[10/ سبتمبر/2020]
عواصم- سبأ: مرزاح العسل
في الوقت الذي تتعرض فيه قضية العرب الأولى “القضية الفلسطينية” لأخطر مؤامرة عرفها التاريخ لتصفيتها، تسارعت خطوات تطبيع العلاقات العربية مع الكيان الصهيوني، خصوصاً بعد أن أعلنت دويلة الإمارات العربية المتحدة تطبيع علاقاتها معه بشكل رسمي وكامل، ضاربة بذلك عرض الحائط كل الثوابت العربية والإسلامية ، واختارت أن تقفز من سفينة العرب وقضاياهم.
ويبدو أن قطار تطبيع بعض الدول العربية الأخرى مع إسرائيل قد انطلق رسمياً ، خيانة للقضية الفلسطينية تحت ما يسمى بـ”صفقة القرن” من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية، وخروج عن الصف العربي وزرع المزيد من الفرقة والتقسيم.. وتكريماً للكيان الصهيوني على المجازر التي ارتكبها في الأراضي المحتلة منذ عام 1947م.
ومع ذلك فالتطبيع الذي تقوده بعض دول الخليج وعلى رأسها الإمارات والسعودية قد انتقل بسرعته القصوى متجاوزًا كل الحدود والمواقف التاريخية، ومتخذًا من الأستار الاقتصادية والتنموية والأمنية جسرًا لإحداث معادلة جديدة قوامها تشابك المصالح.. في الوقت الذي يشيد فيه كُتابٌ عرب بخطوة التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، بزعم أنها خطوة نحو السلام واستعادة الحقوق الفلسطينية.
تشريع عربي رسمي للتطبيع:
وفي مؤشر خطير لتشريع عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني كشف دبلوماسي فلسطيني بأن جامعة الدول العربية أسقطت الأربعاء مشروع قرار قدمته فلسطين في اجتماع وزراء الخارجية ، يدين اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، غير أن الوزراء العرب اتفقوا في بيانهم الختامي على ضرورة حل الصراع العربي الإسرائيلي وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.. مؤكدين رفضهم لخطة السلام الأميركية الخاص بالشرق الأوسط.
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني، إن إسقاط مشروع القرار الذي قدمته فلسطين، بشأن إدانة العلاقات الإماراتية الإسرائيلية “تشريع عربي رسمي للتطبيع”.. مضيفاً “ما جرى واضح ومتوقع، فالتحالف الداعم للإمارات هو الأقوى في جامعة الدول العربية الأكثر تأثيرا”.
وتابع: “قدمت الإمارات مشروعا موازيا (لم يكشف تفاصيله) للمشروع الفلسطيني، وحاولنا إدخال تعديلات عليه، حتى التعديلات لم تقبل”.
وعلقت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، على إسقاط الجامعة العربية، لمشروع قرار يدين الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، على لسان متحدثها الرسمي حازم قاسم بالقول: إنه يجب على مؤسسة الجامعة العربية، أن تعبر عن ضمير الأمة العربية الرافض للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
وأعرب عن من أسفه من إسقاط الجامعة العربية لمشروع قرار يدين اتفاق التطبيع بين الإمارات والاحتلال.. مشيراً إلى أن عدم قدرة الجامعة على إصدار هذا القرار يغري حكومة الاحتلال والإدارة الأمريكية على استمرار تطبيق المخطط التصفوي للقضية الفلسطينية.
يأتي ذلك، بعد يوم واحد من مطالبات من مجلس التعاون الخليجي، للرئيس الفلسطيني محمود عباس، والقيادات الفلسطينية، بالاعتذار عما وصفته “مغالطات” لدول الخليج، وذلك خلال كلمات الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في رام الله وبيروت الخميس الماضي.
مؤشرات التطبيع العربية:
في ظل تسارع الأحداث في هذا الشأن وفي الوقت الذي يبحث الكثير من الخبراء بتداعيات الخطوة الإسرائيلية – الإماراتية، هناك مؤشرات قوية تؤكد توجه العديد من الدول العربية نحو الارتماء في الحضن الصهيوني، ويذهب البعض إلى النظر في البلد الخليجي التالي في مسلسل التطبيع الذي تشترك فيه العديد من الدول الخليجية، ولا تشكل فيه الإمارات اللاعب الوحيد.
فمن المتوقع أن تتخذ السعودية إجراءات تدريجية وبطيئة للاعتراف الدبلوماسي الكامل بـ”إسرائيل”، وذلك باتخاذ بعض الخطوات من أهمها استعمال نفوذها المالي في المنطقة لإجبار دول أخرى على الالتحاق بركب المطبعين خاصة تلك الواقعة في المغرب العربي.
نظرياً لا شيء يمنع من إقدام المملكة تحت قيادة المتهور محمد بن سلمان على تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”.. فالرجل لم يٌخف إعجابه بهذا الكيان، والتعبير عن حقه في الوجود، واستقبال العديد من الوفود التي تتضمن شخصيات يهودية معروفة بدعمها المطلق لإسرائيل.. هذا فضلا عن تضييقه على الفلسطينيين.. فعلاقة بن سلمان مع السلطة الفلسطينية بلغت في الحضيض مع توليه مقاليد الحكم، أما مع حماس فحدث ولا حرج، إذ تعتقل المملكة شخصيات رفيعة المستوى المحسوبة على الحركة.
وربما يكون التالي مملكة البحرين، وهي الدولة التالية في مسرحية التطبيع هذه.. فقد كانت المنامة من أولى الدول التي باركت الاتفاق بين الإمارات ودولة الاحتلال الإسرائيلي.. كما أشارت تقارير نقلا عن مسئولين إسرائيليين وأمريكيين إلى أن اتفاقا مماثلا يلوح بالأفق بين تل أبيب والمنامة.
من جانبها، نشرت صحيفة (التايمز) البريطانية، تقريرا بعنوان “يمكن للسودان أن يحذو حذو الإمارات، في إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع إسرائيل”.
وذكرت الصحيفة أن “السودان قد ينضم إلى الإمارات في تطبيع العلاقات مع تل أبيب، وفقا لمسئولين إسرائيليين ومسئول سوداني”.. موضحة أن السودان “غيّر ولاءاته الجيوسياسية بشكل كبير في السنوات الأخيرة”.
وتحت عنوان (ثمار التطبيع: سفير سوداني في الولايات المتحدة)، تقول صحيفة الأخبار اللبنانية إنه و”للمرة الأولى منذ 25 سنة، انتهت جولة التطبيع السوداني-الأمريكي-الإسرائيلي في نتائجها الأولية إلى إعلان الخرطوم تعيين سفير لها في الولايات المتحدة بعد عداء استمر عشرات السنين”.
وتؤكد الصحيفة أن الانفتاح الأمريكي على السودان جاء عقب “لقاء رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، سرًا برئيس حكومة العدو الإسرائيلي المستقيلة بنيامين نتنياهو في أوغندا”.
وقد تختلف السياقات والمسارات، إلا أن محاولات كسر قاعدة المقاطعة السياسية والثقافية والاقتصادية الراهنة لدول المغرب العربي إزاء دولة الاحتلال تسير بوتيرة متسارعة رغم حرص الحكام في هذه المنطقة على الترويج لفكرة “التطبيع خيانة” و”فلسطين خط أحمر”.
ففي المغرب مثلًا، يأخذ التطبيع أشكالًا غير رسمية، حيث يحاول الكيان التغلغل في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية والرياضية، وهو ما دفع بمنظمات المجتمع المدني إلى دق نواقيس الخطر، حيث أدان المرصد المغربي لمناهضة التطبيع في المغرب (غير حكومي) في وقت سابق، ما اعتبره “ترويجًا” من “القناة الثانية” و”المركز السينمائي” في بلاده للتطبيع مع “إسرائيل”.
أما الجزائر بلد المليون ونصف شهيد التي يُعرف عن شعبها مناصرته للقضية الفلسطينية ودفاعه عن القدس، لم يسلم بدوره من محاولات كسر المقاطعة الشاملة للعدو الصهيوني، التي تنوعت بين ما هو سياسي وثقافي ورياضي، وكان آخرها حادثة وقوف رئيس اللجنة الأولمبية الجزائرية (مصطفى برَاف) للنشيد الصهيوني خلال البطولة الدولية للجودو بباريس في فبراير 2020 التي أحدثت صدمة كبيرة لدى الشارع باعتبارها مؤشرًا واضحًا على انخراط مسئولي الدولة في مسار التطبيع.
في تونس يختلف الأمر قليلًا، فما عرته ثورة 14 يناير كشف بما لا يدع مجالًا للشك أن نظام بن علي أرسى قنوات تواصل وعلاقات مع الكيان الصهيوني، تجسدت في أعقاب توقيع اتفاقية أوسلو التصفوية بين “إسرائيل” ومنظمة التحرير الفلسطينية سنة 1993 وهو أيضًا التاريخ الفعلي لميلاد مسار التطبيع العلني في البلاد، وذلك بافتتاح مكتبين لـ”رعاية المصالح” في أبريل 1994، الأول يقع في مقر السفارة البلجيكية والثاني يترأسه وزير الخارجية السابق خميس الجهيناوي.
السيناريو الأخطر وهو قائم بحسب مصادر استخباراتية وتقارير غربية، هو أن تعمل قوى جديدة صاعدة كوكلاء للمشروع الغربي الصهيوني في المنطقة على ترويض باقي الدول للسير على نهجها والانخراط في المشروع الجديد (تصفية القضية الفلسطينية)، وذلك من خلال دفع الكيانات والميليشيات التي تدعمها سياسيًا وماديًا في المنطقة العربية إلى تطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال.
إن من ينظر إلى الخراب والفوضى والتشتت العربي الحالي من السودان إلى ليبيا والعراق وسوريا واليمن يفهم جليا ما يسعى إليه الصهاينة ومعاونيهم وهي عملية جراحية على الجسم العربي لتطويعه وتركيعه للقوة الصهيوأمريكية.
علاقات سرية:
زيادة وتيرة التطبيع في الفترة الأخيرة لم تقتصر على خطوة الإمارات أو مباركة مصر للتطبيع العلني، بل تأكدت باعتراف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بقوله: “إسرائيل تقيم علاقات سرية مع العديد من الدول العربية والإسلامية، 3 دول فقط هي التي لا تقيم علاقات معنا، وما نقوله ليس إلا 10% فقط مما يحدث من علاقات سرية تجمع إسرائيل بدول عربية”.
وهذا الأمر أكدته أيضًا تقارير إعلامية غربية بأن دولًا عربية وخليجية أخرى عقدت بالفعل اجتماعات عامة رفيعة المستوى وقدمت دعمًا مؤقتًا لمقترح أمريكي للسلام في الشرق الأوسط، من المرجح أن تقترب أكثر من إسرائيل أولًا.
وفي هذا الإطار، يُرجح أن دولاً أخرى ستلتحق بمسار التطبيع العلني وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ، رغم أنها تجد إلى الآن حرجًا في الإفصاح عن موقفها أو الانخراط المباشر في عملية تسوية جديدة للعلاقات مع الكيان، ويعود ذلك أساسًا إلى أن أي تقارب بين الرياض وتل أبيب دون التوافق على إقامة دولة فلسطينية، سيتركها عرضة للانتقادات.
وعلى الرغم من وجود تاريخ طويل من العلاقات السرية بين دول عربية عديدة و”إسرائيل”، واستمرار الأخيرة في رفضها بنود مبادرة بيروت العربية، فإن خطوات التطبيع أخذت منحى متسارعاً وعلنياً في الآونة الأخيرة.
عقود من التطبيع العربي:
خلال عقود عديدة من الزمن اعتبرت الدول العربية “إسرائيل” دولة عدوة، والتزمت رفض كل أشكال التطبيع معها، قبل التوصل إلى حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية.
ولكن مصر فتحت طريق التطبيع بتوقيع معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979م، على نحو منفرد، من دون اشتراط السلام بحل القضية الفلسطينية، أساس الصراع مع الصهيونية، فيما وقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو مع “إسرائيل” عام 1993م، كما وقع الأردن اتفاق سلام مع “إسرائيل” عام 1994م.. ومع ذلك، ظل الموقف العربي متماسكا نوعا ما بخصوص تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”.
ولكن لم يسهم السلام الأردني والمصري مع إسرائيل في حل القضية الفلسطينية، ولا اتفاق أوسلو، بل ازدادت “إسرائيل” تطرفا، وزادت في حدة ممارساتها الإحتلالية.
تقول مجلة (إيكونوميست) “لقد تغيرت الحقائق ولم يعد هناك غضب كما فعل العالم العربي مع أنور السادات الذي زار إسرائيل عام 1977 ثم عقد معها معاهدة عام 1979 واغتيل في 1980 بتهمة التطبيع مع الكيان الصهيوني.. في حينها قررت الجامعة العربية تعليق عضوية مصر فيها ونقل مقرها إلى تونس واتهم قادة الدول العربية السادات بالخيانة.. وبعد أربعة عقود لم يتغير شيء، فالفلسطينيين بدون دولة والاحتلال مستمر”.
التطبيع هدية لترامب وإنقاذ لنتنياهو:
يتساءل الكثير من المراقبين عن جدوى اتفاق التطبيع الإماراتي مع “إسرائيل..! فالإمارات دولة ثرية ولها تحالف دفاع مشترك مع فرنسا وأمريكا وبريطانيا وليس لها لا المساحة الجغرافية ولا القوة البشرية والعسكرية لبناء أكثر مما وصلت إليه، إلا إذا كانت تطمح إلى سحب دول عربية أخرى نحو هذا الغرض.
ومع ذلك فهناك الكثير في الاتفاق الذي ينفع الإمارات وإسرائيل وإدارة دونالد ترامب.. وبعيدا عن الجانب الاقتصادي هناك التعاون في المجال الأمني والسياحي حيث ستتعاون الإمارات وإسرائيل في المجال الأمني بشكل مفتوح.. وحسب الطرفين على ما يبدو أن التعاون سيكون رادعا للاعبين الأعداء بالمنطقة، وكان على إدارة ترامب التلويح به كنجاح حتى ولو لم يكن “صفقة القرن”.
وغير خاف على أحد أن التطبيع بين الإمارات وإسرائيل يمثل هدية إنتخابية كبيرة لسيد البيت الأبيض ترامب في وقت حساس جدا، لتعزيز حظوظه في الانتخابات المقبلة، وللتقرب من الدوائر اليهودية في الولايات المتحدة التي تمنح أصواتها عادة للديمقراطيين، كما أنه يأتي كمحاولة من أبوظبي لمد حبل إنقاذ لنتنياهو الغريق في بحر تلك الأزمات السياسية والقانونية والاقتصادية.. ولذلك يسعى ترامب بكل ثقله إلى جر المزيد من الدول العربية إلى مربع التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب لتحسين فٌرص نجاحه.. فهل سينجح؟.. وهذا ما نترك إجابته لقادم الأيام..!!.