صنعاء – سبأ:
تتجلّى عظمة المناسبات الدينية في اليمن، بحلول أول جمعة من رجب الحرام التي تصادف ذكراها دخول اليمنيين في الإسلام وإيمانهم بالرسالة المحمدية عبر مبعوثه إليهم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
ويُحيي أهل اليمن، الجمعة الأولى من رجب، لارتباطهم الوثيق بالهوية الإيمانية، والدعوة الإسلامية إذ ناصروا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحملوا راية العقيدة وساهموا في نشرها بأرجاء المعمورة.
ويتخذ اليمنيون هذه الجمعة، عيداً دينياً يعبّرون فيه عن حمدهم لله تعالى وشكرهم على نعمة الإسلام ويبتهجون فيها باحتفالات وابتهالات وموشحات دينية وإنشادية وذكر الله عز وجل.
ويهتم اليمنيون بإحياء “جمعة رجب”، كونها حدثاً مهماً في تجديد العهد والولاء والارتباط بالإسلام وتعزيز القيم والمبادئ واستحضار الفضائل التي ساروا عليها منذ القدم، خاصة ما يتصل بزيارة الأهل والأقارب وصلة الأرحام والتوسيع على الأهل وغيرها.
وتوارث أبناء اليمن العادات والتقاليد المعززة للهوية الإيمانية، بإحياء مناسبة جمعة رجب في المساجد من خلال الحلقات وإلقاء المحاضرات، خاصة في ظل محاولة دول تحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي طمس الهوية الإيمانية اليمنية.
ويختص اليمنيون بهذه المناسبة التي نقلتهم من الكفر والشرك والإلحاد إلى عبادة الواحد الديان، بخلاف عيدي الفطر والأضحى اللذان يعتبران عيدين لجميع المسلمين، بينما عيد جمعة رجب خاص بأهل اليمن، يتفردون بها باعتبارها جزءاً من مورثهم الثقافي وهويتهم الإيمانية التي تؤكد ارتباطهم بالرسالة المحمدية منذ دخولهم الإسلام.
وتحيط بجمعة رجب أجواء ايمانية وروحانية، منذ الصباح والمسارعة إلى المساجد لاستماع المواعظ حول هذه المناسبة التي تُعد من نعم الله على أهل اليمن في تقلدهم الأوسمة والنياشين الربانية والنبوية واستذكار الدروس والعبر من هذه الذكرى.
وتتعدد أوجه الاحتفالات بعيد جمعة رجب في العاصمة صنعاء والمحافظات، لمكانتها الدينية والتاريخية المرتبطة بدخول الإسلام إلى اليمن ووصول الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه مبعوث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى صنعاء والصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه، إلى منطقة الجند.
ففي جامع الجند بمحافظة تعز، دشنت السلطة المحلية بالمحافظة ومكتبا هيئة الأوقاف والإرشاد فعاليات ذكرى جمعة رجب بعنوان “جمعة رجب مناسبة مهمة وأساسية في الحفاظ على هوية شعبنا الإيمانية وترسيخها في نفوس وعقول الأجيال في الحاضر والمستقبل”.
وأشار محافظ تعز صلاح بجاش إلى أهمية إحياء جمعة رجب ذكرى دخول أهل اليمن في دين الله أفواجاً، بما يسهم في الحفاظ على الهوية الإيمانية.
وتطرق إلى بركة جمعة رجب التي تجلّت في ليلة الإسراء والمعراج، كما تجلّت في مسجد معاذ بن جبل الذي بُني بأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، كمركز إشعاع وإشباع العقول بالعلوم النافعة والثقافة المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله الكريم.
وعبر المحافظ بجاش عن الأمل في أن تعود لجامع الجند صدارته ومكانته العلمية والدينية، بما يعزز من الوعي والتمسك بالهوية الإيمانية اليمنية.
فيما اعتبر نائب وزير الإرشاد وشؤون الحج والعمرة العلامة فؤاد ناجي، احتفال اليمنيين بجمعة رجب، شكراً لله على نعمة الإسلام وتجديداً بالسير على العهد والهوية الإيمانية التي عنونها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما بلغه إسلام أهل اليمن، فسلم عليهم ثلاثاً.
وأشار إلى أن دخول أهل اليمن في الإسلام، نصر مؤزر للأمة الإسلامية وتحول في تاريخ الرسالة المحمدية وإضافة نوعية للأمة على يد النبي عليه الصلاة والسلام .. موضحاً أن اليمنيين ظلوا يذودون عن الإسلام حتى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلاقتهم وطيدة مع الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه.
وقال “ذكرى جمعة رجب حدث تاريخي، دخل أهل اليمن دين الله أفواجا بطريقة مشرفة وهي حالة استثنائية اختلفت فيها بقية بلدان الإسلام التي خضعت للسيف، لكن في اليمن لم يكن فيها فتح، كما هو فتح مكة ومصر والعراق”.
وأضاف” خضع اليمنيون لمنطق العقل والحكمة والحجة في دعوتهم لدين الله، وهو ليس بغريب عليهم، حيث سجّل القرآن الكريم مواقف مشرفة لهم ومثال ذلك إسلام مملكة سبأ على يد ملكتهم بلقيس لنبي الله سليمان عندما دعاهم إلى دين الله وخضعوا بمنطق الحجة والعقل”.
وذكر العلامة ناجي أن مواقف أهل اليمن المشرفة استمرت على مر التاريخ، حتى فجر الدعوة الإسلامية التي انطلق مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل اليمن ياسر بن عامر وولده عمار بن ياسر وسمية الذين كانوا من أوائل من استشهد في تاريخ الإسلام.
وبين أن أنصار رسول الله عليه الصلاة والسلام من قبيلتي الأوس والخزرج بعد التحاقهم بالإسلام، كانوا يمثلون قاعدة صلبة لانطلاق دين الله في بدايته الأولى ودرعاً واقياً للإسلام ورسوله ودخلوا في الإسلام بطريقة مشرفة فاستحقوا أن يكونوا أنصاراً لدين الله.
ولفت نائب وزير الإرشاد إلى توالي مواقف أهل اليمن حتى دخلوا في دين الله أفواجا في السنة الثامنة من الهجرة في الجمعة الأولى من رجب، على يد مبعوث النبي عليه الصلاة والسلام الخاص إلى اليمن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
وقال “ما إن وصل الإمام علي إلى صنعاء وحط رحاله والتقى بعلية القوم من أبناء اليمن وقرأ عليهم رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى انخرطوا في دين الله أفواجاً وقد سجّل القرآن الكريم تلك اللحظة بسورة النصر التي اعتبرت دخول اليمنيون الإسلام نصراً وتحولاً كبيراً في تاريخ الدعوة الإسلامية ونزل قوله تعالى “إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا “.
وفي الجامع الكبير بصنعاء، تحيي وزارة الإرشاد وهيئة الأوقاف ذكرى جمعة رجب، بندوات ومحاضرات وفعاليات دينية، يتحدث فيها أصحاب الفضيلة العلماء عن أهمية هذه المناسبة.
ويؤكد العلماء أن ذكرى جمعة رجب، مناسبة عظيمة وجليلة، تتجلى في هذا الشهر الكريم، فضلاً عن خصوصيتها في نفوس أبناء اليمن ومكانتها في قلوبهم لاستجابتهم لأمر الدعوة الإسلامية ومناصرتهم للرسول الكريم صلوات الله عليه وعلى آله.
وتتناغم أصوات التسابيح منذ صباح يوم الجمعة في معظم المساجد، بالذكر والتهليل والتكبير، في دلالة واضحة على ما تحتله جمعة رجب من أهمية وتميز عند أهل اليمن، ممزوجة بالنكهة التاريخية والنفحات الإيمانية والمحمدية والقرآنية.
حيث يقول إمام وخطيب جامع النزيلي بصنعاء الشيخ مهدي الغويدي، “ذكرى جمعة رجب رابع أعظم الأعياد بعد عيدي الفطر والأضحى والمولد النبوي”.
ويضيف ” الاحتفال بجمعة رجب، إنما هو احتفال بالتوحيد والهداية والهوية الإيمانية”.
وتساءل الشيخ الغويدي” ألا يستحق هذا اليوم الحمد والشكر والاحتفال كما قال سبحانه وتعالى ” قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰالِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ”.
ومهما حاول أعداء الأمة طمس الهوية الإيمانية اليمنية وتبديلها بهوية وثقافة غربية، يظل اليمنيون بإحياء ذكرى جمعة رجب متمسكون بهويتهم الإيمانية وتجسيدها سلوكاً وعملاً.