نص كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حول تطورات تصعيد العدو الإسرائيلي في لبنان ومستجدات العدوان في غزة، الخميس 23 ربيع الأول 1446هـ 26 سبتمبر 2024م.
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْــــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَــنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في تطورات الأحداث، فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي الإجرامي الوحشي على قطاع غزة، برز في هذا الأسبوع التطورات على الجبهة اللبنانية، في ظل توجُّه العدو الاسرائيلي للتصعيد ضد الشعب اللبناني، وضد الجبهة اللبنانية، وفي واقع الحال فالمعركة واحدة، والعدوان الإسرائيلي على الجبهة اللبنانية وضد الشعب اللبناني، هو في إطار عدوانه أيضاً على غزة ضد الشعب الفلسطيني؛ ولـذلك سنتحدث عن هذا الموضوع في سياق هذه الكلمة، عند الحديث عن جبهة الاسناد اللبنانية.
فيما يتعلق بالعدوان على غزة، ونحن على وشك اكتمال العام، منذ بداية العدوان الإسرائيلي الهمجي الإجرامي، ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أصبح الرصيد الإجرامي للعدو الإسرائيلي في عدوانه على قطاع غزة رصيداً هائلاً وفظيعاً جداً، ولا مثيل له، في نوعية وأسلوب الإجرام الذي يرتكبه ضد الشعب الفلسطيني، ويقترن معه أيضاً حجم الفشل الكبير، الذي بات واضحاً.
العدو الإسرائيلي حدد أهدافاً مُعيَّنةً، وزعم أنه يريد تحقيقها من عدوانه على قطاع غزة، ولكنه فشل في تحقيقها، فلاه استعاد أسراه بدون صفقة تبادل، ولا هو تمكن من القضاء على الإخوة المجاهدين في قطاع غزة، وبات في مستنقعٍ يتكبد فيه الخسائر اليومية، من القتلى والجرحى، والاستهداف لجنوده وآلياته العسكرية.
العدو الإسرائيلي، بالرغم من حجم المجازر التي ارتكبها ضد الشعب الفلسطيني، وبالرغم من الإبادة الجماعية، وبالرغم من استخدام التجويع كوسيلة من وسائل الإبادة الجماعية، بالرغم من حجم التدمير والاحتلال، بالرغم من فظاعة ما عمل، لكنه ومع كل هذه المدة الزمنية الطويلة، على مدى اثني عشر شهراً فشل بشكلٍ واضح، فيما يتعلق بتحقيق أهدافه، وبالرغم أيضاً من المشاركة الأمريكية، والدعم الأمريكي اللامحدود للعدو الإسرائيلي، والغطاء السياسي الذي قدَّمه الأمريكي له، ليرتكب ما يشاء ويريد من الجرائم، وبالرغم أيضاً من التخاذل العربي غير المسبوق، فلم يلحظ فيما مضى تخاذلٌ عربيٌ بهذا المستوى، الذي كان عليه الواقع العربي الرسمي، الموقف العربي الرسمي، منذ بداية العدوان والتصعيد ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، على مدى اثني عشر شهراً، لم يلحظ مثل هذا التخاذل فيما قد سبق، مع كل ذلك لا يزال الصمود الفلسطيني مستمراً للمجاهدين، وبشكلٍ أيضاً غير مسبوق، وللشعب الفلسطيني كحاضنةٍ للمجاهدين أيضاً.
فيما يتعلق بالمجازر، التي يرتكبها العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وقد زادت على (الثلاثة آلاف وستمائة وخمسة وخمسين مجزرة)، منها في هذا الأسبوع: ما يقارب (خمساً وعشرين مجزرة) في قطاع غزة، وكذلك يستمر العدو الإسرائيلي، في إطار ارتكابه لتلك المجازر، في الاستهداف لمراكز الإيواء والنزوح، في مناطق يعلنها آمنةً ثم يستهدف النازحين فيها، وقد استهدف قرابة (مائة وثلاثة وثمانين مركز إيواء)، يستهدف المنازل بشكلٍ مستمر ويومي، يستهدف المخيمات، يستهدف النازحين في الخيم القماشية، بالقنابل الأمريكية الفتَّاكة والمدمِّرة، يسعى لإبادة المدنيين في كل يوم؛ ولــذلك بلغ عدد الشهداء والمفقودين في قطاع غزة، خلال هذه الفترة من التصعيد على مدى اثني عشر شهراً: أكثر من (واحدٍ وخمسين ألف وخمسمائة شهيد ومفقود)، وحال المفقودين يعتبر- في واقع الحال- في عداد الشهداء، وربما تكون الإحصائيات الدقيقة أكثر من ذلك، لكن مع ظروف الحرب والعدوان المعروفة في القطاع، في نطاق محدود، نطاق جغرافي محدود، هذا العدد الكبير من الشهداء.
تجويعٌ مستمر بطريقة رهيبة وفظيعة جداً، مع تفرُّج العالم، أصبح من وسائل الإبادة التي يعتمد عليها العدو الإسرائيلي، وكذلك الحرمان من الدواء للجرحى والمرضى، والاستهداف للكوادر الصحية، وتدمير المستشفيات، العدو الإسرائيلي جعل منها أهدافاً أساسية في عدوانه على قطاع غزة، وقد بلغ عدد الشهداء من الكادر الصحي: قرابة الـ(ألف شهيد)، حيث يستهدفهم بشكلٍ متعمد.
والانتهاكات أيضاً فيما يتعلق بالمسجد الأقصى الشريف مستمرةٌ من جانب الصهاينة المجرمين، وفي إحصائية لمحافظة القدس، فإن ما يقارب الثمانية والأربعين ألفاً، من قطعان المستوطنين المغتصبين المجرمين، اقتحموا المسجد الأقصى منذ العدوان على غزة، منتهكين لحرمته وقدسيته، يقيمون في باحاته حفلات الرقص والغناء، ويرددون الخرافات والإساءات إلى الإسلام، وإلى نبي الإسلام، وإلى المسلمين.
وكذلك العدوان على الضفة الغربية مستمر، اعتداءات يومية، وجرائم يومية يرتكبها العدو الإسرائيلي في الضفة الغربية، ويوسِّع الاستيطان، يقتل الأهالي، يُدَمِّر المنازل، يختطف الكثير من الأهالي، وَيَزُجُّ بهم في المعتقلات والسجون التي يعذب فيها الأسرى بأبشع التعذيب، ووصلت الانتهاكات في الضفة الغربية والاعتداءات إلى مستوى التسميم للماشية، والاستهداف لكل شيء هناك.
في المقابل يستمر الصمود الفلسطيني للمجاهدين، والمجتمع الحاضن الصابر، وخلال هذا الأسبوع نَفَّذت كتائب القسام ما يقارب (تسعة عشر عملية)، منها: عمليات لاستهداف أرتال الدبابات والآليات العسكرية، ومنها: كمائن متنوعة للفتك بجنود العدو الإسرائيلي، وبات واضحاً باعتراف إعلام العدو الإسرائيلي، أن كتائب القسام متماسكة، وأنها قد استعادت الزخم العمليات، وأنها تطوّر باستمرار من قدراتها الهجومية والعملياتية، كذلك هناك عمليات مهمة نفَّذتها سرايا القدس، وفصائل أخرى من الإخوة المجاهدين في قطاع غزة، في ظل جوٍ أخويٍ وتعاونٍ وثيق بين مختلف الفصائل في القطاع.
فيما يتعلق بجبهات الإسناد، والتطورات في الجبهة اللبنانية، من الواضح للجميع أن العدو الإسرائيلي اتَّجه للتصعيد في الجبهة اللبنانية، معتمداً أسلوبه الإجرامي الوحشي في الاستهداف الشامل، والتعمد لقتل المدنيين، وتدمير مساكنهم، على نحو ما يفعله في قطاع غزة، وما فعله في المراحل السابقة في لبنان.
عندما نعود إلى جبهة الإسناد في لبنان، الكل يعرف الدور الذي يقوم به حزب الله، في الإسناد للشعب الفلسطيني، ولمجاهديه في قطاع غزة، ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وأن هذا الدور لحزب الله هو الأقوى، والأكثر تأثيراً على مستوى جبهات الإسناد، إضافةً إلى دور حزب الله الأصيل والمهم في مواجهة العدو الإسرائيلي منذ اثنين وأربعين عاماً.
رصيد حزب الله البطولي والجهادي في مواجهة العدو الإسرائيلي، والانتصارات الكبرى التي حققها الله له على العدو الإسرائيلي، ما قبل الـ 2000م، وفي الـ 2000، وكذلك في الـ 2006، وكذلك دوره في الإسناد في قطاع غزة على مدى اثني عشر شهراً، يثبت دوره المحوري والأساسي والكبير لصالح الأمة الإسلامية بكلها، ولصالح القضية الفلسطينية، ولصالح لبنان أيضاً، الذي هو من أول البلدان العربية المستهدفة من قبل العدو الإسرائيلي، المستهدفة بالاحتلال، وبالقتل، وبالتدمير، وبنهب الثروات، وبمصادرة الاستقلال والحُرِّيَّة.
حزب الله، وبتأييدٍ من الله تعالى، ألحق أكبر الهزائم بالعدو الإسرائيلي، في مراحل متعددة، كان فيها لا يمتلك من العدة والعدد مثل ما يمتلكه اليوم، وهو اليوم أقوى من كل زمنٍ مضى، حزب الله مع بنيته، التي فيها مقاتلين مؤمنين مجاهدين، ينطلقون من منطلقٍ إيمانيٍ، ويحملون الوعي والبصيرة، وينطلقون في سبيل الله تعالى بروحٍ معنويةٍ عالية، وباستعدادٍ عالٍ للتضحية، ولديهم قناعة تامة بأهمية موقفهم، بكل الاعتبارات: الإيمانية، والدينية، ولمصلحة بلدهم، ولديهم وعيٌ تام بضرورة هذا الموقف، وحتمية هذا الموقف في مواجهة العدو الإسرائيلي، بما هو عليه من عدوانية، وإجرام، وأطماع، وأحقاد، وشر كبير، يستهدف الأمة بكلها، ويستهدف كل الشعوب المحيطة بفلسطين، وإضافةً إلى ذلك لديه قاعدة، حزب الله لديه قاعدة شعبية كبيرة، وحاضنة شعبية قوية، وواعية، ومستبصرة، ومتماسكة، وعلى استعدادٍ عالٍ للتضحية، وهي تعيش هذا الجو الجهادي والبطولي، وتقدِّم التضحيات، وتحرز الانتصارات، من خلال رجالها المجاهدين، على مدى كل هذه العقود الطويلة، وهي معتزةٌ بموقفها، وموقف مجاهديها في حزب الله.
الهدف الإسرائيلي من تصعيد العدوان على لبنان واضح، وهو: منع حزب الله من إسناد الشعب الفلسطيني، ومن إسناد غزة، وهو هدفٌ لن يتحقق أبداً؛ لأن موقف حزب الله هو موقفٌ مبدئيٌ، ودينيٌ، وإنسانيٌ، وأخلاقيٌ، وهو- في نفس الوقت- موقفٌ لمصلحة لبنان؛ لأن العدو الإسرائيلي لو تمكَّن من تحقيق أهدافه على الساحة الفلسطينية، وتمكَّن من القضاء على المجاهدين في فلسطين، وأصبح متفرغاً لما بعد فلسطين، كان في مقدمة البلدان المستهدفة، والشعوب المستهدفة من العدو الإسرائيلي، الشعب اللبناني ولبنان، فالعدو الإسرائيلي لديه أحقاده، وأطماعه أيضاً، وسوابقه معروفة في الاستهداف للبنان، والاحتلال للبنان، وصولاً إلى بيروت، وما فعله سابقاً بالشعب اللبناني وفي لبنان من الجرائم الفظيعة، وهذه مسألة معروفة.
ولـــذلك عندما نتأمل ما يجري خلال هذا التصعيد، سواءً في العمليات الغادرة، التي استخدم فيها العدو الإسرائيلي وسائل مدنية لاستهداف اللبنانيين، من حزب الله ومن غير حزب الله، أو من خلال الغارات الهمجية الإجرامية، والعدوان الوحشي الذي يُنَفِّذه خلال هذه الأيام، نجد أن هذا العدوان ليس مجرد حالة طارئة، ترجحت فجأةً للعدو الإسرائيلي، واتَّجه إليها كردة فعل، تجاه موقف حزب الله المساند للشعب الفلسطيني، بل نجد هذا العدوان يأتي في ظل تخطيطٍ مسبق، في ظل ترتيبات عدوانية مسبقة، ومعنى ذلك: أن العدو الإسرائيلي خلال كل هذه السنوات كان يحضر للعدوان على لبنان، وللاستهداف للشعب اللبناني ولحزب الله، وكان يعد العُدَّة على كل المستويات، فيما يتعلق بالجانب المعلوماتي، وفيما يتعلق بـ- كذلك- خطة الاستهداف، وفيما يتعلق كذلك بتجهيز المقومات اللازمة لذلك؛ ولــذلك فعدوانه هذا هو امتداد لتحضيرات، ونتاج لتحضيرات واستعدادات كانت منذ سنوات، وهذا ما اعترف به أيضاً قادةٌ من قادة العدو، ومن الواضح أن العدو كان يُحَضِّر لعدوان على لبنان، ويتحيَّن الفرصة لذلك.
عندما نلحظ قوة الموقف لدى الإخوة في حزب الله، ومدى تماسكهم وثباتهم، بالرغم من حجم العدوان الإسرائيلي، وحجم الاستهداف الذي شمل- إضافةً إلى الاستهداف لحزب الله- شمل كل تلك القرى والمناطق للحاضنة الشعبية للشعب اللبناني، فإننا نجد أن حزب الله يمتلك المقومات اللازمة للصمود والثبات، ولتحقيق النصر أيضاً، مثلما حصل في الجولات الماضية، وفي المراحل الماضية، وبكل وضوح، وأكبر الهزائم المُذِلَّة تلقَّاها العدو الإسرائيلي في عدوانه ومواجهته لحزب الله، في جولات متعددة، وفي عمليات متعددة، والتاريخ يشهد، وهي وقائع موثقة، سواءً على مستوى الفيديوهات، أو باعتبارها أحداثاً كبرى عرف بها كل العالم.
حزب الله بمجاهديه، وكما هو الحال أيضاً بالنسبة للإخوة المجاهدين في فلسطين، الجميع ينطلق في موقفه من منطلقٍ إيماني، يتحرك وهو يحمل الروحية الإيمانية، المستمدة لمعونة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الانطلاقة التي ينطلق فيها المؤمن المجاهد وهو يستشعر مسؤوليته في أداء مهمته الجهادية، وقدسيتها، وهو في الموقف الحق، يحمل القضية العادلة، وفي نفس الوقت يرى في موقفه العادل والمُحِقّ قربةً إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويرى في تحركه، الذي استجاب فيه لتوجيهات الله وأوامره، سبباً يحظى من خلاله بالمعونة من الله، والتأييد من الله، والنصر من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بهذه الروحية التي ينطلق فيها المجاهد واثقاً بالله تعالى، وبوعده الصادق، الذي وعد به عباده المؤمنين المجاهدين في القرآن الكريم، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو القائل في كتابه الكريم: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم:47]، وهو القائل “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}[الحج:38]، وهو القائل “جَلَّ شَأنُهُ”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:7]، فبهذه الروحية الإيمانية، وهذه الثقة الكبيرة بالله سبحانه و تعالى، وبالتوكل على الله “جَلَّ شَأنُهُ” ينطلق المجاهدون في سبيل الله، وهم يحظون برعايةٍ من الله، وبمعونةٍ من الله، وبتأييدٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولديهم- في نفس الوقت- الاستعداد العالي للتضحية في سبيل الله؛ لأنَّهم يدركون قيمة الموقف، وقيمة الفعل، وقيمة التضحية أيضاً كقربةٍ إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولما يترتب عليها أيضاً من نتائج يحققها الله “جَلَّ شَأنُهُ” لعباده المؤمنين، الصابرين، المجاهدين، في ظل المواقف التي هي ضروريةٌ في الأساس، ضروريةٌ لأن تحظى هذه الأمة بالعِزَّة، والكرامة، والنصر، والمَنَعَة، والقوة في مواجهة أعدائها.
فالخطر على الأمة ليس هو في أن تتحرك لحمل راية الجهاد في سبيل الله تعالى، وللتصدي لأعدائها الحاقدين، الظالمين، المجرمين، المستكبرين، الذين يعملون على إبادتها، وإلى امتهانها، واستعبادها، وإذلالها، واحتلال أوطانها، الجهاد في سبيل الله هو سببٌ للنصر، والعزِّة، والتمكين، والقوة، والمَنَعَة، وللوصول إلى دحر الأعداء، وللتصدي لشرهم وخطرهم، الذي هو خطرٌ حقيقي، وليس مجرد مزاعم أو تصورات خيالية، الخطر على الأمة هو في التخاذل، في الجمود، في الاستسلام، في العجز، هذا هو الذي يُمَكِّن أعداءها منها، ومن تحقيق أهدافهم فيها، وهو الذي ألحق بالأمة في كل تاريخها الماضي الكثير من الخسائر الكبيرة جداً.
من يقرأ التاريخ يعرف حجم الخسائر الكبيرة التي لحقت بأمتنا الإسلامية، وبشعوب أُمَّتنا؛ نتيجةً لتخاذلها، خسائر رهيبة على مستوى القتلى، والجرحى، وعلى مستوى أيضاً أن تخسر الأوطان، وعلى مستوى الإذلال، والإهانة، والامتهان للكرامة… وغير ذلك، التاريخ يشهد بما فيه من المآسي الكثيرة، والحوادث الكثيرة، لكنَّ الأُمَّة لم تستعد عِزَّتها يوماً، وكرامتها يوماً، وحُرِّيَّتها يوماً، إلَّا بالجهاد بالتحرك، بالصبر، بالتضحية.
وعندما نعود إلى تاريخنا في الوقت الراهن، التاريخ المعاصر، وحتى في التجربة المباشرة لحزب الله نفسه، تحققت له الانتصارات الكبرى في مواجهة العدو الإسرائيلي، انتصارات عظيمة، مُذِلَّة للعدو الإسرائيلي، في ظل الجهاد، والصبر، والتضحية، وَقَدَّم حزب الله الكثير من الشهداء، من القادة، ومن غيرهم من المجاهدين، وصبر الشعب اللبناني، وَقَدَّم التضحيات، وصبر على المعاناة، ولكن كان لكل ذلك ثمرة عظيمة، ونتيجة كبيرة ومهمة، كذلك هي تجربة الإخوة المجاهدين في فلسطين في قطاع غزة، تحققت انتصارات مهمة، وألحقوا الخسائر الكبيرة بالعدو الإسرائيلي، وبات لديهم توجُّهٌ متماسكٌ وثابتٌ وصامد في مواجهة العدو الإسرائيلي، له نتيجته- في نهاية المطاف- المحتومة، التي وعد الله بها “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
لربما من أكبر الأمور المهمة فيما يتعلق بصراع أُمَّتنا مع العدو الإسرائيلي، هو: الإيمان بالحقائق القرآنية، التي وعد الله بها في كتابه، وعلى لسان رسوله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وعد هذه الأمة بزوال ذلك العدو، وهذه حتمية من الحتميات التي نؤمن بها، يؤمن بها كل من يؤمن إيماناً حقيقياً بكتاب الله، وبوعود الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ ولــذلك فمهما كانت جولات الصراع مع العدو الإسرائيلي قاسية، ومهما كان يمتلكه هو من إمكانات ووسائل للقتل والتدمير، وما يرتكبه من جرائم بشعة جداً، وفظيعة للغاية، جرائم الإبادة الجماعية، وما يظهره من التوحش، وما يصل إليه ويبلغ إليه من الإجرام، كل ذلك لن يغير أبداً من تلك الحقائق الحتمية، في زواله المحتوم، وفي انتصار المؤمنين، الصابرين، الثابتين، الذين استجابوا لله، ووثقوا بوعده، وتحركوا على أساس إيمانهم بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وإيمانهم بحتمية الموقف الصحيح للتصدي لذلك العدو المجرم، هذه الحقائق مهمةٌ جداً.
لربما حالة اليأس لدى البعض من أبناء هذه الأمة، وكذلك انعدام حالة الإيمان لدى البعض الآخر، الذين وصل بهم الحال إلى التواطؤ مع العدو الإسرائيلي، والتعاون معه، ومحاولة الفَتّ في عَضُدِ أبناء هذه الأمة الأحرار، الذين يقومون بواجب التصدي له، والمواجهة له، والتصدي لجرائمه واعتداءاته، حالة اليأس تلك هي حالة خطيرة عليهم هم، وهي ستصل بهم إلى الخسارة بلا شك.
وكذلك حالة التخاذل التي لدى البعض من أبناء الأمة، هي لها نتائج سيئة عليهم هم، في عواقبها عليهم، وفي نتائجها عليهم.
لكن الاتِّجاه الناجح حتماً، والمنتصر بلا شك في نهاية المطاف، هو الاتِّجاه الذي قام على أساس الثقة بوعد الله، والاستجابة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأداء الواجب الإنساني، والأخلاقي، والديني، في التصدي لذلك العدو، الذي يُشكِّل خطورةً كبيرةً على الأمة.
التخاذل الكبير هو يؤثر في استفحال خطر العدو الإسرائيلي، وفي حجم ما يتحقق له من نتائج، أو إنجازات، في عدوانه على هذه الأمة، في استهدافه لهذه الأمة، لكن ليس معنى ذلك أنها ستتغير الحتميات التي وعد الله بها في زوال ذلك العدو، فما هو عليه من عدوان، وإجرام، ووحشية، وحقد، ولها منشأ في أفكاره، في ثقافته، في نظرته، ولها أساس في واقعه النفسي، في توجهه العدواني الإجرامي، لا يمكن أبداً لتلك الحالة أن تبقى حالةً مستمرة، هي تشكِّل خطورة على المجتمع البشري، وعلى أمتنا وشعوبنا.
وحال العدو الإسرائيلي، الذي هو من بدايته، منذ أن بدأ برعايةٍ بريطانيةٍ، وأمريكيةٍ، ودعمٍ غربي، كان قائماً من يومه الأول على الإجرام، على العدوان، على القتل، على الاغتصاب، على التدمير، كل سلوكه من يومه الأول، الذي أسسه فيه الاحتلال البريطاني لفلسطين، بدعمٍ أمريكيٍ وغربي، وإلى اليوم، كل تاريخه تاريخٌ إجرامي ودموي، يرتكب أبشع الجرائم، وكل أنواع الجرائم في كل المراحل الماضية، على مدى أكثر من خمسةٍ وسبعين عاماً، ما الذي يفعله العدو الإسرائيلي في فلسطين إلَّا القتل كل يوم للشعب الفلسطيني، وإلَّا جرائم الاغتصاب وما أكثرها! وإلَّا جرائم التدمير، والنسف للمنازل، والاحتلال لفلسطين، والمصادرة لأراضي الشعب الفلسطيني، وتوسيع ما يسمونه هم بـ [الاستيطان]، وهو اغتصاب الأرض، وإلَّا اقتلاع الأشجار من المزارع، ومصادرة الكثير من المزارع… وغير ذلك، كم ارتكب من جرائم التعذيب المستمر على مدى العقود الماضية لأبناء الشعب الفلسطيني، في السجون التي يختطفهم إليها، ويمارس معهم كل أشكال التعذيب، كل أشكال الإهانة، والإذلال، والقهر، والظلم، والاضطهاد، هي سلوك يمارسه العدو الإسرائيلي.
فإذاً، كيانٌ بهذا المستوى من الإجرام، الذي هو سلوكٌ مستمرٌ عليه من يومه الأول، وقام بطريقةٍ غير شرعية، كل ما يعتمد عليه هو الاحتلال، والمصادرة، والاغتصاب، والقتل، والتعذيب… وكل أنواع الجرائم، كيف يمكن أن يكون قابلاً للاستمرار؟! كيف يمكن أن تتعايش معه شعوبنا؟! هو كيانٌ مجرم، وعدوٌ مجرم، يحمل لهذه الأمة أشد العداء، وهذه مسألة تحدَّث عنها القرآن الكريم في آيات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في كتابه الكريم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة:82]، فكانوا هم الرقم واحد، كعدو يحمل كل الحقد والعداء لأبناء أمتنا، وفي نفس الوقت الممارسات الإجرامية الوحشية تشهد على ذلك.
والذي أراده الغرب، أرادته بريطانيا، وأرادته أمريكا، وأرادته بقية الأنظمة التي تعادي أمتنا، وفي نفس الوقت لها ارتباطها بالصهيونية العالمية، الذي أرادوه من هذا العدو، الذي قاموا بدعمه ليحتل فلسطين، وليتواجد في هذه البقعة المقدَّسة، أن يكون رأس حربةٍ لاستهداف أمتنا، ولاستهداف شعوبنا، وأرادوا له ما هو أوسع من فلسطين، وهم حاضرون لدعمه في احتلال ما هو أكثر من فلسطين، وللسيطرة على واقع المنطقة بشكلٍ عام؛ ولــذلك توجَّه الدعم الأمريكي، والبريطاني، والغربي للعدو الإسرائيلي، باعتباره- بالنسبة لهم- جزءاً منهم، يحقق أهدافاً أساسيةً لهم، وهي أهداف استعمارية عدوانية ضد أمتنا على كل المستويات، وفي نفس الوقت هناك خلفية عقائدية، خلفية عقائدية لدى الكثير من أبناء الغرب، وهم يدعمون العدو الإسرائيلي؛ باعتبار هذا- من وجهة نظرهم في معتقدهم الديني- واجب ديني ينفِّذونه، ولديهم من ورائه أهداف كثيرة على مستوى معتقدهم الديني، فاجتمعت لديهم الأحقاد على أمتنا الإسلامية، والأطماع الاستعمارية، ومع ذلك أيضاً تلك المعتقدات الباطلة والضالة، فهي بمجموعها جعلتهم دائماً يتحرَّكون باهتمام كبير لدعم العدو الإسرائيلي، واحتضانه، ومساندته، لكن مع كل ذلك، فالعاقبة هي العاقبة التي وعد الله بها في القرآن الكريم: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[يوسف:21]، هناك زوالٌ حتميٌ لذلك العدو، بما هو عليه من إجرام، وطغيان، وعدوان، وسوء، وظلم، وشر، هو غير قابل للاستمرارية، ولا يمكن التعايش معه، وسيخسر كل الذين قاموا بدعمه، والمراهنة عليه.
العدو الإسرائيلي فيما يفعله الآن في جنوب لبنان، والاستهداف للجبهة اللبنانية، على مستوى الغارات الهمجية، التي يستهدف بها المدنيين، ويستهدف بها الأهالي بشكلٍ عام، هو أيضاً فيما إذا أقدم على عمليةٍ برية، وفق ما يتردد الآن في بعض وسائل الإعلام، ويتحدث به بعض قادة العدو الإسرائيلي؛ فهو أيضاً خاسر، ولن ينجح عملياته الهمجية الإجرامية، التي يستهدف بها الأهالي، ويقتل بها الأطفال والنساء، ويتصوَّر أنَّه من خلالها يمكن أن يوقف حزب الله عن مواصلة الإسناد لغزة، هي عمليات ستفشل، حزب الله يرد بشكلٍ قوي، ولديه قدرات عسكرية ضخمة، وترسانة ضخمة جداً من الصواريخ والقدرات العسكرية، والرد يتصاعد من جانب حزب الله، على مستوى استخدام أسلحة جديدة، صواريخ لم يسبق أن استخدمها، وعلى مستوى اتِّساع نطاق النيران.
وإذا كان العدو الإسرائيلي، وهو يعلن أنَّ من أهدافه في العدوان على لبنان، والاستهداف للجنوب اللبناني، وللضاحية، ولمناطق واسعة في لبنان، أنَّ من أهدافه أن يؤمِّن المغتصبين المجرمين الصهاينة في شمال فلسطين؛ فهو سيخسر أكثر بالعدوان، بالعدوان هو اضطر أن يوجِّه أكثر من مليون ونصف إلى الملاجئ، وتتسع الدائرة التي هي في إطار الاستهداف للصواريخ حزب الله، كلما وسَّع العدو الإسرائيلي من عدوانه على لبنان؛ كلما كانت ردة الفعل القوية من جهة حزب الله، بما يجبر الصهاينة المجرمين إلى الهروب إلى الملاجئ، والهروب من بلدات ومناطق اغتصبوها في فلسطين على نطاقٍ واسع، بل إنَّ حزب الله يمتلك من القدرة العسكرية والصاروخية ما يصل إلى كل أنحاء فلسطين المحتلة؛ ولــذلك فالعدو الإسرائيلي لن يربح هذا التصعيد، لا في تحقيق أهدافه المعلنة، ولا في النتائج التي يتصور أنه سيحصل عليها من خلال تهجير الشعب اللبناني من جنوب لبنان، ومن مناطق واسعة في لبنان. بل المعادلة المهمة التي يمتلك حزب الله أن يرسِّخها، وأن يثبِّتها، وأن يفرضها، هي على ضوء الآية المباركة: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ}[النساء:104]، فحزب الله يستطيع بمعونة الله تعالى، وبما يمتلكه من إيمان، وعزم، وقدرة، وتجربة، وإمكانات، على فرض هذه المعادلة، ففي مقابل ما يحصل من ألم في لبنان وغزة، سيقابله ألم في واقع الأعداء الصهاينة، وهم الأضعف على مستوى التحمل والصبر.
الصهاينة الآن تضيق بهم الملاجئ، باتوا يشتكون أنَّ الملاجئ لا تكفي لهم، وهم يهربون إليها، وعندما تشاهد واقع الكثير من البلدات المغتصبة، والمدن المغتصبة، في فلسطين المحتلة، وترى كيف أصبحت فارغة، قد هرب من فيها من المغتصبين الصهاينة إلى الملاجئ، مذعورين، خائفين، تجد الفعل وأثر الفعل القوي لرد حزب الله على اعتداءات الصهاينة المجرمين.
أيُّ عملية برية عدوانية ينفِّذها العدو الإسرائيلي ستلحق به الخسائر الفادحة، وستكون نتيجتها الحتمية- بإذن الله تعالى- هي الهزيمة الكبيرة، والأعداء الصهاينة يتذكَّرون ما حلَّ بهم في عدوانهم في 2006، وما حلَّ بآلياتهم العسكرية، ودباباتهم، أثناء عملياتهم العدوانية في 2006، وما يحصل في هذه المرة قد يكون أكثر بكثير مما حصل عليهم في 2006، فالنتيجة الحتمية هي الفشل الحتمي لهم؛ ولــذلك نطمئن أمتنا جميعاً على أنَّ حزب الله هو في تماسكٍ تام، وأنَّه في واقعه أقوى من أيِّ زمنٍ مضى، وأنَّه فيما يمتلكه من إيمان، وعزم، وقدرة، هو في الموقف الفاعل والمؤثِّر، والذي يحقق النصر بإذن الله تعالى.
فيما يتعلق بجبهات الإسناد الأخرى: جبهة الإسناد العراقية قوية ومتصاعدة، وعملياتها في تصاعدٍ ملحوظ، وعملياتها في غور الأردن، وإلى أم الرشراش، وباتجاه حيفا… وغيرها، هي عمليات مهمة ومؤثِّرة، وهي إلى تصعيدٍ أقوى بإذن الله تعالى.
فيما يتعلق بجبهة الإسناد في يمن الإيمان والحكمة والجهاد، في معركة (الفتح الموعود والجهاد المقدَّس)، نحن في كل مناسبة، وفي كل كلمة، نؤكِّد أنَّ موقفنا ثابتٌ مع غزة، مع الشعب الفلسطيني، مع لبنان، ونؤكِّد أيضاً أنَّ البحر الأحمر، وكذلك بحر العرب، وخليج عدن، منطقة أصبحت محظورةً تماماً على العدو الإسرائيلي، ومحظورةً على الأمريكي وعلى البريطاني كذلك، وعندما تمر حتى البوارج الأمريكية الحربية، هي تمر بالتهريب، متخفيةً، وتحت النيران، وهي تمر متخفيةً بأقصى سرعة.
عمليات هذا الأسبوع نُفِّذت بـ(تسعةٍ وثلاثين صاروخاً بالِسْتِيّاً، وَمُجَنَّحاً، وَمُسيَّرة)، وصاروخ (فلسطين 2) هو يعتبر- في واقع الحال- إنجازاً كبيراً بتوفيقٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ودخل في الخدمة لصالح المرحلة الخامسة من التصعيد ضد العدو الإسرائيلي، إسناداً للشعب الفلسطيني.
نحن لن نتوانى أبداً في إسناد غزة وفلسطين عموماً، وفي إسناد لبنان، وفي إسناد حزب الله، والتعاون مع حزب الله، وطالما استمر العدوان على غزة، فجبهات الإسناد بكلها ستبقى مستمرةً، ومهما حاول الأمريكي والإسرائيلي إيقافها؛ فلن ينجح في ذلك أبداً، وغزة لن تبقى لوحدها، ونحن فيما قلناه للشعب الفلسطيني: (لستم وحدكم ومعكم حتى النصر)، قلناه كموقفٍ إيمانيٍ ثابتٍ، لن نتراجع عنه أبداً.
فيما يتعلق بالمظاهرات في كثيرٍ من البلدان، فهي مستمرةٌ رغم الاعتداءات والقمع، ومنها: تظاهرات في أمريكا، وكندا، وفرنسا، والنمسا، والسويد، وإيطاليا، وهولندا، وبريطانيا، والدنمارك، وفنلندا، وألمانيا، والمجر، وأسكتلندا، واليابان، وأستراليا، يعني: قرابة خمسة عشر دولة، بينما في العالم العربي، تكاد تقتصر المظاهرات على اليمن والأردن والمغرب، يعني: في ثلاثة بلدان، وهذا شيءٌ مؤسفٌ جداً، أن يكون الخروج في كثيرٍ من البلدان، بما فيها البلدان الغربية، التي تقف حكوماتها مع العدو الإسرائيلي، وتناصره، وترتبط بالصهيونية، ومع ذلك تخرج فيها مظاهرات كثيرٌ منها بدافعٍ إنساني؛ بينما في بلداننا العربية حيث ينبغي أن يكون التحرك بكل الاعتبارات والدوافع، الدافع والاعتبار الإنساني، والديني، والأخلاقي، وضد عدو هو عدو للجميع، يشكِّل خطراً وتهديداً ضد كل أبناء أمتنا، ضد كل شعوبنا وبلداننا، لكن أن يقتصر التحرك على عدة بلدان، هذا شيءٌ مؤسف، ومعروفٌ للجميع الدور الرسمي المؤثِّر في هذا التخاذل، الذي انتشر في كثيرٍ من البلدان.
الخروج الشعبي المليوني لشعبنا العزيز، الذي يملأ الساحات، والزخم الهائل للتعبئة مع الموقف العسكري، والسياسي، والإعلامي، والتبرعات، استمر بزخم على مدى اثني عشر شهراً، وبتفاعلٍ كبير، ودون مللٍ ولا تراجع.
الأمريكي استخدم وسائل كثيرة في محاولة للتأثير على موقف بلدنا:
استخدم العمليات العسكرية، والاعتداء العسكري، ونفَّذ الكثير من الغارات العدوانية، والقصف البحري أيضاً، ولكن دون نتيجة، لم يحقق شيئاً، ولا حتى في مستوى التأثير على حجم العمليات، ومستوى العمليات؛ وإنما أسهم- كما قلنا سابقاً- في تطوير القدرات العسكرية لقواتنا المسلحة.
كذلك عمل على مستوى الضغط الاقتصادي، وحتى الضغط في الملف الإنساني، ولا يزال يفعل ذلك، ولكنه لم يصل إلى نتيجة.
سعى ويسعى لإثارة الفتن والفوضى في داخل بلدنا، وتفكيك الجبهة الداخلية في بلدنا، ولكنه فشل ويفشل أيضاً في ذلك.
وهكذا على مستوى الاستهداف الإعلامي، وإثارة التشويش والبلبلة الدائمة، في محاولة صرف أبناء شعبنا عن الاهتمام بهذه القضية، بهذا الموقف المهم، إلَّا أنَّ الأمريكي أيضاً، وكل أبواقه، وكل أدواته، وكل عملائه، فشلوا في ذلك، لماذا؟ لأن شعبنا اليمني ينطلق من منطلقٍ إيمانيٍ، هو يمن الإيمان، وهو ينطلق في موقفه هذا من منطلقٍ إيماني، استجابةً لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وفي سبيل الله “جَلَّ وَعَلَا”، ويستشعر أهمية هذا الموقف، وقدسية هذا الموقف، وشرف هذا الموقف.
وفعلاً هذا الموقف، بقدر ما هو واجبٌ دينيٌ، وإيمانيٌّ، وإنسانيٌّ، وأخلاقيٌ، هو مشرِّفٌ جداً، وعظيمٌ، يفتخر به شعبنا، ويورِّث هذا الشرف للأجيال اللاحقة، وبات معروفاً في كل العالم عظمة هذا الموقف اليمني، وشرفه، وإيجابيته، وكم هناك من حديث يتردد في مختلف الشعوب عن عظمة وميزة هذا الموقف، حتى في الشعوب والبلدان الغربية، هناك من يتحدث بإعجابٍ كبير عن عظمة الموقف اليمني، وعن إنسانيته، وأخلاقيته، وعن الشجاعة والجرأة التي يتحلى بها شعبنا العزيز، في الوقت الذي خافت فيه الكثير من الأنظمة، وأثَّرت على مواقف شعوبها، خوفاً ممن؟ خوفاً من أمريكا، وتراجعوا عن الكثير من المواقف، ولم يجرؤوا حتى على أبسط المواقف.
عندما تتأمل في واقع الكثير من الأنظمة، ومن ورائها وضع شعوبها الخانع، الذليل، تتأمل كيف أنهم تخلوا حتى عن أبسط المواقف: على المستوى السياسي، على المستوى الإعلامي، على المستوى الدبلوماسي، على المستوى الإنساني، خذلوا فلسطين كل الخذلان، كل الخذلان، لم يعودوا يقولون أي شيء، ولا يقدمون أي شيء، ولا يفعلون أي شيء، وهذا المستوى من التخاذل في الواقع العربي نفسه، غير مسبوق في كل المراحل الماضية من الصراع مع العدو الإسرائيلي، كانوا لا يزالون يتحرَّكون في مستوى مُعَيَّن على المستوى السياسي، أو على المستوى الإعلامي والدبلوماسي، وعلى المستوى الإنساني إلى حدٍ ما، لكن هذا المستوى في هذه المرحلة من التخاذل مستوى فظيع جداً، ومتدنٍ، ومؤسف، مؤسفٌ جداً، ومطمعٌ للأعداء، حتى في تلك البلدان التي وصلت إلى ذلك المستوى من التخاذل.
أمَّا شعبنا العزيز، فهو بانطلاقته الإيمانية، يحمل الروحية الإيمانية العالية، يتحرك بقيم، بأخلاق، بشجاعة، بإنسانية، بشرف، وبوفاء وثبات، وهذه نعمةٌ كبيرة، تذكِّرنا بقول الله تبارك وتعالى: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة:54].
ولذلك إذا كان الأمريكي في كل مؤامراته على بلدنا، وفي كل أنشطته العدائية، وهو يتَّجه في الملف الإنساني ليضغط، ويتَّجه في الملف السياسي ليلعب، ويستمر في غاراته العدوانية، ويستمر في مختلف مؤامراته لتحريك الآخرين، وتحريض الآخرين ضد بلدنا، إذا كان يتصور أنَّ بلدنا سيتوقف؛ فهو رهانٌ باطلٌ، ساقطٌ، خاطئٌ وفاشل، ولن يتحقق له هذا الرهان، شعبنا العزيز في مستوى ثباته، ووعيه، وبصيرته، وجديَّته، وتمسكه بهذا الموقف، واعتماده على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فوق مستوى كل تلك المؤامرات، وتلك المكائد التي يعتمد عليها الأمريكي والإسرائيلي.
ولذلك شعبنا العزيز مستمرٌّ في أنشطته الشعبية، وبلدنا مستمرٌ في تحركه في كل المسارات: على المستوى العسكري، وعلى المستوى السياسي والإعلامي، والأنشطة الشعبية في كل مساراتها: في التعبئة، وكذلك في الخروج المليوني الأسبوعي، شعبنا العزيز سيواصل كل هذه الأنشطة، هو ثابتٌ على موقفه مع غزة، مع الشعب الفلسطيني، مع لبنان، مع حزب الله، شعبنا العزيز سيكون في الموقف الصادق الثابت لنصرة كل بلدٍ إسلامي، يواجه اعتداءً من عدوٍ لهذه الأمة، والعدو الإسرائيلي هو عدو هذه الأمة بكلها، وعدوٌ لشعوب أمتنا بلا استثناء، وعدوٌ لنا؛ ولذلك نحن نتخذه عدواً؛ لأنه عدوٌ مرتبط بالشيطان، عدوٌ، مجرمٌ، وظالمٌ، ومعتدٍ، ومحتلٌ، ومغتصب.
ولذلك شعبنا العزيز سيتحرك ويستمر في كل أنشطته، ولن يأبه بكل ما يفعله الأمريكي وعملاؤه، وأعوانه، وأبواقه، بكل ما يحاولونه من التشويش، أو إثارة الفتن والبلابل، أو محاولة الضغوط، أو التصعيد، نحن سنتَّجه لمواجهة أي تصعيد بالتصعيد، وإن شاء الله وبإذن الله سيكون لهذه المرحلة في ظل ما منَّ الله به من توفيقٍ كبير، في تطوير القدرات العسكرية، وصناعة صاروخ (فلسطين 2)، وغيره من القدرات، والتطوير مستمر للقدرات العسكرية، سيكون هناك فاعلية أكبر لموقف بلدنا، ويستمر مع ذلك الزخم الشعبي، والتفاعل الشعبي الواسع، الذي ينطلق بإيمان، وصبر، ووفاء، وثبات، ووعي، وبصيرةٍ عالية.
أدعو شعبنا العزيز إلى الخروج يوم الغد الجمعة خروجاً مليونياً، في العاصمة صنعاء وفي المحافظات والمديريات، حسب الترتيبات المعتمدة، ولن يرى الشعب الفلسطيني، والشعب اللبناني، والمجاهدون في فلسطين ولبنان، لن يجدوا من شعبنا العزيز إلَّا الوفاء، والثبات، والصدق، شعبنا العزيز هو شعبٌ حرٌ، وثابتٌ على انتمائه الإيماني، وموقفه الإيماني، والصدق من إيمانه، والثبات من إيمانه.
أَسْأَلُ اللهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيه عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْر لِلشَّعبِ الفِلَسْطِينِيّ المَظْلُوم، وَلِمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء، وَلِلشَّعبِ اللُبْنَانِيّ المَظْلُوم، وَلِمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء، وَلِكُلِّ أُمَّتِنَا، وَنَسْألُ اللهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ لِأُمَّتِنَا جَمِيعاً.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛