[31/ ديسمبر/2019]
صنعاء – سبأ:
مركز البحوث والمعلومات
عُقدت القمة الإسلامية في العاصمة الماليزية كوالالمبور في لحظة مفصلية من تاريخ العالم الإسلامي وشهدت حضور عدد من زعماء العالم الإسلامي وغياب آخرين.
وكان العنوان الأبرز للقمة الإسلامية التي شارك فيها العشرات من الشخصيات السياسية والمفكرين والعلماء “دور التنمية في تحقيق السيادة الوطنية” .
وكشفت المشاركة في القمة عن عمق الخلافات والانقسامات وحالة التفتت غير المسبوقة في العالم الإسلامي اليوم، إذ أن الحروب والصراعات الطائفية والتدخلات العسكرية ما بين الدول الإسلامية، أصبحت تشكل الخطر الأبرز في إهدار كل فرص النهوض واللحاق بركب العالم المتقدم.
ومنذ البدايات الأولى صاحب القمة جدل “فكرة، إعداد، انعقاد” وأثيرت حولها العديد من التساؤلات، وفي مقدمتها من يقف وراء فكرة انعقاد القمة ؟ ما الجدوى من انعقادها بعيدا عن منظمة التعاون الإسلامي؟ وما الأسباب الحقيقية وراء تخلف العديد من الدول الإسلامية الوازنة عن المشاركة في القمة؟ وهل القمة تمثل البداية لتحالف إسلامي جديد؟ وفي السطور القادمة سيتم البحث عن إجابة لتلك التساؤلات.
فكرة انعقاد القمة
رافقت القمة الإسلامية المنعقدة بالعاصمة الماليزية كوالالمبور علامة استفهام كبيرة وانقسمت الآراء تجاه انعقادها ما بين مرحب وآخر معارض، فهناك من يراها نقطة انطلاق جديدة لتعزيز العمل الإيجابي وفقاً لمنهجية جديدة مواكبة للمتغيرات في العالم، بالمقابل هناك من يعتقد أن هكذا قمم ستساهم في توسيع الشرخ، الموجود أصلا، ما بين الدول الإسلامية، بالإضافة إلى تهميش منظمة التعاون الإسلامي.
وتعتبر القمة الحالية امتداداً لما يسمى “منتدى كوالالمبور” الذي تأسس عام 2014 بهدف بناء شبكة علاقات ما بين القادة والمثقفين والمفكرين والمهتمين في العالم الإسلامي، ومما يجب التذكير به أن عودة مهاتير محمد لمنصب رئاسة الوزراء في ماليزيا أسهم بشكل أساسي في إحياء المنتدى وبالتالي عودة التنسيق ما بين عدد من الدول الإسلامية في الدفع بالعمل الإسلامي بما يتناسب مع المخاطر المختلفة.
وعلى الرغم من أهمية القمة باعتبارها نقطة فارقة إلا أنها ليست الأولى، لكنها الخامسة فخلال عام 2014م، تأسست القمة الأولى بدعوة من مهاتير محمد وبحضور العديد من المفكرين المسلمين، بهدف إنتاج منظومة فكرية سياسية إسلامية جديدة، ثم جاءت القمة التالية تحت عنوان “دور الحرية والديمقراطية في تحقيق الاستقرار والتنمية”، وأقيمت كذلك في ماليزيا، ومن ثم القمة الثالثة في الخرطوم بعنوان “الحكم الرشيد”، والقمة الرابعة باسم “الانتقال الديمقراطي” والتي عُقدت بمدينة اسطنبول التركية.
وجاءت فكرة عقد القمة الإسلامية الحالية، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بمدينة نيويورك، خلال لقاء جمع رئيس الوزراء الماليزي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزراء باكستان عمران خان، حينها أشار مهاتير محمد إلى جملة من القضايا التي تواجه المسلمين وفي مقدمتها “طرد المسلمين من أوطانهم، وتصنيف الإسلام كدين إرهاب”، متسائلا “لماذا توجد هذه المشاكل؟” مستدركا: “لا بد من وجود سبب لها، ولا يمكن أن نحدد السبب إلا بجلوس المفكرين والعلماء والقادة، للنقاش وتسجيل الملاحظات والآراء”.
ومن هنا تعمقت الفكرة وبدأ الإعداد للقمة بدعوة الدول الخمس “تركيا، قطر، باكستان، إيران وإندونيسيا” بجانب الدولة المستضيفة، ماليزيا، على أن تناقش القمة سبعة محاور التنمية الاقتصادية، والدفاع والحفاظ على السيادة، وقيم الثقافة والحرية والعدالة، إضافة إلى مواكبة التكنولوجيا الحديثة.
جدوى انعقاد القمة بعيداً عن منظمة التعاون الإسلامي :
فكرة عقد القمة الإسلامية جاءت من إدراك أن تحقيق التوافق بين أكثر من 50 دولة أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، أمر يكاد يكون مستحيلًا ونتاجا لذلك تفاقمت الخلافات والحروب بين الدول الأعضاء في المنظمة، وهو أمر مثير للأسى.
ولذا يجب على الدول الأقل تأثراً بحالة عدم الاستقرار أن تسعى بنفسها لإظهار التعاليم الحقة للدين الإسلامي، هذا ما جاء خلال حوار صفحي لرئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، الذي أراد أن يشير إلى أن الوضع الراهن في العالم الإسلامي يستوجب التحرك بصورة نوعية وبما يحقق الأهداف المنشودة، في إشارة إلى أن منظمة التعاون الإسلامي لم تنجح على مدار العقود الماضية بتحقيق المطلوب في العديد من الملفات الرئيسية واكتفت في مؤتمراتها بتكرار موقف الإدانة.
ومرد هذا الفشل يعود إلى غياب التنسيق بين الدول الأعضاء أنفسهم، حيث شهد العديد من المؤتمرات تباينات وخلافات شديدة بين المشاركين، وهو ما يجعل اتخاذ موقف موحد غاية في الصعوبة.
كما بقيت منظمة التعاون الإسلامي البالغ عدد أعضائها 57 دولة وتمثل أكثر من 1.5 مليار مسلم منغلقة على نفسها وغير قادرة على فعل الكثير، حيث لم تقدم لنصرة القضية الفلسطينية الكثير ولم تنجح في تعزيز مجالات التعاون والتبادل التجاري والاقتصادي والعلمي والتكنولوجي بين الدول الإسلامية، والأهم أنها لم تحقق طموحات الشعوب الإسلامية في الدفاع عن الانتهاكات التي تمارس تجاه المسلمين في العالم.
يُضاف إلى ما سبق أن المنظمة أصبحت أداة يتم توظيفها من قبل دولة المقر في خلافاتها بل وحروبها مع الدول الإسلامية الأخرى، وهذا ما دفع تحديدا دول إسلامية كبرى في البحث عن تحالفات وأطر بديلة لمنظمة التعاون الإسلامي.
ولعل هذا أحد المرتكزات التي دفعت لتدشين قمة كوالالمبور الحالية نتيجة اتفاق التوجهات العامة للدول المشاركة في القمة تجاه العديد من ملفات المنطقة أو على الأقل وجود أرضية مشتركة بينها يمهد الطريق نحو تأثير متوقع في حال اتخاذ قرارات بعينها، نتيجة توافق مصالح الدول الأربع مع القضايا المثارة في القمة.
المملكة السعودية وهواجس الزعامة:
تخلّفت المملكة السعودية عن الحضور على الرغم من توجيه الدعوة لها من قبل الدولة المنظمة للقمة، وأكد الأمين العام لقمة كوالالمبور شمس الدين عثمان بقوله “لقد دعونا السعودية لتكون جزءاً من هذا التعاون، وأرسلنا اثنين من المبعوثين للمملكة، هما وزير خارجية ماليزيا للقاء ولي العهد السعودي، ووزير التعليم الماليزي للقاء خادم الحرمين الشريفين للترحيب بمشاركة المملكة السعودية في هذه القمة الإسلامية”.
وكانت السعودية قد قالت في رسالتها، إن سبب قرارها عدم الحضور، “هو أن القمة ليست الساحة المناسبة لطرح القضايا التي تهم مسلمي العالم”، في حين نقلت رويترز عن مصدر سعودي قوله، “إن المملكة تلقت دعوة للحضور لكنها لن تحضر إلا إذا عقدت القمة تحت رعاية منظمة التعاون الإسلامي”.
ورغم رسالة الاعتذار، التي أرسلتها السعودية متضمنة أسباب عدم حضورها، اعتبرها الكثير من المراقبين إشارة إلى أن السبب وراء الاعتذار يكمن في استشعار الرياض أن القمة مثلت محاولة لإيجاد قيادة جديدة للعالم الإسلامي، وينظر إلى عدم مشاركة الرئيس الإندونيسي ورئيس الوزراء الباكستاني في القمة يندرج في إطار الضغوط السعودية بهدف إفشال قمة كوالالمبور.
تعلم المملكة السعودية جيدا أن هناك دول إسلامية عديدة ليست على توافق معها وأن هذه الدول تتقارب، فيما بينها بهدف تشكيل تحالفات منافسة لزعامة المملكة للعالم الإسلامي، ومع توافر عناصر الإرادة والاقتدار المالي والاقتصادي يصبح تشكيل أقطاب إسلامية بحاجة للوقت فقط لتصبح حقيقة ماثلة على الأرض.
وفي هذا السياق يقول جيمس دورسي، كبير الباحثين في كلية سانت راغاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة “المسألة أن لديك تكتلان .. لديك تكتل سعودي إماراتي، وتكتل تركي قطري، وبينهما باكستان التي تحاول إرضاء الطرفين”.
وخلال السنوات القليلة الماضية تعالت الأصوات بتفعيل العمل بمنظمة التعاون الإسلامي إلا أن واقع الحال يشير إلى أن المملكة السعودية عملت على استمرار العمل الإسلامي في المنظمة بما يتوافق مع مصالحها.
يضاف إلى ما سبق أن السياسات السعودية تجاه الملفات العربية والإسلامية قد صاحبه الكثير من المغامرات غير المدروسة، وفي مقدمتها حرب المملكة في اليمن والتدخل في كل من سوريا ولبنان وليبيا والتقارب مع الكيان الصهيوني على حساب الحق الفلسطيني، هذا ما دفع العديد من الدول الإسلامية للنأي بنفسها بعيداً عن المملكة ومشاريعها المشبوهة.
تحالف إسلامي جديد :
لكل دولة من الدول المشاركة أسبابها ودوافعها في البحث عن تحالفات جديدة تحقق من خلالها أهدافها المختلفة، ولم يكن مُستغرباً أن يكون من ضمن أهداف تلك الدول السعي نحو إيجاد تحالفات دولية جديدة ومن ضمنها بناء تحالف إسلامي، والطبيعي أن ترى العديد من الدول الإسلامية أن مصالحها الإستراتيجية تستوجب أن تتصدر المشهد كقطب إسلامي على المستوى الدولي.
شكلت القواسم المشتركة التي تجمع بين الدول المشاركة في القمة وما تمتلكه من إمكانيات بشرية واقتصادية وعسكرية نواة لتشكيل تكتل قادر على تحقيق المصالح المشتركة من جهة، وعلى إجبار العالم على احترامها من جهة أخرى، وهو ما لم يكن متوفراً في التعاطي مع منظمة التعاون الإسلامي، مع الملفات ذاتها والتي اكتفت في كثير من الأحيان على إبراء الذمة من خلال إصدار بيانات الإدانة والاستنكار مع كل مختلف الانتهاكات في العالم الإسلامي.
يبقى الأمل في أن يتجاوز العالم الإسلامي حالة الانقسام والتشظي الحاصلة اليوم، ولا ضير في أن تبحث الدول الإسلامية عن الحلول المناسبة، وإن كانت بتشكيل أطر وتحالفات متعددة تتناسب مع التحديات المختلفة وبما يسهم في تعزيز العمل الإسلامي وتطويره لخدمة الشعوب وقضاياها العادلة.