[14/سبتمبر/2019]
ينال مشروع ميناء جوادر بباكستان حيزا كبيرا من اهتمام الرأي العام العالمي بحيث اعتبره الخبراء والمحللين الاقتصاديين انه سيسحق ميناء دبي بجبل علي بالإمارات ويعزز تغير قواعد اللعبة الاقتصادية وإعادة صياغة الاجندة الاقتصادية , رغم لجوء الاخيرة للبحث عن بدائل لمحاصرة الميناء عبر احتلالها ميناء عدن الهام ,والعديد من الموانئ اليمنية .
ومما يعزّز أهمية الميناء، موقعه الاستراتيجي جنوب غرب باكستان، حيث يطلّ على بحر العرب بالقرب من مضيق هرمز الذي تعبر منه ثلث تجارة النفط العالمية، والذي تسيطر عليه حاليًا الإمارات من خلال احتلالها لأغلب الجزر اليمنية الواقعة على المضيق.
وكرست دولة الاحتلال الاماراتي لعدن عدم السماح بإنشاء منطقة حرة وميناء، قد يؤدي إلى تعطيل المصالح التجارية لمناطقها الحرة، والتأثير على كونها مركز ترانزيت عالمي.
واتجهت دولة الامارات المحتلة بعد ذلك لإنشاء القاعدة العسكرية في باب المندب على جزيرة ميون ومواصلة احتلال الساحل فقط دون التوجه إلى العمق البري حتى تم احتلال الميناء الأهم الثاني وهو ميناء المخاء وتوقف الأمر عند الحدود الساحلية فقط.
ومن الواضح فإن عدن والمخاء وشبوة والمكلا وسقطرى هي خطوة استباقية لهذا الصراع ولتكبيل التنين الصيني والدب الروسي معاً حتى تقطع الطريق على اليمن عدم التوجه لتأجير ميناء عدن للصين، واتخاذه بديلًا احتياطياً ومعززاً لدبي وورقة مساومة رابحة.
ويعتبر ميناء عدن من أهم الموانئ العالمية؛ إذ يمثل بوابة عبور للبحرين الأحمر والعربي، ومثل أهم ميناء بعد ميناء نيويورك، وحاولت العديد من الإمبراطوريات الاستيلاء عليه والتحكم به ابتداءً من الحبشة ثم البرتغال فالمماليك فالعثمانيون وصولاً إلى بريطانيا التي شغلته وجعلته شعلة الشرق الأوسط.
وسارعت الإمارات إلى إحداث ضربة استباقية لإجهاض مشروع ميناء جوادر مبكرًا قبل أن يتحول إلى واقع خاصة بعد التوقعات التي تشير إلى بلوغ تأثيره الكامل على ميناء جبل علي في غضون عشر سنوات فقط وذلك عن طريق محورين:
الأول : دعم المعارضة الباكستانية واحتضانها وتعزيز توجهاتها في مواجهة رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف الداعم القوي للمشروع الصيني الباكتساني الذي تمت الإطاحة به من منصبه يوليو الماضي على خلفية اتهامه بالفساد .
الثاني: إحياء العلاقات مجددًا مع خصوم باكستان في المنطقة، وعلى رأسها الهند، فكانت الزيارة الأولى لرئيس الوزراء الهندي إلى الإمارات في 2015 وهو نفس العام الذي أعلنت فيه الحكومة الباكستانية تسليمها أراضٍ بمنطقة التجارة بميناء جوادر لشركة الصين القابضة للمواني الخارجية للبدء في المشروع .
وفي المقابل رحبت الهند بالشراكة الإماراتية من أجل إجهاض المشروع، كونها أحد المتضررين منه أيضًا ، إذ إنه ووفق المسار الجغرافي للمشروع سيمر في إقليم كشمير المتنازع عليه مع باكستان وهو ما يعني أن الإقليم سيخضع للحماية الصينية بعد أن أصبح ممرًا لبضائعها.
وتقدّر تكلفة الاستثمار السنوي في المشروع الصيني بنحو 150 مليار دولار سنويًا؛ حيث ينقسم المشروع إلى حزام برّي وطريق بحري ويقع جوادر ضمن خطة الحزام البري الذي يتكون من 6 طرق رئيسية أشهرها طريق قطار لندن الصور العظيم الذي يقطع 18 ألف كيلومتر ويمر بتسع دول (الصين، كازاخستان، روسيا، بيلاروسيا، بولندا، ألمانيا، بلجيكا، بريطانيا، وفرنسا).
وحسب خبراء الاقتصاد فإن التأثير الاستراتيجي لهذا المرفأ على مكانة دبي في عالم المال والتجارة والسياحة وعلى قيام حربا اقتصادية بيضاء على خليج عمان بين مجموعتين من البلدان، باكستان والصين وقطر من ناحية والهند والإمارات من ناحية اخرى.
ومن الواضح ان التنافس الكبير بين الطرفين من شأنه ان يشهد المزيد من التصعيد في الفترة القادمة خاصة في ظل التدخلات الاميريكية والاوروبية المتزايدة الامر الذي ينذر بوجود تطورات كبيرة على الصعيد الدولي والإقليمي في المستقبل القريب .
واعتبر الخبراء ان بناء ميناء “جوادر” من شأنه ان يشكل منافسا خطيرا لدبي وصفعة اقتصادية كبيرة للبلاد حيث يعد موقعاً استراتيجياً يعطي الصين ووسط آسيا نافذة ومدخلاً لمنطقة الخليج والشرق الأوسط، وسيصبح الميناء البوابة البحرية الرئيسية لوسط آسيا، إذ سيختصر وقت نقل البضائع إلى وسط وغرب آسيا والصين حيث اشار نائب رئيس مجلس الدولة الصيني ليو ياندونغ إن “الممر سيُسهم في تقليل الوقت المستغرق لنقل البضائع من ميناء “جوادر” إلى غربي الصين وأيضا إلى مناطق آسيا الوسطى بنسبة تبلغ حوالى 60 أو 70%”.
ويزداد الصراع الإقليمي على الميناء بوقوف الولايات المتحدة في صف الهند والإمارات فيما تدخل غريمها الروسي ليدعم كلًا من الصين وباكستان وقطر مما يشير إلى أنَّ المسألة أصبحت صراعًا دوليًا على النفوذ والسيطرة في بحر العرب.
ويعني المشروع أيضًا انتهاء حتميًا لدور دبي المعهود كمركز تجاري عالمي في غضون 10 سنوات من الآن ولن يكون بذلك محطة بحرية خاسرة للإمارات في حرب موانئها، فحسب بل سيكون بديلًا عن دبي نفسها.
وعليه فان النموذج الذي تقدمه دبي، لا يمكن أن يصبح نموذجًا عربيًا يُحتذى، وعلى الرغم من أنه لا يمكن الجدال في أن حكام الإمارات استطاعوا استغلال الأموال التي وفرها لها إياهم النفط والغاز، إلا أنهم لم ينتجوا “حضارة” ذات قيم، بل قدموا صورة مشوهة لنموذج غربي في المنطقة.