[27/ فبراير/2020]
صنعاء – سبأ :
اعتاد اليمنيون على إحياء الجمعة الأولى من شهر رجب “عيد رجب”، تعبيراً عن الاعتزاز بهذا اليوم العظيم الذي شهد دخول اليمنيين في دين الله أفواجا.
ومنذ السنة السادسة للهجرة النبوية، ذكرى دخول أهل اليمن في الإسلام، اتخذ اليمنيون الجمعة الأولى من شهر رجب عيداً دينياً يُعبِّرون فيه عن حمدهم وشكرهم لله على نعمة الإسلام بمظاهر متعددة، أبرزها صلة الأرحام وتبادل الزيارات والهدايا ونحر الذبائح وتوزيعها على الفقراء والأرحام، فضلاً عن إحياء هذه الذكرى بفعاليات دينية وإنشادية في المساجد وغيرها.
مناسبة خاصة:
ويجد اليمنيون في جمعة رجب مناسبة خاصة بخلاف عيدي الفطر والأضحى اللذين يمثلان عيدين لكافة المسلمين، بينما عيد جمعة رجب خاص بأهل اليمن، يُحتفى به في مناطق متعددة من البلاد أبرزها في المساجد والمقايل والصالات وتنظيم الندوات والمحاضرات وغيرها.
وتُعد العاصمة صنعاء ومنطقة الجند بمحافظة تعز، أكثر المناطق اليمنية احتفاءً بعيد جمعة رجب لمكانتهما الدينية والتاريخية المرتبطة بدخول الإسلام اليمن ووصول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه مبعوث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى صنعاء والصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه، إلى منطقة الجند.
وتجري الاستعدادات لإحياء جمعة رجب، حيث يتوافد الآلاف من كافة أنحاء اليمن إلى جامع الجند التاريخي للاستماع إلى الخطب والأناشيد والمدائح النبوية، وحلقات الذكر التي تقام بهذه الذكرى ومعايشة أجواء وتاريخ الإسلام في اليمن.
ويؤكد مفتي الديار اليمنية رئيس رابطة علماء اليمن العلامة شمس الدين شرف الدين الأهمية التي تكتسبها جمعة رجب ذكرى دخول اليمنيين في الإسلام.
وقال “النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكد منذ فجر الإسلام بأن الدين سيكون له كلمته في أنحاء المعمورة على أيدي رجال من أهل اليمن، عندما قال “وأمدني بملوك حمير يأتون فيأخذون مال الله ويقاتلون في سبيل الله، وقوله لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق لا يضرهم من خالفهم وأشار بيديه لليمن “.
العام السادس من الصمود:
وأوضح العلامة شرف الدين أن الشعب اليمني يحتفل بعيد جمعة رجب وهو على أعتاب العام السادس من الصمود في مواجهة العدوان، ما يتطلب تعزيز الهوية الإيمانية التي تشكل اليوم طابعاً لافتاً في أوساط اليمنيين.
بدوره أوضح وكيل وزارة الأوقاف لقطاع تحفيظ القرآن الكريم الشيخ صالح الخولاني أن جمعة رجب تعتبر إلى حد كبير عيداً لليمنيين، يظهر الناس علامات البهجة والفرحة بارتداء الملابس وتبادل السلام والإحسان إلى الأقارب وصلة الأرحام وتبادل الزيارات ونحر الذبائح.
وأشار إلى ضرورة إحياء جمعة رجب وإبراز مظاهر البهجة بهذه الذكرى، تعبيراً عن فرحة أهل اليمن بدخولهم في دين الله أفواجاً.
وقال “الله تعالى ونبيه الكريم، أكرما اليمنيين برسولين عظيمين الأول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه الذي وصل إلى صنعاء وأبلغ أهل اليمن بالرسالة التي بعثه النبي بها فلبّى اليمنيون دعوته وأعلنوا دخولهم في الإسلام ونزل قوله تعالى “إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا “.. صدق الله العلي العظيم والثاني معاذ بن جبل الذي وصل إلى الجند.
أهل الإيمان:
وأضاف الشيخ الخولاني “يكفي أهل اليمن شرفاً أنهم أهل الإيمان والإسلام، استقبلوا المهاجرين بكل ترحاب وهذه الجمعة عيد لإخراج اليمنيين من الظلمات والجهل والجور وبراثن الجاهلين إلى النور والإيمان والتقوى والمحبة والرحمة وأنوار الإسلام”.
ولفت إلى أن اليمنيين الأوائل كانوا يعتبرون الجمعة الأولى من رجب عيداً يحسنون فيه إلى الأيتام ويعطفون على الأطفال ويوزعون الهدايا والحلوى لهم .. مؤكداً أهمية المضي على درب اليمنيين في الإحسان إلى أسر الشهداء والجرحى وأسر المرابطين.
بوابة النصر:
واعتبر وكيل وزارة الأوقاف، جمعة رجب بوابة النصر للشعب اليمني والخير والإيمان والرضى لله عز وجل والكفر بالطاغوت أمريكا وإسرائيل وأدواتهما .. وقال “يجب علينا أن نفرح ونبتهج وأن نواجه صفقة القرن الهادفة تصفية القضية الفلسطينية”.
فيما أشار العلامة علوي بن سهل بن عقيل إلى أن الإسلام دخل اليمن بعد أن منّ الله تعالى على نبيه محمد صلوات الله عليه وآله وسلم بالانتصارات على كفار قريش وفتح مكة وبداية انتشار الدعوة الإسلامية ونور الحق والهدى.
وقال “النبي عليه الصلاة والسلام أرسل الصحابة إلى مناطق بالجزيرة العربية ليعلموا الناس أمور دينهم ودنياهم وهدي القرآن الكريم والسنة المطهرة، وكان أهل اليمن من الأوائل الذين لبوا نداء الإسلام ودخلوا في دين الله أفواجا “.
تأسيس الجامع الكبير:
وأضاف العلامة ابن عقيل “أرسل النبي عليه أفضل الصلاة والسلام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى صنعاء لدعوة اليمنيين إلى دين الله وعمل على تأسيس الجامع الكبير بصنعاء، كما أرسل معاذ بن جبل إلى مخلاف الجند والذي أسس فيه جامع الجند وأبو موسي الأشعري إلى مخلاف تهامة وبنى مسجد الأشاعرة بزبيد”.
ولفت العلامة بن عقيل إلى أن إرسال النبي لكوكبة من العلماء والصحابة الذين كانوا أقربهم إليه وأكثرهم علماً ومعرفة بأصول الدين، إنما هو للمكانة الرفيعة لأهل اليمن عند الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، حيث كان أهل اليمن هم عمود الإسلام وقوته.
من جهته أشار الوكيل المساعد لوزارة الأوقاف عبدالوهاب المهدي، إلى أهمية إحياء ذكرى دخول اليمنيين في الإسلام والتوعية بأهميتها ومكانتها وتعزيزها في نفوس الأجيال.
وتطرق إلى ضرورة الاستفادة من دلالة هذه الذكرى، بتعزيز الصمود في مواجهة العدوان وإفشال مخططاته التي تستهدف طمس هوية وتاريخ وحضارة الشعب اليمني.
ولفت الوكيل المهدي إلى اعتزاز اليمنيين بإحياء هذه الذكرى باعتبار أن اليمن كان حاضن الدعوة الإسلامية وأن اليمنيين هم من دافعوا ويدافعون عنها حتى اليوم.
نفخة إيمانية:
في حين أوضح أمين عام مجلس الأوقاف الشيخ مقبل الكدهي أن شهر رجب عند اليمنيين يتميز بنكهة تاريخية ونفحة إيمانية وإسلامية ومحمدية وقرآنية.
وقال “جاء الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى اليمن ما سل سيفاً على الإطلاق، حيث دخل اليمنيون في دين الله أفواجاً، فبعث رسالة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال يا رسول إن همدان دخلت الإسلام عن بكرة أبيها فدعا النبي عليه الصلاة والسلام فقال “اللهم اجمع شملهم وأنصرهم على من عاداهم ولا تنكس شوكتهم”.
إحياء للهوية:
واعتبر الشيخ الكدهي إحياء جمعة رجب إحياءً للهوية الإيمانية اليمنية والقيم الإنسانية التي اتصف بها أهل اليمن كما وصفهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ” الإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان “.
من جانبه أشار العلامة حمود الأهنومي إلى فضائل أهل اليمن والشواهد والأبعاد الإيمانية والتاريخية تحكي ذلك .. مبيناً أن الاحتفال بذكرى دخول أهل اليمن الإسلام تعبير عن هوية اليمنيين وارتباطهم بالمصادر الأصيلة في الإسلام من صحابة المصطفى عليه الصلاة والسلام وأهل بيته، من الإمام علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وغيرهما رضوان الله عليهم أجمعين.
فضائل أهل اليمن في القرآن والسنة:
وتطرق العلامة الأهنومي إلى فضائل أهل اليمن في القرآن الكريم حيث قال تعالى” وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”.
ولفت إلى فضائل أهل اليمن في السنة المطهرة إذ قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه ابن عباس رضي الله عنه “أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة يريدُ القوم أن يضعوهم ويأبى الله إلا أن يرفعهم”، وقوله ” الإيمان يمان وهم مني وإلي وإن بعُد منهم المربع ويوشك أن يأتوكم أنصارا وأعوانا فآمركم بهم خيرا “.
جمعة رجب يوم فارقُ لليمنيين:
من جهته اعتبر الشيخ علي محسن المطري جمعة رجب يوماً فارقاً في تاريخ الشعب اليمني الذي أسلم طواعية واستجاب لدعوة رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وقال “إن اليمنيين يعظمون شهر رجب وأول جمعة من رجب، لأنها أول جمعة صلوها في الإسلام باليمن، ففرحاً بعظمة الدين واستشعاراً بنعمة الإسلام جعلوا جمعة رجب لهم عيداً يتواصلون فيها ويصلون الأرحام ويبتهجون ويتقربون إلى الله بصالح الأعمال”.
وبين الشيخ المطري أن الهوية الإيمانية هي الهوية الأصيلة للشعب اليمني التي تعبر عن ارتباطه الوثيق بالإيمان وانتمائه العملي للإسلام والرسول عليه الصلاة والسلام.
رئيس ملتقى التصوف الإسلامي عدنان الجنيد أوضح أن اليمنيين هم أوائل من أسلموا ولحقوا بركب المصطفى عليه الصلاة والسلام أفرادا وجماعات إلى جانب أن الإسلام انتشر عبر أبناء اليمن في أنحاء المعمورة وهم المدد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
لم يكن ما حصل من إسلام اليمنيين في جمعة رجب، يمثل أول دخول لليمنيين في الإسلام، فالتاريخ يحكي عن شخصيات بارزة ووفود من اليمن دخلت في الإسلام مبكراً.
حيث روي أن رجلاً مر بالرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة وهو من أرحب من همدان، اسمه عبد الله بن قيس بن أم غزال، عرض عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الإسلام فأسلم، فقال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: هل عند قومك من منعة ؟، فقال له عبدالله بن قيس: نعم يا رسول الله، واستأذن رسول الله أن يذهب إلى قومه وواعد رسول الله موسم الحج المقبل، ثم خرج من مكة يريد قومه، فلما عاد إلى قومه َقتله رجل من بني زبيد.
كما ورد أن قيس بن مالك بن أسد بن لأي الأرحبي قدم على رسول الله وهو بمكة، وقال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: أتيتك لأؤمن بك وأنصرك، فعرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليه الإسلام فأسلم.
وجاء وفد آخر من همدان إلى الرسول فأسلم على يديه، وموقف آخر حصل من إسلام الأوس والخزرج ودورهم التاريخي ونصرتهم لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
مكانة كبيرة:
وبهذا احتل اليمنيون بشكل عام مكانة كبيرة عند رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله سواء ما يتعلق بالأنصار أو بالشعب اليمني نفسه، ولذلك اختص أبناء هذا البلد بأحب الناس إليه وأكرمهم بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب مبعوثاً من قبله إليهم يدعوهم إلى الإسلام وترك عبادة الأوثان.
وقد روي أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عندما وصل إلى صنعاء قام خطيباً في قبائل همدان واجتمعوا في مكان يسمى اليوم سوق الحلقة شمال الجامع الكبير بصنعاء القديمة، فتأثروا بخطبته وأسلموا وأسلمت همدان عن بكرة أبيها في يوم واحد.
عند ذلك كتب الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإسلامهم ” فخرّ عليه وآله أفضل الصلاة والسلام ساجدا، ثم رفع رأسه وقال السلام على همدان”، وتتابع أهل اليمن الدخول في الإسلام أفواجاً.