يصادف يوم غدٍ السبت الـ 17 من شهر رمضان المبارك، ذكرى غزوة بدر الكبرى التي حدثت في مثل هذا اليوم من السنة الثانية لهجرة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.
ولأهمية هذه المناسبة الدينية وما تحتله من مكانة في قلوب المسلمين عامة واليمنيين بصورة خاصة، تظل غزوة بدر الكبرى حدثاً مهماً في تاريخ الإسلام لما مثلته من علامة فارقة بين الإسلام والكفر والحق والباطل.
ورغم فارق الإمكانيات بين المسلمين بقيادة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وقوى الشرك والضلال لكفار قريش، سجّل التاريخ الإسلامي معركة بدر، في أنصع صفحاته كحدث أبرز وانتصار كسر كبرياء وغطرسة قوى الضلال وهزم عتاولة الشرك والطغيان.
غزوة بدر التي كان عدد المسلمين فيها لا يتجاوز 313 مقاتلاً، مثلت أول مواجهة عسكرية بين المسلمين والكفار وأول غزوة في تاريخ الدعوة الإسلامية خاضها النبي عليه الصلاة والسلام ضد المشركين.
وتعتبر غزوة بدر معركة فاصلة في تاريخ الإسلام، سماها الله عز وجل بيوم الفرقان، كما قال تعالى: “ومآ أنزلنا علىٰ عبدنا يوم ٱلفرقان يوم ٱلتقى ٱلجمعان”، ففرق بها سبحانه بين الحق والباطل، وأعلى فيها كلمة الإيمان وأظهر دينه، ونصر نبيه وحزبه.
وتناول القرآن الكريم غزوة بدر الكبرى في 82 موضعاً في سورة آل عمران بقوله تعالى” وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{121} إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ{122} وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{123} إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ{124} بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ{125} وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ{126} لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْيَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ{127} لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ{128}.
وورد ذكرها في سورة الأنفال قال تعالى “وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ﴿٧﴾ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴿٨﴾ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴿٩﴾ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿١٠﴾.
وفي سورة الأنفال أيضا قال تعالى:” إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ﴿١١﴾ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴿١٢﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿١٣﴾ ذَٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ.
وتتوالى الآيات البينات في حث المسلمين على قتال المشركين فيقول عز وجل” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ﴿١٥﴾ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿١٦﴾ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿١٧﴾ ذَٰلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ﴿١٨﴾ .
مثلت غزوة بدر الكبرى فرقانًا بين الحق والباطل والعبودية للأهواء والقوانين والتقاليد والعادات وبين الرجوع إلى لله الواحد الذي لا إله غيره، ولا مشرع إلا إياه، وكان الانتصار في بدر إيذاناً ببداية نهاية الوثنية في شبه الجزيرة العربية.
وبهذا الصدد يتحدث مستشار رئيس المجلس السياسي الأعلى العلامة محمد مفتاح لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) عن عظمة غزوة بدر والدروس المستفادة منها في الصبر والثبات والجهاد لإعلاء كلمة الله وبذل الغالي والنفيس لإحقاق الحق وإبطال الباطل، والتوكل على الله مع الأخذ بالأسباب.
واستعرض الحديث الذي دار بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه من المهاجرين والأنصار في خوض المعركة مع المشركين ورؤيتهم في ذلك، بما فيهم الصحابي الجليل سعد بن معاذ رضي الله عنه الذي قال يا رسول الله: “قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحقّ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة؛ فامض يا رسول الله لما أردت، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدواً غداً، وإنا لصُبر في الحرب صدق في اللقاء، ولعلّ الله يريك منا ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله”.
وأشار العلامة مفتاح، إلى أن غزوة بدر شكلت هزيمة مدوية وغير مسبوقة وخسارة فادحة لقريش، كسرت شوكتهم واهتزّت على إثرها مكانتها بين قبائل العرب.
فيما عرّج مفتي محافظة تعز العلامة علوي بن سهل بن عقيل، على الدروس المستفادة من غزوة بدر التي حدثت في شهر رمضان في الوحدة الإسلامية وإصلاح ذات البين، وما يتطلب ذلك من توحيد صف الأمة وتعزيز الأخوة الإيمانية لمواجهة التحديات التي تواجهها الأمة.
وأشار إلى ضرورة أخذ الأمة بالأسباب في عوامل النصر على الأعداء من خلال إعداد العدة كما قال تعالى ” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم”، مبينا أن غزوة بدر أول معركة للمسلمين ولولاها لما أٌقيم الدين كما ورد في قوله عليه الصلاة والسلام: “اللهم إنْ تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد”.
بدوره أفاد عضو رابطة علماء اليمن طه الحاضري، بأن غزوة بدر هي أول لقاء مسلح بين الإسلام والكفر بقيادة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، كما قال تعالى “ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة”.
وقال “خطاب الله تعالى في الآية الكريمة ليس للصحابة فقط وإنما الخطاب موجهة لنا جميعاً أن الله نصرنا في بداية الإسلام قبل عدة قرون ونحن أذلة وهو قادر على أن ينصرنا الله في كل الحالات، فهي مناسبة حيّة، ونحن بحاجة إليها في مواجهة العدوان الأمريكي السعودي”.
وأضاف الحاضري ” حتى وإن تم تزويد تحالف العدوان بالأسلحة والذخائر الأمريكية والفرنسية والإيطالية والألمانية، فإن الله وعدنا بالنصر وما شاهدنا من بطولات في مواجهة قوى العدوان، أشبه بالمعجزات”.
وتبقى غزوة بدر واحدة من أهم المعارك الملهمة لليمنيين نحو طريق النصر، والتمكين على الأعداء، خاصة في ظل معركتهم مع تحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي، ما يتطلب الأخذ بالأسباب وإذكاء ضمير الأمة الإسلامية وتوحيد كلمتها وصفوفها والاستفادة من أحداثها المليئة بالدروس والعبر، والتحرك الفاعل بالتوكل على الله، والاعتماد عليه والثقة بنصره.