[23/ ديسمبر/2019]
تقرير: فاطمة هاشم
عواصم-سبأ:
ما يزال صراع النفوذ والهيمنة المتصاعد بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين في بحر الصين الجنوبي يلقي بظلاله القاتمة على الأمن والاستقرار العالمي، وذلك بتجاوزه لحدود الحرب التجارية وإرباك الاقتصاد العالمي، لينذر بنشوب حرب عالمية ثالثة -حسب توقعات المراقبين- ما لم يتم التدخل لتفادي انعكاساته على السلام العالمي مستقبلا.
وعلى وقع تزايد وتيرة الصراع قال متحدث باسم وزارة الدفاع الصينية إن وزير الدفاع وي فنع حث نظيره الأمريكي مارك إسبر خلال محادثات دفاعية في العاصمة التايلاندية بانكوك في وقت سابق على ”الكف عن استعراض العضلات في بحر الصين الجنوبي وعدم الاستفزاز وتصعيد التوترات في بحر الصين الجنوبي“.
وأشار المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية الكولونيل وو قيان إلى إن منطقة النزاع في بحر الصين الجنوبي تعد واحدة من بين عدة قضايا ناقشها أسبر مع نظيره الصيني الجنرال وي فينغي خلال لقائهما في وقت سابق وذلك حسبما أوردت صحيفة (ذا هيل) الأمريكية على موقعها الإلكتروني.
من جهتها اتهمت الولايات المتحدة الصين بإضفاء الطابع العسكري على بحر الصين الجنوبي…وقال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر إن بكين ”تلجأ على نحو متزايد إلى القهر والتخويف لتعزيز أهدافها الإستراتيجية“ في المنطقة.
وكان مبعوث أمريكي قد ندد في وقت سابق بما وصفه “الترهيب” الصيني في بحر الصين الجنوبي خلال اجتماع لزعماء رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) .
وقال المبعوث الأمريكي روبرت أوبراين في كلمة أمام قمة آسيان والولايات المتحدة “بكين استغلت الترهيب في محاولة لمنع دول آسيان من استغلال الموارد البحرية ومنع الوصول إلى 2.5 تريليون دولار من احتياطيات النفط والغاز”.
وتطالب بكين بالسيادة البحرية الشاملة في مياه بحر الصين الجنوبي الغني بالموارد مما أثار غضب جيرانها بإرسال سفن إلى ذلك الممر المائي المزدحم، حيث يطالب أيضا العديد من دول آسيان بالسيادة هناك.
وطالما أعلنت الصين أن بحر الصين الجنوبي جزءًا من سيادتها الإقليمية، وذلك رغم مطالب من دول أخرى في المنطقة بأحقيتها فيه، وهي تايوان وفيتنام وبروناي وماليزيا واندونسيا.
وتسعى كل من تلك الدول إلى حشد إمكانياتها في تلك الجزر بهدف تأكيد أن لها جزء من جزر بحر الصين الجنوبي والتي تقدر بالمئات.
لكن الملاحظ حسب المراقبين والمهتمين بهذا الشأن أنه إذا كانت هذه الدول تدعي أحقيتها لبعض الجزر فأن الصين تعتبر كامل بحر الصين الجنوبي من حقها، وتستند في ذلك إلى خريطة مشهورة تدعى (تناين دش لاين) وتتكون من تسع قطع تغطي كل بحر الصين الجنوبي .
ووفق المراقبين فإن أدعاء الصين ملكيتها لبحر الصين الجنوبي يتنافى مع ما جرت عليه العادة في أثبات الحدود الدولية والتي تقدم فيها الدول إحداثيات دقيقة لأجل أثبات حقها في المياه الدولية فيما تقدم الصين خطوط عامة .
وسبق وأن لجأت فتنام للتحكيم الدولي في 2016م ،وتم الحكم بعدم أحقية الصين في الجزر التي تقع أمامها، غير أن الصينيون لم يهتموا لهذا الحكم الدولي .
وحسب المراقبين فإن الولايات المتحدة الأمريكية لم تتقبل فكرة سيطرة الصين على بحر الصين الجنوبي خصوصا وأنها كانت إلى وقت ليس ببعيد تمتلك أكبر اسطول بحري موجود في بحر الصين الجنوبي وفي المحيط الهادي منذ الحرب العالمية الثانية.
وتزداد مخاوف الولايات المتحدة من فتح المجال أمام الصين في السيطرة والتحكم ببحر الصين سيما في ظل تعاظم الأهمية التي يحتلها بحر الصين الجنوبي على المستوى الاستراتيجي والاقتصادي بالنظر إلى كونه يضم تحته أحد أكبر مخزونات المستقبلية للنفط والغاز ، بالإضافة إلى تخوفها من تحول بحر الصين الجنوبي في حال سيطرة الصين عليه الى بحيرة صينية تحول دون قدرتها من التحرك فيه بحرية ما يشكل تهديدا لمصالح واشنطن وحلفائها الذين يصرون على التمسك بحق العبور من خلاله حسب ما اعتادوا عليه سابقا.
وقد سيرت واشنطن سفنا بحرية في البحر اعتبرتها الصين محظورة؛ وذلك وفق ما أفادت به المصادر الصحفية.
وفيما ترى الولايات المتحدة نفسها كصانعة للتوازن في هذا البحر لمساعدة الدول التي لم تقوى على مجابهة الصين ، فتستخدم أمريكا قواعد عسكرية في فيتنام كوريا واليابان واستراليا وسنغافورة وتايلاند .
وتعتبر الصين دعم الولايات المتحدة الأمريكية لدول آسيان تدخلا سافرا في شؤون المنطقة وبالتحديد في “بحر الأزمات” المتنازع عليه.
وزادت حدة التوتر في بحر الصين الجنوبي بعد إعلان الجيش الأمريكي عبور مدمرة تابعة له بالقرب من جزر برسيل التي تدعي الصين تبعيتها لها ، وأعلنت البحرية الأمريكية أنها بهذا العبور تحد من مزاعم السيادة الصينية، يأتي هذا فيما حذرت الصين من استمرار انتهاك سيادتها في المنطقة .
وأعلنت أمريكا عن خطة لزيادة وجودها العسكري في بحر الصين الجنوبي بالنسبة 60 بالمئة بحلول العام المقبل الأمر الذي اعتبرته الصين تدخلا غير مقبولا وسارعت باتهام واشنطن بمحاولة عسكرة البحر.
وكان قائد عسكري صيني قد هدد العام الماضي بإغراق حاملتي طائرات أمريكيتين في المنطقة.
وقامت الصين في أعقاب ذلك بتجربة الصاروخ المضاد للسفن معلله هذا الاجراء بحماية مصالحها وحقوقها المشروعة في المنطقة.
ووفقا للمراقبين فإن المواجهة بين الصين وأمريكا تتم على جبهات وصعد عده سياسية ودبلوماسية واقتصادية، لكن الصدام العسكري المتوقع بين الدولتين لا يمكن أن يتم إلا على جبه’ واحدة وهي جبهة بحر الصين الجنوبي حيث يتم حشر وحشد واستعراض القوة وسباق التسلح العسكري بينهما هناك الأمر الذي يكشف مألات الصراع وخطورة قضية بحر الصين الجنوبي كمنطقة توتر تتصدر وسائل الأعلام الدولية بشكل شبة أسبوعي على الأمن والسلام العالمي مستقبلا.
وكانت النيويورك تايمز نقلت عن البنتاغون وقوع أكثر من ١٨ حادثة مواجهة غير آمنه بين القوات الصينية والقوات الأمريكية من 2016 الى 2018 ، وأخطر هذه المواجهات كانت في 18 سبتمبر 2018 حيث احتكت سفينة حربية صينية بسفينة حربية أمريكية لأجل منعها من العبور في المياه الإقليمية وكانت النتيجة أن السفينتين كادتا تصطدمان وتوقفتا على بعد 33 متر لا غير وهذه المسألة ليست جديدة أيضا بل تمتد لسنوات .
وفي 2001 حدثت مناوشات بين طائرة تجسس أمريكية ومقاتلة صينية قتل فيها الطيار الصيني ما أدى الى توتر العلاقة بين أمريكا والصين لعدة شهور .
وحينها قال قائد الأسطول في منطقة الاندوباسفك أو منطقة المحيط الهادي بالكونغرس في 2017 أن الصينيين أصبحوا مسيطرين تماما على منطقة بحر الصين الجنوبي في كل السيناريوهات ما عدا سيناريو الحرب وهذا ليس مطروح .
لكن وفق المراقبين فإن سيناريو الحرب يجعل من أمريكا غير واثقة تمام الثقة في أن الغلبة ستكون لها لان البنتاغون يقول ان مقابل 317 قطعة حربية وغواصة صينية يمتلك الأمريكيين 283 قطعة، الأمر الذي يكشف حجم التفوق العسكري الصيني.
ويتوقع البنتاغون بحلول 2025 إحراز الصين لتفوق كبير على أمريكا من حيث عدد القطع الحربية بنسبة 33 بالمائة بالإضافة إلى امتلاك الصينيين حاملات طائرات بنسبة أربعة أضعاف ما يمتلكه الأمريكان ولذلك أصبح الأمريكان شديدي القلق بخصوص التفوق العسكري الصيني .
ويرجع المراقبون أسباب صراع السيطرة على بحر الصين الجنوبي إلى حجم الثروات الموجودة فيه،ووفق تقديرات وكالة معلومات الطاقة الأمريكية فإنه من حيث البترول فأن هناك نحو مليار برميل بترول تحت مياه البحر وهناك جهات أخرى تضاعف الرقم إلى 22مليار برميل من البترول غير أن هذه التقديرات تظل غير دقيقة .
وفيما تشير تقديرات غير رسمية إلى وجود 190 ترليون قدم مكعب من الغاز، فأن تقديرات أخرى تفيد عن وجود ما لا يقل عن 290 ترليون قدم مكعب من الغاز.
بالإضافة إلى ذلك فأن بحر الصين الجنوبي يعد أحد أكثر الأماكن أهمية كمصدر للأسماك، ويمثل من 10 الى 12 في المائة من كمية الأسمالك التي تصطاد في العالم ككل.
خلافا لذلك فإن الأهمية التي يحتلها بحر الصين تكمن في كونه أحد أهم الممرات التجارية، فحسب تقديرات البيت الأبيض فإن حجم التجارة التي مرت من بحر الصين الجنوبي ومعظمها من مضيق ملقا من الغرب الى الشرق ومن الشرق الى الغرب تقدر بأكثر من خمسة ترليون في السنة.
وحسب الوكالة الأمريكية لمعلومات الطاقة بحلول 2026 أي بعد 6 سنوات فإن 90 في المائة من الطاقة التي تنتج في الشرق الأوسط سوف تتجة الى أسيا وبالتالي تعبر من بحر الصين الجنوبي الأمر الذي يعلل أسباب صراع الهيمنة القائم على أشدة في بحر الصين الجنوبي .
وبحر الصين الجنوبي بحر متجزء من المحيط الهادي يشمل المنطقة من سنغافورة ومضيق مالاقا الى مضيق تايوان وتبلغ مساحتة 35000000 متر مربع ، ويعد هو والبحر المتوسط من اكبر بحار العالم بعد المحيطات الخمسة .
وتعمد الصين الى بناء جزر صناعية في هذا البحر وتحديدا في ارخبيل سبراتلي المتكون من الجزر الصغيرة المرجانية غير المأهولة ويمتد الى مدى 410000 كيلو متر مربع .
فيما تحتل تيوان اكبر الجزر الطبيعية ايتوايبا التي تبلغ طولها حوالي 1300 متر وعرضها 366 متر وهي الجزيرة الوحيدة التي يوجد فيها مياه عذبة طبيعية .
وتسارع بكين في تحضير البنية التحتية الثقيلة من ميناء ومهبط لطائرات هيلوكبتر على ست جزر اصطناعية في اسبراتلي .
ورغم التصعيد الحذر بين واشنطن وبكين وتجنب الطرفين للمواجهة على الأقل على المستوى القريب المنظور، إلا أن غياب وجود أيه مؤشرات تشي بقرب التوصل إلى اتفاق يساعد في تسوية الكثير من الملفات العالقة بينهما بالاضافة إلى تجاوز حد التنافس بينهما لحدود الملف الاقتصادي والتجاري والسباق التكنولوجي وصراع الهيمنة والسيادة ما يزال نفسه ما يثير الكثير من المخاوف لدى المهتمين حول مستقبل الأمن والسلام الدوليان .