صنعاء – سبأ: مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي
“تتصف مسيرة الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رحمه الله بأنها حركة إحيائية غيرّت الواقع، وغيرت الفرد، والمجموع، وقدمت نموذجاً مُلهماً في التغيُّر والتغيير، واستطاعت تكوين مجتمع وأمة موحدة بإتجاهٍ واحد، وهذا يعود لعدد من العوامل، أهمها عامل التربية والتعليم وسببيتُهما”… العلامة حمود الأهنومي.
يتساءل العلامة المجاهد حمود الأهنومي في مقدمة كتاب له عن “التربية في فكر الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي” صدر في العام 2017 عن لجنة الثقافة بالمجلس الزيدي الإسلامي، عن محل مخرجات التعليم النظامي من الإعراب في مسيرة حركة “التغيُّر والتغيير”، والتي تكاد تكون “مُنعدمة”، على عكس ما قدمه الشهيد القائد من فكر إحيائي استطاع خلال فترة وجيزة أن يُحدث كل هذا التغيير الذي نراه اليوم، وما ترتب على ذلك التغيير من وقائع غيّرت تاريخ اليمن والمنطقة، وصار اليمن بفضل ذلك الفكر المستنير فاعل إقليمي لم يعد بالإمكان تجاوزه أو تجاهله في رسم مسار ومصير المنطقة سلماً وحرباً، حيث نجح سلام الله عليه في التأسيس لتربية وطنية فاعلة ومؤثرة تصل الى الهدف وتحققه في ذات الوقت.
وعلى العكس من ذلك ما رأيناه من الأنظمة اليمنية المتعاقبة في الخمسة العقود الأخيرة من خطط تنموية تناطح السحاب، لكن لا أثر لها في حياة اليمنيين، بل وكانت وبالاً على الشعب اليمني، وظل اليمن ولخمسة عقود متتالية مجرد تابع مسلوب القرار والإرادة والثروات والسيادة.
الكاتب الأهنومي في كتابه يتحدث عن مفهوم التربية في فكر الشهيد القائد بمسمياتها المختلفة، وفي الصدارة منها التربية الإيمانية والجهادية، ومصادرها: بدءا بالقرآن الكريم، ومروراً بحركة الأنبياء صلوات الله عليهم، وأهل البيت عليهم السلام، والعظماء من أعلام الإسلام، وأهمية العقيدة السوية والتواصي بالحق والصبر في مسيرة البناء التربوي القرآني، ووسائل التربية، وطرقها، وتشخيص واقع التربية في اليمن، والمساعي الصهيونية والأميركية للسيطرة على المناهج التعليمية وتدجينها وخلق مجتمع إسلامي مُدجن ومُنبطح ومُصهين، ومخاطر الفكر الوهابي المتطرف، وأهمية الثقافة القرآنية في بناء التربية الوطنية والهوية الإيمانية، خاتماً يسرد نماذج من التربية الخاطئة، والأسباب التي حالت دون نجاح التربية المادية السائدة في خلق “أمة واحدة”، ورؤية الشهيد القائد حول التأسيس لتربية سليمة تقود الى “أمة ناهضة”.
استند الباحث في كتابه على المنهج الوصفي القائم على جمع وتصنيف ووصف وتحليل المقولات التي تتحدث عن التربية من ملازم السيد حسين رحمة الله عليه، واستخلاص النتائج، وعرضها على واقع حركة أنصار الله، والمراحل التي مرت بها المسيرة القرآنية المباركة.
وتكمن أهمية هذا الكتاب في الكشف عن كلمة السر في النمو المطرد والمتسارع لحركة أنصار الله، والقابلية الشعبية المتزايدة في الاتساع لفكرها، وتحولها من جماعة حبيسة في جبال مران ومحافظة صعدة، محاربة ومقموعة من النظام اليمني السابق، الى حركة تحرر وطني، تحكم بلداً كان الى الأمس القريب مجرد مكب لنفايات أعراب الدرعية، وساحة مفتوحة لكل ذئاب العالم، وبفضل الله والنهج التربوي القويم الذي أرساه الشهيد القائد ها هو اليوم يمن الإيمان والحكمة يناطح طُغاة الإمبريالية وعُتاة الصهيونية وأحذيتهم الإقليمية بعزة وإباء وكبرياء وأنفة ونِدية وقوة وتمكين.
وهذا مُعطى طبيعي لأي حركة ثورية تحررية تنطلق من فكر قرآني إحيائي واضح المعالم، وأسس وطنية جامعة، وهوية إيمانية جهادية تأبى الضيم والخضوع والخنوع، وتحترم ذاتها ووطنها وشعبها ودينها وأمتها، وترفض المساومة والمتاجرة بسيادة وطنها وكرامة شعبها.
ولا عجب فنحن أمام فكر ثوري عقلاني إحيائي يساري، قوامه فقه المصلحة والتقدم، وجوهره العمل، نمى وترعرع في محيط ملغوم بالتكفير وتزييف الوعي والارتداد عن الحرية والتقدم والحضارة باسم الإسلام، وحمل على عاتقه مهمة محاربة قوى التخلف والاستبداد والتكفير والفساد والتزييف.
وللأسف الشديد لم تحظى ملازم الشهيد القائد رحمة الله عليه حتى الأن بالاهتمام، فقد كان الرجل صاحب رؤية قرآنية ثاقبة في قراءة الواقع المُثخن بالأزمات والحروب، واستشراف مستقبل الأمة، ولهذا تهيّبه النظام السابق، وحاول مرات عديدة التخلص منه في عقد التسعينيات، خدمة للأسياد في الدرعية والبيت الأسود، الذين رأوا في هذا الشاب العلوي خطراً داهماً على الكيان اللقيط في فلسطين المحتلة ومصالح الشيطان الأكبر في المشرق المشتعل بالحروب والأزمات المفتعلة، بشهادة ساستهم ومُنظريهم.
ورغم نجاح النظام اليمني السابق في القضاء على السيد جسداً، لكنه فشل في القضاء عليه فكراً وثورة اقتلعت ذلك النظام من جذوره بعد سنوات معدودة، بقوة الإيمان وسلامة المقصد، وأصبح ذلك الفكر وقوداً لشبابٍ عاهدوا الله على المُضي في درب الشهيد القائد واستكمال مشروعه التحرري في نسختيه الوطنية والقومية، وفي سنوات معدودة أصبح مجاهدي يمن الأنصار حديث كِبار المنظرين العسكريين في العالم، وأصبحت بطولاتهم محط إعجاب كل أحرار العالم.
وقد كان الشهيد القائد سلام الله عليه من السبّاقين للتنبيه من خطر المساعي الأميركية والصهيونية لتغيير المناهج الإسلامية في الوطن العربي حيث تحدث في خطبة له بتاريخ 29 أغسطس 2003 عن بدء الأميركيين منذ العام 1993 في الاستيلاء على صياغة المناهج والمساجد في العديد من الدول العربية، ووصول الأمر في العام 2003 إن لم تخنا الذاكرة الى كشف الأميركان عما أسموه بكتاب مقدس موحد للأديان السماوية الثلاثة “الإسلام واليهودية والمسيحية”، أسموه “الفرقان الحق” ونشرت مقتطفات منه بعض الصحف الكويتية حينها، وكتبنا يومها سلسلة من المقالات المحذرة من هذا الخطر الداهم بصحيفة الأمة اليمنية، منها مقال مطول بعنوان “الإسلام في قفص الإتهام”.
ولم تكن أحداث 11 سبتمبر 2001 سوى تحصيل حاصل لانتقال العمل الأميركي على تغيير المناهج من السرية الى العلنية، وركز الأمريكان على شطب الآيات التي تحث على الجهاد، وكل ما يتعلق باليهود، وكشف أباطيلهم وأكاذيبهم من المناهج التعليمية، واستبدالها بمواد تُهيئ الأمة للتطبيع وقبول الكيان الصهيوني اللقيط في المحيط العربي كأخ وصديق، وليس كعدو غاصب ومُحتل.
وتحدث الشهيد القائد عن الطرق الكيدية والذرائع التي اختلقها الأميركان والصهاينة من أجل الوصول الى الهيمنة الكاملة على المناهج التعليمية، وهذا العمل الشيطاني لم يكن وليد اللحظة، بل يعود لعشرات السنين، وفي تقديرنا فقد شهد القرن السابع عشر الميلادي المحطة الأول باحتضان وزارة المستعمرات البريطانية محمد بن عبدالوهاب وتولي المستر “هيمفر” مهمة التدريب والتوجيه والتخطيط، وفي القرن العشرين الميلاد تسلم الأميركان مهمة تنشئة الجماعات الدينية التكفيرية والمساعدة على انتشارها وتمويلها وتمكينها من المؤسسات الحاكمة في الدول العربية بما فيها اليمن.
ويتساءل الشهيد القائد عن الجهة التي دعمت هذه الجماعات التكفيرية من البداية، وتمكينها من التغلغل في مؤسسات الدولة، وأخذها أهم المجالات داخل هذا الشعب، وهو مجال التربية والتعليم، والأوقاف، بمعنى السيطرة على صناعة التعليم والمناهج التعليمية والمساجد والمنابر الدينية، خدمة لأسياد الشرق الأوسط الجديد، وتسهيلاً لمراميهم في السيطرة على مقدرات وثروات الأمة، وفرمتت عقول شبابها، وإعادة برمجتهم بما يخدم المخططات والأجندة الصهيونية والإمبريالية في المشرق العربي، وفصلهم عن دينهم، وعن هُدى الله: “فيكونوا قد حققوا كل شيئ، وستكون الأمة بعد ذلك أمة ضعيفة، هزيلة، مُفرقة، مُشتتة، لا تعرف شيئاً، ولا تُحرِّك ساكناً، ويكونون قد هيمنوا على كل شيئ”.
ولأن يمن الأنصار تنبه باكراً لهذا الخطر الداهم حرك الأميركان نظام صالح للقضاء على حركة انصار الله في صعدة، وعندما فشلت الحروب الستة الظالمة، أتت ثورات الربيع العربي وخلطة كل الأوراق، وكان الأميركان يطمحون لجعلها بوابة جديدة لإدخال العرب في جنتهم الموعودة المسماة بـ”الشرق الأوسط الجديد”، بعد سنوات من تحطم أمانيهم على أيدي رجال المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين المحتلة.
وكالعادة وقف الأنصار لهم بالمرصاد، فحاول الأميركان اختلاق العديد من الذرائع والمكائد لتذويب الأنصار في بوتقة “نتهم”، بدءاً بالمبادرة الخليجية لتنحية صالح وتنصيب هادي، ومروراً بمهرجان الحوار الوطني، وانتهاءاً ببازار دولة الأقاليم المهترئة، وعندما فشلت كل هذه المحاولة كان الانفجار الكبير بجمع الأميركان كل شذاذ العالم تحت راية وهابية الدرعية واعلان الحرب ضد اليمن، ولسبع سنوات متتالية، لكن الله أفشل كل مراميهم الدنيئة، لأن في اليمن شعبٌ حُر يتحرك على هُدى القرآن، ومن كان القرآن قائده كان النصر حليفه.
اليوم وبعد سبع سنوات من العدوان الجائر على اليمن، كل ما حذر منه الشهيد القائد لم يعد خافياً على أحد من أبناء هذا الشعب الحر، باستثناء عبيد الصهاينة من الوهابية الأقتام، ممن أعمى الله بصرهم وبصيرتهم، فرضوا لأنفسهم أن يكونا مطية لأعداء أمتهم، وما يجري في اليمن من عدوان آثم مصيره الفشل والانكسار، ذلك وعد الله لعباده المستضعفين.
ومن يمن الأنصار ستكون بداية النهاية للعربدة الأميركية في المنطقة، كل المؤشرات تُوحي بذلك، وبداية النهاية للأنظمة الأسرية الوهابية الحاكمة شعوبها بالحديد والنار، وبداية مولد الأمل لرسم طريق الحرية للقدس السليب وفلسطين المحتلة.
وبالعودة لكتاب استاذنا القدير “حمود الأهنومي”، فهو يمثل إضافة نوعية للمكتبة اليمنية، وزاداً ثقافياً للمجاهدين والأحرار في هذا البلد الحر، ونرجو أن تكون لنا قراءات أخرى لمحتوياته، لما لها من أهمية في تأكيد عدالة القضية التي يناضل من أجلها الأنصار ومعهم كل أحرار اليمن.