كسر اليمن بموقفه الاستثنائي في التحرك المواكب لعمليات نصرة الشعب الفلسطيني، حاجز الخوف والرهبة من مواجهة النفوذ الأمريكي ورفض تدخلاته القائمة على تكريس الصراع بدول المنطقة التي تعاني من ارتهان الأنظمة للسياسة الأمريكية وانجرارها لتنفيذ ما يملى عليها من أجندات.
موقف اليمن المشرف من العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، الذي لم يجرؤ على فعله أحدا من حكام وأمراء وزعماء ورؤساء الدول العربية المنبطحين في رمال العار والتطبيع والذل، أعاد للشعوب العربية التواقة للحرية والمجد الأمل بالخروج من ثكنات الوصاية والانهزام.
وفي وقت ابتليت المنطقة العربية بأنظمة وقادة خانعين وحدتهم الطاعة لليهود والامريكان، وجمعتهم سياسة التصهين والخوف من البعبع الأمريكي، ظهر موقف الحق من يمن الإيمان والحكمة بعد تاريخ طويل من الصمت الرهيب وخضوع أمة أعزها الله بالإسلام، فأبى حكامها الا الاعتزاز بغيره والذهاب نحو موالاة اليهود والنصارى.
برز موقف اليمن الذي لم يعلق النصر على التكافؤ في العدد والعدة، في معركة مختلفة جدا، معاييرها إلهية وقوامها الإيمان القوي والاستناد إلى معية الله والموقف الحق ونصرة المظلومين من أبناء الشعب الفلسطيني ولو بالحد الأدنى من الامكانات، بمعركة لا توزن بالصواريخ والمدمرات ولا تقاس بحجم الميزانيات وإعداد الجيوش.
ومن دون مواربة أو رهبة من معايير الغرب حول المقبول وغير المقبول بما يقاس على مصالح امريكا، فجر الموقف اليمني، قنبلة موقوتة بقوله لا للتدخلات الأمريكية، والمضي بتحرك شجاع وقوي بما يتاح له لنصرة الشعب الفلسطيني المظلوم الذي يتعرض لحرب الابادة والتنكيل والقتل والتشريد والتهجير القسري منذ السابع من أكتوبر الماضي.
ولأول مرة في تأريخ دول المنطقة، تتحرك دولة عربية وتعلن موقفها العملي من على ضفاف البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، غير أبهة بتهديد الأساطيل الأمريكية التي اعتادت إدارتها أن تسقط بها ملوكا وزعماء وتستبدل أنظمة بأخرى، لتتغير المعادلة وتجد أمريكا اساطيلها مرغمة على الاشتباك ثم التراجع تحت نيران الصواريخ اليمنية.
ورغم تخبط الادارة الامريكية وما عمدت اليه من تصعيد في البحر الاحمر، واعلان العدوان وشن الغارات والقصف على المحافظات اليمنية، وتشكيل تحالف دولي لحماية السفن الاسرائيلية، إلا أن القوات المسلحة اليمنية التي اتخذت موقفها استطاعت أن تفرض قواعد التصدي ومواجهة العدو الأمريكي بعنفوان منقطع النظير.
وفي أحدث عملية لموقف اليمن المتصاعد والمعلن بمنع مرور سفن الكيان الصهيوني والمتجهة إلى موانئه، فشلت البحرية الأمريكية بكل قضها وقضيضها في حماية سفنها وتمكينها من المرور عبر المضيق اليمني أمام بأس القوة اليمنية التي استطاعت أن تفرض قواعد اشتباك في البحار اليمنية على بعد مئات الأميال من مواقعها البرية ونقاطها البحرية.
قوبلت العملية بارتياح واسع على المستوى الاقليمي والدولي، وتحولت منصات التواصل الى ردود فعل معبرة عن الاعتزاز والتأييد لليمن، اذ علق متابعون وخبراء علاقات دولية بالقول ” اصرار امريكا على توسيع الصراع والاعتداء على اليمن بشكل مباشر، سيحيل بوارجها وأساطيلها البحرية، إلى نيران مشتعلة بصواريخ البحرية اليمنية.
ووصفت وسائل إعلام عربية ومراسلي قنوات، اشتباك القوات اليمنية والقوات الأمريكية في خليج عدن وباب المندب، بانه يمثل تطورا نوعيا منذ ان شن جيش الاحتلال الاسرائيلي عدوانه الإجرامي على قطاع غزة.
واعتبرت الاشتباك واستهداف سفن ومدمرات أمريكية في باب المندب وخليج عدن يضعنا أمام أبرز وأخطر تطور نوعي منذ بدء العدوان على غزة، معتبرة هذه العملية لحظة تاريخية غير مسبوقة أن تستهدف السفن الأمريكية في عرض البحر منذ الحرب العالمية الثانية.
وحسب متابعون، فإن التحرك اليماني المشهود وما أفرزته أحداث البحر الأحمر في إعادة الاعتبار لليمن كدولة بحرية تتميز بموقعها المتحكم بواحد من أهم ممرات التجارة الدولية، وموقعها المطل على بحرين، تعد دولة بحرية تحظى بأهمية جيواستراتيجية وجيوبولتيكية، خاصة عند احتدام الصراع الدولي، الأمر الذي يحتم على أمريكا أن تراجع حساباتها في التهور وشن الحرب على اليمن.
ما حدث خلال الساعات الماضية في المياه اليمنية من اشتباك وتلقين أمريكا درسا موجعا، كان محل اهتمام ومتابعة الكثير من الدول التي لها حضور عسكري في المنطقة منها دول أوروبية، اذ أشارت تقارير عسكرية إلى أن هذه الدول سوف تعيد تقييم مواقفها ومستقبلاً لن تتخذ أي اجراء معين له علاقة باليمن دون أن تضع ما حدث اليوم في الاعتبار.
وبشكل غير متوقع، بدت أوساط عربية تتحدث بأن الصدمة الكبيرة لدى المسؤولين الامريكيين السابقين والحاليين تتمثل في انهم لم يتوقعوا يوما أن اليمن الذي اعتقدوا طوال عقود مضت أنه تابع وخاضع، أن يقف اليوم في مواجهتهم وبكل هذه الصلابة والارادة والعزيمة والبأس والإيمان كما يحدث اليوم.