وجه فخامة المشير الركن مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى مساء اليوم، خطابا مهما للشعب اليمني بمناسبة العيد الـ 33 لقيام الوحدة اليمنية، فيما يلي نصه:
الحمدُ للهِ وحدَهُ، نصرَ عبدهْ، وأعزّ جندهْ، وهزمَ الأحزابَ وحدهْ، والصلاةُ والسلام على من لا نبي بعدهْ، وعلى آله الأطهار، وارضَ اللهمّ عن صحابتهِ الأخيارْ، والتابعين له بإحسانٍ إلى يومِ الدين وبعد..
بمناسبةِ الذكرى الثالثةِ والثلاثينْ لقيامِ اليمنِ الواحدِ والموحَّد، يسعدني ويشرفني بالأصالةِ عن نفسي وبالنيابةِ عن زملائي – في المجلس السياسي الأعلى للجمهورية اليمنية – أنْ أتقدم بخالصِ التهاني والتبريكات إلى شعبنا اليمني العزيز، وإلى قائدِ ثورتهِ الخالدةِ السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظهُ الله، وهيَ موصولةٌ لكلِّ العلماءِ الأجلَّاءِ وكافّةِ النُّخَبِ اليمنيةِ في جميع المجالاتِ والتخصصاتِ، كما لا يفوتني أنْ أُهنَّيءْ بهذهِ المناسبة حكومةَ الإنقاذِ الوطني وأبطالَ قوَّاتنا المُسلّحةِ والأمن، وكافةِ قبائل اليمنِ الوفية، وكلَّ رفاقِ السلاحِ وشركاءِ الموقف من مشايخَ وأعيانَ ومناضلين، وهي أيضاً لكلِّ الشرفاء والأحرار من أبناءِ وبناتِ اليمن في الداخلِ والخارج.
أيها الأخوة والأخوات
تأتي هذهِ المناسبة العزيزةِ على قلوبنا في خِضَمٍّ هائلٍ من الأحداثِ والمتغيراتِ المتسارعةِ محلياً وإقليمياً ودوليا، وهذه الأحداثُ في مُجملِ ما تحملهُ من تحدياتٍ وفرصٍ تُظهر لنا – كشعب يمني وكأمة مسلمة بشكل عام – مدى الحاجة المُلِحّةِ للاعتصامِ بحبلِ الله، وبكلّ ما دُعِيَ اليهِ في كتابهِ المجيد من مبادئِ السلام والتسامح والتصالح، وتُحَتِّمُ على الجميعِ استعادةَ كل معانِي الإخاءِ والتعاونِ والتكاملِ وغيرها من معالي الأمورِ التي هي في جوهرها امتداداتٌ مضيئةٌ لمعاني الوحدةِ والأُلفةِ بينَ أبناءِ البلدِ الواحد، والشعبِ الواحد، والأمةِ الواحدة، ولعل من الصّادم للغايةِ أن خصومَنا ومرتزقتَهم لا يدركون – حتى الآن – خطورةَ القفزِ على هذه المعاني النبيلةِ والتّنكرِ لهذا الاحتياجِ المُلِحِّ والصّارم، ولا يستشعرونَ أيضاً كارثيةَ الإصرار والاستمرار على ما هم عليه من الصَّلفِ نحونَا ونحو شعبنا المحاصَرِ منذ تسعِ سنين على التوالي، وما يمكن أن يُفضي إليهِ كل ذلك من تداعياتٍ سَتُحَوِّلُ حتماً دون الجاهزية العامة للأمة، والاستعدادِ الجَمعِي المفترضِ للتقارُبِ الحقيقي والمصالحات الجادّة كمتطلباتٍ أساسيةٍ لمواجهةِ التحدياتِ والاستحقاقاتِ المستقبليةِ للمنطقة، والبحث عن موقعٍ أفضل في سلم النظام العالمي الجديد الذي تؤذن بميلادهِ مخاضاتُ الحراكِ العالميِّ وتحولاتهِ المنظورة.
أيها الشعبُ اليمنيُّ العظيم، يا جماهيرَ أمتنا العربية والإسلامية
إنّ من المؤسفِ للغاية، أن نرى الأمم الأخرى تسابق الزمنَ في كل مرحلة، وتحضِّرُ نفسها عندَ كلِّ تحولٍ للقفزِ إلى الأعلى، والاستحواذِ على كلِّ أسبابِ التأثيرِ والفاعليةِ والدورِ والمكانةِ.
في حين نرى أمتنَا في كل مرحلةٍ وعندَ كل تحولٍ تقفزُ إلى الأسفل وتزدادُ هواناً وتفكُّكَاً، وفي هذه المرحلةِ العصيبةِ من تاريخ أمتنا والتي تقتضي منّا جميعاً التسامي على الجراح – ورصِّ الصفوفِ ووقفِ التبايناتِ والمكايداتِ والصراعات، واستعادةِ كلِّ معاني الوحدة – يؤسفنَا أننا مازلنا نرى أخوةً عرباً لاهمَّ لهم إلا كيفَ يُفتتونَ ويُمزقونَ وحدةَ اليمنِ الميمون، وكيف يَتفننونَ في حصارِ وتجويع شعبه المظلوم.
حتى ونحن نحتفلُ بوحدتنا اليمنيةِ يكثُرُ اليومَ الحديثُ عن الانفصالِ وتكثرُ دعواتُ التقسيمِ والأقلَمَةِ والشرذَمة، وكل هذهِ الأصوات والدعواتِ النَّشاز تتلقى كاملَ الرعايةِ والدعمِ من تحالفٍ عربيٍ يُفترضُ أن يكونَ شقيقاً لا عدواً ولكنهم لا يفقهون، وقبل يومينِ فقط استضافَتْ قيادةُ التحالفِ ما يُسمى بالقمّة العربية، وقد كُنّا نتمنّى من مُجمَلِ أُخوتِنَا العرب أن يكونوا قد تغيّروا، وأن يفاجؤونَا بتفكيرٍ جديدٍ ومُختلفٍ بُحكمِ التطوراتِ التي تُوجِبُ عليهم فعلاً أنْ يتغيروا وأن تتغير طريقةُ تفكيرهم السلبي تجاهَ أمتهم بشكلٍ عام، وتجاهَ بلدهم الثاني (اليمن) بشكل خاص، لكنهم وبكلِّ أسَفٍ أخفقوا في صُنع أي شيءٍ من ذلك.
لم يحاول المجتمعونَ في القمة أن يتذكروا بأن صنعاءَ أحدُ الأعضاءِ الستةِ المؤسسينَ لهذهِ الجامعة، ولم تحاول الجامعةُ العربيةُ أن تلتزمَ بأبسطِ الأدبياتِ الدبلوماسيةِ تجاهَ أهدافها التأسيسيةِ فتستشعرَ مثلاً بأهميةِ مباركةِ بلدٍ عربي يحتفلُ بالذكرى الثالثةِ والثلاثينَ لقيامِ وحدته، ونسِيَتِ الجامعةُ النظرَ إلى موضوع الوحدة اليمنية كخطوةٍ على طريق الوحدةِ العربية التي تُعتبرُ أحدَ أهم الأهداف المعلنة لهذه الجامعة.
أكثر من ذلك تمسك البيان العربي المشتركِ بالقرار 2216 كمرجعية للسلامِ في اليمن مع أن مبعوثي السلام إلى اليمن – وكبار الباحثين في المراكز العالمية – يُجمعون اليومَ على أن هذا القرار يُطيلُ أمدَ الحرب، ويُغلقُ الطريقَ نهائياً أمامَ أيِّ مفاوضاتِ سلامٍ أو حلٍّ سياسيٍّ جادٍّ باعتبارهِ يدعو صراحةً إلى استسلامِ صنعاء، وصنعاء كما تعلمونَ صاحبة أطولِ تاريخٍ سياسيٍ وعسكري على المستوى العربي ككل، وقاموسها الحضاري وإن كان يمتليءُ بكل مفردات الخير والمحبة والسلام إلا أنه يخلو تماما من أي شيءٍ اسمه الاستسلام.
وإضافة إلى كل الملاحظاتِ السابقة، وبدلاً من حثِّ كلِّ الأطرافِ الحقيقيةِ والثانويةِ في هذه الحرب – وتشجيعها على السلام العادل والشامل – جاء البيانُ العربيُّ المشترك ليؤكّد على الاستمرار في دعمِ مجلس العار المُعيّنِ أساساً من دول العدوان، والمشكَّلِ من بِضْعَةِ أشخاصٍ موزعين في فنادق الشَّتَاتِ على حسابِ أربعينَ مليون يمني محاصر، وكأن الحربَ القائمة حرباً أهليّة بحتة لم تُعلن من العاصمةِ الأمريكية واشنطن ولم يُكتبْ بيان إعلانها باللغة الإنجليزية، ولم تُنَفّــذْ منذُ تسعِ سنينَ عبرَ تحالفٍ من دولٍ متعددةٍ بقيادةِ المملكة العربية السعودية في قفزٍ معيب على الواقعِ وعلى كل ما يَدخل ضمن معنى الحقيقة واحترام الذات.
أيها الأخوة والأخوات يا جماهيرَ شعبنا اليمني وأمتنا العربية والإسلامية
إننا في اليمنِ لا نتوسلُ إلا الله، ولا نعتمدُ إلا عليه، ولا نثق إلا به سبحانهُ هو مولانا ونعم النصير، وقد أردتُّ من وراءِ هذا العتابِ الأخويِّ التنبيهَ فقط إلى أن العقليةَ التي تسير بها أنظمتُكُم وجامعتكُم العربية ماتزال عاجزةً عن إدراكِ واجباتها تجاهَ قضايا الأمة، وهكذا عقلية مأساوية لن يكون بمقدورها أن تحرز لأمتنا أيّ موقعٍ متقدمٍ في النظام العالمي المُرتقب والذي تُنذرُ بميلادهِ التمخُّضَاتِ الكونية؛ ولذلك فإنَّ أمتنا – بكل إمكاناتها ومقدراتها الهائلة – مثلما بقيَتْ مجردَ أمةٍ تابعةٍ تقبَعُ تحتَ رحمةِ الأممِ الأخرى لمائةِ عامٍ مضت، ستبقى أيضا على موعدٍ مع مائةِ عامٍ أخرى من الوهن والضعف، ولا شيء سيتغيرُ مالَمْ تدرك الأمة قاطبة – حكاما وشعوبا – حاجتها الماسة إلى المراجعة والتصحيح، واستعادةِ خيراتها وسلامها الداخلي وهذا أمر لم ولن يتأتَّى إلا باستشعارِ الجميع أهميةَ العدل في القول والفعل والإنصاف من الذات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكلُّ الأمم التي ذلَّت وهانت إنما كُتب عليها الذلة والهوانُ لأنَّهم كما قال الله (كانوا لا يتناهونَ عن مُنكر فعلوه).
وفي هذا السياق أؤكد للجميعِ بأنّ اليمنَ هو اليوم المقياس الصحيح لتصحيحِ المواقف، وهو الفِلترُ الحقيقي لبيان الصدق من الكذب، اليوم بلادُنا تُعَرّي كلّ الزيفِ فلم يعد في مقدورِ أمريكا ولافي مقدور الغربِ عموماً أن يُلقوا عليكم محاضراتٍ في حقوق الإنسانِ بعد أن صنعوا في اليمن – بأسلحتهم وتواطئهم واصطفافهم – أسوأَ أزمةٍ وكارثةٍ إنسانيةٍ في التاريخ.
لقد تضمّن بيانُ جدّة أيضا كلاما جميلا وفريدا عن سيادة الكثير من البلدان ووحدة وسلامة أراضيها ولكن ما إنْ وصلَ إلى البند المتصلِ باليمن حتى وضع مصداقيةَ كل ذلك الكلام الجميل في مهبِّ الريح، وتعاملَ مع اليمن وكأنه وشعبه ووحدته وسلامة أراضيه حمىً مستباحاً وهو في الحقيقة حمىً ممنوع، وهذا أمر ستثبته الأيام والسنين إن شاء الله.
إنّ الموقفَ من وحدة اليمن ومن حصار الشعب اليمني، ومعاناته وحرمانه من ثرواته ومرتباته هو الفيصَلُ بين الجِدِّ واللعب، وبين الأخلاق والسقوط، وإني آملُ من الجميع سرعةَ المراجعةِ والتصحيح قبلَ فوات الأوان لأنّ التاريخَ لا يرحم، واليمن أيضا لن يرحم.
وفي الختام أجدد التهاني لشعبنا اليمني العزيز بمناسبة ذكرى وحدته الخالدة وأقف بكل قوة إلى جانب مظلومية أهلنا في الجنوب وفي الشمال وحقهم التام في إصلاح وتصحيح مسار الوحدة وكل ما لحقهم ولحقنا جميعا من مآسي النظام البائد والعدوان الغاشم وأدعو جميع الفرقاء اليمنيين وكل الخصوم في شمال الوطن وجنوبه إلى مغادرة مربع الخارج المعتدي على أهلهم وبلدهم، والالتقاء بعد ذلك على كلمة سواء إخوة أعزاء كرماء فإن الخلل في النفوس وليست في الوحدة ولا في المبادئ والقيم، وتعالوا جميعاً إلى حُكمٍ محلي واسع الصلاحيات، وإلى ميثاق شرفٍ على دروب العلياءِ والمحجّة البيضاء، وعلى محضِ النقاء والوفاء، والعدلِ وتغليب الحكمةِ والعقل، وحقنِ الدمِ والتزامِ القيم، ومناهضةِ الظلم والإرهاب، ورفض الاستبداد والفساد، وصَوْنِ الحرية والسيادة والاستقلال، وعلى إخراجِ الأجنبي من مياهِنَا وأراضينا، ولنوقّعَ جميعنا هذا الميثاق تحتَ رعايةِ ورقابةِ هذا الشعب العظيم فهو أكرم وأعز ويجب أن تثقوا في إيمانه وحكمته أكثر بكثير من ثقتكم بالخارج بهذا تفلحوا ويفلح اليمن وبدونه تسقطون أكثر، وأمّا اليمن فسيفلح أكثر وأكثر.
تحيا الجمهورية اليمنية
المجد والخلود للشهداء
الشفاء للجرحى
الحرية للأسرى
والنصر لليمن وشعبها العزيز
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .