تبدي الأوساط السياسية الدولية تفاؤلًا بوقف محتمل للحرب بين روسيا وأوكرانيا، بالتوازي من نقاشات تقرأ في مآلات هذه الحرب، التي تقترب من إنهاء عامها الرابع، وذلك إثر الكشف عن خطة أمريكية لإنهاء الحرب، ومع ذلك فإن المعارك لاتزال على أشدها وتزداد ضراوة مع تفوق عسكري روسي واضح.
وبعد جولات متعددة من المحادثات لإنهاء الحرب، شملت زيارات للمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف إلى موسكو وكييف، ونقاشات مع الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي وقادة أوروبيين، فإن الجميع يسعون الآن إلى المضي قدما في مناقشة الخطة التي تتكون من 28 بندا.
فما موقف كل من روسيا وأوكرانيا من خطة السلام الأمريكية، وهل تشكل هذه الخطة طوق نجاة لكييف للخروج من مستنقع الصراع، وحفظ ما يمكن من ماء الوجه؟
ورغم المخاوف والشكوك الأوكرانية بأن الخطة تلبي أهداف ومصالح استراتيجية لروسيا، في مقابل اعتبارها مأزقا لأوكرانيا وأوروبا، إلا أن أوساطا دبلوماسية ترى فيها فرصة سانحة لإنهاء الحرب، المستمرة منذ 24 فبراير 2022.
وماذا يدور خلف الكواليس مع كشف معلومات صحفية عن اتفاق سري تم بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في اجتماع آنكوريج بألاسكا في أغسطس الماضي؟
وفي هذا السياق، شدد البيت الأبيض على أن الخطة، التي قال إنها قيد النقاش مع روسيا وأوكرانيا، جيدة للطرفين، نافيا المخاوف من أنها تلبي الكثير من مطالب موسكو.
وقال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إن الولايات المتحدة باتت “قريبة جدا” من التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
وجاء في تصريح لترامب في البيت الأبيض “الأمر ليس سهلا، لكن أعتقد أننا قريبون جدًا من التوصل إلى اتفاق، سنرى”.
من جانبه، قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إن”المقترح الأمريكي لتسوية الأزمة الأوكرانية يجب أن يترجم إلى لغة دبلوماسية”، مشيرًا إلى أنه “يجب مناقشة كل بند من الخطة الأمريكية للتسوية في أوكرانيا”.
وأضاف بوتين في تصريح صحفي: “روسيا اطلعت على المقترح الأولي للخطة الأمريكية بشأن التسوية في أوكرانيا”.
وتنص خطة السلام الأمريكية المكونة من 28 بنداً، على أن تتنازل أوكرانيا عن منطقة دونباس الشرقية لروسيا، وتحديد حجم جيشها، والموافقة على أنها لن تنضم أبداً إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وفقاً لمسودة حصل عليها موقع أكسيوس الأميركي، وتحقق منها مسؤول أوكراني ومسؤول أميركي ومصدر مطلع على الاقتراح.
وبالإضافة إلى التنازل عن دونباس، التي تضم منطقتي لوغانسك ودونيتسك الواقعتين تحت سيطرة كييف حالياً، فإنّ على أوكرانيا أن توافق على أن يقتصر عديد جيشها على 600 ألف جندي.
كما ستتمركز، بموجب الخطة، طائرات مقاتلة أوروبية في بولندا لحماية أوكرانيا، لكن لن تكون هناك أي قوات تابعة لحلف شمال الأطلسي على الأراضي الأوكرانية، وستوافق كييف على عدم الانضمام بشكل مطلق إلى الحلف.
بدوره، قال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي إن كييف مستعدة للمضي قدما في اتفاق سلام تدعمه الولايات المتحدة، وإنه على استعداد لمناقشة النقاط الحساسة مع الرئيس ترامب في محادثات قال إنها يجب أن تشمل الحلفاء الأوروبيين.
وألقى زيلينسكي خطابًا أمام ما يُسمى “تحالف الراغبين”، حث فيه الزعماء الأوروبيين على وضع إطار عمل لنشر ما وصفها بـ”قوة طمأنة” في أوكرانيا ومواصلة دعم كييف.
وبحسب تقارير إعلامية، اعترضت كييف على بنود في الخطة المقترحة، منها ما يتعلق بتخلّي أوكرانيا عن أراضٍ إضافية في الشرق، وقبولها عدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) نهائيا.
في المقابل، أعلن المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أنهم منفتحون على التفاوض بشأن أوكرانيا، قائلا “ننتظر من الجانب الأمريكي أن يشاركنا الصيغة الرسمية لخطة السلام”.
وأشار في تصريح لصحفيين روس، إلى أن موسكو تتابع التقارير الإعلامية المتعلقة بخطة السلام الأمريكية بشأن أوكرانيا.
وأضاف “نفهم أنه أُجريت بعض التعديلات على النص الذي ظهر، وفي مرحلة ما، من المحتمل أن تكون لدينا اتصالاتنا مع الأمريكيين، ونتسلم الخطة رسميا، وحتى الآن لا جديد”.
موسكو: تحقيق الأهداف دبلوماسيا
وأوضح بيسكوف أن “هناك الكثير من المعلومات المتضاربة المنتشرة بشأن هذه الخطة”، مضيفًا “ننتظر من الجانب الأمريكي أن يشاركنا الصيغة الرسمية لخطة السلام، سنبقى منفتحين تماما على عملية التفاوض، ونرغب في تحقيق أهدافنا عبر الطرق السياسية والدبلوماسية”.
وقال الكرملين إن ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترمب ، سيأتي إلى موسكو الأسبوع المقبل يرافقه عدد من المسؤولين الأميركيين الكبار لإجراء محادثات حول خطة محتملة للسلام في أوكرانيا.
وقال ترمب للصحفيين على متن طائرة الرئاسة الأمريكية ، أثناء توجهه إلى فلوريدا لقضاء عطلة عيد الشكر، إن المفاوضين الأميركيين يحرزون تقدما في المناقشات مع روسيا وأوكرانيا، وإن موسكو وافقت على بعض التنازلات.
وقال يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لشؤون السياسة الخارجية، لكبير مراسلي الكرملين في التلفزيون الرسمي الروسي بافل زاروبين، “بالنسبة لويتكوف، يمكنني القول إنه تم التوصل إلى اتفاق مبدئي على قدومه إلى موسكو الأسبوع المقبل”.
واعتبر أوشاكوف أيضا أن تسريب محادثة هاتفية بين مسؤولين كبيرين في الكرملين والولايات المتحدة يمثل “محاولة لعرقلة المباحثات بشأن اتفاق محتمل للسلام في أوكرانيا”.
سلام مؤلم
وفي السياق، اعتبر الكاتب نيدرت إيرسانال، أن خطة السلام الأمريكية “تُعدّ الأكثر جدية منذ بدء الحرب في أوكرانيا”، مشيرًا إلى “السياق المعقد الذي سبق طرحها، بما في ذلك الاتفاق السري المشتبه به بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين خلال قمة ألاسكا”.
ويشرح إيرسانال، في تقرير له نشرته صحيفة “يني شفق” التركية، كيف يُنظر إلى الخطة باعتبارها “مكسباً استراتيجياً لروسيا ومأزقاً وجودياً لأوروبا، لأنها تُضعف حججها لبناء منظومة أمنية جديدة قائمة على التخويف من موسكو”.
كما يستعرض الكاتب التحولات الميدانية التي منحت روسيا اليد العليا، والتوترات السياسية داخل كييف، وتصاعد الهلع الأوروبي مقابل انفتاح واشنطن وموسكو على التفاوض.
ويبرز إيرسانال أن “أوكرانيا تستعد لسلام مؤلم، وأن تداعياته لن تطال كييف وحدها، بل ستعيد رسم التوازنات في أوروبا والناتو وتركيا أيضاً”.
التوقيت الحرج لأوكرانيا
وفي تحليل لقناة “سي أن أن” الأمريكية ، اعتبرت القناة توقيت هذه الخطة المُجدّدة، والتي بادرت بها موسكو في الغالب، هو أمرٌ أساسي.
وقالت القناة إن “القوات الروسية ربما تكون في أفضل وضع لها منذ عام تقريبًا، فهي على بُعد أسابيع، بل أيام، من السيطرة على بوكروفسك، المركز العسكري الشرقي المحاصر، وهو موقع ذو أهمية استراتيجية بالغة، دار حوله قتال شرس منذ الصيف الماضي، وتتمركز قواتها على أطرافها الجنوبية، وإذا سيطرت عليها، فلن تواجه سوى عدد قليل من المراكز السكانية الكبيرة غربها الخاضعة للسيطرة الأوكرانية قبل أن تقترب من العاصمة كييف”.
وأشارت “سي أن أن” إلى أن “أوكرانيا لاتزال تشهد معدلات عالية من الفرار من الخدمة العسكرية وتجنّب التجنيد، مما يزيد من مشاكلها البشرية الخطيرة، وقد تآكلت ميزة كييف في مجال الطائرات المسيرة بسبب التعلم والابتكار الروسي السريع”.
واعتبرت أن “الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يعاني أيضًا من تراجع شعبيته، إذ يواجه تداعيات فضيحة فساد متواصلة ومفصلة بعمق، تمس دائرته المقربة، والأمر الذي يتحمله الأوكرانيون يوميًا: انقطاع التيار الكهربائي”.
ومن الواضح، حسب القناة، أن المبادرة الروسية تهدف إلى “استغلال لحظة ضعف غير مسبوقة تمر بها أوكرانيا، في ظل أزمة سياسية داخلية تهدد بعرقلة زيلينسكي في مواجهة حالات الطوارئ على الخطوط الأمامية”.
وتضيف أن “النقاط الـ28 تحقق غرضين لموسكو، فهي تُمثل نقطة انطلاق مفيدة للغاية، لدرجة أن تحقيق أجزاء منها يعد فوزا كبيرا كما أنها توفر صرحًا يمكن للدبلوماسيين الروس العودة إليه باستمرار إذا رغبوا في ذلك، مرة أخرى، لإبطاء وتيرة الدبلوماسية بينما يتمتع جيشهم بالأفضلية”.
الصخب الدبلوماسي
وفي تحليل لها، اعتبرت قناة “فرانس 24” أن ما وصفته ب “الصخب الدبلوماسي المستمر حول خطة السلام لإنهاء الحرب في أوكرانيا، بما في ذلك المقترحات التي قدمتها عدة دول سعت إلى تعديل أو تحسين ذلك المسار أو حتى تلك المعارضة له بشكل كامل، يصب في مصلحة موسكو”.
وأوردت القناة تصريحا لويل كينغستون-كوكس، خبير الشؤون الروسية في الفريق الدولي لدراسة الأمن (ITSS) فيرونا، قال فيه إن “روسيا اختارت وضعية كهل ينتظر أن يتوقف الصغار عن المشاحنات ويتوافقوا”.
وأضاف أن “الأهم بالنسبة لموسكو، هو إظهار أن مستقبل أوكرانيا يُقسم الغرب، ما يعزز صورة روسيا قوية وموحدة وراء هدف محدد”.
ومن جهتها، تقول ناتاشا ليندشتات، الباحثة في جامعة إسيكس في بريطانيا: “إنه وضع مربح في كلتا الحالتين بالنسبة لفلاديمير بوتين: فإما أن تقبل أوكرانيا بخطة السلام الأولية، التي تصب تمامًا في مصلحة روسيا، وإما أن يرفضها زيلينسكي، ومن ثم يمكن لموسكو أن تقدم نفسها على أنها صانعة السلام المتضايقة، وفي نفس الوقت تعزز الخلاف بين الولايات المتحدة والأوروبيين”.
وقالت “فرانس 24” ، إنه “بالنسبة إلى الخبراء الذين أجرت مقابلات معهم، فليس من المؤكد أصلا أن يكون فلاديمير بوتين نفسه موافقا تماما على توقيع خطة السلام الأولية المكونة من 28 نقطة، رغم أنه ينظر إليها على أنها الأكثر تأييدا لبلاده على الإطلاق”.










