بعد مرور 111 يوما على عملية “طوفان الأقصى” البطولية في السابع من أكتوبر الماضي.. هاهي الحقائق تتكشف عن ماهية الحرب الهمجية التي شنها العدو الصهيوني على قطاع غزة والتي راح ضحيتها أكثر من مائة ألف بين شهيد وجريح ومفقود.
وبالتزامن مع هذه الحرب برز دور محور المقاومة الإسلامية في مفهومه التكاملي بين غزة وبيروت واليمن والعراق لإيصال رسائل نارية تعبر المحيط الهندي مرورا بالبحر الأحمر حتى “أم الرشراش” المحتلة ومن قلب غزة إلى عمق مستوطنات كيان العدو ومن جنوب لبنان ومزارع شبعا حتى مدينة صفد ومن العراق نحو القواعد الأمريكية بالمنطقة وحتى حيفا وميناء أسدود في الأراضي المحتلة، وبرزت قواعد اشتباك جديدة تنتقل من مرحلة إلى أخرى أكثر إيلاما وحسب المستجدات وعلى وقع العدوان الصهيوني الأمريكي.
وأنشأ محور المقاومة تحالفا متماسكا وسط ركائز أيديولوجية عميقة له أهداف استراتيجية مشتركة نحو وجهة واحدة لحماية القضية الفلسطينية وطرد القوات الأمريكية من العراق وسوريا ومن المناطق العربية التي تتواجد فيها ومقارعة قوى الطغيان والأستكبار العالمي.
وأخذت دول محور المقاومة على عاتقها وعلى مدى 111 يوما زمام المبادرة لدعم وإسناد المقاومة الفلسطينية حسب تنسيق الساحات التي تعهدت بها منذ نشوء هذا المحور فشنت خلالها هجمات أصابت الأهداف الإستراتيجية ما أدى إلى تغيير معادلات الماضي بحرمة هزيمة الجيش الأسطوري الذي لا يقهر على وقع إعلاميات العدو طول سنوات الاحتلال لفلسطين، وأضحى محور المقاومة اليوم قوة ردع مذهلة تمتلك أسلحة نوعية وفتاكة تجوب السماء والأرض بلا رادع أو ممسك لعنفوانها في إصابة الهدف وتحت مسميات مختلفة كتبت عليها صناعة محلية.
ضربات محور المقاومة كما أسلفنا غيرت معادلات الماضي وأضحى لها جمهورها يهتف بشعاراتها لتصبح واقعا ملموسا يمكن وصفه بالفوز في معركة الوعي والبصيرة بعد محاولات محور الشر “إسرائيل” وأمريكا شيطانة المحور وقلب الحقائق.
وبرزت قوة وصمود المقاومة الفلسطينية في عمق الكيان الغاصب من خلال تصديها لقوات العدو عبر كمائن وتفجير الآليات وحرق جنوده وإفشال خططه في مشاهد مصورة رافقها هتافات الانتصار وخطابات أبي عبيدة وأبو حمزة مع إلقاء التحية لمحور المقاومة في كل مرة لرفع المعنويات وإيصال رسائل للداخل والخارج مدعومة بالحقائق والشواهد وسط تشجيع جماهيري عربي وحتى الجمهور الغربي الذي أضحى يهتف للمحور ويحشر “إسرائيل” في زاوية العزلة ككيان مجرم متجرد من المشاعر الإنسانية بعد ارتكابه جرائم الابادة والتي اسفرت عن استشهاد أكثر من 25 ألفا و700 شهيد، وأكثر من 63 ألفا و740 مصابا منذ السابع من أكتوبر الماضي حسب وزارة الصحة الفلسطينية.
وتنقلنا تحركات محور المقاومة من جبهات المساندة في اليمن والعراق ولبنان وفي نسق واحد وتسديد ضربات موجعة أنهكت العدوان الصهيوني الأمريكي تارة في خسارة اقتصادية تهب رياحها من أقصى جنوب البحر الأحمر والبحر العربي في إحكام القبضة على باب المندب أو باب الدموع كما يحلو للبعض تسميته أحيانا وعبر صوت العميد سريع باستهداف السفن الصهيونية أو تلك المرتبطة بها في المياه الإقليمية لليمن لتسجل إلى جانب هجمات محور المقاومة عجزا في ميزانية العدو الصهيوني قدرت بنحو (4.5 مليار دولار تقريبا) في شهر نوفمبر المنصرم وفق ما أعلنته وزارة المالية في كيان الاحتلال، وهذا ما اضطر واشنطن إلى الإعلان عن أنها ستقدم دعما بقيمة عشرة مليارات دولار للصهاينة لتخفيف حجم الضغوطات الاقتصادية.
وفي هذا السياق توقع محافظ “بنك إسرائيل” المركزي أمير يارون، أن تصل نفقات الحرب على قطاع غزة إلى 255 مليار شيكل (67.6 مليار دولار) فيما تشير تقارير إعلامية إلى أن كلفة الحرب الصهيونية تقدر ب220 مليون دولار في اليوم الواحد.
وأشارت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية إلى أن الكيان ينفق أموالا طائلة على نشر أكثر من 220 ألف جندي احتياط في الحرب ودعم رواتبهم”.
وبحسب الصحيفة يتوقع بعض الخبراء انكماش الاقتصاد الصهيوني مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي المتوقع من ثلاثة في المائة في عام 2023 إلى واحد في المائة في عام 2024، وفقا لبنك العدو الصهيوني المركزي.
وتوقعت الصحيفة أن يصل العجز الصهيوني في الموازنة لعام 2023 المنقضي إلى أربعة في المائة بدلا من 1.5 في المائة، وبنسبة خمسة في المائة عام 2025.
وفي جانب آخر وباعتراف كيان العدو فقد أشارت أحدث الأرقام الصهيونية من نتاج ضربات المقاومة اللبنانية إلى نزوح أكثر من 230 ألف صهيوني في الحدود الشمالية ومقتل 1140 صهيونيا في الحرب الدائرة داخل القطاع وعلى الحدود اللبنانية ولا يزال 132محتجزين ويرجح أن 28 على الأقل منهم قد لقوا مصرعهم.
كما تحدثت وسائل إعلام العدو الصهيوني عن توقع لما يسمى بوزارة “الأمن” الصهيونية بإصابة أكثر من 12 ألف جندي صهيوني بإعاقات دائمة من جراء الحرب على غزة.
كما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن إصابة جنودها في القواعد الأمريكية المنتشرة في سوريا والعراق.
وفي هذا السياق كشفت وكالة “رويترز” نقلا عن مصادرها، عزم الولايات المتحدة والعراق بدء محادثات تهدف لإنهاء مهمة 2500 عسكري أمريكي في العراق فيما تبلغ قوام قواتها في سوريا 900 جندي يتركز أغلبهم في الشمال الشرقي لسوري.. مشيرة إلى أن العملية قد تستغرق عدة أشهر إو سنوات، منوهة بأن انسحاب القوات الأميركية ليس وشيكا.
ووسط حيرة كيان العدو الصهيوني في أسرار صمود محور المقاومة التي تجاوز ال110 أيام وبقرار واحد “لستم وحدكم غزة لن تهزم” ما لم يدخل الغذاء والدواء ويرفع الحصار عن القطاع، أحبطت فيه خطط العدوان الصهيو-أمريكي، وأفشلت رسائل الكيان باجتثاث حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية وتدمير غزة وسط تحدي واضح لن تهزم الجبهة ليدرك الغرب أن شن حرب على محور عنيد متماسك ايديلوجيا متعدد الجبهات تتصرف فيه كل قوة وفقا لمعتقداتها السياسية ومصالحها الاستراتيجية لا يمكن الغلبة فيها.
وفي المشاهد اليومية تنقلنا الأحداث وعبر مجرياتها بعنصر المفاجأة تارة أو عبر تكتيكات مختلفة لمحور المقاومة إلى مشهد حرب الضلال التي ينتهجها كيان العدو الصهيوني متخذا من الحرب الاستخباراتية أسلوب ونهج في خرق واضح لقواعد الاشتباك وكوسيلة هروب من حرب إقليمية مفتوحة إلى إصدار قائمة اغتيالات غادرة طالت بعضا من رموز حماس وحزب الله والمقاومة الإسلامية في العراق.
إلا أن ثبات الدعم والاسناد وقوة الردود التي تفرضها الجبهات في دول محور المقاومة كانت بمثابة عوامل تمهد لانتصار حتمي، ومن المؤكد يبحث فيها الأمريكي عن مخارج لتقليص الحرب وخسائرها الباهضة لكن البروباغندا الأمريكية تغيرت عن ما كان يميزها قبل عقود فيبدو أنها لم تعد تملك الفعالية ذاتها فالحديث عن اخفاقها لم يعد مخفيا على العالم وسط حالة الارباك التي تشهدها حكومة العدو الصهيوني في ظل ضغط شعبها الذي يعيش جحيم الحرب والغضب بان شيء لم يعد كما كان قبل الحرب.
وهذا ما دفع وزير الحرب الصهيوني يوآف غالانت إلى القول: إن كيانه يقاتل محورا وليس عدوا واحدا في حديثه لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، ما يوحي بأن محور المقاومة أضحى عدوا تحسب “إسرائيل” له ألف حساب.
وهذا الاعتراف الصهيوني ورائه قصة لم تبدأ بعد، ذلك ما كشفته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن لقاء ضم مسؤولين أتراك وعرب لتحديد ماهية الأوضاع ما بعد انتهاء الحرب في غزة لتقول ان محورا جديدا ستستحدثه أمريكا و”إسرائيل” لمواجهة محور المقاومة يتكون من اصدقائها وحلفائها في المنطقة لمؤازرتها في مواجهة تحدياتها بعد أن برز المحور كواحد من أهم المجموعات المقاومة في العالم.
وفي خلاصة نهج أمريكا ضد دول محور المقاومة لن تجبرها على التنحي في تقديم السند لغزة ما لم تنتهي الحرب على غزة ويدخل الدواء والغذاء وما لم يتم التخطيط لمسار تكون فيه السيادة الوطنية الفلسطينية حاضرة في تقرير المصير لا كما ترغب “إسرائيل” وأمريكا، ولن تكون قادرة على الفكاك من كماشة المحور الذي أطبق عليها من كل جانب ولن تتمكن من الهروب من دوامة التصعيد الخطيرة.