[24/ سبتمبر/2020]
عواصم – سبأ : محفوظ الفلاحي
بعد فشل الولايات المتحدة الأمريكية الذريع في فرض إرادتها على المجتمع الدولي بشأن إعادة العقوبات الأممية على إيران، وبعد الإجماع الدولي في رفض قرارها الأحادي بإعادة فرض هذه العقوبات اعتباراً من 19 سبتمبر الجاري يكون العالم قد شهد البداية الحقيقية والرسمية لانتهاء حقبة تميزت بهيمنة واشنطن على النظام الدولي بل نكون على أعتاب حقبة جديدة في العلاقات الدولية باتت فيها الولايات المتحدة في مواجهة القوى الدولية الأخرى التي أصبح عليها مواجهة البلطجة الأمريكية المفضوحة.
وكان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قد قال الأحد الماضي أن واشنطن ستعيد تفعيل عقوبات الأمم المتحدة على إيران والتي تم إنهاؤها بموجب الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا عام 2015 والذي تعهدت بموجبه إيران بتقييد أنشطتها النووية الحساسة ، مقابل إنهاء العقوبات الأممية المفروضة عليها وإنهاء حظر بيع الأسلحة التقليدية المفروض عليها منذ عام 2007، والذي من المقرر أن ينتهي في 18 أكتوبر القادم، ويأتي الإعلان الأمريكي استناداً على الإخطار الذي قدمته واشنطن إلى رئيس مجلس الأمن في 20 أغسطس الماضي بشأن تفعيل عملية “سناب باك” والتي تضع شروط وآلية عودة العقوبات على إيران وهي العملية التي يتضمنها الاتفاق النووي لعام 2015، والتي انسحبت منه إدارة ترامب عام 2018.
إلا أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا أبلغت مجلس الأمن الدولي أن إعفاء إيران من عقوبات الأمم المتحدة بموجب الاتفاق النووي سيستمر بعد 20 سبتمبر ، وانتقدت الخطوة الأمريكية بوصفها “غير مشروعة”.
وقالت الدول الأوروبية الثلاث في بيان مشترك إنه ليس بوسع الأمريكيين تفعيل البند الذي يتيح إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران ، لأنهم انسحبوا من الاتفاقية، فيما أكد 13 من أعضاء مجلس الأمن أن إجراء واشنطن باطل لأنها لم تعد طرفا في الاتفاق النووي.
المجتمع الدولي في مواجهة أمريكا
تدخل الولايات المتحدة في معركة سياسية وقانونية مع الدول الأوروبية وروسيا والصين وألمانيا ، بشأن عدم قانونية القرار الأمريكي بإعادة تفعيل العقوبات الأممية على إيران، وذلك استناداً إلى الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي والذي لم تعد طرفا فيه.
فقد أصرت أطراف الاتفاق النووي خلال اجتماع الأسبوع الماضي في فيينا ، على إنقاذ ما أسمته بـ “الجثة الهامدة” للاتفاق النووي الإيراني ، وأعلنت بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا وإيران وقوفها في جبهة واحدة لحفظ الاتفاق النووي، في وقت تمارس فيه الولايات المتحدة ضغوطاً متزايدة على إيران.
ورداً على القرار الأمريكي، قال مندوب فرنسا في الأمم المتحدة نيكولاس دو ريفيير إن فرنسا وألمانيا وبريطانيا ستبقى ملتزمة بتنفيذ كامل الاتفاق النووي ، باعتباره السبيل الوحيد للمضي قدما لاحتواء برنامج إيران النووي ، مؤكداً أن رفع العقوبات الأممية عن إيران سيستمر، وأن إيران ستبقى خاضعة للمحاسبة حتى تفي بالتزاماتها.
وفي وقت سابق ، أكدت بريطانيا وفرنسا وألمانيا – في رسالة إلى مجلس الأمن- رفضها الخطوة الأمريكية ، مشيرة إلى أن أي قرار أو إجراء لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران سيكون بلا أي أثر قانوني.
وتتمسك الدول الأوروبية بالاتفاق النووي لحماية استثماراتها في إيران ، وضمان عدم تهديد الملاحة العالمية كغلق مضيق هرمز الاستراتيجي أو احتجاز الناقلات الأوروبية الأمر الذي يضر بمصالح الاقتصادية الأوروبية في المنطقة.
من جانبها ، أدانت وزارة الخارجية الروسية إعلان الولايات المتحدة أحادي الجانب عن إعادة تفعيل العقوبات الأممية على إيران، مشيرةً إلى أن التصريحات الأمريكية تفتقر إلى أساس قانوني.
وأكدت الخارجية الروسية قائلة أن : “قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 (الذي يؤيد الاتفاق النووي) لم يتغير، ويجب الوفاء بالالتزامات المتضمنة فيه … على أساس مبدأ المعاملة بالمثل من قبل جميع الدول”.
بدوره قال ديمتري بوليانسكي نائب المندوب الروسي في الأمم المتحدة إنه من المؤلم رؤية دولة عظيمة “تهين نفسها على هذا النحو وتعارض بعناد” أعضاء آخرين في مجلس الأمن، واعتبر أن الولايات المتحدة مصرة على تقويض القانون الدولي من خلال فرض إرادتها الأنانية على الآخرين، مضيفا “لقد قلنا بوضوح في أغسطس/آب الماضي إن مزاعم واشنطن بشأن تفعيل آلية العودة إلى الحالة الأصلية غير شرعية، هل هي صماء؟”.
من جانبه أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مجلس الأمن الدولي أنه لا يستطيع اتخاذ أي إجراء إزاء إعلان أمريكا إعادة فرض كل عقوبات الأمم المتحدة على إيران، نظرا لوجود “شك” في المسألة.
وقال غوتيريش – في رسالة للمجلس- “يوجد شك على ما يبدو بشأن إذا كانت العملية قد بدأت بالفعل، وشك في الوقت ذاته بشأن إذا كان إنهاء (العقوبات) لا يزال ساري المفعول”، وأضاف “لا يمكن للأمين العام أن يمضي قدما وكأن مثل هذا الشك غير موجود”.
وفي العادة يقدم مسؤولون بالأمم المتحدة دعماً إدارياً وفنياً لمجلس الأمن لتنفيذ عقوباته، حيث يعين الأمين العام خبراء مستقلين لمراقبة التنفيذ، لكن غوتيريش قال إنه لن يتخذ أي إجراء لتقديم هذا الدعم إلى أن يتضح الموقف.
وقال سفير إيران في الأمم المتحدة مجيد تخت روانجي، في تغريدة على تويتر، إن “الموعد النهائي الزائف وغير القانوني” الذي حددته الولايات المتحدة لإعادة فرض العقوبات حلَّ ومضى.
وأضاف روانجي أن الولايات المتحدة انتهكت الاتفاق النووي وقرار مجلس الأمن رقم ٢٢٣١، وما تزال تواصل السباحة ضد التيار، وأن ذلك لن يجلب لها سوى مزيد من العزلة الدولية.
وفي خطوة عززت من قوة الأطراف الأوروبية في موقفها الرافض لخطوة الأمريكية أعلنت إيران نهاية الأسبوع الماضي قبولها دخول المفتشين الدوليين إلى موقعين سريين يشتبه في وجود أنشطة غير معلنة فيهما بعد فترة من الرفض.
جاء هذا التطور بعد مشاورات أجراها المدير العام للوكالة الدولية، رافائيل جروسي مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، ورئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية.
ويبدو أن الموقف الدولي سوف يتجه نحو مزيد من الاستقطابات الحادة، نتيجة التباعد بين الموقف الأمريكي ونظرائه الأوروبي والروسي والصيني، الأمر الذي دفع وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو بتوجيه الاتهامات إلى كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، في انتقاد وصفه مراقبون بـ “مستوى نادر من العنف”، حيث قال بومبيو أن هذه الدول “اختارت الانحياز إلى الإيرانيين”.
لا ريب أن هذه النقطة ربما تثير تصعيداً وتوتراً جديداً يضاف إلى الملف المتوتر من الأساس، إذ إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد يعلن عن عقوبات ثانوية بحق كل دولة تنتهك العقوبات الأممية، عبر عرقلة الوصول إلى السوق والنظام المالي الأمريكيين.
دعاية انتخابية
أكد مراقبون أن التحرك الأمريكي لإعادة العقوبات الدولية على إيران مجرد دعاية ضمن حملة الرئيس دونالد ترامب الانتخابية، ولا تأثير حقيقي لها وأن واشنطن فشلت في إعادة فرض العقوبات الأممية، واستبعدوا أن تؤثر العقوبات “الثانوية” على شراء طهران أسلحة من الصين وروسيا.
ويأتي إعلان واشنطن قبل نحو ستة أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إذ يواجه ترامب المنافس الديمقراطي جو بايدن، الذي تعهد بإعادة انضمام الولايات المتحدة مجدداً إلى الاتفاق.
ولم يتبق أمام إدارة ترامب سوى بضعة أشهر في ولايته الأولى وربما الأخيرة، لذلك يرى بعض من طاقم حكومته في أي تحرك ضد “العدو القديم” إيران خطوة يحتمل أن تحظى بشعبية لدى بعض الناخبين.
بلطجة أمريكية
حذر مراقبون وسياسيون من أن الأمريكيين باتوا يتصرفون كبلطجيين ويفرضون العقوبات وأنه يجب على المجتمع الدولي أن يقرر كيف يواجه هذه البلطجة.
وأشار المراقبون إلى تهديد بومبيو بأن واشنطن ستعلن في الأيام المقبلة عن إجراءات ضد الدول التي لا تطبق العقوبات دون الخوض في تفاصيل.
وحذروا من ضغطٍ أمريكيٍ وشيكٍ على إيران في الأيام المقبلة، وقد يشمل هذا الضغط سيناريو اعتراض السفن الحربية الأمريكية لسفن شحن إيرانية في عرض المياه الدولية، وهو ما سيمثل تصعيداً للتوتر القائم أصلا بين الدولتين.
وفيما أعلنت البحرية الأمريكية أن حاملة الطائرات “نيميتز” والمجموعة القتالية التابعة لها، عبرت مؤخراً مضيق هرمز لتدخل مياه الخليج، علق أحد كبار الدبلوماسيين الأوروبيين قائلا: “إذا حاولت الولايات المتحدة إيقاف أي سفينة شحن إيرانية، لا أحد يُمكنه التكهن بما سيحدث، لكن ذلك حتما سيخلق عنصراً آخر من الاضطراب في وضع يحكمه انعدام الثقة بين الطرفين”.
وفي المقابل قال الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إن الولايات المتحدة “تواجه هزيمة” في تحركها لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على بلاده، وأكد إن إيران “سترد برد ساحق على بلطجة أمريكا”.
وكان القائد العام للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي قد قال إن أي عدوان أمريكي على إيران سيواجه بضرب كافة القواعد الأمريكية في المنطقة بشكل واسع.
وأضاف أن بلاده قادرة على استهداف مصالح أمريكا في المنطقة، وعلى احتلال جميع قواعدها وإيقاع خسائر كبيرة في صفوف الجيش الأمريكي، مؤكداً أن قوة إيران الدفاعية صممت لمواجهة أي عدوان من جانب الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها.
وقبيل أيام فقط، حذرت صحيفة جوان الإيرانية من أن “طهران قد تضع نهاية فعلية للاتفاق النووي، وستغلق كاميرات المراقبة وتبدأ في تخصيب اليورانيوم بنسبة 90 في المائة”.
يبقى القول أن الفترة القليلة القادمة، ستشهد مزيداً من الجهود الأوروبية والدولية من أجل الحفاظ على الاتفاق النووي، وستعمل الدول الأوروبية على إيجاد فرصة لتحقيق انفراجة دبلوماسية مع إيران حول هذا الاتفاق، وسيظل الموقف الأوروبي حائراً بين التشدد الأمريكي والإيراني، وسيكون هناك إعادة فرز وتقييم للمواقف الأوروبية تجاه تطورات الملف النووي الإيراني، وفقاً لعلاقات المصالح الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية.