعي لمعرفة الحلال والحرام، كأولوية في مسار التعليم، يأتي أيضًا تحصين الجيل الناشئ من الالتباس في المجال الثقافي، والفكري، والعقائدي، بما يسبب لهم الزيغ عن الحق، أو التأثر بالشبهات، أو الانحراف الفكري، فهذا الجانب يعتبر أيضًا جانبًا مهمًا جدًّا، أن يكون هناك وعي في المجال الفكري، والعقائدي، وفي مختلف المسائل ذات العلاقة بالأمور الدينية، التي قد يُثير فيها أهل الضلال والباطل الالتباس.
الاختلاف الواسع في واقع الناس بشكل عام، في الساحة الإسلامية، ومن خارج الساحة الإسلامية، الاختلاف العقائدي، والفكري، والثقافي، الاختلاف في أمور الدين، الاختلاف الذي- أيضًا- كان إلى جانبه الجدل، كان إلى جانبه النشاط الاستقطابي الواسع، كان إلى جانبه السعي الدائم للإقناع من طرف لطرف، من جهة لجهة، كلٌّ يسعى لأن يقنع الآخرين بعقائده، بأفكاره، بمفاهيمه، بثقافاته، مثَّل إشكالية كبيرة في الواقع العام للمجتمع، المجتمع البشري. مثلاً في الساحة الإسلامية أثّرت على الناس، الاختلافات الواسعة في عقائدهم، في ثقافاتهم، في الفهم لأمور دينهم، أثرت عليهم تأثيرًا سيئًا، ومثَّلت ثغرة، ينفذ من خلالها أهل الضلال، في السعي للانحراف بالناس عن عقائدهم الحقة، عن اتجاهاتهم الصحيحة، عن ما هم عليهم من النور والهدى، فأتى عملٌ واسع في داخل الساحة الإسلامية، ومن خارجها أيضًا، للتأثير الفكري، والاستقطاب الفكري، والتأثير على الناس في إثارة الالتباس عليهم حتى تجاه القضايا الواضحة، والعقائد البينة، فمثلت هذه المشكلة، مشكلة حقيقية في الساحة الإسلامية، لابد تجاهها من الوعي، وهناك أسس مهمة جدًّا تساعد على تحصين الجيل الناشئ، بدءًا بمعرفتهم القوية بالحق، وبراهينه وأدلته، حتى يصل الإنسان إلى درجة اليقين في معرفته بالحق، وبأدلة الحق.
الإنسان إذا كانت صلته بهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قوية؛ بالقرآن الكريم، ففيه النور العظيم، وفيه الدلائل الكافية على الحق، بما يصل بالإنسان إلى درجة اليقين، وإلى الوعي الكافي، إضافةً إلى الاستفادة من شواهد الواقع، من شواهد الحياة التي تزيد الإنسان بصيرةً، ووعيًا، ويقينًا، ثم إضافة إلى تركيز الإنسان على هذا الجانب أن يحرص على زكاء نفسه، أن يكون زاكي النفس، واتجاهه في هذه الحياة اتجاه صحيح، اتجاه عملي قائم على أساس تقوى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والالتزام بأمره ونهيه.
وزكاءُ النفس له أهمية كبيرة تجاه تحصين الإنسان من الزيغ، من التأثر بالباطل، من التأثر بالشبهات؛ لأن الإنسان إما أن يُؤتى من قصور فهمه، من قصور وعيه، من ضعف معرفته بالحق، وبراهين الحق، وأدلة الحق، وإما أن يُؤتى من زكاء نفسه، فلو اتضح له أمر الحق، لكنه يميل بنفسه، من خلال هوى نفسه، يميل إلى الباطل، يتأثر بالباطل، يراه الأقربَ إلى هوى نفسه، أو إلى عقَده النفسية، أو إلى مشاكله النفسية، وأزماته النفسية، التي تذهب به باتجاه تبنّي الباطل، والانسجام معه، ولهذا يعتبر من المخاطر الكبيرة على الإنسان تجاه البعض من المعاصي والذنوب، ومنها المعاصي النفسية كالكبر، التي لها جذور في عمق الإنسان في قلبه، كالكبر، والعجب، والغرور، والبعض من المعاصي السيئة جدًّا تجر الإنسان إلى الزيغ، إلى الانحراف عن طريق الحق، كذلك إذا كانت صلة الإنسان وعلاقته بالحق في مقام الاتباع، والعمل، و الالتزام، صلةً ضعيفة، فهذا قد يصل به أو يدفعه إلى الزيغ؛ لأنه لم يعرف قيمة الحق، لم يتجه في الواقع العملي على أساس الاتباع للحق، والتمسك بالحق، والالتزام العملي به، فحينئذٍ قد تكون النتيجة أن يزيغ عن طريق الحق، وهي حالة خطيرة جدًّا.
البعض من الناس قد يتعجل في الاتجاه نحو معرفة ما يقدمه الآخرون، من فئات الضلال، والباطل، قبل أن يصل في معرفته بالحق وبراهينه إلى المستوى الكافي، إلى المستوى المطلوب، لا يزال عنده قصور كبير، عرف معرفة سطحية، أو معرفة محدودة، ثم اتجه إلى أن يطًّلع على ما يقدمه الآخرون.
الآخرون بزخارف قولهم من فئات الضلال، من خلال الشُبه التي يقدمونها لتثير الالتباس، وكأنها أدلة، وكأنها حجج، ولكنها مجرد شُبهة؛ لأنها تشبه الدليل، وليست بدليل، تقدم الباطل وكأنه يشبه الحق وليس كذلك، لكن في عملية زخرفة، وتلبيس، وتلفيق، وتبرير، تصل بمن هو قاصر الوعي، قليل المعرفة، قليل الفهم، لم يصل إلى درجة اليقين، إلى أن يتأثر، إلى أن يتزحزح، وبالذات إذا لم يكن قد انطلق من خلال أسس، وثوابت، قوية، راسخة، واضحة، وصل فيها هي إلى درجة اليقين؛ لأنه من أهم ما ينبغي التركيز عليه: استيعاب الأُسس الكلية، واستيعاب المفاهيم الأساسية، واستيعاب الثوابت بالقدر الكافي، إذا استوعبها الإنسان بالقدر الكافي، فهو يرجع إليها في التفاصيل، حتى التفاصيل التي لم يصل فيها لقلة اطلاعه، أو لقصور فهمه، أو لضعف معرفته، لم يصل فيها إلى المعرفة الكافية، أو القناعة الكافية، لكنها مجرد تفصيل معين، أما ذلك الثابت، أو تلك الأُسس، فهو أصبح منها على يقين.
وتبدأ المسألة بالأُسس الجامعة، أين هي طريق الحق والهدى، بمن أتمسك، على أي طريق أسير، من هم أهل الحق بالمستوى الإجمالي، هذا عليه الدلائل الواضحة، والبراهين الواضحة، النيرة، القوية، التي تجعل الإنسان يسير في طريق الحق، فإذا لم تتضح له بعض المسائل التفصيلية لقصور فهمه، أو لقلة اطلاعه، وقلة معرفته، أمكنه أن يحتمي ويطمئن إلى ذلك الأساس، إلى ذلك الثابت، ثم يسعى لمعالجة ما يعانيه هو، من قصور الفهم، من قلة الاطلاع، من قلة المعرفة، ويعالج مشكلته تلك تجاه تلك الجزئية التفصيلية، فمسألة الاحتماء من الاختراق الثقافي والفكري، من أهم المسائل، وزادت أهميتُها في هذا الزمن.
في هذا العصر هناك تراكمات في مسألة الاختلافات، والتباينات العقائدية، والثقافية، والفكرية الدينية، هناك تباينات واسعة جدًّا، وتراكمات على مدى الزمن، هناك اختلاف على مدى العصور والأزمان، تعمَّق، توسَّع، ازداد، امتد إلى كثير من التفاصيل، وفي هذا الزمن هو أكثر من أي زمنٍ مضى. والمختلف عما قد مضى من الزمان في هذا العصر هو: الوسائل، والتقنيات، والإمكانات في النشر، النشر المعرفي، والفكري، والثقافي، والإعلامي، هذا العصر عصر القنوات الفضائية، عصر شبكة الإنترنت، عصر المطابع التي تطبع الكميات الهائلة من الكتب. في الزمان الماضي كانت الوسائل محدودة في التعليم والتلقين بشكلٍ محدود، وأيضًا في التأليف بالقلم والحبر، حرفًا حرفًا يُكتب الكتاب.
فمستوى النشر والتوزيع كان لا يزال محدودًا، مستوى التواصل والإيصال، التواصل الثقافي، والفكري، والإعلامي، والإيصال والنشر للمفاهيم في هذا العصر بشكل ٍهائلٍ جدًّا، في اللحظة الواحدة يمكن النشر إلى مختلف البلدان، في قضية معينة يصل النشر فيها والحديث عنها، والأطروحات بشأنها في مقالات، وكتابات كثيرة جدًّا متباينة، وتنتشر إلى معظم الناس، تصل إلى مئات الملايين من البشر في وقت واحد، فهناك في هذا العصر انتشار كبير جدًّا، وهناك نشاط تثقيفي توعوي، واسع جدًّا، ومن خلال تلك الوسائل التي يمكنها أن تصل إلى كل منزل، إلى كل بلد، فنجد مثلًا في القنوات الفضائية جزءٌ أساسيٌ من أنشطة الكثير منها هو التثقيف الديني، والتوجيه الديني، والتعليم الديني، والتقديم للمفاهيم الدينية، وبذلك الحال من الاختلافات، والتباينات، ولفئات متباينة، منها فئات ضالة واضحة الضلال، منها فئات ظهرت مؤخرًا في هذه العصور، قدمت نفسها كأديان جديدة، ولديها عقائد جديدة، ومع المعتقدات كذلك تفاصيل في الأمور الدينية، مختلفة عن منهج الإسلام، مثلما هو حال البهائية، والأحمدية، وغيرهم، فئات كثيرة جدًّا.
في الساحة الإسلامية كذلك ظهرت تيارات جديدة كالتيار الوهابي، ونشطت، وقدمت معتقدات جديدة كفَّرت فيها أبناء الإسلام، عمومًا من كل المذاهب الإسلامية، وقدمت مفاهيم معينة، ومعتقدات، وأفكار، ولديها توجهات معينة، وهكذا في الساحة الإسلامية، كم من المذاهب، من التيارات، من الاتجاهات، ومن خارجها، والموضوع يتسع ويزداد مع الوقت.
فالكثير من الناس في مواقع التواصل الاجتماعي، أو في مشاهدة القنوات الفضائية، يتجه إلى الاطلاع، أو الإصغاء لشُبه معينة، أو في مواضيع معينة، لم يكن قد عرف عنها ابتداءً ومسبقًا بشكلٍ صحيح، وعرف براهينها وأدلتها، ولم يكن قد امتلك المعرفة الكافية بشأن تلك المواضيع، فسرعان ما يتأثر، سرعان ما تؤثر فيه تلك الشُبه، التي تُستغل للتأثير على قاصري الوعي والفهم، وهذا أثَّر على البعض من شباب الأمة، من شباب الأمة الإسلامية، في بلدان متعددة، إلى درجة أن بعضهم كما تحدثنا سابقًا ارتد عن الإسلام، يعني تخيلوا هناك نشاط حتى للإلحاد، هناك نشاط لفئات مخالفة للإسلام جملةً وتفصيلًا، هناك نشاط لفئات تضرب الشخص المسلم في المفاهيم الصحيحة للإسلام، تحت عناوين متعددة، ولذلك في مسألة التربية للجيل الناشئ يجب أن نحرص على أن يكون مُحصَّنًا من الاختراق الثقافي، والفكري، وأن يكون بعد أن يصل إلى الدرجة المطلوبة في معرفة الحق، في معرفة المسائل المهمة ابتداءً، أن يكون على معرفة بعد ذلك بالشُبه التي يقدمها الآخرون، بآرائهم الضالة، والشُبه التي يستندون إليها، وأن يكون على وعيٍ تجاه ذلك، ومعرفة بالأدلة الواضحة لإبطال تلك الشبه، وإبطال تلك الأقوال المنحرفة عن منهج الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
فمسألة التحصين للجيل الناشئ، من التأثير، أو من التأثر بالاختراق الثقافي الفكري مسألة مهمة جدًّا، والمسلك التعليمي يبتدئ ما قبل ذلك: بترسيخ المفاهيم الصحيحة، المبادئ الصحيحة، العقائد الصحيحة، المعارف الصحيحة، وأدلتها، وبراهينها، والوعي الكافي عنها، حينئذٍ لا يتأثر الإنسان أبدًا بما يطلع عليه من شبه الآخرين، من أقوالهم المنحرفة، هذه مسألة مهمة جدًّا.
قال “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ، أَنَّ أَحَبَّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِهِ إِلَيَّ مِنْ وَصِيَّتِي: تَقْوَى اللهِ، وَالاقْتِصَارُ عَلَى مَا فَرَضَهُ اللهُ عَلَيْكَ، وَالأَخْذُ بِمَا مَضَى عَلَيْهِ الأَوَّلُونَ مِنْ آبَائِكَ، وَالصَّالِحُونَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَدَعُوا أَنْ نَظَرُوا لِأَنْفُسِهِمْ كَمَا أَنْتَ نَاظِرٌ، وَفَكَّرُوا كَمَا أَنْتَ مُفَكِّرٌ، ثُمَّ رَدَّهُمْ آخِرُ ذلِكَ إِلَى الأَخْذِ بِمَا عَرَفُوا، والْإِمْسَاكِ عَمَّا لَمْ يُكَلَّفُوا)).
الجانب المعرفي: ما نتعلمه من معارف الدين، وعلوم الدين، أهميته تعود إلى العمل والالتزام، ولذلك يأتي التركيز في المعارف الدينية على ما كلّفنا الله به، على ما أمرنا به، على ما وجهنا إليه، هذا على مستوى التركيز في المعرفة، والاطلاع، والقراءة، هي المسألة المهمة، المسألة العملية، الجانب العملي ما يتعلق به، ما له صلة بما فرضه الله، حتى في جانب المعرفة، الله في القرآن الكريم في بعض الأمور يقول واعلموا، واعلموا، واعلموا، اعلم، وهكذا فما يأتي فيه الأمر من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ما أمرنا الله وأراد منا أن نتعرف عليه، أن نعلمه، وأن نتحرك على أساسه في مجال العمل، فهذا هو المهم من المعارف الدينية؛ لأن المسألة مبنية على الاهتمام العملي، التوجه العمل، التحرك العملي.
مسؤوليات الإنسان في هذه الحياة واسعة، اهتماماته العملية كبيرة، شواغله العملية كثيرة، وهناك اهتمامات واسعة في هذه الحياة، ليست المسألة أن الإنسان فقط سيتفرغ طول عمره لمجرد القراءة، العلم وسيلة للعمل، مرتبط بالعمل، ولذلك ليست المسألة بحال مبنية على أن الإنسان سيتفرغ عن كل الأعمال طول عمره، يترك كل مجالات العمل، هناك مجالات عملية هي في إطار المسؤولية الدينية، وهناك مجالات عملية هي ضرورية في الحياة، في حياة الناس، الناس يتحركون فيها ضرورةً، وبإذن من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هم يبتغون من فضل الله، يتجهون في إطار مسؤوليتهم الأساسية، في الاستخلاف في هذه الأرض، لعمرانها، للاهتمام بمعايشهم فيها، بشؤون حياتهم المختلفة فيها، هذا شيء طبيعي، هذا شيء البناء عليه، ليس خروجًا عن نهج الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ليس بحد ذاته إعراضًا عن منهج الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، إذا التزم الإنسان فيه بمنهج الله؛ لأن منهج الله، وهدايته، وتعاليمه: هي أساسًا تتجه إلى واقعنا العملي في مختلف شؤون الحياة، وليست برنامجًا خارجًا، وزائدًا، ومنفصلًا، عن واقعنا العملي ومسؤولياتنا العملية، وشؤون حياتنا المختلفة، فيأتي التركيز العملي على الالتزام بتقوى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، من خلال الالتزام بأوامر الله، والانتهاء عن نواهيه، والحذر من مخالفة تعاليمه، وتوجيهاته، بما يترتب على ذلك من عواقب خطيرة جدًّا، وعواقب سيئة على الناس، في حياتهم في الدنيا وفي الآخرة.
((وَالاقْتِصَارُ عَلَى مَا فَرَضَهُ اللهُ عَلَيْكَ، وَالأَخْذُ بِمَا مَضَى عَلَيْهِ الأَوَّلُونَ مِنْ آبَائِكَ، وَالصَّالِحُونَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ))، أهل الحق، الذين قد عرفت أنهم كانوا على طريق الحق، على منهج الحق، لا تَحِد عن طريقتهم، لا تحاول أن تتجه بعيدًا عما كانوا عليه، أو أن تحاول أن تستحدث لك وتبتدع لك اتجاهات مخالفة، لما كانوا عليه وهم أهل الحق، وأيضًا استفد منهم بأن هذا كان اتجاههم، هم ركزوا على أن يقتصروا على ما فرضه الله عليهم، وعلى ما ينبغي معرفته، ما هو مطلوب منك أن تعرفه من أمور دينك، ولم يتجهوا إلى أن يتوسعوا في ذلك بشكلٍ لا ضرورة له، لا حاجة له في مقام العمل، وينشغل به على حساب العمل، على حساب الاهتمام بالمسؤوليات العملية.
((فَإِنْ أَبَتْ نَفْسُكَ أَنْ تَقْبَلَ ذلِكَ دُونَ أَنْ تَعْلَمَ كَمَا عَلِمُوا، فَلْيَكُنْ طَلَبُكَ ذلِكَ بَتَفَهُّمٍ وَتَعَلُّمٍ))، قد تتجه الرغبة لدى الإنسان أن يحاول أن يعرف أكثر، أن يتعمق في بعض المسائل أكثر وأكثر، زيادةً على ما يفي بالاحتياج العملي، على ما يفي بما فرضه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في مقام العلم والمعرفة، يريد أن يتوسع، فهذا التوسع إذا كان على أساس التأمل في مسائل غامضة، أو البعض من الناس عادةً ما يكون كثير التساؤل، التساؤل في مسائل خارج إطار ما يكفيه معرفته، ما يكفيه الإيمان به، ما يكفيه للاستقامة على أساسه، وهو سبيل نجاة، إنما يزداد تساؤل وبحث عن غوامض الأمور، وعن علل بعض المسائل، وتكثر عنده التساؤلات، هذه حالة قد يكون لها نتائج سلبية لدى الإنسان، يحتاج إلى أن يتعامل معها بحذر وانتباه؛ لأن البعض من التساؤلات التي يشغل الإنسان نفسه بها، ويتوسع بها.
البعض طبيعة عنده يحاول أن يبحث له عن إشكالات، عن استفسارات، عن تساؤلات، عن..، ويثير على نفسه إشكالات معينة، شُبهًا معينة، ويؤثر على نفسه بذلك، فإذا كان يريد المزيد من التعمق في المجال المعرفي، في المسائل الدينية والعقائدية، يقول “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((فَلْيَكُنْ طَلَبُكَ ذلِكَ بَتَفَهُّمٍ وَتَعَلُّمٍ))، المنطلَق هو منطلق نقي، ليس بحثًا عن التهرب من الالتزام العملي، ليس بحثًا عن التهرب من التزامات عملية معينة، مثلًا البعض لا يرتاح لبعض الحقائق الدينية؛ لأنها لم تنسجم مع هوى نفسه، فيكون عدم انسجامها مع هوى نفسه، دافعًا للتهرب منها، والبحث عن استشكالات حول تلك المسألة، ليتهرب منها، الباعث الحقيقي، الدافع الحقيقي ابتداءً كان عقدةً نفسية، كان إشكالًا نفسيًا قبل أن يكون إشكالًا يعود إلى أصل المسألة، أو إلى دليلها، هي مسألة واضحة، دليلها واضح، حجتها واضحة، برهانها بيّنٌ، ساطع كالشمس، لكن الإشكال كان في المقدمة: عقدة نفسية، إشكالًا نفسيًا، فيبحث الإنسان عند ذلك؛ لأنه يريد أن يتخلص من تلك المسألة، التي يراها تمثل حجة عليه، وبالتالي إشكالًا أمام عقدته النفسية، وما بناه عليها من تهرب في مجال العمل، أو مجال الاتباع، أو مجال الالتزام، هذا الدافع دافع سلبيٌ سيءٌ لا يصل بك إلى نتيجة صحيحة، أنت تريد أن تزيغ، أنت تريد أن تبحث عن الشُبه، أنت تريد أن تبحث عن الإشكالات، هي كثيرة، وستزيغ، والله غني عنك، {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف: من الآية 5]، -والعياذ بالله.
عندما يكون أيضًا عند الإنسان تقصير، لم يعطِ المسألة ما تستحق من الفهم الصحيح، من المعرفة الصحيحة، من خلال ما قُدمت به، وقُدم عليها من أدلة، وبراهين، وإيضاحات، مجرد اطلاع محدود، معرفة محدودة، واتجه بعيدًا عن ذلك، ليبحث عن إشكالات، واستفسارات، وأقوال، وشُبه، هذا يؤثر عليه، يؤثر عليه تأثيرًا سلبيًا، لذلك يجب أن يكون المنطلَق، منطلقًا سليمًا، هو منطلق التفهم، بدءًا بالاطلاع الكامل، بالوضوح الكامل للمسألة عندك، كما هي، كما قُدمت في إطار الحق وأهله، أن تستوعبها بالشكل الكافي، بالشكل تام، وبإصغاء، وبتفهم، وبتعلم.
((لَا بِتَوَرُّطِ الشُّبُهَاتِ، وَعُلَقِ الْخُصُومَاتِ))؛ لأنك إن ورطت نفسك فيما يشوب، ما تطلع عليه، ما تتجه إليه، ما تستشكله حتى أنت من شبهات، فالشبهات هي ورطة حقيقيةٌ لك، تضيعك، تضيعك عن الحق، تجعل نظرتك إلى الحق نظرة مشوشة، ليست صافية، ليست صحيحه، ليست مكتملة، وبالتالي يمكن أن تنحرف بك عن الحق.
((وَعُلَقِ الْخُصُومَاتِ))، كذلك عندما يتجه الإنسان وهو متأثر بردود الفعل التي تأتي مع الجدل، والنقاش، والتعصبات، التعصبات الكبيرة جدًّا في مجال الجدل، والنقاش، ويصبح أيضًا يندفع بذلك الاندفاع، التعصب لما قد أراد أن يتبناه من فكرة معينة، أو وجهة نظر معينة، أو رؤية معينة، وهي باسم الدين، أو باسم أمور مهمة ذات علاقة بالواقع العملي الديني، تكون المسألة عندما يدخل الإنسان في إشكالية الخصومات، وردود الأفعال، وما يرتبط بها من عصبية، وتعقدات، وإصرار على الباطل، وتمحُّل، وتكلُّف للاستشهاد بما ليس شاهدًا في الحقيقة، أو قادحًا في الحق، إلى غير ذلك، تكون المسألة حينئذٍ لا توصل الإنسان إلى أي نتيجة، وإنما تكون دافعًا نحو الزيغ، والضياع.
((وَابْدَأْ قَبْلَ نَظَرِكَ فِي ذلِكَ بِالاسْتِعَانَةِ بِإِلهِكَ، وَالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ فِي تَوْفِيقِكَ))، ليكن منطلقك حتى في الجانب التعليمي، والبحث التعليمي، والاطلاع العلمي في المسائل العلمية الدينية، ليكن مبنيًا على الاستعانة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لا تغتر بنفسك، تقول: [أنا ذكي، عندي ذكاء خارق، وفاهم، وسأستقل برؤيتي وتفكيري، ولا أحتاج إلى شيءٍ آخر]، اُشعر بحاجتك إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، التجئ إليه، استعن به، ارغب إليه في أن يوفقك.
((وَتَرْكِ كُلِّ شَائِبَة أَوْلَجَتْكَ فِي شُبْهَة))، لا تعتمد على المصادر المشوبة بالأباطيل، والتي تورطك وتدفع بك نحو الشبه، لا تعتمد على الأقوال المسمومة، على الأفكار المسممة، على المصادر التي هي مصادر لإنتاج الباطل، من جهات الباطل نفسه، وبالتالي تقدم لك ما تقدمه مشوبًا بما يشوِّش عليك تفكيرك، وبما يورطك ويدفعك نحو التأثر بالشبه.
((أَوْ أَسْلَمَتْكَ إِلَى ضَلَالَة))، البعض من الأفكار، البعض مما يقدم من الأطروحات والرؤى، قد تُسلِمك إلى ضلالة، مؤداها، نتيجتها أن تصل بك إلى أن تتورط للقناعة بالضلال، أو برؤية ضالة، أو بعقيدة ضالة، أو بفكرة ضالة.
((فَإنَّ أَيْقَنْتَ أَنْ قَدْ صَفَا قَلْبُكَ فَخَشَعَ، وَتَمَّ رَأْيُكَ فَاجْتَمَعَ، وَكَانَ هَمُّكَ فِي ذلِكَ هَمًّا وَاحِدًا))، إن أيقنت أن قد صفا قلبك، فاتجهت اتجاهًا صافيًا، ليس هناك شوائب في نفسك، لم يكن الذي دفعك للبحث في تلك المسألة، أو ذلك الموضوع، أو تلك القضية، عقد نفسية أو كِبر، أو دوافع سلبية سيئة، انطلقت من واقعٍ صافٍ خالص، خاشعًا لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، همك أن تصل إلى الحق.
((وَتَمَّ رَأْيُكَ فَاجْتَمَعَ))، أصبح عندك وجهة محددة واضحة، لا تنطلق مشوش، ملتبس، مضطرب من الأساس، انطلق من أسس صحيحة، من ثوابت صحيحة، في اتجاه صحيح وواضح.
((وَكَانَ هَمُّكَ فِي ذلِكَ هَمًّا وَاحِدًا))، هو رضا الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والوصول إلى الحق، دون الزيغ عنه والانحراف عنه.
((فَانْظُرْ فِيَما فَسَّرْتُ لَكَ، وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ لَكَ مَا تُحِبُّ مِنْ نَفْسِكَ، وَفَرَاغِ نَظَرِكَ وَفِكْرِكَ، فَاعْلَمْ أَنَّكَ إِنَّمَا تَخْبِطُ الْعَشْوَاءَ، وَتَتَوَرَّطُ الظَّلْمَاءَ، وَلَيْسَ طَالِبُ الدِّينِ مَنْ خَبَطَ أَوْ خَلَطَ، والإِمْسَاكُ عَنْ ذلِكَ أَمْثَلُ))، إذا لم تتهيأ لك كل هذه الظروف، وكل هذه الشروط، لتنطلق من خلالها في المزيد من البحث والمزيد من التعمق في المسائل، فلا داعي، لا داعي لأن تشغل نفسك بذلك؛ لأن الاتجاه الذي في هذه الأمور إذا لم يكن من أسس صحيحة، وفق هذه الشروط المهمة جدًّا، فالإنسان قد ينحرف، وقد يزيغ، وقد يضل، والمسائل الدينية تختلف عن غيرها من المسائل، الخطأ فيها خطير جدًّا، الضلال فيها خطير جدًّا، قد يصل بك إلى أن تتدين لله بالباطل، قد يصرفك عن شيءٍ من الحق هو من أهم ما في الحق، قد يؤثر عليك في اتجاهك العملي، قد يجعلك حتى وإن اتجهت ولا زلت مؤمنًا بتلك الأسس إلى حد ما، لكنك تنطلق مضطربًا، مشوشًا، لا تنطلق ببصيرة، بقناعة تامة، باطمئنان تام، بيقينٍ كما ينبغي أن تكون عليه، وبالتالي تكون انطلاقتك العملية قوية وبما فيه الكفاية؛ لأنك تنطلق من أرضية ثابتة.
الحالة التي ينطلق الإنسان فيها وهو مشوش فكريًا، ثقافيًا، عقائديًا، وهو مضطرب، هي حالة سلبية جدًّا، قد تصل به في الأخير إلى الضلالة بعد الهدى، والكفر بعد الإيمان، وهي من أسوأ الحالات خطورةً على الإنسان، أن يضل بعد الهدى، أن يزيغ عن الحق بعد ما كان في طريق الحق، أن يكفر بعد الإيمان، من أسوأ أسباب الخذلان- والعياذ بالله، القضية خطيرة جدًّا على الإنسان.
ولذلك إذا لم يتجه الإنسان على أساس صحيح، فالمسألة ستكون ((فَاعْلَمْ أَنَّكَ إِنَّمَا تَخْبِطُ الْعَشْوَاءَ))، تكون متخبطًا، كمن يتجه لا يعرف الطريق، وليس له وجهة معينة، وهو مضطرب من هنا إلى هنا، متخبط في مسيرته، ((وَتَتَوَرَّطُ الظَّلْمَاءَ))، تورط نفسك في الليل البهيم المظلم، بعيدًا عن معرفة الحق، وبالتالي لا تتخلص عما أنت عليه، إنما تتجه من واقع مظلم إلى واقع مظلم آخر، وهكذا، ومن جهة مظلمة إلى جهة مظلمة أكثر، إذا لم تكن منطلقًا على أساس صحيح، وتوجه صحيح.
فطلب الدين لا ينبغي أن يكون التوجه فيه توجهًا عشوائيًا، ينطلق الإنسان على أسس، على ثوابت، على يقين، على بصيرة، على هدى، والدلائل واضحة، والحق واضح، لكن عندما ينطلق الإنسان بشكلٍ عشوائي، أو يقتصر على رأيه هو وهو قاصر الفهم، ضعيف الاطلاع، فقد يخبط في توجهاته، ويخلط بين الحق والباطل، بين الدليل والشبهة، تلتبس عليه الأمور، فالأفضل له أن يمسك عن ذلك، وأن يتجه أصلًا في الوعي بالأسس والثوابت، وأن يسير في إطار ما فرضه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وأمر به، والدلائل عليه واضحة، كافية، بيِّنة. القرآن الكريم يقول الله عنه: {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ}[الحديد : من الآية 9]، {قُرْآنٌ مُبِينٌ}[يس: من الآية 69]، كتاب {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ}[الزخرف : 2] ، هدى واضح، بيِّن، والحق يأتينا عن الهداة، واضح، بيِّن، لا يبقى الإنسان هو أن يتوجه بعناء، ليورط نفسه، وهذا يحصل للكثير من الناس فيضيع في نهاية المطاف- والعياذ بالله.
في الجوانب التعليمية في مسائل الدين، لابد أن تكون في اتجاه صحيح، ولها أولوياتها، ومساراتها، وهذه مسألة مهمة في التربية للنشء، الجيل الناشئ يحتاج إلى عناية، ومنهجية تعليمية صحيحة، البعض من الناس- للأسف الشديد- يتجه بابنه عندما يتعلم مثلًا وهو لا يزال في مرحلة معينة، لكن مثلًا الأولويات عند البعض ما هي في هذا العصر، الأولويات عند البعض في كثير من بلداننا الإسلامية أن يتعلم اللغة الإنجليزية أولًا، إضافة إلى ذلك، يقوم البعض بإرسال ابنه، أو يوافق على إرسال ابنه إلى المجتمعات الغربية؛ لأنهم يقولون أن تلك هي أحسن طريقة لتعلُّم اللغة الإنجليزية، فيرسلون البعض إلى أمريكا، أو إلى أوروبا، ليعيش في ذلك المجتمع، وهو في مرحلة لا يزال بحاجة مُلِحَّة جدًّا إلى العناية التربوية، والتعليمية، والتثقيفية، ثم يصل إلى ذلك المجتمع ويعيش في مجتمع كافر، مختلف تمامًا عن مجتمعه الإسلامي، مجتمع لا يعطي أي اعتبار للحلال ولا للحرام، فوضى عارمة، وليس هناك التزام ولا قيمة للضوابط الأخلاقية والشرعية والإنسانية، مجتمع يعيش حالة حيوانية بهيمية، فيتأثر في ذلك المجتمع، ويُمسخ. يعود بعد عامين، ثلاثة أعوام، وقد مُسخ بشكل تام. حالة خطيرة جدًّا، يكون الأب مسؤولًا أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عن تضييعه لابنه، حالات كثيرة تُشبه هذه الحالات.
حالات البعثات الدراسية يجب أن يسبقها أيضًا تحصين ثقافي وفكري، وتأصيل للهُوية والانتماء الإسلامي والإيماني، وإلا فقد يتعرض البعض للتأثير من جهة الآخرين: بثقافاتهم، بمعتقداتهم، بأفكارهم، أو على الأقل يرجع وهو مهزوز، مهزوز في مدى إيمانه، وعيه، ثباته، تمسُّكه، اعتزازه بانتمائه للإسلام، بانتمائه الإيماني، فيعود وهو مهزوز، ولم يعد معتزًا بذلك، فهذه الأمور يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في الجوانب التربوية، وقد كَمُلَ هذا الجانب في هذه الوصية، وسنأتي إن شاء الله في الدرس القادم لندخل في مواضيع أخرى ذات أهمية كبيرة جدًّا.
نَسْأَلَ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن يُوَفِّقَنَا وَإيَّاكُمْ لمِا يُرضِيهِ عَنَّا، وأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَارَ، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّــــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتـــُه؛؛؛