نص كلمة قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، حول آخر التطورات والمستجدات الخميس 23 شوال 1445هـ 2 مايو 2024م:
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
لليوم المائتين وزيادة تسعة أيام، وللأسبوع الثلاثين، وعلى مقربةٍ من انقضاء الشهر السابع، والعدو الإسرائيلي يواصل عدوانه الهمجي الوحشي الإجرامي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، معتمداً على الإبادة الجماعية كسلوكٍ مستمرٍ يومي، إضافةً إلى اعتداءاته التي هي متصاعدة على الشعب الفلسطيني في الضفة، وفي أنحاء أخرى من فلسطين المحتلة، وكذلك الانتهاكات المستمرة ضد المسجد الأقصى.
وشهد هذا الأسبوع مجازر دموية، حيث استمر العدو الإسرائيلي في الاعتداء بالغارات الجوية على المنازل السكنية، مستهدفاً الأهالي، مما نتج عن ذلك المئات من الشهداء والجرحى في هذا الأسبوع، وقد وصل إجمالي عدد الشهداء والمفقودين والجرحى والأسرى في القطاع والضفة: أكثر من (مائة وستة وثلاثين ألف وثلاثمائة فلسطيني)، عدد كبير جداً.
وأصبح من أبرز العناوين التي يتم الحديث عنها هذه الأيام: عنوان المقابر الجماعية، التي أصبح الحديث عنها واسعاً في وسائل الإعلام، والمشاهد المأساوية لها تظهر أيضاً في وسائل الإعلام، وهناك حديث عن مائة وأربعين مقبرة جماعية صنعها العدو الإسرائيلي منذ بداية اجتياحه البري لغزة، بعضها يضم المئات من الجثامين، منها مئات الجثامين للذين أعدمهم العدو الإسرائيلي في المستشفيات التي حولها إلى مقابر جماعية، وتظهر جثامينهم، وبعضها مجبَّرةٌ بالجبائر التي تتصل بها، وبعضها كانت عندما أعدمت في حالة قسطرة، وغير ذلك من الحالات التي كان عليها المرضى في المستشفيات، مما يدل بوضوح على أنه مارس جريمة الإبادة الجماعية ضد المرضى والكوادر الطبية في المستشفيات.
أما على مستوى الحصار، فهو مستمر، ويعاني الشعب الفلسطيني معاناة شديدة من الحصار، وهي وسيلة من وسائل الإبادة الجماعية التي اعتمد عليها العدو الإسرائيلي، وأعانه الأمريكي، الذي سعى- في كل الشهور الماضية- للالتفاف على المساعي الرامية لفك الحصار عن الشعب الفلسطيني، وإدخال المواد الغذائية والطبية إلى الأهالي في غزة، ومن الأساليب التي اعتمد عليها الأمريكي في الالتفاف هو:
– إلقاء القليل جداً من المساعدات الغذائية على الأهالي في قطاع غزة، بوسائل البعض منها يسبب القتل للأهالي، بعض منها يسبب الغرق في البحر، ثم تبيَّن أن الكثير مما يلقيه وهو قليل- ما يلقيه قليل- وأكثره أيضاً مواد منتهية الصلاحية، وبعض الحلوى، وبعض المواد التي لا تدخل في إطار الغذاء والاحتياجات الأساسية للشعب الفلسطيني.
– كذلك ما يسعى له الأمريكي تحت عنوان الممر البحري، والرصيف العائم، مما يظهر أيضاً أنه يريده أن يكون وسيلة لحضور عسكري، له وللبريطاني معه في قطاع غزة، ولأهداف أيضاً تتعلق بالأطماع في الثروات التي هي موجودة في البحر الأبيض المتوسط، ولاسيما في تلك المنطقة نفسها، المحاذية لقطاع غزة، والسيطرة والتحكم أيضاً فيما يُقدَّم للشعب الفلسطيني في قطاع غزة من مساعدات، تصبح خاضعةً للسيطرة الأمريكية والبريطانية، وتمر عبر الأمريكي والبريطاني، ومن المعروف أن الأمريكي والبريطاني لا يهمهما إلا مصلحة العدو الإسرائيلي، وأن كل الأنشطة التي قاما بها، والدعم اللامحدود الذي قدماه للعدو الإسرائيلي، شاهدٌ واضح على حالة العداء الشديد للشعب الفلسطيني، وسعيهما لتصفية القضية الفلسطينية، ولتمكين العدو الإسرائيلي من تحقيق أهدافه، وبالرغم من ذلك فشل فشلاً واضحاً.
في ظل الدور الأمريكي السيء، المشارك والداعم للعدو الإسرائيلي في الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، والمانع خلال كل الشهور الماضية لوقف إطلاق النار، بالرغم من نداء مختلف دول العالم، ومن التصويت على ذلك في الأمم المتحدة، وفي مجلس الأمن، إلَّا أن الأمريكي كان يعارض ويمنع وقف إطلاق النار، ويسعى إلى استمرارية الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، إلَّا أن هناك في أمريكا نفسها بدأت صحوة الضمير في الوسط الطلابي في أهم الجامعات الأمريكية، للمطالبة بوقف الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، ومنذ أسبوعين تحرك الطلاب، ومعهم أيضاً البعض من المدرسين، في تسعٍ وسبعين جامعة أمريكية، حيث تصاعد النشاط الطلابي الذي بدأ بشكلٍ متدرج في بعض الجامعات، ثم امتد وانتشر إلى جامعات أخرى، وازداد اتساعه، وازدادت التظاهرات والاعتصامات السلمية.
بدأت الهبَّة الطلابية منذ أسبوعين، عبر أكثر من مائة وعشرين منظمة طلابية، ومن أعضاء هيئة التدريس، وهذا الحراك الذي شمل أهم الجامعات الأمريكية، أو ما يصطلح عليه بجامعات النخبة، وامتدت مظاهرات الطلاب الداعمة لفلسطين إلى جامعات أيضاً أوروبية، وهذا ما جُنَّ له جنون الكيانات والمنظمات الداعمة للعدو الإسرائيلي؛ أمَّا الإسرائيلي فقد انزعج جداً من هذا التحرك الطلابي في أمريكا وفي أوروبا، واطلق عليهم مجرم الحرب (نتنياهو) عنوان النازيين، وصف الطلاب الذين يقومون بهذا النشاط وهذا التحرك، بالاعتصامات والمظاهرات السلمية، للمطالبة بوقف الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، يصفهم بالنازيين.
هذا النشاط الطلابي فضح السلطات الأمريكية، وأسقط زيف عناوينها، حيث جُنَّ جنونها، ولم تستطع تحمل ذلك النشاط السلمي والحضاري، وشاهد العالم مدى القسوة والعنف المفرط، ومحاولات الإذلال والترهيب أثناء تنفيذ عمليات الاعتقال ضد الطلاب العُزَّل، وأيضاً ضد بعض الأساتذة (الأساتذة الجامعيين)، مشاهد الضرب بقسوة وحقد للطلاب وللأساتذة، وبشكلٍ وحشي، يلقون بهم أرضاً، ويجثمون على أعناقهم، ويكبلونهم بطريقة عنيفة وقاسية، ثم يأخذونهم للاعتقال، الحالة التي يعاني منها الطلاب أثناء هجوم البلاطجة، ممن يسمون أنفسهم بالشرطة الأمريكية، ويتصرفون كبلاطجة بعنف، وقسوة، وإفراط، يصل حال بعض الطلاب إلى أن يُشْرِف على الاختناق، يضعون أقدامهم ويجثمون على أعناق أولئك الطلاب، ويتعاملون معهم بقسوة بالغة، وكأن أولئك الطلاب ارتكبوا أبشع الجرائم، حتى يعاملوهم بتلك المعاملة السيئة.
عمليات الاعتقال والترويع هي أشبه ما تكون- فيما قد مضى في الفترة الماضية- بهجوم عسكري، حيث يهجم العشرات من بلاطجة السلطات الأمريكية، من ذوي الأجسام الضخمة على مجموعة من الأساتذة والطلاب، والأغلبية منهم من النساء، من النساء، ويعاملونهن بتلك المعاملة من الضرب، والجبروت، والإذلال، والإهانة، والتكبيل بإذلالٍ واضح، وبقسوة بالغة، ثم يصحبونهن للاعتقال، وهُنَّ يصرخن من شدة الألم والقهر، وهم يعاملونهن بذلك التعامل الهمجي والعنيف، ولم يشفع لأحد الأساتذة المرموقين، وهي امرأة، لم تشفع لها درجتها العلمية العالية (بروفيسور)، وهي بهذا المستوى، وهم يعتدون عليها، وقد قاموا برميها على الأرض، وتكبيلها بعنف، وهي تصرخ، وتذكرهم بحقوقها ومكانتها، وتقول لهم: (بروفيسور)، دون جدوى، لم ينفعها أن تقول: (بروفيسور)، لم ينفعها شيئاً، بل اجتمع عليها اثنان من الجنود المسلحين لتقييدها بطريقة مهينة وعنيفة.
وهذا مما يكشف الزيف الأمريكي، والكذب الأمريكي، والخداع الأمريكي، والتشدق بعنوان الحقوق والحريات، أين هي الحقوق؟! وأين هي الحريات في ذلك التعامل مع أولئك الطلاب؟! ثم تكون المسألة أنهم يطالبون بوقف تلك الجرائم، جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، تصبح هذه المطالبة جريمة كبرى، تُهدر بسببها حقوقهم، يُعاملون بتلك القسوة البالغة والمفرطة، وتسقط كل العنوان التي يتشدق بها الأمريكي، فلا اعتبار لأي حقوق، ولا قوانين، ولا قيم، ولا لأي شيء.
كذلك أدخلوا عليهم أفواج باسم أنهم طلاب مؤيدين لإسرائيل، ليقوموا بضربهم بشدة وعنف وقسوة، مع أن المسألة مشكوكٌ فيها، قد يكون البعض منهم- فعلاً- بلاطجة وغير ذلك، وصولاً إلى استخدام المروحيات، في إفراطٍ عجيب، وقسوة عجيبة في التعامل ضد أولئك الطلاب، وهم في اعتصامات سلمية، ومظاهرات سلمية، ومطالبات مُحِقَّة، مطالبة بوقف الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، فاستخدموا ضدهم المروحيات؛ لمحاولة ترهيبهم في بعض الجامعات، وفي بعضها استخدموا الرصاص المطاطي، قام بلاطجة النظام الأمريكي باستخدام الرصاص المطاطي ورذاذ الفلفل ضد المتظاهرين، وقد بلغ عدد الطلاب المعتقلين: أكثر من (ألف وثلاثمائة طالب)، والله أعلم إلى أي رقم سيصل عدد الاعتقالات، وعدد المعتقلين؟!
وعندما نتحدث عن صحوة الضمير في الجامعات الأمريكية وحركة الطلاب، فهذا التحرك مهم لمن يعرف مستوى النفوذ والسيطرة للصهاينة في أمريكا، الصهاينة في أمريكا يسيطرون على المؤسسات الرسمية، يسيطرون على وسائل الإعلام، يسيطرون على عملية التثقيف والتعليم في أمريكا، يتربى الأمريكي منذ نعومة أظفار على الولاء لإسرائيل، على نظرة تقديس وتبجيل وتعظيم لإسرائيل، ويتصور أن من واجباته الدينية، والاستراتيجية، وبكل الاعتبارات، أن يدعم إسرائيل بكل ما يستطيع، وبكل ما يمكن، فأن تأتي هذه الصحوة، وأن يأتي هذا النشاط والتحرك في الجامعات الأمريكية، فهذا هو من ثمار صبر الشعب الفلسطيني، ومظلوميته الكبيرة جداً؛ لأن تلك المشاهد المأساوية، التي تشهد لمظلومية الشعب الفلسطيني، وتكشف حجم الإجرام الصهيوني، هي كفيلة بأن توقظ من بقي فيه ذرةٌ من الإنسانية، في أي بلدٍ من العالم، في أي قُطرٍ من أقطار هذه الدنيا.
ومن المؤسف جداً ألَّا يكون هناك نشاط بمثل هذا النشاط في معظم الدول العربية، التي ليس فيها أي نشاط يعارض، أو يتصدى، أو يتحرك ضد العدو الإسرائيلي، يطالب بوقف جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني الركود، والجمود، والصمت والسكوت المطبق في أكثر البلدان العربية معيب ومخزٍ، ولا ينسجم أبداً مع طبيعة الانتماء للإسلام، والمسؤولية الإنسانية، والأخلاقية، وبكل الاعتبارات، على بلدان العالم الإسلامي، في المنطقة العربية وفي غيرها، يفترض أن هناك نشاط كبير في الجامعات، والمدارس، في مختلف المجالات، في الوطن العربي وفي مختلف البلدان في العالم الإسلامي، مناصرةً للشعب الفلسطيني.
أمام هذا التحرك الطلابي في أمريكا، والذي يظهر منه بوضوح القلق الكبير لدى الرئيس الأمريكي، ولدى وزير خارجيته، ولدى المسؤولين الأمريكيين الصهاينة، الذين يوالون إسرائيل، ويوالون الصهيونية، ويتحركون بدافع انتمائهم الصهيوني، يتضح القلق الكبير جداً، هذا واضحٌ في تصريحاتهم، وحتى في تعاملهم بشكلٍ قاسٍ، وبعنفٍ مفرط ضد المتظاهرين والمعتصمين في الجامعات، فإذاً له أهميته الكبيرة، وله تأثيره الواضح، ونحن نُعبر عن إدانتنا للتعامل السيء بقسوة وهمجية مفرطة، من جانب السلطات الأمريكية ضد أولئك المتظاهرين والمعتصمين السلميين، ونسجل هذا من ضمن السلوك الهمجي والوحشي لأمريكا، وما تقوم به من دعمٍ لإسرائيل، دعمٍ ليس له أي ضوابط، دعم في الباطل، دعم بالظلم، دعم بالإجرام، دعم بالممارسات والسياسات الظالمة، حتى في داخل أمريكا، يفعلون ذلك حتى في داخل أمريكا.
وسيكون- إن شاء الله- لهذا التحرك مع غيره من الأنشطة، من الاهتمامات، وقد امتد هذا التحرك أيضاً إلى عشرات الجامعات الأوروبية، مع ما هناك من نشاط في كثيرٍ من البلدان، أن يكون له- إن شاء الله- أثر كبير في مساندة الشعب الفلسطيني، والضغط على الأمريكي، الذي له دور أساسي، في استمرار العدوان على غزة، واستمرار جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني؛ أمَّا العناد من جانب الأمريكي، من جانب السلطات، من جانب الساسة الأمريكيين والمسؤولين الأمريكيين، فلن يفيدهم شيئاً، العناد نتيجته المزيد من الإجرام المشترك بينهم وبين العدو الإسرائيلي، يقابله المزيد من السخط، والمزيد- إن شاء الله- من صحوة الضمير في أوساط مختلف البلدان، سواءً في الجامعات، أو في غيرها.
فيما يتعلق بصمود المجاهدين في قطاع غزة، وصمود مجتمع غزة، صمود الشعب الفلسطيني في غزة، فهو أيضاً له أهمية كبيرة جداً، حيث قابله أيضاً فشل وإخفاق للعدو الإسرائيلي، فشل في تحقيق أهدافه، وإخفاق في حسم المعركة لصالحه، وهو أصبح لا يمتلك إلا ذلك الرصيد الإجرامي البشع جداً، المخزي للغاية.
العدو الإسرائيلي كان يفترض أن يكون في كل هذه المدة الزمنية- ونحن على مقربة من انقضاء الشهر السابع- قد أنهى المعركة لصالحه، وحقق كل أهدافه، وحقق مكاسب إضافية كان يتمناه، هي بالنسبة له أمنية كبيرة، في تهجير الأهالي من قطاع غزة بشكلٍ كامل، وتحويله إلى منطقة غير قابلة ولا صالحة للحياة، ولكنه فشل فشلاً كبيراً، في هذه الأيام بنفسها، وفي هذا الأسبوع بنفسه لا يزال الإخوة المجاهدون في قطاع غزة يقاتلون ببسالة، وبثبات، وبفاعلية، وفي هذا الأسبوع بنفسه كان هناك تطور نوعي في شكل عمليات المجاهدين ضد تمركزات العدو في محور الشهداء، إذ نَفَّذت كتائب القسام عمليات في هذا المحور مُكبِّدةً العدو خسائر قتلى وجرحى في صفوف جنوده، وكذلك كمائن متفجرة، هذا نوع من الكمائن الفتاكة، التي تُكَبِّد العدو خسائر كبيرة.
يستمر أيضاً المجاهدون- من مختلف الفصائل في قطاع غزة- في القتال في مختلف المحاور: في شمال القطاع، في وسط القطاع، في الجنوب، وأيضاً مما أدهش حتى الأمريكي، وليس فقط الإسرائيلي، مما أدهش حتى الأمريكي الاستمرار بالقصف بالصواريخ من غزة، ومن تلك المفاجآت التي صدمت الأمريكي والإسرائيلي: إطلاق صاروخ من بيت لاهية في أقصى شمال القطاع، أول منطقة اجتاحها العدو الإسرائيلي، في اجتياحه البري للقطاع، واستهدفت هذه العملية (عسقلان).
ومن يتأمل في مدى صمود الإخوة المجاهدين في قطاع غزة، وصمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بالرغم من حجم المظلومية والمأساة، وأنها لم تكسر إرادة المجتمع في غزة، ولم تغير موقفه، وبالأحرى ألَّا تغير موقفه، بل أن يزداد ثباتاً، وقناعةً، وتمسكاً بما هو عليه من الحق، من يتأمل بالرغم من معاناة الشعب الفلسطيني على مدى عقود طويلة من الزمن، يدرك عظمة هذا الصمود.
الشعب الفلسطيني وعلى مدى أكثر من مائة عام، منذ الاحتلال البريطاني، الذي استمر لفترة طويلة، ثم خلفه الاحتلال الإسرائيلي، بتمكين وتهيئة ودعم من البريطاني نفسه، فلم ينسحب إلَّا وقد اطمأن أنه قد رتَّب المسألة للسيطرة الإسرائيلية، وللاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ثم انسحب مُسَلِّماً فلسطين إلى الاحتلال الإسرائيلي، في كل تلك العقود الطويلة من الزمن والشعب الفلسطيني يعاني، يعاني من الظلم، يعاني من الاضطهاد بكل أشكاله: القتل، الاختطاف، التعذيب، التجريف للأراضي الزراعية، الاغتصاب للأرض، الاغتصاب للمنازل، للقرى… مختلف الاعتداءات، القتل بشكلٍ يومي، بشكلٍ يومي، السجون تُملأ من الشعب الفلسطيني من المختطفين، والأسرى الذين يقوم العدو الإسرائيلي باختطافهم وأسرهم، ثم بتعذيبهم، ثم هكذا هجمة كبيرة جداً شاملة، شاملة ضد الشعب الفلسطيني، استهداف له لكسر إرادته، للهدف إلى أن يكون معانياً من حالة الإحباط واليأس، أن يصل إلى درجة الإحباط واليأس، ولكنه بالرغم من طول الزمن، وحجم المأساة، واستمرار الظلم والاضطهاد والقمع، لم يزدد إلا صلابة، ولم يزدد إلا وعياً وتمسكاً بقضيته العادلة، بالحق الذي يمتلكه، وتنامت الروح الجهادية، ووصل الواقع إلى ما وصل إليه: أن الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة هو في صموده وثباته، وفي تنظيم نفسه، وفي تنظيم قوته المجاهدة، بمستوى أفضل من أي مرحلةٍ قد مضت، وهذا الصمود تجاه العدوان الإسرائيلية على قطاع غزة، بالرغم من حجم الهمجية الإسرائيلية، والطغيان، والدمار، والقتل، والإجرام، ومحدودية الإمكانات بالنسبة للشعب الفلسطيني ومجاهديه، إلَّا أن هذا الصمود هو يدل على هذه الحقيقة، ولابدَّ لهذا الصمود الطويل الذي تنامى، والذي يتعاظم، لابدَّ له من ثمرة عظيمة، هي: تحقق الوعد الإلهي، بالرغم من حجم الخذلان في المحيط العربي والإسلامي، إلَّا أنه لابدَّ أن يكون لهذا الصمود الطويل، والتضحيات المستمرة، والصبر العظيم، والجهاد الكبير، لابدَّ أن يكون له نتيجة عظيمة في نهاية المطاف، هي: تحقق الوعد الإلهي، الذي لابدَّ أن يتحقق، وحتماً سينجزه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأن الله يفي بوعده، {لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ}[الزمر: من الآية20]، وهي نتيجة النصر والخلاص، النصر الموعود، والخلاص من ذلك العدو.
في مقابل هجمة العدو، وثمرةً لصمود الشعب الفلسطيني ومجاهديه، فهناك فشل واضح للعدو، وخسائر مستمرة، والواقع من جهة، واعترافات قادة وضباط ووسائل إعلام العدو من جهة أخرى تشهد على ذلك الفشل والإخفاق، العدو الإسرائيلي يحاول وبشدة أن يتكتم على خسائره البشرية، في صفوف جنوده وقواته من قتلى وجرحى، يحاول أن يفرض على ذلك تعتيماً إعلامياً شديداً، كذلك على مستوى خسائره في الحالات النفسية، بين أوساط الجنود وغيرهم، والاختلال العقلي، وحجم التهرب من المشاركة في القتال من جهة الضباط والجنود، وامتناع فئات من الإسرائيليين من التجنُّد، وتقديم بعض الضباط والمسؤولين لاستقالاتهم، وأيضاً من المتوقع أن يُقَدِّم المزيد من المسؤولين استقالاتهم كذلك، كل هذا يدل على الفشل الحقيقي، على الإخفاق- بلا شك- الذي يعاني منه العدو الإسرائيلي، بل تتحدث وسائل الإعلام الإسرائيلية وتنطق تصريحات قادة الجيش الإسرائيلي، قادةٌ فيه، وقادةٌ في الكيان، قادةٌ في العدو، عن مستوى الإحباط، وعن مستوى اليأس، وعن الهزيمة: أنهم بالرغم من ذلك الإجرام، والطغيان، والتدمير، والإبادة الجماعية، هم في واقعهم في حالة هزيمة؛ لأنهم لم يحققوا أهدافهم، وفي نفس الوقت لن يصلوا إلى نتيجة، في نهاية المطاف الذي هو محتومٌ بالنسبة لهم هو الهزيمة والفشل، وقد كان للرسائل المُسجلة لأسرى العدو، الذين في قبضة كتائب القسام، وبثتها وسائل الإعلام، كان لها تأثيرها في الحرب النفسية ضد العدو، وأحدثت هزة عنيفة في جمهور العدو، وهي أيضاً تشهد على مدى الإخفاق والفشل الذي يعاني منه العدو، بالرغم من عدوانه الهمجي على قطاع غزة، فلا هو استعاد أسراه، ولا هو تمكّن من إنهاء المقاومة، والسيطرة على الوضع بشكلٍ كامل، والقضاء على المجاهدين، أو على قادتهم، فشل في كل أهدافه التي أعلنها، ولا تمكّن أيضاً من كسر إرادة المجاهدين، ومجتمع غزة الصابر، المرابط، الثابت، المضحي.
أمَّا على مستوى خسائر العدو الاقتصادية، نتيجةً لعدوانه على القطاع، وبفعل الصمود الفلسطيني، وجبهات المساندة، فقد ارتفعت الديون وهي ترتفع بشكل مستمر، وبشكلٍ غير مسبوق، ديون العدو الإسرائيلي وصلت إلى مستوى غير مسبوق، أيضاً ترتفع الضرائب لمواجهة تكاليف العدوان، في عدوانه على غزة يحتاج إلى المزيد، إلى ميزانية ضخمة، وبذلك يرفع الضرائب، وترتفع الأسعار في مختلف السلع، بما فيها: الغذائية، والدوائية، والوقود، والخدمات، وغير ذلك، وتدهور أيضاً قطاع الزراعة، الذي يستفيد منه العدو ويعتمد عليه، وفي تقرير نشرته صحيفة إسرائيلية قبل أيام، يؤكد أن 40% من العاملين في مجال الزراعة فقدوا أعمالهم، وتوقفت الزراعة في 30% من المساحة التي كانت تُزرع سنوياً وإجمالي الضرر في القطاع الزراعي بلغ 70%، وهذه نتيجة مهمة، ونتيجة كبيرة، وبدون الصمود الفلسطيني، صمود المجاهدين، وصمود الشعب الفلسطيني، ما كان العدول ليتكبَّد هذه الخسائر الكبيرة؛ أمَّا على مستوى قطاع العقارات فهناك ركودٌ كامل لقطاع العقارات، ما بين 86%، إلى 97%، والخسائر بالمليار أيضاً تُقدَّر بمبالغ كبيرة جداً، في بعض الإحصائيات بأكثر من (عشرين مليار دولار)، خسائر هائلة وكبيرة.
وهذا الفشل والإخفاق للعدو الإسرائيلي هو ثمرة من ثمار الصمود الفلسطيني، للمجاهدين الذين صبروا، بالرغم من التضحيات والمعاناة، وبالرغم من الظروف الصعبة، والحصار الشديد الذي يعانون منه، ولصمود الشعب الفلسطيني الصابر.
فيما يتعلق بجبهات المساندة، تستمر عمليات حزب الله في الجبهة اللبنانية بتصعيدٍ كميٍ ونوعي، تأثيرها على العدو الإسرائيلي في شمال فلسطين المحتلة تأثيرٌ كبير، ومتزايد مع الوقت، ولهذا شبَّهت وسائل إعلام إسرائيلية الوضع هناك بقولها، فيما يتعلق بشمال فلسطين: [الوضع في الشمال تحوَّل إلى حرب استنزاف، مع أثمان باهظة جداً تدفعها قوات الجيش الإسرائيلي، التي هي في الشمال مثل البط في حقل رماية]، وهم يصورون وضع جنودهم هناك، أنه مثل البط في حقل رماية، ولذلك هناك تأثير كبير ومستمر في الجبهة اللبنانية، وطال وضع العدو في شمال فلسطين بشكلٍ كامل، على المستوى الاقتصادي، على مستوى المغتصبات التي تسمى بالمستوطنات، ويحتلها الكثير من الإسرائيليين، واضطروا إلى الهروب من هناك؛ نتيجةً لعمليات حزب الله، تضررت المصانع الإسرائيلية، وامتد هذا الضرر إلى جوانب كثيرة.
فأصبح الوضع في فلسطين، بالنسبة لشمال فلسطين تؤثِّر فيه عمليات حزب الله تأثيراً كبيراً، وبالنسبة لجنوب فلسطين، وبالامتداد إلى أم الرشراش- التي يسمها العدو بإيلات- هناك تأثير واضح أيضاً لعمليات الجبهة اليمنية، وكذلك لعمليات البحر الأحمر، العمليات المباشرة إلى هناك، التي هي بالصواريخ والطائرات المسيرة، وأيضاً في عمليات البحر، والتي كان لها تأثير على وضع العدو في جنوب فلسطين المحتلة.
فيما يتعلق بالجبهة اليمنية، يمن الإيمان، والجهاد، والحكمة، والوفاء، فالعمليات العسكرية مستمرة، والعمليات المنفَّذة خلال هذا الأسبوع: بعون الله تعالى كانت (ثمان عمليات)، في خليج عدن، والبحر العربي، وصولاً إلى المحيط الهندي، كذلك عمليات إلى جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة، نُفِّذت هذه العمليات بـ(ثلاثة وثلاثين صاروخاً بالِسْتِيَّا ومجنَّحاً وطائرةً مسيَّرة)، وتم خلالها استهداف عدد (ست سفن) مرتبطة بالعدو الإسرائيلي وبالأمريكي والبريطاني، في البحر الأحمر، وخليج عدن، والبحر العربي، والمحيط الهندي، وكذلك عمليات الاستهداف للعدو الصهيوني في أم الرشراش، جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة، ليصبح اجمالي عدد السفن المستهدفة: (مائة وسبع سفن) مرتبطة بالعدو الصهيوني وبالأمريكي، كما تم- بعون الله تعالى- إسقاط طائرة استطلاع مسلح للأمريكي، من نوع (MQ9)، وهي أمريكية الصنع، تم استهدافها في أجواء محافظة صعدة، حيث تعتبر الطائرة الثالثة التي يتم إسقاطها خلال هذه الفترة، وهي من الطائرات التي يعتمد عليها الأمريكي بشكلٍ كبيرٍ وأساسيٍ في عملياته المعادية ضد بلدنا.
وإجمالي العمليات المنفَّذة من بداية معركة طوفان الأقصى قد بلغت إلى: (مائة وستة وخمسين عملية) في البحر الأحمر، وباب المندب، وخليج عدن، والبحر العربي، وصولاً إلى المحيط الهندي، وكذلك جنوبي أراضي فلسطين المحتلة، ونُفِّذت بعدد (ستمائة وستة صاروخ بالِسْتِي ومجنَّح وطائرة مسيَّرة)، منذ بداية عملية الإسناد لمعركة طوفان الأقصى، وإلى يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شهر شوال، تم خلالها استهداف (مائة وسبع سفن تجارية وعسكرية)، مرتبطة بالعدو الإسرائيلي والأمريكي والبريطاني، وإسقاط (ثلاث طائرات استطلاع مسلح للأمريكي)، واستهداف أهداف للعدو الصهيوني في فلسطين المحتلة، ونُفِّذَت بعدد (مائة وإحدى عشر) ما بين صاروخ بالِستي ومجنَّح وطائرة مسيَّرة، هذا إلى الأراضي الفلسطينية ضد أهداف إسرائيلية.
من الملاحظ في هذا الأسبوع الانزعاج والقلق الشديد جداً لدى الأعداء، من العمليات التي امتدت إلى مسرحها الجديد في المحيط الهندي، لربما لم يكن الأمريكي، ولا البريطاني، ولا الإسرائيلي، يتوقع، ولا يخطر له ببال أن يتمكن بلدنا من تنفيذ عمليات على مستوى هذه المسافة البعيدة جداً، هذا المدى البعيد (إلى المحيط الهندي)، ولأهداف متحركة في المحيط الهندي، وهذه تعتبر بالفعل، ويعرف الخبراء العسكريون ذلك، هم يعرفون هذه الحقيقة أنها عمليات معقدة، وعمليات مهمة، وعمليات تستند إلى قدرات متطورة بحمد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لذلك كانت الصحف الأمريكية والبريطانية تضج من هذه التطورات، وتُعلِّق عليها بذهول واندهاش، وتنقل تصريحات للخبراء، وللعسكريين، وليست لمحللين صحفيين عاديين، بل تنقل ما يقوله الخبراء العسكريون، وما يقوله ضباط وقادة في البحرية الأمريكية وغيرها، وهم يتحدثون عن هذا التطور المهم في عمليات بلدنا، التي هي إسناد للشعب الفلسطيني، فهم يحذِّرون من التهديد اليمني للسفن الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية في المحيط الهندي، وهم يعبِّرون عن تخوُّفهم من القدرات العسكرية اليمنية، ومداها البعيد جداً، ودقتها، وتمكنها من إصابة أهدافٍ متحركة من بعيد، وهم يتحدثون عن حيرتهم تجاه ذلك، من ضمن ما يطرحونه من التساؤلات: كيف أمكن ذلك، وليس هناك أسطول بحري، ولا أقمار صناعية، ولا تتواجد الاستخبارات كما يقولون هم في تعبيرهم: عناصر الاستخبارات البحرية والمراقبة والاستطلاع هناك لترصد، وتبعث بالمعلومات، وتساعد على تنفيذها بدقة، وهي أيضاً ضد أهداف متحركة، والمحيط الهندي الذي هو واسعٌ جداً، يُعتبر البحر الأحمر بجانبه كبركة صغيرة؛ بالنظر إلى اتساع المحيط الهندي الشاسع جداً، فهم مذهولون من هذا التطور المهم والمؤثِّر، والذي له تأثيره عليهم؛ لأنهم انكفأوا في حركة سفنهم عن البحر الأحمر، ليعتمدوا على طريق الرجاء الصالح، وليتجهوا بتلك الوجهة بشكلٍ أساسي، فعندما لاحقتهم الضربات إلى هناك، أصبحوا قلقين جداً من هذا التطور.
أمَّا فيما يتعلق أيضاً بالتطورات المتعلِّقة بهذه المعركة، التي يخوضها شعبنا وقواتنا المسلحة، (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس)، من ضمن تطوراتها هو: انسحاب المزيد من القطع الحربية في البحر الأحمر، عشر قطع بحرية حربية أمريكية قد انسحبت من مجموع القطع الحربية الأمريكية، وثمان أوروبية، وهذا هو أيضاً يعود إلى شعورهم باليأس والاخفاق التام في منع العمليات لقواتنا المسلحة، أو في الحد منها، أو في منع تأثيرها، يعني: هم يرون أنفسهم أنهم يطلقون النار، يقاتلون، لكن دون نتيجة، دون أي تأثير، دون أي فائدة، وهم في حالة خوف شديد، وكلفة مالية هائلة، وكل هذا يعود إلى عناد الأمريكي، وإصراره أن تستمر جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وعلى أن يبقى الحصار على الشعب الفلسطيني في غزة، وأن تبقى الشاحنات محجوزة دون الدخول بالمواد الغذائية الكافية، والمواد الطبية اللازمة، هذا العناد الأمريكي هو الذي له كل هذه النتائج، والكلفة الكبيرة، والذي يترتب عليه المزيد من المشاكل؛ ولذلك يعترف الأمريكي هذه الأيام في تصريحاتٍ له عن- فعلاً- ارتباط عمليات بلدنا بقضية غزة، وهذا الاعتراف يأتي بالرغم من محاولته فيما قد مضى أن ينكر هذه الحقيقة، والتي هي واضحة للناس جميعاً، واعترفت بها أكثر الدول، التي علَّقت على الأحداث في البحر الأحمر، وعلى عملياتنا في البحر الأحمر، وخليج عدن، والبحر العربي، وصولاً إلى المحيط الهندي؛ لأنه من المعروف تماماً أنها عمليات لإسناد الشعب الفلسطيني، وللضغط لدخول الغذاء والدواء للشعب الفلسطيني في غزة، ولوقف الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، هذه مسألة واضحة، بقي الأمريكي في المراحل الماضية في تصريحاته وتعليقاته، وبياناته، وإعلامه أيضاً، يحاول أن ينكر هذه الحقيقة، وأن يصوِّر المسألة وكأنها مسألة منفصلة ،الآن هو يعترف أنَّ وقف العدوان على غزة، وإنهاء الحصار على غزة، سيطفئ- كما يعبِّر هو- حرائق أخرى في المنطقة، ثم يذكر منها ما يحصل من جانب بلدنا من عمليات إسناداً للشعب الفلسطيني، وما يحصل من جانب حزب الله.
وهذه هي الحقيقة، والحل الذي هو حلٌ صحيح، ويساعد في تهدئة الوضع، وإعادة الاستقرار إلى المنطقة بشكلٍ عام، ويساعد أيضاً على أن يخرج الأمريكي نفسه من الورطة التي هو فيها، وكذلك البريطاني، التي لها آثار وتداعيات على الوضع الاقتصادي للأمريكيين والبريطانيين، ولها تأثيرها- والحمد لله- الموجع للعدو الإسرائيلي، كل هذا هو نتيجة العدوان على غزة، والحصار على الشعب الفلسطيني في غزة، فالحل هو وقف ذلك.
فيما يتعلق بهذا السياق أيضاً: في سياق التأثير للعمليات التي تنفِّذها قواتنا المسلحة، قال قائد المدمرات الأمريكية، هذا قائد أمريكي، وقائد بحري، وليس محللاً صحفياً عادياً، أو كاتباً إخبارياً، قال: [إنَّ اليمن أكبر تحدٍ للبحرية الأمريكية في التاريخ الحديث]، وهذا يبيِّن بوضوح مدى تأثير وفاعلية عمليات بلدنا في البحر (العمليات البحرية)، وأنها عمليات ناجحة، ومؤثرة، ومتميزة، ومحققة لأهدافها، ولها بالتالي النتائج على الوضع الاقتصادي، وعلى أمور أخرى، والأمريكي كان مذهولاً ومندهشاً، أولاً: على المستوى التقني: التقنية اليمنية في تطوير الصواريخ والطائرات المسيَّرة، وأيضاً من الجانب التكتيكي، في تنفيذ العمليات، مع أنه يسعى إلى منع تنفيذ عمليات إطلاق الصواريخ والطائرات المسيَّرة، ويقوم بعملية رصد كبيرة جداً بواسطة الأقمار الصناعية، وطائرات الرصد والاستطلاع، ومع ذلك فشل في منع إطلاق الصواريخ، والطائرات المسيَّرة، وفشل أيضاً كذلك فشلاً ذريعاً في منع إصابتها لأهدافها، ونُشِرت مؤخراً في هذا الأسبوع أيضاً صور لوصول الطائرة المسيَّرة إلى إحدى السفن وإصابتها، إصابتها بدقة، بدقة.
الأمريكي نظراً للوضع الصعب الذي أصبح يعاني منه ضباطه وجنوده على متن قطعه البحرية الحربية في البحر الأحمر، ماذا يعمل؟ يعلن عن منح جوائز وأوسمة قتالية وعسكرية لأي جنديٍ أمريكيٍ يشارك في القتال في البحر الأحمر وخليج عدن، وهو يحاول بذلك أن يشجِّع جنوده على المشاركة؛ لأنهم يتهرَّبون، ويملُّون، ويقلقون ويخافون جداً من البقاء في حالة مخاطر مستمرة، يشعرون بالخوف بشكلٍ دائم ومستمر، وصلوا إلى حالة رهيبة في هذا الجانب.
فيما يتعلق بتداعيات هذه العمليات على الأمريكي، الذي ورَّط نفسه في عدوانه على بلدنا هو والبريطاني، إسناداً منهما للعدو الإسرائيلي؛ ليستمر في جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، ولاستمرار الحصار على قطاع غزة، التداعيات الناتجة عن عدوانهم على بلدنا، وبالتالي العمليات التي تنفِّذها قواتنا المسلحة على وضعهم الاقتصادي، أنَّ خسائرهم الاقتصادية مستمرة، مستمرة ومتصاعدة أكثر فأكثر، فالأسعار ترتفع، تكاليف الشحن تتزايد، والآن أصبحوا في معضلة المحيط الهندي، وتتضاعف المشكلة عليهم، وباتوا يتحدثون أنهم سيبحثون عن طرق أخرى، وعن وسائل أخرى، وهذه بالنسبة لهم مشكلة كبيرة جداً، وأصبحت معضلة كبيرة عليهم؛ ولذلك الحل هو: وقف العدوان على قطاع غزة، إنهاء الحصار على الشعب الفلسطيني في غزة.
أمَّا العدو الإسرائيلي فهناك مَوْجَة جديدة في هذا الأسبوع من ارتفاع الأسعار، ارتفعت في المراحل الماضية، في هذا الأسبوع هناك مَوْجَة جديدة من ارتفاع الأسعار، ويبشِّرون أيضاً أنَّ وراءها موجات إضافية من ارتفاع الأسعار في مختلف السلع: الغذائية، الدوائية، المدنية… بكل أنواعها، وهذه نتيجة يتكبدونها بسبب عدوانهم، عدوانهم الهمجي، الوحشي، الإجرامي الفظيع جداً ضد الشعب الفلسطيني في غزة.
بالرغم من الهجمات العدائية التي ينفذها الأمريكي والبريطاني على بلدنا، إلَّا أنهم يفشلون باستمرار في الحد من عمليات قواتنا المسلحة، أو التأثير عليها، الهجمات العدائية على بلدنا من الأمريكي والبريطاني قد بلغت إلى الآن- ونحن في آخر الشهر الرابع منذ بدايتها- (أربعمائة واثنين وخمسين) عملية غارة جوية وقصف بحري، وبلغ عدد الشهداء إلى (أربعين شهيداً)، والجرحى إلى (خمسةٍ وثلاثين جريحاً)، في (معركة الفتح الموعود، والجهاد المقدِّس)، طبعاً هذا على مستوى العمليات التي يُنفِّذها بلدنا.
أمَّا على مستوى النشاط الشعبي، فيما يتعلق بالفعاليات، فهي مستمرة، الأنشطة مستمرة بكل أنواعها، لكن قبل أن نكمل فيما يتعلق ببلدنا، وجبهتنا، ودور شعبنا، لا يفوتنا أن نشيد بالتطورات المهمة التي هي في عددٍ من البلدان الأفريقية، التي تحرَّكت بثورات (ثورات حقيقية) ضد الهيمنة الأمريكي والأوروبية، والاستعمار والاحتلال الأمريكي لتلك البلدان، هناك تطوُّرات مهمة، في مقدِّمتها: ما يحدث في النيجر، وكذلك عدة بلدان أفريقية مجاورة للنيجر، هناك تحرُّك، وفي عدد من البلدان الأفريقية، هناك صحوة، هناك وعي، هناك تحركٌ حرٌ لتلك الشعوب، للتحرر التام من الهيمنة الأمريكية، وطرد للقواعد الأمريكية، وهذه من البشائر المهمة جداً؛ لأن الكل في بلدان كثيرة، في أرجاء المعمورة، بلدان كثيرة بدأت تتحرك بوعي، بصحوة ضمير، بتوجهٍ للتحرر من الهيمنة الأمريكية، والسيطرة الأمريكية.
السياسات الأمريكية التي متغطرسة، وعدوانية، وطامعة، وتمارس التدخل في شؤون البلدان الأخرى، بما يضرُّ بها، بالبلدان نفسها، بالاستهداف لشعوبها، تلك السياسات الاستعمارية، العدوانية، الظالمة، لها نتائجها السلبية على أمريكا نفسها، أصبح هناك وعي يتسع أكثر وأكثر، ويمتد إلى بلدان كثيرة، وتتجه كثيرٌ من الشعوب للتحرر من الهيمنة الأمريكية، وأيضاً يتنامى في الواقع الدولي لدى كثيرٍ من الدول التوجه بعيداً عن الهيمنة الأمريكية، والسيطرة الأمريكية، والنفوذ الأمريكي، وللأسف نتمنى من بعض الدول العربية أن تتجه هذا التوجه، يعني: لا يليق بالدول العربية أن تكون متأخرة ومتخلِّفة عن هذا الحراك، الذي هو تحرري في كثيرٍ من البلدان، وفي عددٍ من القارات، يعني: في أمريكا اللاتينية، وهناك أيضاً فيما يتعلق بالقارة الأفريقية، وفي قارة آسيا، كثير من البلدان تتجه هذا التوجه التحرري المهم، الذي هو ضمن تغيرات كونية في الواقع البشري، ولا يزال البعض العرب في حالة غفلة، وسبات، سبات عميق، لا يدركون هذه الحقائق المهمة التي تجري على الأرض.
الدول الأفريقية عانت كثيراً، على مدى قرون من الزمن، بدءاً بالمعاناة من الأوروبيين، المعاناة من الأوروبيين، من احتلالهم، من ظلمهم، من سطوتهم، من جبروتهم، وما فعلوه بالأفارقة هو شيءٌ رهيبٌ جداً، الحقائق التاريخية التي يمكن أن نتعرَّض لها- إن شاء الله- في مناسبات وكلمات أخرى، هناك تفاصيل كثيرة جداً، وحقائق رهيبة جداً، تفضح الغرب الكافر، تفضح الأوروبيين، وتفضح الأمريكيين، فيما فعلوه بحق الأفارقة.
القواعد الأمريكية امتدت في أكثر القارة الأفريقية في بلدان كثيرة، والهيمنة الأوروبية- كذلك- التي سيطرت على الدول الأفريقية بالامتداد من شمال القارة، إلى وسطها في (الكونغو)، ومن غربها في (السنغال، وغينيا)، إلى شرقها؛ لذلك يعتبر التحرك الذي تم هذه الفترة في النيجر، في بعض الدول محفِّزاً للبقية، نأمل- إن شاء الله- أن يحفِّز أيضاً بعض الدول العربية؛ لأننا في العالم الإسلامي، في الدول العربية، نحن في هذه المراحل أكثر تضرراً، نحن الأكثر تضرراً من السياسات الأمريكية العدائية، التي هي لخدمة الصهيونية، وبدافع الانتماء للصهيونية، ولدعم العدو الإسرائيلي بكل وحشيته، وإجرامه، وعدوانه، وما يشكِّله من تهديد لأمتنا العربية والإسلامية، فنحن الأولى لأن نتحرك بوعي.
بالنسبة لشعبنا اليمني العزيز، فهو- بحمد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”- يتحرك بوعي، تحركه التحرري واضح، ومعاداة البعض له، والعدوان الأمريكي السعودي الذي استمر، ولم ينتهِ إلى الآن، ولم يعلن عن انتهائه، ولم يتوقف بشكلٍ كامل، بصيغة واضحة، باتفاق واضح، هو ردة فعل على توجُّه شعبنا التحرري من الهيمنة الأمريكية.
شعبنا قدَّم نموذجاً في التحرر والشجاعة، مُجسِّداً لانتمائه الإيماني، وموقفه الكامل، وإسناده للشعب الفلسطيني، هو نتاج لهذه الحرية التي يعيشها شعبنا العزيز، وهو درسٌ مهم لبقية الشعوب.
فيما يتعلق بالأنشطة الشعبية هي مستمرة، وكان الخروج في مسيرات يوم الجمعة الماضي خروجاً كبيراً ومشرِّفاً ومليونياً، وفي (مائة وواحد وثمانين مسيرة)، في العاصمة، والمحافظات، والمديريات، وبحمد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” فإنَّ هذا الثبات لشعبنا العزيز، وهذه الاستمرارية، هي تجسيدٌ للانتماء الإيماني، وللقيم العظيمة: الإيمانية، والإنسانية، والتي يتمتع بها شعبنا وقبائله الوفيَّة، قيم الوفاء، الصدق، الشجاعة، المروءة، الشهامة، النخوة… كل القيم العظيمة، التي تدفع شعبنا العزيز للاستمرارية والثبات في هذا الموقف العظيم الذي تميَّز به؛ لأنه تحرك في موقفٍ كامل: عسكرياً، وشعبياً، وكذلك بالإنفاق والتبرعات، هي مستمرة بالرغم من الظروف الصعبة، لكنها مهمة جداً، وبما أمكن، ومختلف الأنشطة، وكذلك أنشطة الدورات الصيفية، التي تربي هذا الجيل الناشئ على المبادئ، على القيم، على التوجهات الصحيحة، على الحُريَّة الحقيقية، على المواقف التي هي رضا لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهي في نفس الوقت اهتمام بقضايا هذه الأمة، التي تَبَنِّيها يعتبر جزءاً من مسؤولياتنا الإيمانية والدينية.
فهذا الاستمرار، وهذا الوفاء، وهذا الثبات، هو أولاً: نصرٌ كبير، وتوفيقٌ إلهيٌ عظيم، وهناك الآن مفاوضات، هناك جولة مفاوضات فيما يتعلَّق بالعدوان الإسرائيلي على غزة، إن نجحت هذه المفاوضات، التي هي بوساطة قطرية ومصرية، وهدأت الأوضاع في غزة، فذلك لا يعني نهاية المعركة، ونهاية الصراع مع العدو الإسرائيلي؛ وإنما يعني اكتمال جولة، جولة من جولات التصعيد والصراع؛ لأن العدو الإسرائيلي هو عدوانيٌ، هو عدوانيٌ، هم كما قال الله عنهم في القرآن الكريم: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة: من الآية62]، ولذلك يكون شعبنا قد فاز، وأيضاً توفق- بتوفيق الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”- باستمراره، ووفائه، وثباته حتى نهاية هذه الجولة، والتي لم تنتهِ بعد، لا يزال الخروج يوم الغد خروجاً مليونياً مشرِّفاً وعظيماً شيء مهم ومطلوب، لا يزال مهماً ومطلوباً.
ولكن حتى عندما نصل إلى نهاية هذه الجولة، معنى ذلك: أنَّ الصراع مستمر، وأنَّ شعبنا العزيز بموقفه العظيم في هذه الجولة، وثباته واستمراريته، سيتأهل- إن شاء الله تعالى- لما هو أكبر في الفعل العسكري، والتحرك الشعبي، ولما هو أعظم، ولما هو أكثر فاعلية في الجولات الأخرى القادمة، التي لابدَّ منها.
الصراع مع العدو الإسرائيلي هو حتميٌ؛ لأنه في حالة احتلال، واغتصاب، وعدوان، وإجرام، وظلم، لا ينتهي هذا الصراع إلا بزوال ذلك العدو من على أرض فلسطين، وتطهير أرض فلسطين بكلها.
اكتمال جولات، أو حصول هُدن معينة، لا يعني نهاية الصراع؛ لذلك نحن في هذه الجولة سنستمر، شعبنا العزيز سيواصل، لن يتوقف أبداً، طالما وهذه الجولة من العدوان الإسرائيلي، والطغيان الإسرائيلي مستمرة، فشعبنا جنباً إلى جنب مواصلٌ مع الشعب الفلسطيني، (لستم وحدكم، ومعكم حتى النصر)، ويستمر وقوف شعبنا العزيز في هذه الجولة، ويتأهل أيضاً- كما قلنا- في الجولات القادمة بما هو أكبر، وما هو أعظم، حتى يأتي ويتحقق الوعد الإلهي الآتي حتماً، في انتصار عباد الله المظلومين، وزوال سيطرة العدو الإسرائيلي على فلسطين.
أيضاً نحن نحضِّر لجولة رابعة من التصعيد، يعني: إذا استمر العدو الإسرائيلي متعنتاً، ومعه الأمريكي، فهناك جولة رابعة نحضِّر لها من التصعيد في مواجهة العدو؛ لأننا- بحمد الله- قد قطعنا شوطاً من مرحلة إلى أخرى في عملية التصعيد، والتطوير للقدرات العسكرية؛ لذلك آمل- إن شاء الله- أن يكون الحضور يوم الغد، والخروج في المظاهرات والمسيرات في العاصمة صنعاء والمحافظات، خروجاً مليونياً، مشرِّفاً، وعظيماً، كما كان في كل الأسابيع الماضية، وأن يكون أيضا مؤكداً ومعلناً في التحضير للجولة الرابعة من التصعيد، ومحذراً للأمريكي من استمرار التعنت، ومواصلة العدوان الهمجي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ومواصلة الحصار، وأن عواقب ذلك، وتداعيات ذلك حرائق أكبر، إذا كان الأمريكي وصف ما يحدث بالحرائق، فهذه الحرائق ستستعر أكثر وأكثر، إذا أصرَّ على مواصلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والاستمرار في الحصار للشعب الفلسطيني في غزة.
أدعو شعبنا العزيز للخروج الكبير يوم الغد- إن شاء الله- في العاصمة صنعاء وفي بقية المحافظات، إلى الساحات المعتمدة، وحسب الإجراءات المعتمدة.
أَسْألُ اللهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُعَجِّلَ بِالنَّصرِ وَالفَرَجِ لِلشَّعْبِ الفِلَسْطِينِي المَظْلُوم، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصرِهِ، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.