[01/ مايو/2021]
صنعاء- سبأ:
يعد مبدأ التكافل الاجتماعي أحد أهم الأسس التي يقوم عليها المجتمع في الإسلام، حيث أوجد الدين الإسلامي الحنيف أشكال عدة للعطاء الديني من بينها الزكاة والصدقة والوقف والكفارات والنذور وغيرها لضمان الحياة الكريمة للفرد.
وتمثل الزكاة التي جعلها الدين الإسلامي فريضة لا تقدم تطوعا بل إلزامية للتكافل بين القادرين والمعوزين جزءا من نظام التكافل الاجتماعي في الإسلام، الذي يعتبر حقاً أساسياً من حقوق الإنسان التي كفلها الله تعالى لعباده.
والتكافل الاجتماعي يعني أن يكون أفراد الشعب في كفالة جماعتهم، وأن يمد كل قادر أو ذي سلطان مجتمعه بالخير للمحافظة على تمتين البناء الاجتماعي، وشعور كل إنسان بواجبه في هذا المضمار، وأن تقاعسه قد يؤدي إلى انهيار البناء عليه وعلى غيره.
والتكافل الاجتماعي بمفهومه الإسلامي أصل من الأصول التي تنظم العلاقات في المجتمع في مواجهة الظروف الاستثنائية العامة أو الخاصة، وتعبير عملي عن الإخوة الإيمانية، وثمرة لتآزر العلاقات الروحية والاقتصادية والثقافية التي تربط أفراد المجتمع ببعضهم.
ويجمع فضيلة العلماء على أن الزكاة وسيلة من وسائل الإسلام التي اتخذها لتقريب المسافة بين الأغنياء والفقراء .. لافتين إلى أن الإسلام رغم اعترافه بالتفاوت الفطري في الأرزاق بين الناس، لكنه لم يدع الغني يزداد غنى، والفقير يزداد فقرا، فتتسع الشقة بين الفريقين، ويصبح الأغنياء “طبقة ” كُتب لها أن تعيش في أبراج من العاج، ويصبح الفقراء “طبقة” كتب عليها أن تموت في أكواخ من البؤس والحرمان، بل تدخل الإسلام بتشريعاته القانونية، ووصاياه الروحية والخلقية، لتقريب المسافة بين هؤلاء وأولئك، فعمل على الحد من طغيان الأغنياء، والرفع من مستوى الفقراء.
ويؤكد علماء الدين أن الاسلام لم يتعامل مع الزكاة على أساس إنها إتاوة تؤخذ من الناس بل فرضها كعبادة وجعلها ركناً من أركانه تطهر النفس من البخل والشح والبدن من الآثام وبإخراجها تتحقق للمسلمين مقاصد عدة أهمها حث النفس على العطاء للخير وعلاج لأمراض النفس وشكر للنعم فليعلم المزكي إذا جاء ولي الأمر وطالبه بإخراج الزكاة أن لها مردودات اجتماعية إيجابية.
وأشاروا إلى أنه بأداء الزكاة المفروضة يزداد المجتمع قوة وترابطاً كما أن الفقير يشعر بأن له حق في مال الغني فيحافظ عليه ويحميه.. إضافة إلى أنها تعمل على تقوية التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع وتحميه من نفاذ المضللين والمغرضين.
وأوضح العلماء أن عناية الإسلام بالزكاة لم تكن سطحية ولا عارضة، فقد جعلها من خاصة أسسه، وصلب أصوله، وذلك حين فرضها للفقراء وذوى الحاجة كحق ثابت في أموال الأغنياء، يَكْفُر مَن جَحَدَه، ويَفْسُق من تَهرَّب منه، ويُؤخذ بالقوة ممن منعه، وتُعلن الحرب من أجل استيفائه ممن أبَى وتمرد.
ويقسم العلماء التكافل الاجتماعي إلى قسمين : مادي و معنوي .. فالمادي هو المساعدة بالأموال كي ينقل المحتاج من حالة الفقر إلى “حد الكفاية” أو “حد الغنى” ، كما قال الإمام علي بن أبي طالب “إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم “.. أما التكافل المعنوي فيأتي في صور أخرى كثيرة مثل النصيحة، الصداقة والود، التعليم، المواساة في الأحزان وغيرها من أشكال العطاء.
ويظهر مفهوم التكافل الاجتماعي في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، يقول الله تعالى في القرآن الكريم “إنما المؤمنون إخوة” ويقول” المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض”.
كما ورد في السنة الكثير من الأحاديث التي تحث المسلمين على التآخي والإيثار من أجل الآخرين، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :”المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً” وقوله : “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” و أيضا قوله صلوات الله عليه وآله : “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ” .
وحسب العلماء فإن الزكاة تكتسب أهمية بالغة في مواجهة أخطر المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المتمثلة في البطالة والفقر كونها تأتي كأسلوب إسلامي في مجال التكافل الاجتماعي له جذور دينية واجتماعية متأصلة في المجتمع الإسلامي.
وأكدوا أن الزكاة أداة فاعلة في محاربة الفقر والبطالة، ونتيجة لارتفاع نسبة البطالة وتفشي ظاهرة الفقر فمن الحكمة دراسة مختلف الوسائل لمواجهة البطالة والفقر في المجتمع كهدف استراتيجي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وهو ما قامت به الدولة بالفعل حيث يشكل نظام السلطة المحلية حجر الأساس للانطلاق نحو مشاركة المجتمع المحلي في إدارة شؤون حياته.
وذكر العلماء أن المجتمعات غير الإسلامية تهمل الفئات الفقيرة، ولا تلقي لها بالاً في سياساتها الاجتماعية والاقتصادية، ولا تكاد تعترف لها بحق، لكن الدين الإسلامي حرص على أن تكون هذه الفئات مطمئنة أن معيشتها مكفولة، وحقوقها في العيش الكريم مضمونة.. مشيرين إلى أن من معجزات الإسلام الدالة على أنه دين الله حقاً أنه سبق الزمن، وتخطى القرون، فعني – منذ أربعة عشر قرنًا مضت – بعلاج مشكلة الفقر والحاجة.
تلعب الزكاة دوراً مهماً لتحقيق الضمان الاجتماعي وهي كما وصفها الكثير من العلماء مؤسسة الضمان الاجتماعي، حيث أنها إلزامية ولها مصارفها وقيمتها المحددة.
وقد نجحت الزكاة في العصور الإسلامية السابقة كمؤسسة، متمثلة في بيت المال والذي كان من مسؤوليات الحاكم، في تحقيق أهدافها في الإسهام بشكل كبير في تحقيق التنمية الاقتصادية .
ويؤكد العلماء أن تطبيق الزكاة في العصور الإسلامية السالفة نجح في محاربة الفقر وأقام التكافل الاجتماعي، ونزع من القلوب حقد الفقراء على الأغنياء، وعوّد المؤمنين على البذل والسخاء وهيأ سبل العمل لمن لا يجد مالاً .. لافتين إلى أن الزكاة لم تكن فقط مجرد إعطاء بعض المال لإطعام الفقراء، إنما وسيلة حقيقية للقضاء على الفقر باعتبارها أداة من أدوات التنمية والقضاء الفعلي على الفقر .
وتشير المراجع التاريخية والدينية إلى أن الناس حينما كانوا يؤدون زكاة أموالهم عن اقتناع وإيمان كانوا يشعرون بأنهم يؤدون فريضة الأمن والاستقرار؛ إذ صار الناس بين غني غير محتاج وفقير أخذ حقه من مال الغني ولم يبق له عذر في السرقة، إذا سرق فإنما هو جشع غير قنوع، ومن حق الدولة آنذاك أن تؤدبه بقطع يده التي مدها للسرقة.
ومن أجل هذا سادت الحياة الهادئة المطمئنة وصار المجتمع الإسلامي في صدر الإسلام يقف كالبنيان يسند ويؤازر بعضه بعضا وصار الناس عباداً لله إخواناً.