[25/ مارس/2020]
صنعاء – سبأ :
مركز البحوث والمعلومات
في الحادي والثلاثين من ديسمبر الماضي تم إبلاغ المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في الصين بحالات التهاب رئوي حاد، مسبب لمرض غير معروف تم اكتشافه في سوق هوانان للمأكولات البحرية في مدينة ووهان بمقاطعة هوبي الصينية، وفي 7 يناير 2020 أعلنت السلطات الصينية فيروس (كورونا الجديد) على أنه الفيروس المسبب لتلك الحالات عن طريق التسلسل الجيني، والذي صار يعرف باسم كورونا (كوفيد-19).
وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن 85 % من إصابات كورونا حول العالم سجلت في أميركا وأوروبا، كاشفة أن هناك تسارعا كبيرا بعدد المصابين بالولايات المتحدة وقد تتحول إلى مركز للتفشي.
ووصلت الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى 300 ألف حالة إصابة مؤكدة بالفيروس القاتل، منها مئتي ألف إصابة في أوروبا.. حيث تم تسجيل 100 ألف حالة بعد 67 يوما من تسجيل أول إصابة، ثم سُجلت 100 ألف حالة أخرى خلال 11 يوما، وبعدها سُجلت 100 ألف حالة ثالثة خلال أربعة أيام فقط.. وتوقعت زيادة عدد الوفيات نتيجة فيروس كورونا حول العالم مع استمرار تسجيل حالات إصابة جديدة.
وقال مدير عام المنظمة تيدروس أدناهوم جيبريسوس في مؤتمر صحفي إنه ما زال من الممكن “تغيير المسار” وحث البلدان على اعتماد استراتيجيات صارمة في إجراءات فحص المشتبه إصابتهم بالفيروس.
واعتبر تيدروس أن مطالبة الناس بالبقاء في المنزل وغير ذلك من إجراءات التباعد الاجتماعي هي طريقة مهمة لإبطاء انتشار الفيروس، لكنه وصفها بأنها “إجراءات دفاعية لن تساعدنا على الفوز”.
وصنفت منظمة الصحة العالمية، يوم 11 مارس من هذا الشهر، فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، “جائحة”، مؤكدة أن أرقام الإصابات ترتفع بسرعة كبيرة.
وتضمنت الأعراض الموثقة حدوث حمى في 90 % من الحالات، وضعف عام وسعال جاف في 80 %، وضيق في النفس في 20 %، مع ضائقة تنفسية في 15 % من الحالات.
وهناك العديد من سلالات فيروس كورونا منها ما تتسبب في مجموعة من الاعتلالات في البشر، تتراوح ما بين نزلة البرد العادية وبين المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة، وأخرى تسري بين الحيوانات دون أن تنتقل العدوى منها إلى البشر حتى الآن.
ومن فصائل فيروسات كورونا التي تم اكتشافها حتى الآن والتي يمكن أن يُصاب البشر بالعدوى بها من مصدر حيواني، انتقال فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم (سارس) من قطط الزباد إلى البشر في الصين عام 2002م، وانتقال فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) من الإبل إلى البشر في المملكة العربية السعودية عام 2012م، وكذلك انتقال فيروس كورونا الأخير (كوفيد-19) الذي كان له ارتباط بسوق للبحريات والحيوانات في مدينة ووهان الصينية.
وعن مدى خطورة فيروس كورونا وصف معهد روبرت كوخ في وقت سابق أن خطر فيروس كورونا المستجد على صحة الألمان “معتدل”.. وسبب ذلك يعود إلى أن مسار المرض غالباً ما يكون عادياً ولا يتخذ أشكالاً حادة، غير أن الأمر يختلف لدى كبار السن أو الأشخاص الذين يعانون من أمراض سابقة، وفي هذه الحالة يمكن للمرض أن يتخذ أشكالاً حرجة قد تؤدي أحياناً للوفاة.. ويفترض معهد روبرت كوخ أن نسبة الوفاة لدى المصابين بالفيروس تبلغ 2%، بينما أشارت السلطات الصينية إلى أن هذه النسبة في إقليم هوبي -بؤرة الفيروس الأولى- تصل 2.9%، غير أن العديد من الخبراء الألمان يعتبرون هذا الرقم مبالغا فيه.
كما رأى عالم الفيروسات الألماني كريستيان دروستن أن خمسة إلى عشرة بالمائة من الأشخاص الذين هم على اتصال بشخص مصاب، تُنقل لهم العدوى، وبالتالي فإن فيروس كورونا المستجد أكثر عدوى من 10 إلى 20 مرة، مقارنة بفيروس سارس الذي تسبب في حدوث وباء عالمي بين عامي 2002/ 2003.
ولفيروس كورونا المستجد قدرة على التكاثر في الجهاز التنفسي العلوي، وهي حقيقة جعلت الباحثين يرفعون درجة قدرته على العدوى والانتشار، عكس ما كانوا يعتقدونه في البداية.. وكشفت الدراسات الحالية أن كل مصاب يمكن أن ينقل العدوى لأشخاص آخرين بمعدل 2 إلى 4.5%.
هذا وقد شهد العالم العديد من الأوبئة التي حصدت عشرات الملايين من البشر عبر التاريخ البشري وكان الأشد فتكا منها هو الطاعون، والذي ظهر عدة مرات عبر التاريخ، وكان الوباء الأشد قد حدث حوالي منتصف القرن الرابع عشر، حيث ظهر في الهند أولاً، قبل أن ينتشر ويجتاح مناطق شاسعة عبر أوروبا وآسيا، وبلغ ذروة انتشاره في أوروبا خلال الأعوام 1347 – 1351.
وفي عام 1832، أطلق عليه الطبيب والمؤرخ الألماني “هيكر” اسم “الموت الأسود”، لأنه كان يتسبب في ظهور بقع من الدم في طبع سوداء على جلد المصاب.
وتتراوح إجمالي تقديرات ضحايا هذا الوباء في أوروبا وآسيا من 100 إلى 200 مليون إنسان، من أصل حوالي 500 مليون مجموع سكان العالم منتصف القرن الرابع العشر. وقد تسبب في فناء ما نسبته 30 – 50% من سكان أوروبا.
اليوم، وبحسب تقارير منظمة الصحة العالمية، لا تتعدى عدد الحالات المصابة به الـ 600 حالة سنوياً، يتم معالجتها باستخدام المضادات الحيوية.
أيضا وباء الجدري الذي تسبب في وفاة حوالي 300 – 500 مليون إنسان على مرّ التاريخ، حيث كان بمثابة الكابوس للشعوب القديمة، والمتسبب فيه هو فيروس “فيرولا” الذي ينتقل عبر الهواء من أنف أو فم الشخص المُصاب.. وقد استخدم الجدري سلاحاً جرثومياً عدّة مرات، كما فعلت القوات البريطانية في أمريكا الشمالية عام 1763 حين أرسلت بطانيات تحمل عدوى المرض إلى رؤساء القبائل الهندية، مما تسبب في مقتل أعداد كبيرة من السكان الأصليين بسبب انتشار الوباء.
وفي عام 1979م بفضل اللقاحات وحملات مكثفة من التطعيم خلال القرن العشرين، أعلنت منظمة الصحة العالمية القضاء تماماً على الجدري كوباء قاتل، واليوم أصبح مجرد مرض تنتشر معه البثور على جسم المصاب دون أي خطر على حياته.
وهناك وباء التيفوس والذي يعرف باسم “الحمى النمشية” وقد انتشر بشكل وبائي في القرن السابع عشر خلال حرب الثلاثين عاماً، في أنحاء القارة الأوروبية، وتسبب في مقتل حوالي 10 ملايين إنسان.. وانتشر الوباء مجدداً في أوائل القرن العشرين، وخلال الحرب العالمية الأولى، حيث بلغ عدد ضحاياه حوالي 25 – 30 ملايين إنسان في روسيا وحدها، وزهاء الـ 10 ملايين في مناطق أخرى من شرق أوروبا كبولندا ورومانيا.
وكذلك وباء الكوليرا الذي انتشر عدة مرات خلال القرنين، التاسع عشر والعشرين، وما تزال مناطق واسعة تعاني من انتشاره اليوم، حيث وصل عدد المرات التي انتشر فيها إلى سبع مرات خلال 150 عاماً فقط، مُخلِفاً مئات الآلاف في كل مرة، وكانت أول مرة تنتشر فيها الكوليرا كوباء واسع الانتشار خلال الأعوام 1817 – 1824، حيث تسبب في مقتل مئات الآلاف في مناطق مختلفة من جنوب آسيا، ثم تتابع مرض الكوليرا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث قُتل حوالي مليون شخص في روسيا وحدها ما بين عامي 1847 و1851.. وحوالي 8 ملايين في الهند ما بين عامي 1900 و1920.
وتقدّر أعداد المصابين بالكوليرا اليوم من 3 – 5 ملايين مصاب سنوياً، وتراوحت أعداد ضحاياه ما بين 30 – 130 ألف خلال الأعوام الأخيرة.
ومن أقدم التهديدات لحياة البشرية، مرض الملاريا الذي تسبب في نقله البعوض، حيث أن سجلات مرض الملاريا يعود تاريخها إلى ما يقارب 4000 عام، وهناك حالات جديدة لا تزال تسجّل حتى اليوم.. وينتشر في المناطق الجنوبية للصحراء الكبرى في إفريقيا حيث يتم تشخيص حوالي (350-500) مليون إصابة سنويًا، ومع ذلك نسبة الوفيات صغيرة.. وكان أكبر وباء للملاريا انتشر في الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، مما أسفر عن مقتل ما يقارب 100.000 جندي أمريكي.
وبالرغم من أن الأنفلونزا مرض فيروسي ويعتبره الكثير من الناس حدثا عادياً ولا يوجد خوف كبير من هذا المرض الذي يصيب الملايين سنوياُ، لكن التاريخ الحديث سجل وباءاً عام 1918 أثار الذعر في معظم أرجاء العالم، وأطلقت عدة تسميات للمرض -الإنفلونزا الإسبانية وإنفلونزا 1918- ومع أنه استمر لسنة واحدة فقط، إلا أن سلالة الفيروس استطاعت القضاء على 50 – 100 مليون شخص، وتجاوز عدد المصابين الـ500 مليون، وتعتبر أحد أعنف الأوبئة التي انتشرت عبر التاريخ، حيث حصدت أرواح الملايين، واعتبرت بمثابة أعظم “هولوكوست” طبي في التاريخ.