[22/ مايو/2020]
صنعاء- سبأ:
أنس القاضي
يوم القدس العالمي.. عنوان المحاضرة الأولى الذي ابتدأ بها الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي مشروعه الثقافي ” المسيرة القرآنية”، ويُشير عنوان المحاضرة إلى الأهمية الذي أولاها الحوثي للقدس وللقضية الفلسطينية، باعتبارها القضية المركزية للمسلمين، وأحرار العالم.
أمتلك السيد حسين الحوثي وعيا استراتيجياً تجاه الصراع مع الكيان الصهيوني، محذراً آنذاك (في العام 2002م) من المخاطر الاستعمارية القادمة من جانب التحالف الأمريكي الإسرائيلي تجاه فلسطين ومقدساتها والمنطقة العربية الاسلامية عموما.
لم يرى حسين الحوثي في تحرك الأساطيل الأمريكية في بحار المنطقة أمراً طبيعياً، كما لم يتعامل مع هذا الخطر بالانزواء وقبول الأمر الواقع، بل دق جرس الإنذار في الوعي الاجتماعي السياسي في اليمن محذراً من الخطر القادم، مستشعراً أبعاد الخطر على العالم الإسلامي ككل ومُحذراً من الوصل إلى يوم كهذا يوم تُباع فيه القدس وتُصفى القضية الفلسطينية بصفقة أبرمها التحالف الأمريكي الصهيوني مُجسداً في الرئيسين «ترامب» و«نتنياهو».
منذ أكثر من 18 عاماً تنبه السيد حسين الحوثي إلى المخاطر التي تهدد القدس وفلسطين كقضية مركزية، مستشعراً المسؤولية لمواجهة هذه التحديات، وكان سلاح الفكر هو الممكن آنذاك فدعا إليه.
استراتيجية وتحررية الفكر الذي جاء به السيد حسين الحوثي وثوريته ووطنيته ليست مرتبطة بمنظومة مفاهيم متخصصة تنتمي إلى مدرسة ايديلوجية محددة، بل قضية الشخصية الوطنية الذي جسدها الحوثي بالاستناد إلى الثقافة القرآنية، قضية وجود هذا الإنسان وموقفه العملي والفكري من الصراع القائم في عالمه، لأن وجوده الإنساني الحر مشروط بقدرته على الصمود في وجه القوى الاستعمارية التي تريد محو شخصيته وبنية وجوده الانساني واستعباده من دون الله، كما أوضح السيد حسين الحوثي؛ وكان تحركه مصداقاً لوعيه هذا، حتى قضى نَحْبَهُ شهيداً.
الشِعار سلاح وموقف
جاء الشعار/الهتاف الذي أطلقه حسين الحوثي في تلك اللحظة التاريخية، كرد فعل توعوي مواجه للدعايات الأمريكية، سواء تلك التي تطلقها الادارة الأمريكية وتتضمن مزاعم “محاربة الإرهاب و”حماية حقوق الإنسان”، أو الدعايات التي كانت تروج لها بعض القوى السياسية الاقليمية والمحلية، وعموم المُنظرين اللبراليين المبشرين بنموذج “الديمقرطية الأمريكية”، والداعين إلى قبول الحكومات العربية بالتبعية تحت شعار “العولمة” وذرائع “الاندماج الكوني وتغير مفهوم السيادة الوطنية” و”نهضة التنمية” وفق السياسة الأمريكية القائمة على الهيئات الاحتكارية الربوية الاستغلالية صناديق الاقراض ومنظمة التجارة العالمية.
كما ان الشعار جاء ليشبع حاجة نفسية سياسيه تهدف إلى إزالة الرُهاب من الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، وعلى سبيل المثال فمحاضرات “معرفة الله” و”لا عذر للجميع امام الله” وكذا “السلاح شعار وموقف” وأيضا “الصرخة في وجه المُستكبرين”، و” خطر دخول أمريكا اليمن”، و”يوم القدس العالمي”، مختلف هذه المحاضرات كانت من حيث الجانب العقائدي والروحي تعمل على اعادة الانسان لثقته بالله ليكون قادراً على خوض الصراع، فيما ارتكزت سياسياً على فضح المشروع الأمريكي والتحذير من خطورته على القضية المركزية الأولى للمسلمين فلسطين ومقدساتها وعلى سائر البلدان العربية الإسلامية. وقد كان الوعي السياسي الاجتماعي السائد آنذاك هو وعي سلبي خاضع انهزامي، وقد ترافق مع شعار ” الموت لأمريكا الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام شعاران: ” قاطعوا البضاعة الأمريكية والإسرائيلية”، و ” القاعدة صناعة أمريكية”، ليصبا في ذات المجرى.
التحذير من المشروع الأمريكي الصهيوني
يأتي حديث حسين الحوثي المتشبع بالروح القرآنية عن نفسيات اليهود وممارساتهم العدوانية، متناسقاً مع واقع صراع جاري، مقدماً تحليلا ملموساً للسياسة العدوانية لدولة الاحتلال الصهيونية، والمشاريع التي تسعى لها انطلاقا من كونها دولة لديها أطماع جيبولوتيكية.
وتنطلق الدولة الصهيونية من حقيقة أن قوتها، الاقتصادية والسياسية والعسكرية، لا تتثبت إلا عبر التوسع، وأنها لا تكتمل إلا عبر السيطرة على كل فلسطين والمحيط العربي، وفي هذا يقول السيد حسين الحوثي في ملزمة السلاح شعار وموقف:
“الاسرائيليون الذين دولتهم ما تزال جديدة ولها فترة قصيرة عندهم طموح أن يهيمنوا على المنطقة هذه، لأنهم يعتقدون أن الهيمنة على هذه المنطقة يعني هيمنة على العالم بكله، وهذه حقيقه، باعتبار موقعه وباعتبار ثرواته الهائلة”.
ويذكر مؤشرات هذا النشاط العدواني الصهيوني في ملزمة الدرس الخامس من دروس رمضان:
“… ولذلك تحصِّل إسرائيل قد معها قاعدة في البحر الأحمر، قريب لباب المندب، قد معهم قواعد هناك, إذا مسكوا المنطقة هذه، استطاعوا أن يتحكموا على بلدان أوربا وعلى بلدان.. تصبح أمريكا نفسها تابعة لإسرائيل مثلما هي الآن إسرائيل في الصورة تابعة لأمريكا”.
تحذير حسين الحوثي من ما سُمي اليوم “بصفقة القرن”
وفق القاعدة المركزية في النظرة المعرفية للسيد حسين الحوثي ” عين على الأحداث، وعين على القرآن”، الذي يجمع وفقها الملاحظات والشواهد من الواقع الملموس ويُحيلها إلى القرآن كمرجعية وآيات قرآنية تعد بمثابة مقولات وتعميمات هي مفاتيح معرفية وتوجيهات سياسية -إذ صنفناها بمفاهيم العصر الحديث- حلل الحوثي الصراع الجاري آنذاك وحذر من خطورة تكرار ذات الأخطاء أو البقاء على ذات الغفلة والأوهام عن اليهود. وهو ما حدث في نهاية الأمر فظهر رئيس السُلطة الفلسطينية شاكياً من صفقة ترامب وفي ذات الوقت رافضاً نهج الكفاح المسلح ومتمسكاً باتفاقيات “السلام” التي مكنت الصهاينة، والتي بُنيت عليها صفقة القرن الحالية.
ترتكز رؤية ما سُميت “صفقة القرن” على حيثيات وفرضيات عديدة حذر منها السيد حسين الحوثي قبل 18 عاماً، أبرزها فرضية أن “السلام سيحقق فرص اقتصادية هائلة للإسرائيليين والفلسطينيين” وبأن التطبيع مع اسرائيل من دول العالم العربي الاسلامي ومن قِبل الفلسطينيين سوف يؤدي إلى الاستقرار والسلام والازدهار لمنطقة «الشرق الأوسط الكبير»، وحيثيات إن إسرائيل سبق وان “صنعت سلاماً مع الأُردن ومصر وعاد ذلك السلام بالخير والتقدم لهذين البلدين”، وبأن اسرائيل اتفقت مع الفلسطينيين اتفاقية “اوسلو” على حل الدولتين وبان هذه الصفقة تنسجم وروح اتفاقيات اوسلو، أي أن الصهاينة يرتكزون في حلولهم اليوم على اتفاقيات التطبيع والخيانة التي تمت منذ 40 عاما، وعلى النهج الذي حذره منه الحوثي وأثبت بطلانه.
الهدي القرآني في الممارسة السياسية المقاومة
“أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ”.
” فَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ”.
“. لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا” .
” مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنـزلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ “.
ينطلق الحوثي من هذه الآيات كمرجعية فكرية وينظر للواقع ليعيد تأويل النص بما يتناسب مع الصراع الراهن وبما يخدم قضية التحرر الوطني وتحرير الأرضي المحتلة وضمان استقلال الشعوب العربية الاسلامية، في مواجهة السياسة لصهيونية والأمريكية، فنجده يعقد مقارنات دقيقة بين الآيات ومصاديقها في الواقع، خاصة في مسألة السلام مع الكيان الصهيوني، ناقداً الذهنية السياسة العربية التي انتجت “كامب ديفد” و “اسلوا” و ” وادي عربة” ، والتي تتعامل مع هذه المسألة بدون إدراك أو تنبه للخلفيات والأبعاد الثقافية الدينية المؤثرة في رسم السياسة الأمريكية والصهيونية، وبالتالي تعاملوا مع هذه المسألة من واقع خلل في التقييم وافتقار إلى الوضوح المعرفي الشامل عن العدو وإلى مختلف الأبعاد التي تحكم الصراع مع هذه القوى العدوانية الاستعمارية، الرأسمالية الاحتكارية في طبيعتها الاقتصادية، الصهيونية العدوانية العنصرية في بنيتها الثقافية.
لم يقم حسين الحوثي بحشد الآيات القرآنية التي تذم الفرقة العدوانية من “أهل الكتاب” صهاينة اليهودية والمسيحية، أو “اليمين المتطرف” وقف الاصطلاح السياسي الحديث، من أجل تعزيز قناعة عداء مُسبقة، ولا من كمنطق عدمي يرى انه لا يجب أن يكون هناك أي حوار أو سلام مع أهل الكتاب، فعلى النقيض من ذلك يضع حسين الحوثي محددات قرآنية ونبوية من سيرة الرسول محمد، للتعامل مع مسألة السلام، فيدعوا على الحوار والتبيين لأهل الكتاب، ولكن ليس على أساس الطمع في استجابتهم والركون إلى هذه الخيارات كما فعلت انظمة مصر السادات وحسين الاردن وسلطة فتح، بل على أساس الاعداد والحذر والاستعداد لأي نقض وانقلاب منهم على السلام.
وعن هذا قال السيد حسين الحوثي في محاضرة الدرس الثالث من دروس رمضان:
“عندما يأتي الحكام العرب يبحثون عن موضوع سلام من بني إسرائيل، يفكرون أنهم يحصلون على سلام في الصراع مع إسرائيل وأمريكا، لدى العرب طمع باليهود عسى أنهم سيلتزمون باتفاقية معينة بيننا وبينهم. لاحظ قوله تعالى:{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ} هذا الطرف الذي لا يعرف بني إسرائيل يصدقهم. ولأن العربي لديه طمع، في بني إسرائيل أن سيدخل معهم في اتفاقيات سلام، ولا يوجد حاجة لقتالهم، يقسوا على أصحابه المجاهدين، وفعلاً هذا حصل في فلسطين بشكل عجيب؛ السلطة الفلسطينية ظنوا فعلاً أن الاسرائيلي سيدخل معهم في سلام، وتنتهي القضية! فذهبوا إلى وتلك الحركات المجاهدة[حماس والجهاد] يقسون عليهم ويعيقون أعمالهم، ويقتلون منهم، ويسجنونهم ويسلمونهم للإسرائيليين في بعض الحالات.”
ومن يتمعن في بنود صفقة القرن يجد بأنها بُنيت على هذه الحقائق الذي شدد عليها السيد حسين الحوثي، وعلى هذا النهج الذي سعى الحوثي إلى فضحه وتفنيده مسترشداً بالقرآن الكريم.