[24/يوليو/2019] صنعاء – سبأ: تحقيق : أنس القاضي
تشهد
اليمن حراكاً غير معهود للمراكز الصيفية، يتجلى كصمود تعليمي جبار، لم
يستطع العدوان كسره رغم استهداف البنية التحتية التعليمية واستمرار الحرب
الاقتصادية التي مست بضرها الطلاب والمعلمين.
بلغ عدد المراكز الصيفية
هذا العام 2600 مركزاً فيما بلغ عدد الملتحقين بها 123,500 طالباَ وطالبة.
كإحصائية أولية عند التدشين، فما لا زال دفع الاباء بأبنائهم وبناتهم إلى
المراكز الصيفية مستمراً.
فتحت المراكز الصيفية أبوابها في عموم
المحافظات اليمنية التي تحكمها السُلطة الوطنية، تتضمن أنشطة المراكز
برامج متنوعة في العلوم الشرعية والعلوم الحديثة والرياضة الذهنية
والبدنية، وتنمية مهارات ومواهب الطلاب في المجالات الفنية والإبداعية،
وصقل شخصياتهم.
تحظى المراكز الصيفية برعاية رسمية وشعبية، وكان ناطق
حكومة الإنقاذ الوطني ضيف الله الشامي قد أشاد بجهود القائمين على المراكز
الصيفية الهادفة إلى تنمية مهارات الشباب وتطوير قدراتهم في مختلف
المجالات.
وأكد اهتمام المجلس السياسي الأعلى بالمراكز الصيفية والحرص
على إنجاحها، حاثا الجهات الرسمية والشعبية على التفاعل ودعم المراكز
بمختلف المحافظات، مثمناً دور العلماء والتجار وكل من أسهم في إقامة
المراكز وإنجاحها.
يمنية النشأة والحكمة
تُعد المراكز الصيفية
في اليمن، امتدداً لما يعرف بالهجرات والزوايا -القائمة على الأوقاف-
والتي تدرس العلوم الشرعية من علوم اللغة والقرآن وعلوم الكلام والفقه،
وقد كانت منتشرة في مختلف المحافظات اليمنية كصعدة وصنعاء وتعز وذمار وحجة
وزبيد وتريم وغيرها ومازال بعضها قائماً.
الفرق بين الهجرات والزوايا
والمراكز الصيفية بأن المراكز تختلف عما سبقها من حيث تطور الأساليب
والوسائل العلمية، وتغيرات القضايا السياسية السائدة التي كانت تنعكس في
الفكر الديني في اطار والعقائد وعلم الكلام، فيما أصبحت القضايا السياسية
في المرحلة الراهنة أشد وضوحاً.
العدوان يبدي تخوفه من المراكز الصيفية
لم
يكن الفكر يوماً بمعزل عن الواقع وتفاعلاته، وهو اليوم كذلك، هذه الحقيقة
تجلت في الحملة الدعائية الذي شنها تحالف العدوان وأبواقه الاعلامية
السياسية ضد افتتاح السلطة الوطنية في صنعاء مراكز صيفية، وقد بلغت الحملة
أعلى مستوياتها بالقول بأن “هناك خبراء إيرانيون يُديرون المراكز الصيفية”
وكأن اليمنيون عاجزون عن القيام بتدريس ابنائهم!
عكست الحملة
الدعائية ضد المراكز الصيفية خوف قوى العدوان ومرتزقة من أن تعمل هذه
المراكز الصيفية على ضرب أشكال الوعي الذي لتحالف العدوان مصلحه من
استمراره، وهي الاشكال السلبية التي تسلب الجماهير روح المبادرة وتكرس
الحالة الانهزامية، وكذلك الخوف من تحصين جيل الفتية والشباب من الافكار
الوهابية والتكفيرية وأن تزرع المراكز الصيفية في نفوسهم جانب المسؤولية في
الدين أي “الامر بالمعروف والنهي عن المنكر” و”الجهاد في سبيل الله”
دفاعا عن الوطن والشعب. وهذه المفاهيم تعد بالغة الخطورة على قوى
الاستعمار والاستبداد، فجانب المسؤولية في الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر يعني إلزامية واستمرارية عملية التغيير ومواجهة الاستبداد
والاحتكار، والجهاد في سبيل الله ترتبط به السياسة الدفاعية للمجتمعات
الاسلامية وهوَ ما يراه الاستعماريون خطرا على مطامعهم فاتخذوا نهج محاربة
المفاهيم “الجهادية القرآنية” التي تمثل خطورة عليهم وتصب في مصلحة
الشَعوب المُضطهدة المواجهة للإمبريالية والصهيونية، أما الأفكار
“الجهادية الداعشية” فهم من يدعمونها ويوجهونها في حروبهم العدونية،
وحقيقة دعم الولايات المتحدة الأمريكية والنظام السعودي ودويلات الخليج
للجماعات التكفيرية الداعشية التي ترفع شعار “الجهاد” حقيقة ثبتت في
الملموس التاريخي ولا يُمكن نفيها.
الثورة الثقافية وعملية التحرر الوطنية
تظل
مسألة إحداث ثورة ثقافية في مراحل خوض حروب التحرير أو بعد الانتصار من
أبرز اهتمامات القادة الثوريين، وتُعد “الصين الشَعبية” صاحبة التجربة
الأشهر في الثورة الثقافية الذي تزعمها «ماو تسي تونغ» في ستينيات القرن
الماضي والتي هدفت إلى “تصفية الحزب الشيوعي الصيني من تغلغل الافكار
البرجوازية”، ثم عمت أجهزة الدولة برمتها، وقد كان تطبيقها قسرياً مما أدى
إلى أعمال عنف وفوضى.
التجربة الأخرى للثورة الثقافية تمت في جمهورية
الجزائر الشعبية الديمقراطية في عهد الرئيس الجزائري «هواري بومدين» بعد
الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، والتي هدفت بشكل رئيسي إلى إعادة تمكين
اللغة العربية في الجزائر وإعادة الاعتبار للثقافة العربية، بعد ان كان
المستعمر الفرنسي قد قضى على اللغة والثقافة العربيتين.
لجمهورية اليمن
الديمقراطية الشَعبية- سابقا- تجربة في الثورة الثقافية، بعد طرد
الاستعمار البريطاني، قادها وزير التربية «عبد الله باذيب» وقد تركزت في
مهام القضاء على الجهل ومحو الأمية، حيث تجاوز نشاط المدارس المدن والقرى
وأصبحت متنقلة تتابع ابناء البدو الرحل لتعليمهم، وقد حققت هدافها وتخلصت
البلاد من الأمية أما الجانب السياسي أو الحزبي في تجربة “اليمن
الديمقراطية”، فقد تبلور في كتاب “التثقيف السياسي”، الذي تم صياغتة وفق
نظرية “الاشتراكية العلمية” الأيديولوجية المسيطرة آنذاك.
فلسفة العلم في فكر الحوثي
مختلف
التجارب التي اشرنا إليها تعددت فيها الافكار والأيديولوجيات لتؤكد بأن
التوجه ذاته سنه تاريخية مرتبطة بعملية التحرر الوطنية. ويرى قائد الثورة
السيد عبد الملك الحوثي، بأن التحر الفكري والانعتاق الثقافي، مرهون
بالحرية والاستقلال فهي الظروف التي تتهيأ فيها فرص أكبر للتطور العلمي
الثقافي.
كلمة قائد الثورة عن المراكز الصيفية، حملت أفكار مشابهة
لمفهوم “الثورة الثقافية” وإن كان قائد الثورة لم يصرح بهذا المفهوم؛ فقد
حث على العلم من فهم قرآني يولي أهمية كبيرة لعملية المعرفة ويجعلها أساسا
للاستخلاف في الأرض ونعمة من الله وواجباً دينيا تجاه المسلم.
أفكار
قائد الثورة منبعها ما طرحه الشهيد حسين الحوثي في ملازم “دروس معرفة
الله”، حيث يرى الشهيد حسين الحوثي بأن جوهر تعبد الانسان ليس الشعائر التي
تقوم بها الملائكة كالصلاة -رغم اهمية هذه الشعائر وإلزاميتها الدينية-
بل إن جوهر تعبد الانسان كما يرى الحوثي هو امتلاك العلوم والمعارف
العلمية والتوجه نحو الاكتشاف والإنتاج والإبداع وإظهار قدرة الله وحكمته
في الكون، فهو يقدم تأويلاً جديداً لآيات التفكر، منتقداً الفهم القديم
لآيات التفكر الذي وقف عند حدود الاستدلال على وجود الخالق بالمخلوق.
تلخصت
أفكار قائد الثورة في ذلك الخطاب على تطوير العلم والتعليم والمعرفة
العلمية من جهة، ومن جهة أخرى على تنمية الوعي في محاربة الافكار
التكفيرية والإفسادية والتضليلية بالاستناد إلى الثقافة القرآنية.
كما
نظر الى العملية التعليمية كجبهة نضالية وجهادية هامة -في الوضع الراهن-
تسند المجتمع حيث دعا كل من يمتلكون “قدرات ثقافية، وخلفية علمية ومعرفية”
أن يساهموا في هذه الدورات”. خاصة مع استهداف العدوان للعملية التعليمة
وبنيتها التحتية، ويرى قائد الثورة بأن المعارف مرتبطة بالعمل والتطبيق
لإصلاح وبناء الواقع، ومرتبطة بمسار المسؤولية.
محمد قاسم محمد
استاذ في مركز جامع الرحمن في العاصمة صنعاء، يرى بأن هناك جوانب نقص في
العلوم الشرعية الذي يقدمها التعليم الرسمي، وتأتي المراكز الصيفية لتغطية
هذا النقص، فالتربية الاسلامية المقدمة في المناهج الدراسية الرسمية -من
وجهة نظره- تهتم بالعبادات فقط وجوانب مكارم الأخلاق، وتتناول جانب
المسؤولية بسطحية وإشارات بسيطة رغم ان هذا الجانب تتفق عليه مختلف
المذاهب والطرق الاسلامية في اليمن.
يضيف الاستاذ محمد بأن العلوم
الشرعية المقُدمة في المراكز، تشمل قضايا أساسية تميزها عن المناهج
الدراسية الرسمية، كالشد إلى الله ورسوله وإلى القرآن الكريم، والحديث عن
العدو والموقف الديني منه.
مركز جامع الرحمن، أحد المراكز الصيفية في
العاصمة صنعاء، يقيم في المركز ما يقارب 100 طالب، في النظام الداخلي 24
ساعه، و50 طالباً في النظام غير الدائم من الصباح حتى الظهر. يتلقى الطُلاب
في مركز جامع الرحمن دروس في القرآن كريم، والتلاوة وتجويد، والفقه،
والسيرة، والثقافة قرآنية، تتخلل هذه الدروس اوقات الفطور والغداء والعشاء
ومذاكرة الدروس وسماع الاخبار والأفلام والوثائقية وتعليم الالقاء
والخطابة للراغبين في ذلك.
يشير مدير مركز جامع الرحمن الاستاذ
يحيى شرف الدين بأن طلبات التقدم للدراسة في إطار النظام الداخلي مستمرة
ولأن الطاقة الاستيعابية للنظام الداخلي بلغت أقصاها، يتم استيعاب
المتقدمين الجدد في النظام الصباحي في ذات المركز حيث يدرسون معاً برفقة
الملتحقين بالنظام الداخلي.
يتم تقسيم الفئات في المركز تمهيدي وأول
وثاني وثالث، وفق معيار الحصيلة العلمية التي يمتلكها الطالب لا معيار
السن أو الصف الدراسي الرسمي.
يخصص المركز يوم الجمعة للرحلات
الخارجية، حيث نظم المركز زيارة للجامع الكبير في صنعاء وقبر باذان
والقليس، وكذا زيارة لمقابرة الشهداء، وشارك طلاب المركز في صلاة الجمعة
في جامع الشَعب.
الألعاب الرياضية في مركز جامع الرحمن
الانشطة
الرياضية تمثل الجزء الآخر المكمل من نشاط المراكز الصيفية، حيث تجمع ما
بين الألعاب الذهنية والبدنية وما بين اللعاب الفردية والجماعية.
الاستاذ
محمد الاشول مسئول التربية الرياضية في مركز الرسول الأعظم، خريج تربية
فنية ورياضية، يشرف في المركز على أنشطة كرة الطائرة، والتنس، والشطرنج،
وكرة القدم والسباحة وألعاب الدفاع عن النفس الكاريتية والتيكواندو.
أفاد الأشول، بأن مستوى الطلاب يتراوح بين المقبول والجيد، وبأن هناك طلاب لديهم المهارة الكافية التي من خلالها يُمكن صقلها وصناعة منهم أبطالاً في هذه الألعاب المعينة. فيما هناك طلاب يفتقدون للقواعد الاساسية لمثل هذه اللعاب خاصة من الريفيين النازحين، حيث أن كثير من هذه الالعاب غير معروفة في الريف.
ورغم قصر الفترة الزمنية لاستيعاب مثل هذه الألعاب
الرياضية فالأشول يؤكد بأن الطلاب سيخرجون بمعرفة عامة عن قواعد هذه
الالعاب ومهارة بسيطة فيها لمن كانوا لا يعرفون ابجدياتها يُمكن البناء
عليها، في مراحل قادمة، ويأسف الاشول بأن المدراس الحكومة لا تدرس هذه
اللعاب وبالتالي لا تطور من المهارات الأولية التي اكتسبها طلاب مختلف
المراكز الصيفية.
أما الرياضة الأكثر شَعبية والذي يحبذها الطلاب ويمارسونها جميعا فهي الساحرة المستديرة كرة القدم.
يشير
الاشول بأن الفرق في مركزة تخوض التصفيات، تمهيداً للمشاركة في دوري
المراكز الصيفية الذي سيجمع الفائزين من مختلف المراكز في اليمن، فيما هناك
ايضاً دوري خاص داخل للعاملين في المركز.
المصدر: سبأ
وكالة الأنباء اليمنية – سبأ نت