[25/ نوفمبر/2020]
مركز البحوث والمعلومات : زيد المحبشي
منذ العام 1948 والكيان الصهيوني في بحث دؤوب عن بدائل لنقل النفط والغاز دون المرور بقناة السويس، بهدف تحويل كيانه الغاصب الى مركز إقليمي للطاقة وحلقة وصل بين الشرق والغرب، وقد ساعد يومها ارتماء شاه إيران المقبور في أحضان الأميركان، وتحويل بلاده الى شرطي إقليمي في بلاط العم سام، في تقارب وجهات النظر بين نظامه والكيان الصهيوني لجهة البحث عن بدائل لنقل النفط الإيراني الى الغرب بعيداً عن قناة السويس، وبالفعل أدى تسارع الأحداث التي شهدتها المنطقة في خمسينيات القرن الماضي الى تعجيل الاتفاق على إنشاء خط أنابيب لنقل النفط من إيلات على ضفاف خليج العقبة بالبحر الأحمر الى عسقلان على شواطئ البحر الأبيض المتوسط ومنها الى الدول الغربية، وافتتاحه في العام 1956، ومعه أصبحت إيران الشاه بئر النفط الذي لا ينضب لإسرائيل.
وها هو الكيان الصهيوني على وشك إعادة إحياء هذا الخط بتمويل إماراتي بحت ودعم خليجي مخزي، رغم ما يترتب على ذلك من تداعيات خطيرة على الأمن القومي العربي، ولذات الغاية والاهداف والأحلام، في سباق مع الزمن لتحقيق كيانه التفوق المطلق في المشرق العربي، والامساك بكل خيوط التحكم بتجارة الطاقة في المنطقة، والسياسات البترولية، والاستثمارات الكبيرة في النفط، وتحويل الخليج العربي الى بئر نفط لا ينضب لإسرائيل.
خُطى متسارعة لصيرورة الحلم الصهيوني واقعاً، وتحول هذا الكيان اللقيط الى مركز إقليمي رئيسي لنقل النفط الخليجي إلى أوربا وأميركا الشمالية، ودخول نادي تجارة النفط عالي المخاطر، ولكن هذه المرة من بوابة الخليج، وبتمويل عربي فاق كرم حاتم الطائي، في ظل التشظي والتقزم والتفسخ والانبطاح العربي، خصوصاً بعد تطبيع العلاقات مع الإمارات، وما رافق ذلك من سيولة وإسهال شديد في اتفاقيات التعاون المشترك، جعلت رئيس وزراء الكيان الصهيوني “بنيامين نتنياهو” يفاخر بضخ الكيان الإماراتي الملايين – والأصح المليارات – لدعم الاقتصاد الإسرائيلي.
الخط الإيراني الصهيوني:
يعرف باسم: “تيبلاين” أو خط أنابيب “إيلات – عسقلان” تم افتتاحه عملياً في العام 1956، بعد العدوان الثلاثي الصهيوني البريطاني الفرنسي على مصر، بسبب فرض الرئيس الراحل “جمال عبدالناصر” قيوداً على الشحن عبر قناة السويس، واستخدامها كورقة ضغط في الصراع العربي الصهيوني، وقرار الاتحاد السوفييتي حينها وقف تزويد إسرائيل بالنفط، ما دفع الأخيرة للبحث عن مصادر نفطية جديدة، بالتوازي مع رغبة إيران تجنّب المُرور عبر قناة السويس، خشية إقدام “عبدالناصر” على إغلاقها في وجه ناقِلات النّفط الإيرانيّة.
وفي العام 1968 سجّل الكيان الإسرائيلي وإيران شركة خط أنابيب “إيلات – عسقلان” كمشروع مشترك 50-50، لإدارة تصدير النفط الخام الإيراني عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة وما بعدها عن طريق الناقلات إلى أوربا، وفي العام 1969 تم مد الجزء الأخير من الخط، وهو مشروع ضخم يهدف إلى ضمان إمدادات الطاقة للكيان الصهيوني وأوربا.
وتضمن المشروع يومها مد أنبوب طوله 254 كم وقطره 105 سم “42 بوصة”، بين ميناء إيلات على خليج العقبة بالبحر الأحمر وميناء مدينة عسقلان على البحر الأبيض المتوسط، بقدرة 1.2 مليون برميل في اليوم، و400000 برميل في الاتجاه المعاكس.
وتعود ملكية الخط لشركة خط أنابيب “إيلات – عسقلان” (EAPC) الصهيوني، وهي تشغـّل أيضاً عدة خطوط لأنابيب النفط في فلسطين المحتلة.
وكشفت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية أن معظم النفط المتدفق عبر خط الأنابيب كان من إيران، التي كانت تربطها علاقات وثيقة ولكن سرية مع إسرائيل لعقود من الزمن في عهد الشاه المقبور “محمد رضا بهلوي”.
ويستخدم أنبوب “إيلات-عسقلان” حالياً في نقل الغاز الذي تستورده إسرائيل من أذربيجان وكازاخستان، ويقوم بمعظم أعماله في الاتجاه المُعاكس، حيث يقوم بضخ النفط الذي يتم تفريغه في عسقلان من السفن المُرسَلة من قبل مُنتجين مثل أذربيجان وكازاخستان إلى ناقلات في إيلات بخليج العقبة، ومن إيلات يقوم اسطول ناقلات النفط التابع لشركة “ترانس آسياتيك” للنفط (TAO) الصهيونية، بنقله إلى الصين أو كوريا الجنوبية أو أي مكان آخر في آسيا، ويعمل بالتوازي مع خط الأنابيب الخام أنبوب آخر قطره 16 بوصة يحمل المنتجات البترولية مثل البنزين والديزل.
بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران في 1979، توقف التعاون بين البلدين، وتوقف ضخ النفط الإيراني الى الكيان الغاصب، وقامت إيران برفع ثلاث قضايا تحكيم ضد إسرائيل والشركات الإسرائيلية للمطالبة بتعويضها عن النفط الذي أمدت به إيران الشاه إسرائيل، قبل 1979، كإئتمان حتى يتم بيعه، وللحصول على نصف قيمة الشراكتين بينهما، ويبلغ إجمالي المبلغ المتنازع عليه 7 مليار دولار.
وبالفعل فازت شركة النفط الإيرانية في عام 2015، بحكم صادر عن محكمة التحكيم الدولية في جنيف، ألزم إسرائيل بدفع 1.2 مليار دولار لإيران، مقابل 50 شحنة نفط تسلمتها إسرائيل من نظام الشاه المقبور قبل الثورة الإيرانية، و362 مليون دولار فوائد.
وسبق للاحتلال البريطاني بحسب الكاتبة الإسرائيلية “فازيت رابينا” وأن قام ببناء مصافي تكرير النفط في حيفا، وربطها بخط أنابيب ينقل النفط من كركوك العراقية إلى حيفا الانتدابية، وبعد الغزو الأميركي للعراق 2003، كانت هناك فترة وجيزة من النهضة ظهر فيها هذا الخيار من هاوية النسيان، لكن سرعان ما تلاشى أمام واقع الشرق الأوسط، ما يجعل الصهاينة اليوم يعلقون أمالاً كبيرة على المال الخليجي في إعادة إحياء انابيب النفط المندثرة، التي تمر عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة، لأهداف بعيدة المدى، بما لذلك من أبعاد ومخاطر ستكون محور قراءتنا التالية والتي تليها، مع ردة الفعل الإيرانية والمصرية تحديداً، باعتبارهما اكثر المتضررين من هذا المخطط الاستعماري الاستيطاني، بسبب تحكم مصر في قناة السويس التي يمر منها 10 بالمائة من حجم التجارة العالمية، وإيران في مضيق هرمز الذي يمر منه 40 بالمائة من النفط العربي.
الخط الإماراتي الصهيوني:
قطعت الشركات الإماراتية والإسرائيلية خلال الأعوام الماضية خطوات كبيرة في تحقيق التناغم والتطبيع الاقتصادي في مجال الطاقة، وقد تكلمنا عن ذلك في قراءات سابقة، ما يعني أن اتفاقية أنبوب “إيلات – عسقلان” ليست سوى تتويج لتاريخ من التربيطات والمشروعات والاتفاقيات المبرمة بين الجانبين، والتي لم يُسلط الضوء عليها بصورة كافية لأبعاد سياسية وأمنية.
أثمرت تلك المباحثات عن توقيع عدد من الاتفاقيات بشأن مشاركة شركات إماراتية في تمويل مشروعات في قطاع الطاقة الإسرائيلي، والمشاركة في خط أنابيب الغاز البحري الذي اقترحت “إسرائيل” إقامته من شرق المتوسط إلى أوربا عبر كريت وإيطاليا، وأخر من إيلات الى عسقلان، وثالث من أبوظبي الى إيلات عبر الأردن والأراضي السعودية، وكان وزير الطاقة الإسرائيلي “يوفال شتاينتز” قد كشف في العام 2018، عن موافقة أبو ظبي على المشاركة في تمويل الخط بقيمة 100 مليون دولار.
بعد الإعلان الرسمي عن تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل في 13 أغسطس 2020، والتوقيع الرسمي على ذلك الاتفاق المشؤم في 15 سبتمبر 2020، تسارعت وتير التشبيكات، وتجاوزت الإمارات في ذلك كل الخطوط الحمراء، وداست على كل المحرمات، ورمت بكل المقدسات عرض الحائط، ومعها بدأت تطفو على السطح كل مشاريع المخططات الاستعمارية الصهيونية القديمة، لتفرض نفسها على المشرق العربي بتمويل أعراب الإمارات والسعودية من وراء حجاب، ومن أخطرها مخطط ربط منظومات تصدير النفط الخليجي إلى أوربا عبر إسرائيل، تحت ذريعة تعزيز أمن الطاقة.
وكشفت صحيفة “ميكور ريشون” الصهيونية عن عقد وزارتي الخارجية والدفاع في تل أبيب سلسلة من الاجتماعات لبحث فرص نقل النفط الخليجي، شارك فيها مسؤولون كبار من شركة النفط الحكومية “كاتشا”، وتحدثت وسائل الإعلام الصهيونية في 1 أكتوبر 2020 عن اتفاق ثلاثي أميركي إسرائيلي إماراتي “لتطوير إستراتيجية مشتركة” في قطاع الطاقة تشمل تطوير بنى تحتية لنقل الغاز والنفط من آسيا والشرق الأوسط إلى أوربا، من بينها تطوير البنى التحتية لإقامة أنبوب “إيلات – عسقلان”.
ووفقاً لشركة خط أنبوب نفط إيلات عسقلان KSAA المعنية بتشغيل الخط، ستتضمن المرحلة الأولى من المشروع، نقل النفط من الإمارات إلى محطة شركة خط الأنابيب في إيلات، ومن إيلات إلى محطة الشركة في عسقلان، ومنها إلى الزبائن في مختلف أنحاء البحر المتوسط، بموجب مذكرة التفاهم التي وقعتها مع شركة RED MED.
ووقعت شركتا “موانئ دبي العالمية” الإماراتية و”دوفرتاور” الإسرائيلية في 16 سبتمبر 2020 عدة اتفاقيات للتعاون في أنشطة الشحن والموانئ، وفي اليوم التالي 17 سبتمبر 2020 كشفت صحيفة “جلوبس” الإسرائيلية عن اقتراح تل أبيب على أبوظبي بناء ممر برّي يربط بينها وبين دول الخليج العربي، بما فيها السعودية وصولاً إلى ميناء عسقلان الإسرائيلي.
ووفقًا للتقديرات التي سُمعت في المناقشات بشأن المشروع، فإنه سيدر عائدات تصل إلى مئات الملايين من الشواكل سنوياً للحكومة الإسرائيلية.
وفي 20 أكتوبر 2020 زار وفد إماراتي مطار بن غوريون، أعلنت بعدها شركة خطوط الأنابيب الإسرائيلية في 21 أكتوبر 2020 أنها وقعت اتفاقاً مبدئياً للمساعدة في نقل النفط من الإمارات إلى أوربا، وتتراوح قيمة المشروع ما بين 700 إلى 800 مليون دولار على مدى عدة سنوات، على أن تبدأ عملية الإمدادات في مطلع 2021″.
وتدرس “إسرائيل شيبياردز” و”موانئ دبي” عرض مشترك لتطوير ميناء حيفا، وهو بصدد الخصخصة، وهي المرة الأولى، التي تشارك فيها شركة إماراتية وخليجية، في مناقصة رسمية للبنية التحتية الحكومية في إسرائيل.
وقالت شركة “دوفرتاور” الصهيونية إنها ستدخل في شراكة أيضا مع “موانئ دبي” لتأسيس خط شحن بحري مباشر بين دبي وإيلات.
وستدرس “إسرائيل شيبياردز” و”الأحواض الجافة العالمية – دبي” شراكة في إنتاج وتسويق منتجات في دبي.
وتوفر هذه الاتفاقيات لأبوظبي جسراً لنقل الوقود الأحفوري مباشرة إلى أوربا، وتعد من أهم وأخطر مجالات التطبيع بين الجانبين منذ إعلان إقامة العلاقات بينهما.
وفي تعليقها على التطور في علاقات الكيانين قالت الكاتبة الإسرائيلية “فازيت رابينا” أن: الواقع الجديد بعد التطبيع الخليجي الإسرائيلي يعيدنا لنظرية التهديدات، لأن الاتفاق مع الإمارات بشكل خاص يفتح أمامنا شراكة استراتيجية، وسلسلة من الفرص غير المسبوقة، بينها أن تقترح إسرائيل على الإمارات تعزيز بناء ممر بري لتدفق زيت الغاز ونواتج التقطير لأوربا وأميركا الشمالية، باستخدام البنية التحتية للنقل لوكالة حماية البيئة من إيلات إلى عسقلان.
ويسعى الكيان الصهيوني من وراء هذا المشروع الى الاستحواذ على ما بين 12 و17% من تجارة النفط التي تستخدم الآن قناة السويس بحسب مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، ويسرد الإعلام الصهيوني قائمة طويلة لمزايا هذا الخط، منها:
1 – تقليل مدة نقل النفط والغاز الطبيعي ونواتج التقطير من السعودية ودول الخليج إلى الغرب.
2 – توفير بديل أرخص من قناة السويس المصرية، وخياراً للاتصال بشبكات أنابيب عربية تنقل النفط والغاز ليس فقط إلى المنطقة، ولكن إلى الموانئ البحرية التي تزود العالم.
3 – قدرة المحطات في عسقلان وإيلات على استيعاب الناقلات العملاقة التي تهيمن على شحن النفط اليوم، وعمل الخط في اتجاهين، عكس قناة السويس التي تعمل في اتجاه واحد ولا يستوعب عمقها تلك الناقلات العملاقة مثل ” VLCCs”.
ويقول الرئيس التنفيذي لشركة خط أنابيب آسيا الصهيونية، “إيزيك ليفي”:
إذا تعلمت إسرائيل بالفعل تسخير قادة الإمارات لإقناع السعوديين، فسيكون ممكنا الاتصال بنظام نقل النفط العربي في نقطة النهاية السعودية، وبعد ذلك نقل النفط السعودي من البقيق، نفس موقع شركة النفط السعودية أرامكو التي تعرضت للهجوم “الإيراني” – حد زعمه – إلى مصفاة ينبع، البعيدة 700 كم، بينما يطير من إيلات، حيث سيؤتي الاتصال بها ثماراً كثيرة في مجال الأعمال.