[12/سبتمبر/2019]
يصل سباق الانتخابات الرئاسية التونسية محطته الأخيرة يوم الأحد المقبل، حيث يتوجه نحو 7 ملايين ناخب إلي صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم الجديد خلفا للرئيس الرحل باجي قائد السبسي .
ويقترع التونسيون خارج البلاد بدءًا من اليوم الخميس وأعلنت هيئة الانتخابات العليا المستقلة أن نحو 4 آلاف ملاحظ سيراقبون سير العملية الانتخابية.
ويتنافس في الاننخابات 26 مرشحا من الشخصيات الحزبية والمستقلة، بينهم امرأتين، هم من وافقت عليهم هيئة الانتخابات العليا المستقلة في تونس، وذلك من بين 97 مرشحا، حيث تم رفض ملفات 71 آخرين.
وفي الوقت التي تمثل فيه الانتخابات الرئاسية التونسية محطة مفصلية في مسار الانتقال الديمقراطي، وترسيخ ثقافة التداول السلمي على السلطة والاحتكام لصندوق الاقتراع استنكر سياسيون ونشطاء تونسيون محاولة الاتحاد الأوروبي التدخل في الانتخابات الرئاسية، بعد محاولة نواب أوروبيين ومنظمات دولية الضغط على السلطات التونسية لإطلاق سراح المرشح نبيل القروي (الموقوف بتهم تتعلق بالفساد)، فيما حذر الرئيس السابق منصف المرزوقي من تزوير إرادة الناخبين عبر المال الفاسد.
وكانت بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات الرئاسية في تونس دعت السّلطات التونسية إلى احترام «مبدأ تكافؤ الفرص» من خلال تمكين نبيل القروي من القيام بحملته الانتخابية.
ورغم أن البعثة أكدت احترامها الكامل لاستقلاليّة القضاء، لكنها اعتبرت أن منع القروي من المشاركة في المناظرات التلفزيونية والقيام بحملته الانتخابية يتنافى مع احترام مبدأ تكافؤ الفرص الذي ينصّ عليه القانون الانتخابي التّونسي.
وتجدر الإشارة إلي أن محكمة الاستئناف في تونس رفضت إجراء حوار تليفزيوني مع المرشح الرئاسي نبيل القروي من داخل محبسه، وأعلن دفاع المرشح إنه سيستأنف ضد حكم المحكمة في محاولة للاستجابة من جديد.
وتشهد الانتخابات منافسة كبرى بين المرشحين، ومن أبرزهم، رئيس الحكومة الحالي ورئيس حزب “تحيا تونس” يوسف الشاهد، ورئيس البرلمان بالنيابة ومرشح حركة النهضة، لأول مرة، عبد الفتاح مورو، والرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، ووزير الدفاع المستقيل عبد الكريم الزبيدي، هذا بالإضافة إلى رجل الإعلام مالك قناة نسمة التليفزيونية والموقوف منذ أسبوع بتهم تبييض الأموال نبيل القروي.
وشهدت العملية الانتخابية في تونس مبادرة غير مسبوقة، حيث تم تنظيم مناظرات تلفزيونية بين المرشحين علي مدار 3 أيام بداية من يوم السبت الماضي، قام فيها كل مرشح بعرض برنامجه الانتخابي لكسب أصوات التونسيين.
وقد أثارت تلك المناظرات شعوراً بالفخر لدى كثير من التونسيين الذين يرون أن بلدهم بات مرجعاً في الديمقراطية في المنطقة، كما كشفت عن طبقة سياسية جدية وقادة جديرون بالاحترام، وشخصيات قد استعدت أكثر من غيرها لقيادة البلاد.
ورغم أن المناظرات شكلت ذروة الحملات الانتخابية للمرشحين ونقطة تحول كبري في السياسة التونسية، إلا أنها أصابت الناخب التونسي بالارتباك، ولم تعد مقياسا للتأثيرعلى الرأي العام تجاه مترشح محدد، ،بل ظلت الحيرة مع الترقب هي السمة الغالبة لدي التونسيين لحسم اختيار من يمثلهم في قصر قرطاج.
واللافت بحسب محللين سياسيين في هذا السباق الانتخابي تراجع كبير في حدة الاستقطاب والتجاذب السياسي بين المرشحين والأحزاب السياسية. إذ اختفى الكثير من الخطابات المتشنجة والتحريضية المتبادلة بين هذه الأحزاب. وبدت حملات المرشحين تركز على البرامج والوعود، ومتخففة من الهجوم على المنافسين أو محاولة ترذيلهم أو شيطنتهم.
كما تراجعت بشكل واضح التجاذبات الأيديولوجية، رغم الحضور الواضح لمترشحين من اليسار الراديكالي، أو من يقدمون أنفسهم علمانيين إلى جانب الإسلاميين والقوميين.
وقد يعبّر هذا الوضع عن حالة من النضج السياسي وقناعة لدى مختلف الأطراف، بأن الخطابات التي تستدعي الاستقطاب والتجاذبات الأيديولوجية لم يعد لها مكان في الساحة السياسية. وأن رهان القوى السياسة هو انعكاس لتطلعات وانشغالات المجتمع التونسي، الذي يبحث عن حلول جدية لقضايا التنمية والعدالة الاجتماعية والتشغيل.
وكان الرئيس التونسي الراحل باجي قائد السبسي قد أعرب عن عدم رغبته بالترشح لولاية رئاسية جديدة، فاتحاً المنصب لمرشحين آخرين، إلا إنه توفي في 25 يوليو 2019، عن عمراً ناهز الثاني والتسعون، قبل خمسة أشهر من نهاية ولايته، فأصبح رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر رئيسًا مؤقتًا لتونس، استناداً للمادة رقم 84 من الدستور التونسي، والتي نصها: “إذا تجاوز الشغور الوقتي مدة الستين يوما، أو في حالة تقديم رئيس الجمهورية استقالته كتابة إلى رئيس المحكمة الدستورية، أو في حالة الوفاة، أو العجز الدائم، أو لأي سبب آخر من أسباب الشغور النهائي، تجتمع المحكمة الدستورية فورا، وتقرّ الشغور النهائي، وتبلّغ ذلك إلى رئيس مجلس نواب الشعب الذي يتولى فورا مهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة لأجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما”. وحسب هذه المادة، فإن فترة الرئيس المؤقت الناصر تنتهي في 23 أكتوبر، 2018.
وتُشرف الهيئة العليا المستقلة علي الانتخابات، التي كان مخططا لها يومي 17 و24 نوفمبر، لكن بعد وفاة السبسي، قدمت الانتخابات من أجل ضمان تولي رئيس جديد منصبه في غضون 90 يومًا، وفقًا لما يقتضيه الدستور، وقد تم تقديم موعدها إلى 15 سبتمبر 2019 ، وإذا لم يحصل أي مرشح على أغلبية الأصوات، فإن انتخابات الإعادة لن تتجاوز 3 نوفمبر.
وينص الدستور التونسي علي أن يتم انتخاب الرئيس مباشرةً عن طريق الاقتراع العمومي، بالأغلبية، ويكون هناك جولة ثانية بين أعلى اثنين منافسين من حيث الأصوات، في حالة لم يحصل أي مرشح على الأغلبية المُطلقة في الجولة الأولى ، علي ألا يزيد عمر المرشح الرئاسي عن 35 عاماعلى الأقل في يوم تقديم ترشيحه للرئاسة، وأن يكون مسلماً، وأن يكون تونسي الجنسية، وأن يتخلى عن جنسيته الأخرى إذا كان لديه جنسية أخرى إلى جانب الجنسية التونسية.