[17/ ديسمبر/2019]
لندن- سبأ:
أظهرت دارسة حديثة أن الانفاق ببذخ على شراء الهدايا للآخرين يرجع الى العوامل النفسية وأن المبالغ التي ننفقها على هذه الهدايا تفوق بمراحل ما ننفقه على مشترياتنا الشخصية وأن هناك عوامل عديدة أخرى تؤثر على عملية الشراء مثل العوامل البيولوجية والتوقعات الاجتماعية وغيرها.
وأجرت إليزابيث دون، أستاذة علم النفس بجامعة بريتيش كولومبيا في كندا، دراسة قدمت خلالها لطلاب بالجامعة أموالا وطلبت منهم إنفاقها على أنفسهم أو على شخص آخر. وحصل بعضهم على خمسة دولارات بينما حصل آخرون على 20 دولارا.
ولاحظ الباحثون أن الطلاب الذي أنفقوا المال على آخرين كانوا أكثر سعادة من نظرائهم الذين أنفقوه على أنفسهم، مع أن المشاركين ظنوا في البداية أنهم سيكونون أكثر سعادة لو أنفقوا المال على أنفسهم مما لو أنفقوه على غيرهم ، حسب ما نقله موقع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” الألكتروني اليوم الثلاثاء.
وترى دون أن مشاركة الموارد مع الآخرين أسهمت في بقاء الجنس البشري، حيث تجعلنا نشعر بالاستقلالية وبأننا قادرون على إحداث فارق في حياة شخص آخر. وتقول دون إن إعطاء الهدايا للآخرين يعزز الشعور بالثقة بالنفس ويقوي مشاعر الترابط التي تلعب دورا كبيرا في تحسين حالتنا النفسية.
وبينما يشعر معظم الناس بالسعادة عند إعطاء الهدايا للآخرين، فإن ثمة عوامل شخصية، لا سيما الذكاء الانفعالي، تسهم في تحديد حجم المبالغ التي ننفقها على الهدايا.
فقد أشارت دراسات أجراها راجاني بيلاي، الأستاذ المساعد في التسويق بجامعة نورث داكوتا، وسوكوماراكوروب كريشناكومار، الأستاذ المساعد بمعهد كيك للدراسات العليا في كاليفورنيا، إلى أن مستويات الذكاء العاطفي ترتبط ارتباطا وثيقا بحجم المبالغ التي ينفقها الناس على الهدايا، لا سيما الهدايا للأشخاص المقربين، وكذلك بمستوى السعادة التي يشعر بها الناس عند شراء الهدايا.
ويرجع بيلاي ذلك إلى أن الأشخاص الذين يملكون مستويات أعلى من الذكاء العاطفي يمكنهم توقع تأثير إعطاء الهدية على نفوسهم ونفوس المتلقين، ومدى أهمية الهدايا في تحسين علاقاتهم بالآخرين. ولهذا لا يمانعون شراء الهدايا الأعلى سعرا للآخرين. وعندما تقدم هدايا للأشخاص الذين تربطك بهم علاقات وثيقة، تتاح لك الفرصة لفهم مشاعرهم.
ويقول كريشناكومار إن مشاعر السعادة تبدأ من عملية التسوق، عندما يفكر الناس في مشاعر الآخرين عند تلقي الهدية، مثل توقع السعادة. لكن شراء الهدايا قد ينطوي على مشاعر سلبية أيضا، مثل القلق عندما يظل المرء مترددا في اختيار الهدية المناسبة التي تروق للمتلقي، وهو ما قد يمنعه من الشراء. ولهذا قد ننفق بسخاء على الهدايا التي نشتريها للأشخاص الذين نعرفهم معرفة وثيقة.
ولقد أثبتت أبحاث منذ السبعينيات من القرن الماضي أننا عندما نشتري هدايا للآخرين فإننا قد نمضي وقتا أطول في التسوق والاستشارة بالإضافة إلى إنفاق مبالغ أكبر بمراحل بالمقارنة مع السلع التي نشتريها لأنفسنا.
ويقول راسيل بيلك، أستاذ التسوق بجامعة يورك في تورونتو بكندا، إن الحرص الشديد على اختيار أنسب الهدايا في المناسبات المهمة، مثل ذكرى يوم الزفاف، قد يدفع المشتري إلى إنفاق المزيد من الوقت والمال في عملية الشراء. وثمة عوامل عديدة أخرى تؤثر على حجم المبالغ التي ننفقها على الهدايا، مثل التوقعات الاجتماعية.
ووجد استطلاع للرأي أجري عام 2017 على المتسوقين في الولايات المتحدة إلى أن الأطفال يحصلون على النصيب الأكبر من الهدايا الباهظة.
وبخلاف العوامل النفسية والحيوية، وقف العلماء على عوامل أخرى تدفعنا لشراء الهدايا للآخرين، مثل الإيثار لإسعاد الآخرين، والاعتداد بالنفس، وكذلك إشعار الآخرين بأنهم مدينون لنا.
ويقول يوهسوك أوهتسوبو، أستاذ علم النفس بجامعة كوب باليابان، إن الهدايا قد تكون رمزا لتجديد الالتزام العاطفي بين الزوجين. وتناول أوهتسوبو في بحث جديد مدى تأثير المحيط الاجتماعي على سلوكيات تبادل الهدايا بين شركاء الحياة.
ولاحظ أنه كلما زادت دائرة معارف شركاء الحياة زادت المبالغ التي ينفقونها على الهدايا لشركاء حياتهم للدلالة على التزامهم نحوهم. واللافت أن الهدايا التي يقدمها المتزوجون لبعضهم في الولايات المتحدة، التي تشهد ارتفاعا في معدلات الطلاق، كانت أقل منها في اليابان، حيث معدلات الطلاق منخفضة.
هناك أسباب عديدة تدفعنا لتقديم الهدايا للآخرين، من أكثرها شيوعا تجديد الالتزام العاطفي نحو شريك الحياة
ويقول أوهتسوبو إن الهدايا التي نقدمها لشركاء حياتنا لنثبت التزامنا نحوهم لها أهمية كبيرة، لا سيما إذا تعددت أمامنا الإغراءات وخيارات إقامة علاقات عاطفية جديدة. فإذا أنفقت بسخاء على شريك حياة واحد لن يتبقى معك الكثير من المال لتنفقه على غيره.
ويقول بيلك إن القيمة الرمزية للهدايا تبرر السعر الذي ندفعه فيها. فقد نعمد إلى التوفير عندما نشتري أشياء لأنفسنا، إما تواضعا أو لأسباب اقتصادية. لكن الهدية في المقابل يجب أن تكون مميزة، لأننا نتوقع ردها من المتلقي. ولهذا قد لا نتردد في شراء هدايا باهظة للآخرين حتى لو كانت تفوق طاقتنا.
ويهتم المتلقي أيضا بقيمة الهدية، فقد أشارت دراسة في عام 2015 إلى أن المتلقين لم يفرحوا بالهدايا بعدما اكتشفوا أنها كانت رخيصة الثمن. ويشير بيلك أيضا إلى العادات المكلفة المصاحبة لتقديم الهدايا، مثل إنفاق مبالغ كبيرة على تغليف الهدايا لزيادة جاذبيتها في عين المتلقي، رغم أن ذلك يعد هدرا للأموال.
لكن المبالغ التي ننفقها على أصدقائنا وشركاء حياتنا لا تقارن بما ننفقه على أطفالنا. فقد أشار استطلاع للرأي أجري في عام 2017 إلى أن الآباء والأمهات كانوا يخططون في موسم عيد الميلاد لإنفاق نحو 330 دولارا على الهدايا لكل طفل، مقارنة بنحو 196 دولارا على هدايا الأشخاص المهمين في حياتهم و90 دولارا للأشقاء و57 دولارا للأصدقاء المقربين.
وفي بحث أجري عام 2011، سرد أليسون بو، أستاذ علم الاجتماع بجامعة فيرجينيا، أسبابا عديدة تدفع الآباء للإفراط في الإنفاق على أبنائهم، منها الخوف من الشعور بالحرمان، وإثارة شغفهم وخيالهم الطفولي.
وأشارت أبحاث إلى أنه كلما انخفض مستوى الدخل، زاد نسبة حصة الأطفال من الراتب، لأن احتياجات الأطفال ثابتة نوعا ما، كما أن مفهوم الاحتياجات الأساسية للطفل يتسع نطاقا. ويسعى الآباء والأمهات دائما إلى تحسين مظهر الأبناء حتى لا يشعرون أنهم أقل من غيرهم أو أنهم منبوذون، وهذا يدفعهم إلى زيادة الإنفاق عليهم.