[27/ نوفمبر/2020]
صنعاء – سبأ : مركز البحوث والمعلومات
شكلت القضية الفلسطينية خلال العقود الماضية العنوان الأبرز للعدالة المفقودة في العالم، ولا سيما بعد أن فشلت الجهود الدولية المتعددة في تحقيق اختراق حقيقي على جدار الظلم الذي أقامه الصهاينة وبدعم مباشر من القوى الاستعمارية، للحيلولة دون إعادة الحقوق المنهوبة للشعب العربي الفلسطيني.
وأمام هكذا فشل، كانت هناك جهود دولية حثيثة من قبل عدد كبير من الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1977، تسعى إلى إبقاء الذاكرة العالمية حية تجاه المآسي التي يعيشها الشعب الفلسطيني من قتل وتدمير وبشكل يومي، أضافة إلى تذكير المجتمع الدولي أن للشعب الفلسطيني الحق في تقرير المصير والاستقلال والسيادة “على أرضه” وكذلك حق عودة مهجريه إلى منازلهم.
وأمام هكذا مساعي محمودة، كان قرار الجمعية للأمم المتحدة أن يكون تاريخ 29 من شهر نوفمبر من كل عام يوماً عالميا للتضامن مع الشعب الفلسطيني، للفت الانتباه أن القضية الفلسطينية مازالت على حالها وأن حقوق هذا الشعب مصادرة وغير قابلة للتصرف رغم القرارات الدولية الداعمة لتلك الحقوق.
في هذا المنحى، توصي الأمم المتحدة الحكومات والمنظمات “الدولية والإقليمية والمحلية” في العالم للقيام بالعديد من الأنشطة الهادفة إلى التضامن مع الشعب الفلسطيني من خلال الرسائل التضامنية والقيام بعقد الاجتماعات والفعاليات والندوات وإصدار المواد الإعلامية المطبوعة والمرئية الخاصة بالقضية والحقوق الفلسطينية.
ومنذ أن جرى تحديد يوم عالمي للتضامن مع القضية الفلسطينية، يتجدد السؤال كل عام عن الجدوى من التضامن الذي لم يرجع الحقوق الفلسطينية المسلوبة؟ ولاسيما بعد مرور عشرات السنين على قرار التقسيم الذي إصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث ما زالت العقبات تحول دون بلوغ هذا الحل الشامل والدائم.
يشار إلى أن اختيار تاريخ 29 نوفمبر من كل عام يوماً عالمياً للتضامن مع الشعب الفلسطيني، يحمل في طياته معان ودلالات ليس أقلها أن هذا التاريخ تحديد يمثل نفس التاريخ الذي اصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 181 عام 1947 الذي نص على أن تنشأ فى فلسطين التاريخية دولة يهودية (وهو ما كان في 14 مايو 1948 من خلال إعلان قيام ما يسمى بدولة إسرائيل)، ودولة عربية في فلسطين (لم تعلن إلى يومنا هذا) على أن تخضع القدس لنظام دولي خاص.
ويرى العديد من الناشطين الفلسطينيين، أن التضامن الدولي مهم لكونه فرصة لتذكير العالم أجمع بما فيه القوى الرئيسية بفداحة الوضع المآساوي للشعب في الداخل أو في بلاد الشتات، وأن هذا الظلم ما هو إلا انعكاس لقرار التقسيم الظالم، الذي حول الشعب الفلسطيني إلى مشرد ونازح ولاجئ في مختلف أصقاع الأرض.
كما أن المناسبة تعد ضرورية لتذكير الجميع دول ومجتمعات أنه ونحن في العام 2020 ” أي بعد 73عاما على قرار التقسيم” مازالت القضية الفلسطينية لم تحل بعد، على الرغم من الجهود الكبيرة التي تم بذلها من قبل أطراف دولية عديدة بما فيها الأمم المتحدة (صاحبة قرار التقسيم) وأن حلم ما يقارب ثمانية ملايين فلسطيني في إقامة دولتهم لم تحقق بعد، والسبب في ذلك هو الإرهاب الممنهج الذي ينتهجه الكيان الصهيوني للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية على كامل الضفة الغربية وقطاع غزة.
الداخل الفلسطيني:
شكل الانقسام الفلسطيني خلال السنوات الماضية انتكاسة جديدة تضاف إلى سلسلة الانتكاسات السابقة، التي عانت وتعاني منها القضية الفلسطينية، وبات التوتر والصراع هو الواقع المعاش “خلال ثلاثة عشر عاماً” ما بين حركتي فتح وحماس “طرفي الأزمة في الداخل الفلسطيني” بالرغم من كل المحاولات والوساطات “المحلية والعربية والدولية” من أجل رأب الصدع وتوحيد الصف الداخلي للحيلولة دون تصفية القضية الفلسطينية برمتها من جانب الكيان الصهيوني، وفي هذا السياق كانت هناك العديد من المحاولات في سبيل توحيد الصف وإحلال السلام داخل الصف الفلسطيني:-
• وثيقة الأسرى: قرر قادة 5 فصائل فلسطينية توقيع وثيقة توافق وطني، في مايو 2006، بقصد توحيد الفصائل .
• اتفاق مكة: التوقيع على اتفاقية وحدة وطنية جديدة في مكة المكرمة في 8 فبراير 2007.
• المبادرة اليمنية: التقى الطرفان في 23 مارس 2008 في اليمن، وتم التوقيع على اتفاق ينص على عودة الوضع إلى ما قبل 2007 (سيطرة حماس على غزة).
• اتفاق القاهرة 2011: أعلن ممثلا الحركتين على تشكيل حكومة انتقالية، إلا أن الاتفاق تم تعليقه في يونيو 2011 بسبب الخلافات حول شخص رئيس الوزراء.
• اتفاق الدوحة: توصل إليه الطرفين في فبراير 2012، وشمل الاتفاق على تفعيل منظمة التحرير وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية.
• اتفاق الشاطئ: في 23 أبريل 2014 كان الاتفاق في غزة على تشكيل حكومة وحدة وطنية تليها انتخابات رئاسية وبرلمانية، وهو ما كان بعد أن تم تعيين رامي الحمدلله على رأس حكومة تكنوقراط.
• اتفاق القاهرة 2017: اتفق الطرفان على إنهاء الانقسام على أساس اتفاق القاهرة الأول (الموقع في 2011) بعد أن وافقت حركة “حماس” على حل “اللجنة الإدارية”.
إلا أن تلك الجهود لم تفلح في تجاوز الخلافات، ويرى عدد من المراقبين للشأن الداخلي الفلسطيني أن الخلافات الأيديولوجية والتدخلات الخارجية كانت سبباً رئيسياً في عدم التزام الطرفين “خلال سنوات الانقسام” بتعهداتهم المختلفة، وهو ما أفضى في الواقع إلى تعميق حالة الخلافات في أبرز الملفات في مقدمتها : الشراكة الوطنية وسلاح المقاومة والبرنامج السياسي وإعادة بناء منظمة التحرير وتمكين حكومة الوحدة الوطنية من أداء مهامها وأخيراً ملف موظفي قطاع غزة ما بعد الانقسام في العام 2007.
ومع اشتداد الضغوط الإقليمية والدولية على الفلسطينيين، خاصة بعد خطط التوسع الاستيطاني والضم ومن ثم إعلان تطبيع بعض الأنظمة العربية علاقاتها مع الكيان الصهيوني، يبدو أن فرص التقارب والوحدة الوطنية أقرب من أي وقت مضى، حيث شهدت العلاقة ما بين حركتي فتح وحماس تقاربا ملفتا خلال الأشهر القليلة الماضية بعد لقاءات عقدت في كل من تركيا، وقطر ولبنان في سبيل إنهاء الانقسام الداخلي وإتمام المصالحة المنتظرة.
الخذلان العربي:
اعتبرت القضية الفلسطينية منذ البدايات الأولى قضية العرب المركزية، وكان التضامن بمختلف اشكاله ترمومتر يمكن من خلاله قياس وحدة الصف العربي، وبرغم من الفجوة الكبيرة ما بين الدعم وما هو حاصل فعليا إلا أن الدعم لم ينقطع بصورة كاملة رغم تذبذبه خلال سنوات الصراع الطويلة مع الكيان الصهيوني.
في المقابل، كان التضامن الشعبي العربي مع الشعب الفلسطيني ومازال ينطلق من كونه واجب ديني وقومي وإنساني، وخلال المراحل المختلفة كانت الشعوب أكثر تقدما من أنظمتها في الوقوف مع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى الرغم من حالة التردي والانقسام الذي يعيشه العالم العربي خلال العقدين الماضيين إلا أن التضامن الشعبي العربي لم يشهد تراجعا، وخير دليل على ذلك هو تصاعد حالة التضامن “من المحيط إلى الخليج” مع تصاعد الاعتداءات الصهيونية ولا سيما الاعتداءات على قطاع غزة.
وفيما يخص الواقع العربي اليوم، من المؤسف حقاً أن يأتي اليوم العالمي للتضامن مع قضية الشعب الفلسطيني والواقع العربي لا يسر أحد، ولا سيما بعد تزايد الصراعات الداخلية في العالم العربي وهو ما انعكس سلبياً على الاهتمام بالقضية الفلسطينية، ولكن ما لم يكن منتظراً هو ذلك السقوط المدوي لبعض الدول العربية التي ذهبت مهرولة إلى إعلان التطبيع بصورة رسمية بعد سنوات من الانفتاح مع الاحتلال الإسرائيلي تحت مبررات وحجج أن التطبيع يخدم المصالح الفلسطينية، فيما الواقع يشير إلى التطبيع سوف ينعكس سلباً على حاضر ومستقبل القضية الفلسطينية من عدة اتجاهات أولها :
تعميق الاحتلال واضطرار الفلسطينيين لدفع ثمن أكبر من أجل محاولة التخلص من الاحتلال، وثاني الاتجاهات: التطبيع المجاني سوف يمنح الولايات المتحدة ذريعة لتقديم مبادرات سلام أكثر ظلماً للفلسطينيين.
وما حدث خلال الأشهر القليلة الماضية من تدافع غير مبرر من قبل نظام محمد بن زايد في الإمارات، ونظام ال خليفة في البحرين، وأخيراً النظام الانتقالي في السودان، ليس سوى فيض من غيض لكونه يكشف حالة السقوط للأنظمة العربية المنضوية في التحالف الأمريكي في مستنقع العار والخيانة لقضية فلسطين العادلة التي شهد لها العالم أجمع، وبالتالي فأن التطبيع ما هو إلا إعلان مباشر عن التخلي التام عن القضية الفلسطينية وبصورة تخالف إيمان أغلب الشعوب العربية بأن فلسطين هي قضيتهم الأولى، وهو ما ينعكس سلباً على الداخل الفلسطيني وبالتالي مزيد من التعنت والغطرسة الصهيونية.
ويبقى القول، أن تأثير التضامن مع الشعب الفلسطيني يبقى محدود في موازين القوى، ولكنه يظل مهم لكونه يعزز من حالة الصمود من ناحية، وينمي القدرات الذاتية للفلسطينيين من الناحية الأخرى، فالتضامن كسلاح يمكن استخدامه في الصراع مع العدو الصهيوني كونه في المحصلة يعزز من القدرات المختلفة في مواجهة العدو الذي يتأثراً سلباً في قدراته مهما بلغت قوتها، والتاريخ يشير أن القضايا العدالة تنتصر وأن مقاومة الشعب الفلسطيني هي الرقم الأصعب في المعادلة.