[17/ مارس/2020]
صنعاء – سبأ : غمدان الشوكاني :
ربما كانت المحطة الأولى التي ألتقينا فيها مع مصنع الغزل والنسيج هي كتاب القراءة في المرحلة الابتدائية، وبعد ذلك خلدنا نحن لخضم الحياة ، وخلد هو في نسيان الإهمال والاستغناء..
كانت صورة المصنع وآلاته ومكناته وعماله وزيهم الموحد، يعصر الشوق داخلنا لزيارته، وأحيانا نقول ليتنا عمالاً فيه نلامس الآلات ونعانق الأقطان والكتان، ونزفر العرق، ونشتم رائحة الجهد والعمل والانجاز…فالصورة كانت إيحائية تغرس فينا مفهوم الاستقلال والحرية : نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع .
تعود صورة المصنع اليوم مجدداً ونحن في عقود المنتصف من العمر؛ فالزيارة التي قام بها وزير الصناعة والتجارة مؤخراً إلى المصنع وكيف أنه سوف يساهم في صناعة ما قد نحتاجه لمواجهة جائحة كورونا، يجعلنا أيضا نعيش مع الإيحاء الأول الذي صنعته صورة المصنع في كتاب القراءة ونقول: تحيا وتعيش الأيدي التي ستصنع وتنتج لهذا الشعب العظيم ، وتحيا وتعيش الصناعة الوطنية، وأيضا تحية إجلال للشعار المرحلي ” يد تحمي ويد تبني”.
غزل البداية
حكاية الصناعة في اليمن لم تكن وليدة اليوم بل كانت منذ النصف الثاني من القرن العشرين واليمن يخطو نحو الاستقلالية في الزراعة والصناعة، وهو ما تمثل في الجانب الصناعي بإنشاء مصنع الغزل والنسيج بصنعاء ليكون أول مصنع تأسس في الجزيرة العربية عام 1961م، بمساعدة من الحكومة الصينية.
تم تشييد المصنع وبناؤه بعد قيام ثورة 26 سبتمبر ولكن الاتفاقية كانت قبل هذا التاريخ بحوالي أربع سنوات أي عام 1958 حيث اتفق الامام أحمد حميد الدين مع جمهورية الصين الشعبية على إنشاء المصنع والأصح أن الامام البدر هو الذي سعى وراء الاتفاقية ، ذلك حسب صحيفة الثورة.
بدأت المراحل الإنتاجية للمصنع في عام 1967م بإنتاج الخيوط الملونة والأقمشة القطنية، بمتوسط إنتاج يتراوح بين (37) إلى (44) ألف ياردة يوميا، ومن (10) إلى (11) مليون ياردة سنويا.
وكان المصنع وقت ذاك يحتوي على 10 آلاف و 800 مغزل، و 27 ماكنة غزل رفيع ، و 347 نول نسيج متكامل، وقسم للتبييض والصباغة والطباعة.
خضع المصنع خلال الفترة من 1975 إلى 1985 لأول عملية تطوير، تم خلالها اقتناء (115) نول نسيج روسي حديث، منها (95) نولاً طاقتها الإنتاجية مضاعفة.
بيوت النسيج
المصنع يتكون من عدة أقسام: القسم الأول قسم الغزل المتخصص في إنتاج الغزول المختلفة والقسم الثاني قسم التحضير و تجهيز الغزول إلى إنتاج النسيج والقسم الثالث قسم إنتاج الأصناف المختلفة من الألبسة وبعدها قسم خاص لطباعة وصياغة الأقمشة المنتجة في قسم النسيج هذه الأقسام الرئيسية للمصنع وهناك الأقسام الخدمية وهي قسم الصيانة العامة قسم المحطات سواء كانت محطات توليد الكهرباء أو محطات تحلية المياه من الآبار الارتوازية الموجودة داخل المصنع.
العمل والتوقف
يقول المهندس محمد الشويطر مدير المؤسسة العامة للغزل والنسيج السابق في مقابلة صحفية له حول مراحل عمل المصنع : المصنع عندما أسس كان مخصصا لإنتاج الأقمشة القطنية الصافية ، واستمر العمل بهذا الشكل حتى عام 1988م بدأ إنتاج الأقمشة المخلوطة بالبوليستر بنسب مختلفة حسب الأقمشة المطلوبة سواء كانت الأقمشة غليظة أو خفيفة أو متوسطة الكثافة .
ويضيف : بعد عقد الثمانينات حتى الـ2000 كانت العملية الإنتاجية في ذروتها وبعد ذلك بدأ الإنتاج في التدهور بسبب عدم إحلال الآلات الجديدة وعدم كفاية التدريب للعمالة ونقص المادة الخام بشكل حاد سواء كانت مواد داخلية أو خارجية من صبغة ومواد كيماوية أخرى.
ماذا ينتج المصنع؟
المصنع كان ينتج حوالي 35-40 ألف متر يومياً من جميع الأقمشة القطنية والمخلوطة (القطن والبلوستر) وكان ينتج جميع البدلات المدرسية والزي العمالي والزي العسكري بجميع أنواعه وكذلك الزي الطبي والملايات للمستشفيات بدلات العمليات وصوارم النساء والشيلان الرجالية ، حسب تصريحات أحد العمال الإداريين لصحيفة الثورة.
تقييم إنتاجية المصنع
في عام 2004م قررت وزارة الصناعة والتجارة تشكيل لجنة لدراسة أوضاع المصنع وتقييم إنتاجيته، بسبب تدهور الإنتاج وانخفاضه من إثنين ونصف طن إلى طن ونصف طن في اليوم، وتوصلت اللجنة إلى أن المصنع أصبح يعمل بشكل غير مجد اقتصادياً، وأوصت بضرورة تطويره وتحديثه.
وبناء عليه حصلت المؤسسة العامة لصناعة الغزل والنسيج في حينه على قرض مقدم من الحكومة الصينية بقيمة 7 ملايين و 500 ألف دولار، لتنفيذ عملية إحلال آلات ومعدات جديدة، وإدخال تقنية أوروبية وصينية حديثة إلى المصنع، بحيث تغطي طاقته الإنتاجية من (30) إلى (40) بالمائة من احتياجات السوق المحلية من المغزولات المصنعة من القطن اليمني.
وفي حينه أعلنت المؤسسة العامة لصناعة الغزل والنسيج بأنه سيتم افتتاح مشروع التحديثات للمصنع في شهر يوليو من العام 2005 ، ومنح العاملين إجازة مفتوحة إلى أن يتم الانتهاء من عملية التجديد، غير أن الأمور لم تمض وفقا لما تم إعلانه، وظل المصنع مغلقا إلى منتصف العام الماضي.
عودة الأمل
مجددا تحاول وزارة الصناعة والتجارة أن تعيد للمصنع مكانته بتشغيل بعض خطوط الإنتاج فيه حيث بدأت إدارة المصنع بتشكيل قسم الخياطة بالإضافة إلى إنتاج الكمامات والشاش لتغطية احتياجات السوق منها.
وأشار وزير الصناعة والتجارة عبد الوهاب الدرة إلى توجه الوزارة لدعم إعادة تشغيل مصنع الغزل والنسيج بكافة قطاعاته وأقسامه وتطويره وفقا لرؤية وخطة اقتصادية حديثة، ليكون قادراً على المنافسة وتلبية احتياجات السوق المحلية المتزايدة على المنسوجات باعتبار أن صناعة الغزل والنسيج باليمن واعدة في ظل توفر المواد الخام من القطن وبنوعيات ممتازة .
ولفت إلى أهمية الصناعة النسيجية التي تتوافر مقوماتها الأساسية باليمن واستيعابها لعمالة كثيفة ودورها في عملية التنمية.
وبين وزير الصناعة والتجارة أن الوزارة عملت بالتنسيق مع وزارة الزراعة والري على دعم وتشجيع المزارعين للتوسع في زراعة القطن وإعادة تشغيل محلج القطن بالحديدة لتوفير المواد الخام لمصنع الغزل والنسيج .
رئيس المؤسسة العامة لصناعة الغزل والنسيج عبد الإله شيبان أوضح بأن توجهات تشغيل المصنع تهدف إلى توفير الخامات المحلية لإنتاج الكمامات الطبية بمواصفات قياسية معتمدة من الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة والهيئة العليا للأدوية وبالكميات المطلوبة والأسعار المناسبة.
وأشار شيبان إلى أنه تم توجيه المسئولين بالمصنع لمضاعفة ورديات العمل لتلبية احتياجات المستشفيات والمرافق الصحية والمصانع والشركات من الكمامات .. مشيداً بدعم وزارة الصناعة والتجارة للمؤسسة والمصنع وتوفيرها للمبالغ المطلوبة لشراء مواد خام لإنتاج كمامات طبية محلياً بالكميات الكافية والأسعار المنافسة.
وأكد أنه سيتم خلال الفترة المقبلة، إنتاج الشاش الطبي وبكميات تجارية تغطي حاجة السوق المحلية بالاستفادة من انتاج القطن المحلي وتشغيل محلج القطن بمدينة الحديدة .. مشيراً إلى ان الإنتاج خلال الموسم الأول سيصل إلى 30 طناً كما سيرتفع الإنتاج خلال المواسم المقبلة إلى مستويات أعلى.
ولفت رئيس مؤسسة صناعة الغزل والنسيج إلى أن المؤسسة تبذل جهوداً كبيرة لإعادة تشغيل مصنع الغزل والنسيج وقطاعاته المختلفة بدءً بقطاع الخياطة والذي بدأ العمل فيه وكذا بقية القطاعات التي سيتم تشغيلها تباعاً.