[20/ ابريل/2020]
صنعاء-سبأ: مركز البحوث والمعلومات: خالد الحداء
يدخل اتفاق تخفيض إنتاج النفط حيز التنفيذ في بداية شهر مايو القادم بعد أن أعلن تحالف دول (أوبك +) على التوصل إلى اتفاق “وصف بالتاريخي” يقضي بتخفيض إنتاج النفط الخام بمقدار 10 ملايين برميل يوميا ، وبحسب الاتفاق فان التخفيض سوف يمتد لنحو شهرين وتحديدا إلى نهاية شهر يونيو 2020م، وينظر إلى أن الاتفاق على اعتباره نجاحا غير مسبوق منذ تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” في بغداد عام 1960، ويرى العديد من المراقبين أن الاتفاق سوف يعيد “إلى حد ما” شيء من التوازن “المفقود” لأسواق النفط خاصة بعد أسابيع من الحرب الشعواء ما بين السعودية وروسيا.
يشار إلى أنه و في بداية شهر مارس ومع استفحال ازمة انتشار فيروس كورونا على مستوى العالم هبطت أسعار النفط حوالي الثلثين وهو أقل معدلاتها منذ ما يقارب 18 عاما.
ولم تقف تداعيات هذه الازمة عند هذا الحد ولكنها تفاقمت بعد أن رفعت كلا من روسيا والسعودية إنتاجهما من النفط بعد أن اخفق اجتماع فيينا لتحالف دول “أوبك +” في التواصل إلى تخفيض الإنتاج، لتشكل بعد ذلك مباشرة بوادر أزمة ما بين أكبر منتجين للنفط في العالم، وفي خضم الأزمة نحن أمام سيناريوهان مطروحان لتفسير مسار الأحداث في ما بين روسيا والسعودية.
السيناريو الأول: صراع المصالح
كما ذكرنا إن انخفاض أسعار النفط قد سبق تفشي فيروس كورونا الذي دفع مليارات الأشخاص حول العالم للبقاء في الحجر الصحي ، وهو ما ساهم في المجمل على انخفاض الطلب العالمي على النفط بحوالي 35 مليون برميل يوميا بعد أن كان الطلب العالمي في ديسمبر 2019م يقدر بـ 100 مليون برميل من النفط يومياً، وكان من المنتظر من الاجتماع الذي انعقد في مقر منظمة أوبك بفيينا في 6 مارس الماضي أن يتفق حلفاء دول “أوبك+” على تخفيض الإنتاج وبما يساهم في ايقاف انهيار الأسعار في المرحلة الأولى ومن ثم الاتجاه بالأسعار نحو الارتفاع في المرحلة الثانية.
حيث دعت الرياض إلى تخفيضات إضافية كبيرة، قائلة إنها لم تعد مستعدة لتحمل العبء الأكبر للتخفيضات وهي اشارة مباشرة إلى أن على روسيا أن تتحمل حصة أكبر من التخفيض المقترحة والمقدرة بـ 1.5 مليون برميل نفط يومياً، تضاف إلى تخفيض سابق بـ 2.1 مليون برميل حتى نهاية مارس.
فيما كان الرد الروسي بأن زيادة التخفيضات لن يكون منطقيا حتى تتضح التداعيات الكاملة لأزمة انتشار فيروس كورونا، وذكرت مصادر اعلامية روسية أن الرئيس فلاديمير بوتين اعترض على ذلك لأنه يعتقد أن المنتجين الأمريكيين سيستفيدون من هذا التخفيض.
وعليه كان الرفض الورسي بالمضي في أي خفض إضافي للإنتاج النفطي وأعلنت موسكو على أثر هذا الخلاف وقف اتفاق تحالف دول “أوبك+” وتحرير إنتاجها النفطي من الالتزامات السابقة، يذكر أن متوسط إنتاج روسيا النفطي حالياً
11.29 مليون برميل يومياً.
بالمقابل ردت الرياض بإجراءات تصعيديه على الرفض الروسي بإغراق الأسواق من خلال رفع إنتاجها بمعدلات قياسية، مليون برميل يومياً دفعة واحدة، فيما كان الرد الروسي من خلال التأكيد على اعتزامها زيادة إنتاج النفط اعتبارا من شهر ابريل وتهديدها أن إنتاج النفط على المدى البعيد قد يرتفع بواقع 500 ألف برميل يوميا.
وأدى استمرار الخلاف إلى انهيار الطلب وتهاوي أسعار النفط وفقدانها30% من قيمتها ودفع أسعار الخام إلى أدنى مستوياتها فيما يقرب من 20 عاما.
وما يعزز من فرضية هذا السيناريو:
– اندفاع السعودية في حرب زيادة الإنتاج مع روسيا كان نتيجة تزايد الضغوط المالية جراء حربها في اليمن، بالإضافة إلى تهاوي أسعار النفط خلال الفترة الأخيرة.
– وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي فأن الرياض بحاجة إلى أسعار تقارب 80 دولاراً للبرميل للإيفاء بما أعلنته في ميزانيتها في 2020 بإنفاق يقدر بنحو 272 مليار دولار فيما الإيرادات المتوقعة بقيمة 222 مليار دولار وهو ما يعني عجز بحوالي 50 مليار دولار.
السيناريو الثاني: التآمر على النفط الصخري
منطلق هذا السيناريو أن ما حدث من تداعيات ،اعقبت اجتماع السادس من مارس، يشير الى أن هناك توافق روسي سعودي غير معلن على ضرورة خفض الأسعار ودفعها إلى السقوط، من خلال زيادة الإنتاج وتوجيه ضربة موجعة لشركات النفط الأمريكية، وما يؤيد هذه الرؤية أن اتفاقات التخفيض السابقة لم تستطع تحقيق الأهداف المنشودة في رفع الأسعار، خاصة وأن الشركات النفطية في كلاً من أمريكا وكندا والبرازيل وبريطانيا وكازاخستان وغيرها كانت الأكثر استفادة من تلك التخفيضات من خلال زيادة حصتها في السوق النفطية.
وما يعزز من هذه الفرضية أنه قبل حوالي خمس سنوات، كانت البيانات تشير إلى أن تكاليف إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة مرتفعة لدرجة أن انخفاض أسعار النفط كان يمثل كابوسا على الشركات الأمريكية، لكن الوضع لم يعد كذلك بل تغير بصورة غير متوقعة، حيث ذكر تقرير صدر عن صندوق النقد الدولي أن كلفة استخراج نفط الخليج تعتبر الأدنى عند مستوى 18 دولار للبرميل، والمفاجئة كانت بحلول النفط الصخري الأمريكي في المرتبة الثانية بـ 22 دولار ومتقدما على النفط الرملي الكندي والنفط الروسي، وعليه فالانخفاض المتوقع للطلب عالميا سوف يكون له انعكاسات سلبية على مجمل المشاريع ذوي التكلفة العالية.
وبالتالي فأن حرب الأسعار الحالية سوف يؤثر سلبيا على قطاع النفط الأمريكي “الذي يعاني من ضائقة مالية كبيرة وحالات إفلاس” باعتباره أكبر منتج للنفط في العالم بحوالي 13.1 مليون برميل يومياً خلال الأشهر الماضية.
وللتدليل على حجم التغيير في صناعة النفط يكفي الإشارة أن الولايات المتحدة الأمريكية ظلت لعقود طويلة تستورد النفط ولكن التطورات المتسارعة في “تكنولوجيا التنقيب” صناعة النفط الصخري ساهمت في إحداث تغيير غير مسبوق في إنتاج النفط، لتصبح بعدها الولايات المتحدة أكبر منتج في العالم وبقدرة تصديريه تصل إلى 4.15 ملايين برميل يومياً.
ويرى أنصار هذا السيناريو أن لدى روسيا تحديدا اسبابها الخاصة في هذا التوجه كونها تريد الاستفادة من تداعيات تفشي فيروس كورونا ،الذي ضرب أسعار النفط، في رد الصاع صاعين للولايات المتحدة التي تحارب تمددها في أسواق الغاز الأوروبية وتحظر شركاتها أملاً في انتزاع السوق منها، وخلال السنوات القليلة الماضية سعت الشركات الأمريكية إلى مزاحمة الاستحواذ الروسي على سوق الغاز الأوروبية من خلال تسويق الغاز الصخري المسال.
يذكر أن خط أنابيب “ترك- ستريم ” يخضع للعقوبات الأميركية التي فرضت في ديسمبر 2019، على الشركات التي تشارك في بناء أنبوبي “نورد ستريم 2″ و” ترك – ستريم” اللذين يعتقد امريكيا أنهما سيمنحان روسيا أفضلية في السوق الأوروبية.
اتفاق دائم أم مجرد هدنة
بعد حوالي 40 يوم من أزمة انهيار الأسعار ترأس وزيرا الطاقة في السعودية وروسيا اجتماع عبر تقنية الفيديو للتباحث في خفض إنتاج النفط وإعادة التوازن للسوق النفطية، وخرج الاجتماع باتفاق يقضي بتخفيض اجمالي بمقدار 10.0 مليون برميل يومياً، ولمدة شهرين تنتهي في 30 يونيو 2020 وخلال الأشهر الستة التالية، سيكون مقدار التخفيض الإجمالي المتفق عليه هو 8.0 مليون برميل يومياً. ويتبع ذلك تخفيض قدره 6.0 مليون برميل يومياً لمدة ستة عشر شهراً تنتهي في نهاية أبريل 2022.
والقارئ للاتفاق في مختلف بنوده يرى أنه يمثل بداية جديدة لسوق النفط خاصة مع قبول مجموعة من الدول المنتجة والمصدرة للنفط وفي مقدمتها الولايات المتحدة الدخول في اتفاقات مع تحالف دول “أوبك+” لإعادة التوزان لسوق النفط العالمي، وعلى الرغم من أهمية هذا الانجاز إلا إن حالة عدم اليقين بشأن تحسن الأسعار يعكس جملة من التحديات وفي مقدمتها:
– خفض الإنتاج لا يتناسب مع قرارات الحجر الصحي بسبب جائحة فيروس كورونا والتي انعكست على أبرز القطاعات كالصناعة والنقل في بلدان كثيرة حول العالم، فعلى سبيل المثال تراجع استهلاك النفط في الصين بنسبة 20%، ويتوقع انخفاض اكبر في استهلاك النفط مع دخول المزيد من الدول في إجراءات الحجر الصحي.
– يحظر القانون الأمريكي إجراء أي صفقات بشأن حجم الإنتاج باعتباره شكلا من أشكال التلاعب في الأسعار، خاصة وأن معظم الشركات المنتجة مستقلة وليست حكومية، بالإضافة إلى أن قوانين مكافحة الاحتكار تحظر التنسيق بين المنتجين بشأن حجم الإنتاج.
في إطار ما تقدم، الواضح أن ملامح الأزمة لا تخطئها عين خاصة مع تقليص فيروس كورونا على الطلب العالمي من النفط بمقدار الثلث، وعلى الرغم من أهمية الاجراءات الاستثنائية التي يتحرك من خلالها أكبر منتجي النفط في العالم إلا أن قوة الزلزال الحاصل ربما يفوق قدرتها على التنبؤ بنهاية الأزمة.