بعد نجاح القوات المسلحة اليمنية في فرض السيطرة على البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن، وكبح جماح أمريكا وبريطانيا بمنع مرور سفن العدو الصهيوني أو المرتبطة به، انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني، ما تزال أمريكا رأس الشر العالمي تحشد لعسكرة البحر الأحمر ضمن تحالفات جديدة، بالرغم من فشلها الذريع في تحالف “حارس الازدهار” الذي قادته واشنطن ولندن مؤخراً ضد اليمن.
الإصرار الأمريكي على إيجاد تحالفات جديدة في البحر الأحمر، خاصة دول الاتحاد الأوروبي بقيادة اليونان، حسب وسائل إعلامية، هدفه الأول والأخير جرجرة أنظمة الغرب الكافر لارتكاب حماقة هي في غنى عنها، سيما وأنه ليس من مصلحتها ولا حاجة لها أو مشروعية في إعاقة الملاحة الدولية، لأن النتائج ستكون عكسية والعواقب وخيمة عليها.
أمريكا التي تسميها الأنظمة العميلة بـ”العصا الغليظة”، تُدرك أن غطرستها كُسرت في البحر الأحمر بفضل الله تعالى والقوات المسلحة اليمنية وفشلت في تأمين مرور أي من السفن الصهيونية أو المتجهة إلى الكيان الغاصب، الذي ما يزال يرتكب جرائم الإبادة الجماعية في غزة والأراضي المحتلة على مرأى ومسمع العالم المنافق، ما جعلها تبحث عن شركاء جدد لإغراقهم في البحر الأحمر بعد تلقيها الصفعات المتتالية من القوات البحرية اليمنية.
واشنطن بسياستها العشوائية تناقض أقوالها أفعالها، وأصبحت اليوم منبوذة من كل شعوب العالم العربي والإسلامي والأوروبي وأحرار العالم الذين يتظاهرون بعشرات الآلاف للتنديد بالسياسة الأمريكية والبريطانية في المنطقة، والدعم اللا محدود المقدم من قبلهما للكيان الصهيوني، لارتكاب المجازر في فلسطين، وتحديداً في قطاع غزة.
ومن المهم الإشارة إلى أن السياسة الأمريكية القائمة على الهيمنة واستضعاف الشعوب لم تعد تنطلي على أحرار الأمة، سيما بعد صعود قوى تحررية ثورية في اليمن والعراق ولبنان وسوريا لمواجهة الغطرسة الأمريكية وإيقافها عند حدها، مهما كلفها ذلك من ثمن وتضحيات.
ولعل الحرب الصهيونية التي شنتها على غزة بعد عملية “طوفان الأقصى”، كشفت الغطاء عن الدور الأمريكي البريطاني المشبوه في المنطقة والعالم لخدمة الكيان الصهيوني وإجهاض المشروع التحرري الذي تتبناه دول محور المقاومة، وباتت حالياً المعادلة واضحة للجميع، بوجود قوى الخير الداعمة للمقاومة والمناهضة للهيمنة الأمريكية، وقوى الشر الداعمة للمشروع الأمريكي الصهيوني والمتماهية مع سياستهما التدميرية للشعوب وإذلالها.
ومع استمرار تدخلات قوى الهيمنة والاستكبار العالمي بقيادة أمريكا في المنطقة، ودعمها لكيان العدو الصهيوني، تنامت حالة السخط والغضب الشعبي الكبير، ضد واشنطن التي تدافع عن جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة، فضلاً عن دعمها لسياسة تهجير الفلسطينيين قسرياً بدليل مساندة إسرائيل في هجومها الوحشي على مدينة رفح التي تحتضن ما يقارب مليون و500 ألف نازح.
ومن غير المستبعد أن يكون الكيان الصهيوني في اجتياحه لمدينة رفح، حصل على الضوء الأخضر من أمريكا خلال زيارة وزير خارجيتها للمنطقة مؤخراً، وبموافقة الدول المتماهية مع السياسة الأمريكية، ليصبح تهجير المدنيين الفلسطينيين إلى سيناء أمراً حتمياً، غير قابل للتفاوض من قبل إسرائيل رغم عدم موافقة الجانب المصري.
اليمنيون، ومنذ ثورة الـ 21 من سبتمبر 2014م، تخلصوا من قوى الهيمنة والاستكبار بقيادة أمريكا بطرد المارينز الأمريكي في 11 فبراير 2015 الذي يُعد يوماً مفصلياً في تاريخ اليمن إذ تحررت العاصمة صنعاء كأول عاصمة عربية من الطغيان الأمريكي والتبعية والوصاية والارتهان للخارج وبقيت صنعاء وستبقى حاضرة الإسلام وقلعة العروبة.
ومما له دلالة أن هذه الخطوة شكلت بداية صحوة للشعوب العربية الحرة، ومثلت في الوقت ذاته، انتكاسة لأمريكا وسياستها في المنطقة واليمن بشكل خاص، سيما وأن قوات المارينز الأمريكية ظنت أنها أحكمت السيطرة على اليمن ومقدراته، لكن أصنام التبعية والارتهان تحطمت على يد اليمنيين الذين أدركوا خطورة استمرار الوجود الأمريكي في البلاد.
الشعب اليمني وبالرغم مما تعرض له من حرب ضروس على مدى تسع سنوات يواصل كفاحه ونضاله ضد قوى الطاغوت ولم يكل أو يمل، وصولاً إلى عملية “طوفان الأقصى”، التي انتقل فيها من مواجهة أدوات قوى الغطرسة والاستكبار إلى المواجهة المباشرة مع أمريكا وبريطانيا الداعمان الرئيسيان للكيان الصهيوني الذي يرتكب أبشع الجرائم والمجازر بحق الشعب الفلسطيني في غزة والأراضي المحتلة.
وانتصاراً لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وقف الشعب اليمني قيادة وحكومة وشعباً إلى جانب الفلسطينيين ومناصرتهم ودعمهم إزاء ما يتعرضون له من عدوان وحرب إبادة من قبل الكيان الصهيوني المدعوم أمريكياً وبريطانياً، راح ضحيتها عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، وتشريد الملايين، وطالت كل مقومات الحياة.
وأدركت القيادة في اليمن أن موقفها المناصر للشعب الفلسطيني، وقضيته العادلة، لن يكون بمنأى عن استهداف أمريكا وبريطانيا للبلاد، لكن موقفها الثابت والمبدئي النابع من هويتها الإيمانية، في مناصرة المستضعفين وإغاثة الملهوفين لا يهمها أن تدفع الثمن غالياً، بقدر ما يهمها التأكيد على موقفها الحق المساند لقضية الأمة الأولى والمركزية.
الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، تنبه مبكراً لخطورة مؤامرات أمريكا ضد اليمن والأمة وصاغ مشروعاً يهيئ الشعب اليمني لمرحلة الرفض الكامل للهيمنة الأجنبية والوصاية الخارجية، إلا أن محاولة الهيمنة الأمريكية على اليمن لم تتوقف بل عادت لتقود العدوان والحصار اللّذين استمرا تسع سنوات بدأت بالتحرر من الوصاية الأمريكية وانتهت بمواجهة عسكرية مفتوحة ومباشرة بين القوات المسلحة اليمنية والأمريكية في البحر الأحمر.
وعلى ضوء ما سبق، بات على أمريكا وبريطانيا الاستفادة من الصفعات التي يتلقيانها هنا وهناك، في مراجعة سياستهما تجاه اليمن والمنطقة بصورة عامة، حفاظاً على ما تبقى لهما من مصالح، والابتعاد عن سياسة الهيمنة والتخلي عن دعم الكيان الصهيوني القائم على العنصرية، مالم فالقادم أعظم وأنكى لأمريكا وحلفائها.