[25/ نوفمبر/2020]
صنعاء – سبأ: أنس القاضي
حینما نتحدث عن فشل التحالف المعادي لليمن سواء بطرفيه المتدخل بشكل مباشر كالسعودية والإمارات، أو بالقوى الدولية التي تقف خلفه كأمريكا وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا، إنما نقصد فشلهم في تحقيق الأهداف والغايات النهائية التي من أجلها شُنّ العدوان وفي مقدمتها ضرب القوى الوطنية والثورية الإسلامية في اليمن وتجريدها من سلاحها الاستراتيجي، واحتلال وتأمين كل الساحل اليمني في البحر الأحمر البحر العربي، فهذه الأهداف الأساسية لم تتحقق على النحو المطلوب والمخطط له، ولهذا يمكن الجزم بأن تحالف العدوان فشل في اليمن، وفي ذات الوقت فنحن لا نتجاهل حقيقة أن تحالف العدوان وإن كان فشل في العناوين الرئيسية فقد حقق نجاحات في العناوين الفرعية والقضايا الجزئية كاحتلال جزء من جنوب اليمن والسيطرة على بعض الموانئ، وخلق كيانات عسكرية سياسية تهدد مستقبل اليمن، ونشر الجماعات الداعشية وضرب البنية التحتية اليمنية.
ولو أن تحالف العدوان كان ناجحاً في هذه القضايا الجزئية، إلا أننا نعتبره فاشلاً في تحقيقه أهدافه وغاياته الكبرى، ونعتقد بأن انتصار النهائي على العدوان ومنعه من تحقيق تلك الغايات الكبرى سيمكن الشعب الیمني من ضرب المكتسبات الثانوية التي حققها.
إن مختلف الأسباب الموضوعية والذاتية -التي أدت إلى فشل تحالف العدوان في تحقيق أهدافه من العدوان على اليمن، لا تزال في حالة تفاعل جدلي دائم، مما يخلق أزمات مركبة لتحالف العدوان ستؤدي بالقصور الذاتي إلى تحطم أدواته المباشرة للتدخل (أي الإمارات والسعودية)، التي تعاني آفاقاً مسدودة يصعب كل يوم تجاوزها ويصعب أكثر عليها التراجع والخروج بدون مكاسب إن لم تكن هزيمة ناجزة، أما الآفاق الرحبة فأمام الشعب اليمني وقواه الوطنية، فقدرتهم على الحركة والمبادرة والردع أصبحت اليوم أكبر ومنحنى القوة والتعافي في ارتفاع.
مدخل:
ينطلق مسمى تحالف العدوان بصورة مباشرة إلى السعودية والإمارات كأطراف إقليمية تمارس التدخل العسكري والاحتلال الفعلي، ويدل على التحالف الغربي الصهيوني كراسم للسياسات وكمستفيد أول من هذه الحرب العدوانية التي تهدف إلى تحويل البحر الأحمر ومضيقه الاستراتيجي “باب المندب” إلى بحيرة أمريكية صهيونية، وإلى نهب الثروات اليمنية النفطية لصالح الشركات الأمريكية البريطانية الفرنسية، فـ”تحالف العدوان” من حيث القوى المتدخلة المباشرة يشير إلى الإمارات والسعودية، ومن حيث السياسات النهائية فهو التحالف الغربي الأمريكي الأوربي الصهيوني.
حينما نتحدث عن فشل التحالف المعادي لليمن سواء بطرفيه المتدخل بشكل مباشر كالسعودية والإمارات، أو بالقوى الدولية التي تقف خلفه كأمريكا وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا، إنما نقصد فشلهم في تحقيق الأهداف والغايات النهائية التي من أجلها شُنّ العدوان وفي مقدمتها ضرب القوى الوطنية والثورية الإسلامية في اليمن و تجريدها من سلاحها الاستراتيجي، واحتلال وتأمين كل الساحل اليمني في البحر الأحمر البحر العربي، فهذه الأهداف الأساسية لم تتحقق على النحو المطلوب والمخطط له، ولهذا يمكن الجزم بأن تحالف العدوان فشل في اليمن، وفي ذات الوقت فنحن لا نتجاهل حقيقة أن تحالف العدوان وإن كان فشل في العناوين الرئيسية فقد حقق نجاحات في العناوين الفرعية والقضايا الجزئية كاحتلال جزء من جنوب اليمن والسيطرة على بعض الموانئ، وخلق كيانات عسكرية سياسية تهدد مستقبل اليمن، ونشر الجماعات الداعشية وضرب البنية التحتية اليمنية، تحالف العدوان كان ناجحاً في هذه القضايا الجزئية، إلا أننا نعتبره فاشلاً في تحقيقه أهدافه وغاياته الكبرى، ونعتقد بأن انتصارنا النهائي على العدوان ومنعه من تحقيق تلك الغايات الكبرى سيمكننا من ضرب المكتسبات الثانوية التي حققها، ولهذا فعلى الصعيد السياسي تشترط صنعاء وقف العدوان ورفع الحصار ومغادرة القوات الأجنبية من كل الناطق اليمنية البرية والبحرية كشروط أي حل للأزمة، فيما ترى صنعاء بأن القضايا الأخرى الثانوية الذي حقق العدوان فيها مكاسب معينة يمكن حلها محلياً بالحوار اليمني-اليمني وبجهود يمنية توافقية لتصفية الجماعات الداعشية والقاعدية.
خلفية تاريخية
حُكمت اليمن منذ سبعينات القرن الماضي من قبل مراكز قوى عسكرية وقبلية شكلت حلفاً طبقياً ظالماً برعاية سعودية، وقف في وجه كل حركات الإصلاح السياسي والديمقراطي وفي مواجهة كل القوى الوطنية اليمنية قومية ويسارية وإسلامية، استمر هذا التحالف -العميل- في الحكم حتى العام 2011م حيث اندلعت الانتفاضة الشعبية وظهرت إلى السطح التصدعات في بنية ذلك التحالف الحاكم، فانحاز جناح منه بقيادة الإخوان إلى الثورة في مواجهة “علي صالح”، وفي عام 2014م حُكم على هذا التحالف بالموت حيث زعزعت الثورة أسس حكمه، وعملياً فإن ضعف وهزيمة هذا التحالف المحلي الحاكم، كان يعني في نهاية التحليل ضرب الركائز المحلية للاستعمار، وهكذا فقد جاء العدوان الأجنبي على اليمن كرد فعل من قبل الدول التي صادرت القرار اليمني والتي وجدت في الثورة الشعبية اليمنية خطراً على استمرار مصلحها غير المشروعة في اليمن.
العمى الاستراتيجي
أول الأخطاء التي ارتكبها تحالف العدوان، هو الاعتماد على القوى العميلة المهزومة (المستهلكة) التي انهارت في ثورة 21 سبتمبر 2014م، ومحاولة إعادتها إلى الحكم بعد أن استنفذت إمكانيات الاستمرار بالكيفية القديمة، وهذه الركائز المحلية بتعبيراتها المختلفة، خلقت من البداية صورة مشوشة لتحالف العدوان على اليمن فبنى عليها خططه العدوانية التي ما لبثت أن فشلت ضرورة.
ما سُمي “بمؤتمر الرياض” الذي عقد في الأسابيع الأولى للحرب مثّل أوسع حشد يمني موالٍ لتحالف العدوان، فالشخصيات المشاركة قدمت نفسها ناطقة ومعبرة عن المجتمع اليمني، ونثرت التعهدات لتحالف العدوان بالمساعدة في تحقيق أهدافه وتلبية مطالبه، وأوهمته بالمقدرة على الانتصار، وعلى سبيل المثال فالشخصيات المشائخية القبلية أوهمت تحالف العدوان بأنها معبرة عن قبائلها وعن موقف قبائل اليمن، وكذلك قيادات الأحزاب السياسية أوهمت تحالف العدوان بأنها معبرة عن قواعدها الحزبية وأنصارها وفروعها، وكذلك القيادات العسكرية أوهمت التحالف بأنها تستطيع أن تحرك مختلف التشكيلات العسكرية في اليمن لصالح التحالف، وفعلت نفس الأمر منظمات المجتمع اليمني وغيرهم، فوفقاً لهذه التصورات والتعهدات والوعود اندفعت السعودية يحدوها الأمل بالانتصار، ولكنها اصطدمت مع الواقع المغاير لما تصورته، فالشخصيات التي أوهمتها بتحريك الفئات التي تنتمي إليها لم تستطع إنجاز هذه المهمة كلياً، وعلى سبيل المثال فلا القبائل ولا القيادات العسكرية ولا القيادات الحزبية استطاعت أن تكسب ود هذه المكونات التي ترتبط بعلاقة معها، وهذه كانت أول حجر يصطدم بها تحالف العدوان، هذا الفشل تستر خلف الاندفاعة العسكرية الوحشية الحاشدة في الشهور الأولى، وما لبثت أن برزت هذه الحقيقة.
تعنت الشعب في الدفاع عن الوطن
إلى جانب القيادة الفذة لعب الشعب اليمني دوراً رئيسياً في الصمود والمواجهة؛ فهو الذي أفشل تحالف العدوان في المقام الأول، فقد أبدى الشعب اليمني إيماناً واستبسلاً وصموداً في المواجهة، ولم تزده الجرائم والحصار إلا تصلباً في الدفاع عن الوطن، وقدتجلت فيه الثقة العميقة بنصرة الله، وتحرك كما عُهد عنه في مواجهة الغزاة تاريخياً.
طوال خمسة أعوام من العدوان لمسنا الدور الحاسم للجماهير اليمنية، التي تلقت خطاب قائد الثورة الموجه والمطمئن والمحفز، إضافة إلى اهتمام أنصارالله بالجماهير التي يعول عليها في المقاومة والتحرير، استجاب الشعب لدوره التاريخي والوطني فقام طوال هذه الفترة بمد الجبهات بالمقاتلين والمال والقوافل الغذائية للجبهات والسلاح، وتفجرت قرائح الشعراء والمنشدين، وظهر كتاب وصحفيون ومفكرون وقادة ميدانيون وسياسيون، من واقع ضغط الميدان وضرورة تحمل المسؤولية، هذه القوى الشعبية التي نعنيها تمثل مجموع الطبقات والجماعات والفئات ذات المصلحة في التصدي للعدوان الأجنبي والمحافظة على وحدة البلاد واستقلالها، وقطع الطريق أمام النهب الإمبريالي، وبناء الدولة العادلة.
تحمل الشعب ثقل المواجهة الأساسية، فطوال سنوات العدوان الخمس الماضية، عمل الشعب بشكل يومي على رفد الجبهات بالمقاتلين، -عدد الجبهات بالعشرات في الداخل والحدود الشمالية- ولولا النفير الشعبي والاندفاع نحو التضحية والدفاع من منطق جهادي إيماني عن الوطن والشعب والمستضعفين لما أمكن الصمود، فدور المؤسسة العسكرية القديمة التي بُنيت في ظل نظام الوصاية والارتهان كان دوراً متواضعاً في هذه المواجهة، ومحكوماً بعدة عوامل بنيوية وبيروقراطية حدت من فعاليتها في المواجهة، بل إن الشعب نفسه قام بإعادة تفعيل المؤسسة العسكرية ورفدها بالكوادر والأفراد والعقول والخبرات، كما حمل الشعب إلى جانب المواجهة مهمة الدعم المالي للجبهات في قوافل غذائية دورية مستمرة عند كل مناسبة وعند كل حصاد وعقب كل جريمة وتبعاً لدعوات القيادة الثورية، فاستمرار الدعم الشعب بالمال والرجال هو العمود الفقري للصمود اليمني، ودور القيادة إنما تأتي أهميته من قدرته على استنهاض هذه الطاقات الكامنة في أوساط الشعب وتوجيهها نحو المعركة العادلة، وإدارة المعركة باتخاذ القرارات الصائبة والحاسمة وهو ما تجلى في أداء القيادة خلال خمس سنوات من مواجهة العدوان.
القيادة الثورية ودورها التاريخي
ثمة ارتباط وثيق وتفاعل عميق بين دور الشعب والقيادة؛ فالطاقات الشعبية الكامنة هي على الدوام بحاجة إلى قيادة تفجرها وتعمل على تفعيلها، والإمكانيات والموارد والفرص الموضوعية بحاجة إلى قيادة تديرها وتوجهها في المسار الصحيح.
إذا صح القول أنه “لا قيمة للقيادة بدون الشعب” فنستطيع أن نقول بأنه “لا قيمة لطاقات الشعب بدون قيادة تفعلها”، وكلما كانت القيادة أكثر حكمة ونضوجاً ووضوحاً وإيماناً ويقيناً بعدالة قضيتها وبانتصارها كان الشعب أقوى وأكثر استعداداً للبذل والتضحية، وهكذا كانت القيادة الثورية ممثلة بالسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي وأنصار الله، فقد لعبت القيادة الثورية دوراً بارزاً في مواجهة الهجمة العدوانية، لم ترتبك القيادة أمام هول الهجمات الجوية الكثيفة والحصار الاقتصادي المتزامن مع انطلاق ما سمي بعاصفة الحزم، بل خرج القائد بخطاب هادئ ووجه الشعب بتشكيل خمس جبهات: عسكرية وإعلامية وتعبوية وثقافية واقتصادية، واتبعت القيادة الثورية والسياسية نهجاً سياسياً حكيماً تجاه مختلف القوى السياسية اليمنية ولم تنغلق على ذاتها فتركت باب الحوار والتقارب مفتوحاً، لم تدفع الخصوم إلى التطرف بالموقف إلا من اتخذ ذلك من تلقاء نفسه وحسم خياره، وقابلت كل النزعات العصبية من الطرف الآخر بعقلانية ورفع شعارات كبرى جامعة ولولا ذلك لنجح المرتزقة في تحويل النضال الوطني العادل إلى صراع طائفي أو مناطقي.
اتسم قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي بوحدة الكيان والمصداقية والوفاء والقدرة على الكفاح في سبيل المثل والقيم والإصرار على بلوغ الهدف، وهي القيم والمثل الإنسانية والدينية والوطنية التي لطالما انعكست بشفافية في خطاباته، وهذا ما أعطاه حضوراً شعبياً، فإلى جانب ما تحلى به من هذه القيم السامية، فقد أصبح السيد عبد الملك الحوثي قيمة بذاته لقطاع واسع من جماهير الثورة، لأنه عبر عن المصالح والاحتياجات والأهداف الاجتماعية لهذه الجماهير التي وجدت فيه تعبيراً عن آمالها.
تمتع قائد الثورة بالحدس الخلاّق والإقدام الذي لا يشوبه أي تردد. وحين كانت تتعقد القضايا وينفتح الوضع على احتمالات عديدة، كانت تظهر عبقرية قائد الثورة، تميز بحس واقعي كبير على التمييز بين ما هو جوهري وأساسي وبين ما هو هامشي وثانوي، فكان يُقر تكتيكات معينة ولا يضمر أي تردد، متحلياً بالشجاعة، مما يولد ثقة لدى من توجه إليهم لتنفيذها من عسكريين أو سياسيين أو إداريين.
انطلاقاً من ثابت عقائدي إيماني بنصر الله للمستضعفين في الثقافة القرآنية، ومن تجربة مقاومة ست حروب ظالمة كانت المقدرات المادية في أيدي أنصار الله أقل من أن يُنسب النصر إليها، تعامل السيد مع “التوكل على الله” كمبدأ راسخ لا شك فيه، يراه رأي العين. وترابط مع هذا الإيمان الراسخ بعدالة القضية وقوة موقف الحق التي يملكها الشَعب اليمني، وما لهذه القضية العادلة والمحقة من دور في التصلب وتقديم التضحيات ومواصلة الكفاح الشعبي حتى النصر.
بين نموذجين
طوال فترة العدوان – والتي مازلت مستمرة- تخلّق في أرض الواقع نموذجان للحكم في اليمن، الأول في المناطق التي تسيطر عليها القوى الوطنية، والآخر في المناطق المحتلة، وقد تمايز النموذجان في ثلاث قضايا رئيسية: الأمن، التعايش، المؤسسية، ففي المناطق الوطنية يسود الأمن ويتعايش اليمنيون بتنوعهم المناطقي والمذهبي والحزبي، وهناك قيادة مركزية للقوات العسكرية، وتجري الحياة اليومية بشكل مؤسسي وحضور للنظام القضائي وسيادة القانون، وعلى العكس من هذا النموذج الوطني تشهد المناطق التي سيطر عليها تحالف العدوان ومرتزقته انفلاتاً أمنياً واغتيالاتٍ وحضوراً للجماعات الداعشية والقاعدية، وسلب وسرقة ونهب للأموال العامة والخاصة، وبرزت نزعات عنصرية ونبذ للتعايش مع المختلف في المنطقة والمذهب والتوجه السياسي وصلت إلى القتل والسحل والنهب والتهجير، وغابت سيادة القانون، كما فشل التحالف في توفير قيادة موحدة للمرتزقة قادرة على ضبطهم.
بروز النماذج المتناقضة من حيث الجوهر مسألةٌ جعلت المجتمع ينحاز إلى نموذج القوى الوطنية، فمن رفض الانحياز إلى صنعاء لم يدفعه ذلك لاختيار موقف المرتزقة، وطوال سنوات العدوان ومع رسوخ هذه النماذج شهدنا تآكل شعبية المرتزقة وحاضنتهم الاجتماعية لصالح الجيش واللجان الشعبية، ويظهر ذلك بوضوح في عدد القيادات السياسية والعسكرية العائدة على حضن الوطن خاصة بعد إنشاء “لجنة المصالحة الوطنية الشاملة” منتصف العام 2019م. واحتراق أوراق التضليل الإعلامي تباعاً بنيران الواقع الميداني وتساقط أقنعة “التحالف” و”الشرعية”.
انكشاف حقيقة العدوان
مما ساعد على فشل العدوان؛ انكشافه أمام الرأي العام المحلي اليمني والخارجي وأمام النخب السياسية اليمنية، كان ثمة مساران لانفضاح تحالف العدوان، المسار الأول هو ارتكابه الجرائم بحق المدنيين والأملاك العامة والخاصة والفردية وقتل النساء والأطفال، أما المسار الثاني فكان سقوط شعاراته التي رفعها، فقد ظهر بأنه لا يدافع عن الحكومة التي تزعم الشرعية بل يتعامل معها كأتباع خانعين، انكشاف طبيعة التحالف وفقاً لهذين المسارين أثر بشكل كبير على قدرة التحالف المعادي على استقطاب قوى اجتماعية وسياسية جديدة موالية، وفي المقابل فإن اتضاح الحقيقة هذه رسخت الموقف الشعبي الوطني، وأزالت الغشاوة عمن كان يتوهم تحت الضخ الاعلامي المعادي بأن تحالف العدوان جاء من أجل قضية عادلة!
التصادم بين تكتيكات دول العدوان -التي تتفق على العناوين الكبرى- لعب دوراً في إفشال تحالف العدوان، في المحافظات اليمنية الجنوبية، ظلت كل من السعودية والإمارات في حالة تنافس استعماري كانت تتفجر في معارك عسكرية بين مرتزقة الطرفين، وفي هذه المعارك البينية -بين كل من السعودية والإمارات- أهدرت الكثير من القوة العدوانية، كما اتضحت على نحو أعمق لكل الشعب اليمني حقيقة الأطماع الاستعمارية لهذه الدول.
تفاقم الأزمات الداخلية للسعودية
المملكة العربية السعودية التي تتصدر العدوان، عادت من مشاكل داخلية ظلت تتفاقم يوماً بعد آخر الأمر جعلها تعجز عن توجيه كل طاقاتها واهتماماتها في العدوان على اليمن، وهذه التناقضات الداخلية السعودي تتمثل في الآتي:
أزمة انتقال الحكم في أوساط الأسرة المالكة، بين أبناء المؤسس (سلمان وإخوانه) وبين الأحفاد (محمد بن سلمان وبقية الأمراء الأحفاد)، هذه المشكلة أفقدت سلمان وابنه وحدة الأسرة الحاكمة ودعمها غير المحدود، وقد تفاقمت هذه الأزمة وصولاً إلى أخذه أقربائه ونخبة من المجتمع السعودي كرهائن، واستولى على أموالهم بحجة مكافحة الفساد، وهذه الأزمة مازالت بدون حل حتى اليوم وهي مرشحة للانفجار، ومؤخراً تحدثت الواشنطن بوست عن نية بن سلمان لتوجيه تهم بالفساد للأمير محمد بن نايف حيث يتهم باختلاس 15 مليار دولار من أحد صناديق مكافحة الإرهاب.
الأزمة الثانية حقوقية ودبلوماسية، فطوال فترة العدوان ظهرت السعودية بكامل توحشها، ما انعكس على ملف الحقوق وانتهاكها للقانون الإنساني بارتكابها جرائم حرب متعددة في هذه الحرب العدوانية، وفي ملف داخلي متعلق بالحريات وقمع الناشطين والزج بالمئات من الصحفيين والمعارضين وملاحقتهم في الداخل والخارج وأبرزها اغتيال وتقطيع الصحافي المعارض جمال خاشقجي، والتعامل مع شيعة المناطق الشرقية، واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، هذه القضايا انعكست على علاقات السعودية الخارجية، فتعرضت لانتقادات سياسية وحقوقية من قبل بعض الدول كالسويد وألمانيا وكندا، ما اضطرها لاستخدام التجارة مع تلك الدول كورقة ضغط للسكوت والتراجع وهو ما حصل بالفعل، إضافة إلى تفجيرها أزمة مع قطر ومحاصرتها، وخلافها مع الكويت حول حقل النفط المشترك وتوترات مع سلطنة عُمان، إلى ذلك تعرضت قوة الرياض الناعمة لنكسة سياسية بسقوط الحكومات الموالية لها في الانتخابات في لبنان وباكستان وجزر المالديف، فالأزمة الدبلوماسية والسياسية الخارجية للسعودية مع كثير من دول العالم ما زالت مستمرة، رغم ما تقدمه السعودية من رشى لتحسين صورتها عالمياً.
تعمقت في السنوات الأخيرة الأزمة الاقتصادية في المملكة العربية السعودية حيث فرضت الضرائب لأول مرة، وحرم الموظفون الحكوميون والعاطلون من الامتيازات المالية، وارتفعت نسبة البطالة في بلد غني بالنفط، كما ارتفعت أسعار السلع الغذائية وانخفضت القوة الشرائية، والتزايد المستمر في قيمة الخدمات إضافة إلى تكاليف الحفاظ على ارتباط الريال بالدولار، وانتهاءً بتبديد المال في شراء السلاح الذي يعمل على تعميق هذه الأزمة الاقتصادية الداخلية، التي تخلق بدورها تناقضاً اجتماعياً ما بين الشعب والأسرة المالكة وكسر العقد بين المواطن والسلطة والقائم على الرفاه مقابل السكوت عن الحريات والحقوق.
خاتمة:
إن مختلف الأسباب الموضوعية والذاتية -التي أدت إلى فشل تحالف العدوان في تحقيق أهدافه من العدوان على اليمن-، لا تزال في حالة تفاعل جدلي دائم، مما يخلق أزمات مركبة لتحالف العدوان ستؤدي بالقصور الذاتي إلى تحطم أدواته المباشرة للتدخل (أي الإمارات والسعودية)، التي تعاني آفاقاً مسدودة يصعب كل يوم تجاوزها ويصعب أكثر عليها التراجع والخروج بدون مكاسب إن لم تكن هزيمة ناجزة، أما الآفاق الرحبة فأمام الشعب اليمني وقواه الوطنية، فقدرتهم على الحركة والمبادرة والردع أصبحت اليوم أكبر ومنحنى القوة والتعافي في ارتفاع، وليست عملية الردع الرابعة التي تمت مؤخراً إلا شاهداً حياً على ذلك.