[29/ اكتوبر/2020]
عواصم- سبأ: مرزاح العسل
تحتفل بلادنا مع دول العالم الإسلامي اليوم الخميس، بذكرى مولد الرسول محمد – صل الله عليه وسلم- والذي يصادف الـ12 من شهر ربيع الأول من كل عام، حيث تختلف الدول العربية والإسلامية في طقوس وطرق الاحتفال بهذه المناسبة الغالية على كل مسلم موحد يحب الله ورسوله، فيما تستمر الاحتفالات في بعض البلدان نحو شهر كامل.
وتحتل مناسبة هذه العام أهمية بالغة كونها تأتي في ظل متغيرات خطيرة، ابتداءً من تداعيات فيروس “كورونا” التي أجبرت العديد من البلدان على اختزال احتفالاتها، مروراً بما يتعرض له الإسلام والمسلمين وخصوصاً رسولنا الأعظم، من هجمة إساءة همجية ممنهجة وشرسة بإعادة نشر الرسوم المسيئة لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، والتطاول المتصاعد من قبل عدد من زبانية اليهود وأعداء الأمة الإسلامية وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وانتهاءً بتسابق بعض الأنظمة العربية إلى الارتماء في أحضان الصهاينة وبيعهم للقضية المركزية للعرب والمسلمين (قضية فلسطين المحتلة).
وعادة ما تبدأ الاحتفالات الشعبية من بداية شهر ربيع الأول إلى نهايته، وذلك بإقامة مجالس ينشد فيها قصائد مدح النبي، ويكون فيها الدروس من سيرته، وذكر شمائله ويُقدّم فيها الطعام والحلوى.. ويرجع المسلمون الذين يحتفلون بالمولد النبوي بداية الاهتمام بيوم مولد رسول الله إلى النبي محمد نفسه حين كان يصوم يوم الاثنين ويقول “هذا يوم وُلدت فيه”.
ومن هنا تتجلى لنا معاني الرحمة والنور والحُب الكبير بإحياء ميلاد سيد الخلق أجمعين محمد عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، حيث يمثل إحياء مولده في الزمن الحالي، أكبر إغاضة لأعداء الأمة الإسلامية، كونها الطريق الأكبر للعودة إلى رسول الله وسيرته العطرة، والمناسبة الجامعة لكل المسلمين في أرجاء الأرض.
ففي حضور غير مسبوق يتوافد الملايين من المواطنين اليمنيين منذ صباح اليوم الخميس، إلى ساحات الاحتفال في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية الحُرة لإحياء الفعاليات المركزية الإحتفائية بمولد النبي الأعظم والتي ستقام في 14 ساحة وميدان.
ويرى مراقبون أن الحشد الجماهيري هو الأكبر في تاريخ اليمن والمنطقة نظراً لمستوى الإقبال والحماس والتفاعل الرسمي والشعبي مع الاحتفالات التي شهدتها مختلف مرافق ومؤسسات الدولة بالعاصمة والمحافظات خلال الأيام الماضية والتي شهدت زخماً كبيراً أكدت من خلاله مدى ارتباط اليمنيين وحبهم لرسولهم ولنهجه الرباني وبلغت أكثر من 30 ألف فعالية.
وفي مصر يحرص المصريون على الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، بعادات وتقاليد مختلفة عن أي بلد إسلامية أخرى، والتي بدأت منذ عهد الفاطميين واستمرت على مدى العصور، وصولا لعصرنا الحديث، وذلك للتعبير عن الحب والتقدير لنبي الرحمة محمد (عليه الصلاة والسلام).
وبهذا المناسبة هنأ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المسلمين بمولد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”.. قائلاً: “كل عام والأمة المصرية والعربية والإسلامية بخير، بمناسبة حلول ذكرى مولد نبينا الأمين، الذي تمثل ذكراه العطرة النموذج الأعظم في العطاء الإنساني الخالد، والمثل الأعلى في النقاء والاستقامة والالتزام والتضحية والفداء”.
وأضاف: “سلام الله على من حمل الرسالة وأدى الأمانة، وأدعو الله في هذا اليوم المبارك، أن يلهمنا قوة الإرادة والصبر وسلامة المقصد، وأن يمدنا بمزيد من الخير والأمن والاستقرار لوطننا الغالي مصر.. كل عام وأنتم بخير”.
من جهته قال شيخ الأزهر، أحمد الطيب خلال احتفالية وزارة الأوقاف المصرية بذكرى المولد النبوي، وأمام عبد الفتاح السيسي، إنه “من المؤسف والمؤلم أن نرى الإساءة للإسلام والمسلمين في عالمنا وقد أصبح أداة لحشد الأصوات والمض”.
وأضاف إن “الرسوم المسيئة لنبينا العظيم عبث وتهريج وانفلات من كل قيود المسؤولية والالتزام الخلقي والعرف الدولي والقانون العام وعداء صريح لهذا الدين الحنيف وللنبي صلى الله عليه وسلم”.
وتابع قائلا: “نرفض وبقوة وكل دول العالم الإسلامي هذه البذاءات، وندعو المجتمع الدولي لإقرار تشريع عالمي يجرم معاداة المسلمين والتفرقة بينهم وبين غيرهم في الحقوق والواجبات”.
وكان الأزهر في مصر، قد أعلن يوم أمس، عن إطلاق منصة عالمية متعددة اللغات، للتعريف بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم.. وقال الطيب: إن “المنصة ستعمل على التعريف بنبي الرحمة ورسول الإنسانية بالعديد من لغات العالم”.
وشارك عشرات الطلاب المسيحيين في مصر في رسم عبارة “إلا رسول الله” بأجسادهم في إحدى المدارس، الثلاثاء، رفضا للإساءة الفرنسية إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
أما في الأردن فقد غرّد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بآيات قرآنية: “قال تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم).. وقال تعالى (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ). صدق الله العظيم. اللهم صلّ وسلم على سيدنا محمد”.
وألغت السلطات الأردنية حظر التجوال الشامل اليوم الخميس، الذي يصادف ذكرى المولد النبوي الشريف والذي سيتم خلاله تعطيل الوزارات والدوائر الرسمية والمؤسسات والهيئات العامة.
وقال وزير الدولة لشؤون الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة على العايد: “لن يكون هناك حظر تجول شامل في هذا اليوم”.. مضيفاً إن حظر التجول الشامل سيكون خلال أيام الجمعة فقط، ووفق الآلية التنظيمية.. بما في ذلك تخصيص مدة زمنية، يحددها وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، للوصول للمساجد سيرا على الأقدام لأداء صلاة الجمعة.
وتظاهر عشرات الأردنيين أمام السفارة الفرنسية في العاصمة عمّان، تنديدا بتصريحات الرئيس الفرنسي والرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
المغاربة هم الآخرون ظلوا على مر السنين يجدون في عيد المولد النبوي مناسبة للتفكر في عدد من السنن النبوية، وفرصة لاستحضار الذكر الحكيم، والابتهال والذكر، لكن هناك من ينتقد هذه الممارسات.
وفي هذا الإطار قال عضو المجلس العلمي الأعلى رئيس شعبة الدراسات الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة محمد الأوّل بوجدة مصطفى بن حمزة: إن الاحتفال بعيد المولد النبوي “ليس بدعة” كما يروج له البعض.. مؤكدا أن الأمة الإسلامية في أمس الحاجة إلى هذه الذكرى في وقت يتعرض له شخص الرسول الكريم لهجمات من قبل كثيرين.
أما في الشيشان فقد أعلن وزير الإعلام والصحافة، أحمد دوداييف، أمس، أن الصندوق العام الإقليمي في الشيشان، سيدفع 100 ألف روبل لكل مولود حديث اسمه محمد تيمنا بالرسول الكريم محمد، وبمناسبة المولد النبوي الشريف.
وقال دوداييف، إن “الحدث الخيري جاء ليتزامن مع المولد النبوي الشريف، حيث ستحصل كل عائلة ترزق بمولود في الفترة بين 28 و29 أكتوبر، وتطلق اسم النبي أو اسم أحد أفراد آل البيت والصحابة، على 100 ألف.
إساءة باريس للإسلام والمسلمين وسيد الخلق، رد عليها العالم الإسلامي بموجة غضب عارمة نصرة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، شملت تظاهرات حاشدة وردود فعل وتصريحات رسمية ودينية غاضبة، وحملات مقاطعة رسمية وشعبية واسعة للمنتجات الفرنسية لاقت استجابة واسعة من المسلمين بأنحاء العالم.. ويعزز من موجة الغضب هذه تزامنها مع ذكرى المولد النبوي الشريف.
فعلى المستوى الرسمي صدرت إدانات وبيانات غاضبة رفضا للإساءة الفرنسية للإسلام والنبي محمد، عن حكومات أغلب الدول الإسلامية، أما على المستوى الشعبي، فكانت ردود الفعل أوسع، فقد خرجت تظاهرات حاشدة ونظمت وقفات احتجاجية في كثير من المدن والعواصم العربية والإسلامية والعالمية، للتعبير عن الغضب والاحتجاج ضد الإساءة الفرنسية للنبي محمد.
ففي إيران، استدعت وزارة الخارجية، القائم بالأعمال الفرنسي في طهران فلوران أيدالو، على خلفية الإساءة.
كما استدعت الخارجية الباكستانية سفير باريس لدى إسلام أباد، مارك باريتي، وسلمته مذكرة احتجاج على خلفية تصريحات ماكرون.
وخلال الأيام الماضية، أيضا، أحرق متظاهرون علم فرنسا في دول عربية عدة، منها موريتانيا ولبنان والعراق والجزائر وتونس.
كما دعت هيئة علماء الصومال إلى مقاطعة منتجات فرنسا.. معتبرة أن ماكرون “يشن حربا مباشرة على الإسلام”، عبر تصريحات للناطق باسمها الشيخ عبد القادر محمد سمو.
“هيئة علماء اليمن” دعت أيضاً، في بيان لها، إلى مقاطعة منتجات فرنسا، ووصفت سلوك ماكرون بـ”الطائش”.
كما نشرت هيئات ودور الإفتاء ووزارات الأوقاف في أغلب الدول الإسلامية، بيانات رافضة ومستنكرة للإساءة الفرنسية إلى النبي محمد.
وفي ليبيا دعا المجلس الأعلى للدولة الليبي (هيئة رسمية استشارية) الحكومة إلى إيقاف التعامل تماما مع الشركات الفرنسية.
فيما داس عشرات الليبيين علم فرنسا بإطارات السيارات، الأربعاء، في مدينة مصراتة (غرب) احتجاجا على الإساءة.. ونشرت فضائية “فبراير” الليبية (خاصة)، مقطعا مصورا لمرور السيارات فوق علم فرنسا وسط تعالي صيحات الشباب الواقفين على جانبي الطريق.
تركيا كانت أول من رد على إساءة فرنسا، وجاء ردها على مستوى رئاسي، فقد أدان الرئيس رجب طيب أردوغان، في أكثر من مناسبة تصريحات ماكرون.. ودعا أردوغان، في كلمة له خلال احتفالات المولد النبوي، الثلاثاء، إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية.
وشهدت معظم الولايات التركية تظاهرات واسعة بمشاركة عشرات الآلاف نصرة للرسول الكريم، وتنديدا بتطاول الرئيس الفرنسي على الإسلام والمسلمين.
وعلى أرض مدينة القدس المحتلة، أحرق متظاهرون في عدة وقفات على مدار الأيام الماضية، صورا لماكرون، ورفعوا العلم التركي وصور الرئيس أردوغان، تعبيرا عن دعمهم لموقف تركيا المدافع عن الإسلام.
بدورهم، أعرب عدد من مسلمي إندونيسيا عن استنكارهم الشديد لخطابات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وأفعاله المناهضة للإسلام والمسلمين.
في بنغلاديش تظاهر عشرات آلاف الأشخاص الثلاثاء في العاصمة دكا ضد فرنسا.. داعين إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية وأحرقوا دمية تمثل الرئيس الفرنسي ماكرون بعد أن دافع هذا الأخير عن نشر الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد باسم حرية التعبير.
وأفادت الشرطة أن أكثر من 40 ألف شخص كانوا يشاركون في هذه المسيرة التي نظّمها حزب إسلامي، وتم توقيفها قبل أن تصل إلى السفارة الفرنسية في دكا.
المسيحيون العرب انضموا أيضا بتفاعلات عبر منصات التواصل، إلى رافضي الإساءة الفرنسية لنبي الإسلام.
وعبر “فيسبوك”، نشر عشرات يحملون أسماء مسيحية صورا تحمل عبارات منها: “أنا مسيحي ضد الإساءة للدين الإسلامي”، و”إلا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم”، وسط ثناء من مسلمين عليهم تقديرا لهذه الخطوة.
بطريرك القدس وسائر أعمال فلسطين والأردن، ثيوفيلوس الثالث، أدان أيضا في بيان، الإساءة إلى الدين الإسلامي والنبي محمد صلى الله على وسلم.. معربا عن قلقه من حالة الاستقطاب الناتجة عن مجريات الأمور في فرنسا.
وأثار المشهد ردود فعل مرحبة واسعة عبر منصات التواصل، التي تلقفت الصورة وأعادت نشرها مئات المرات تحت وسم (هاشتاغ) “أنا مسيحي وضد الإساءة للإسلام”.
فيما أطلق مغردون، مبادرة لتدوين عبارة “أنا مسيحي وأرفض الإساءة للإسلام، مسلم مسيحي إيد واحدة”، باللغتين العربية والفرنسية عبر حساباتهم على منصات التواصل.
وتتواصل حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية بنشاط كبير للأسبوع الثاني على التوالي، ما دفع بعض الشركات الفرنسية في الدول العربية إلى إرسال تهاني بذكرى المولد النبوي، في إشارة إلى محاولة وقف خسائرها بحسب ناشطين.
تاريخياً.. تُنسب بداية الاحتفال بذكرى ميلاد النبي إلى الخليفة الفاطمي المعز لدين الله بعد دخوله إلى مصر في عام 969 للميلاد.. وترى مرجعيات تاريخية أنّ إطلاق احتفالات منظّمة بمولد الرسول وعدد من أهل بيته، كان وسيلة ذلك الخليفة للتقرّب من المصريين، عبر مناسبات عامة يطغى عليها السرور.
ومع تغيّر الحكم، وتعاقب الخلافات الإسلامية، كان الاحتفال بالمولد يخفت ثمّ يعود، تبعاً لأولويات السلطة.. هكذا منعه الأيوبيون، ثمّ سمح به المماليك، وهكذا دواليك، حتى تحوّل إلى تقليد صوفي في عهد محمد علي باشا.
ويقيناً فإن أعداء الأمة الإسلامية يتابعون بقلق بالغ فعاليات الاحتفال بمولد الرسول الأعظم صلوات الله عليه وآله؛ ذلك لأنهم يعتبرون أن الرسول يقدم للأمة مشروعاً يحييها ويخرجها من واقعها المظلم والمخزي والمذل، ولا ننسى هنا ما قاله أول رئيس وزراء للعدو الصهيوني “بن غوريون” حين قال: (إننا نخشى أن يظهر في العالم العربي محمد جديد).
ومهما قلنا في عيد مولده الشريف من كلمات وعبارات وأشعار فإننا لن نصل لمكانته الرفيعة التي لا تدانيها مكانة، فالمولد النبوي الشريف إيذاناً ببَدء بزوغ الشمس والانعتاق من زمن الجاهليّة وعبادة الأصنام، وهو اليوم الذي يحمل البشرى الكبيرة والأمان والسكينة، ففي رسول الله -عليه الصلاة والسلام- عبقٌ من روائح الجنة، وفي يوم ولادته نورٌ لا يأتيه الظلام أبدًا.