في إطار المعركة الشاملة التي تخوضها الأمة مع العدو الصهيوني الأمريكي ومنها الاقتصادية تبنت الحكومة في صنعاء خطوات وإجراءات عملية لمقاطعة السلع والبضائع الأمريكية ومنتجات الشركات الداعمة للكيان الصهيوني كسلاح استراتيجي من شأنه إنهاك العدو اقتصاديا.
جاءت هذه التحركات والإجراءات المهمة التي تبنتها صنعاء في الجانب الاقتصادي بالتزامن مع تحركاتها العملية في الجانب العسكري وانخراط اليمن رسميا في معركة “طوفان الأقصى” لمساندة الشعب الفلسطيني الشقيق ومقاومته الباسلة في مواجهة العدوان الصهيوني الأمريكي، والدفاع عن مقدسات الأمة وقضيتها الأولى فلسطين، والتي كان لها بالغ الأثر على العدوان الصهيوني الأمريكي على غزة.
وعملاً بتوجيهات قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي والمجلس السياسي الأعلى، أعلنت حكومة تصريف الأعمال عن إجراءات مدروسة للمقاطعة والحرب الاقتصادية مع أعداء الأمة، شملت الإعلان عن أسماء السلع والمنتجات الواجب مقاطعتها وتكثيف حملات التوعية الميدانية في أوساط المجتمع والأسواق والمحلات التجارية للتعريف بتلك المنتجات وأهمية سلاح المقاطعة لإنهاك العدو اقتصاديا.
وأصدرت وزارة الصناعة والتجارة في حكومة تصريف الأعمال قرارات مهمة تضمنت حظر منتجات كافة الشركات الأمريكية وغيرها من الشركات الداعمة للكيان الصهيوني، إلى جانب شطب كافة الوكالات والعلامات التجارية لتلك الشركات.
وشملت القرارات التي جاءت في إطار الموقف التاريخي المشرف والشجاع للشعب اليمني وقيادته الحرة في مساندة ونصرة الشعب الفلسطيني، عشرات الوكالات والعلامات التجارية في مجالات الأغذية والمشروبات والمعدات والسيارات وأدوات التجميل والمطهرات.
وبحسب وزارة الصناعة والتجارة سيتم منع أي نشاط، ودخول أي منتجات أو أصناف للوكالات والعلامات التجارية الداعمة للكيان الصهيوني وكل الشركات المرتبطة باقتصاده، والتنسيق والتعاون مع التجار والقطاع الخاص اليمني في إنجاح حملة المقاطعة وتوفير السلع والمنتجات البديلة.
ولأن الشعب اليمني يتميز عن غيره من الشعوب بما يحمله من وعي وهوية إيمانية وأخلاق وقيم وانتماء أصيل ومتجذر للعروبة والإسلام، لقيت التحركات الرسمية لتفعيل سلاح المقاطعة تجاوبا شعبيا منقطع النظير من كل فئات وشرائح المجتمع بمن فيهم التجار وأصحاب الوكالات التجارية الذين غلبوا المصلحة العامة على غيرها من المكاسب الشخصية وباعتبار ذلك أقل واجب ديني وأخلاقي وإنساني لنصرة الأشقاء الفلسطينيين في ظل ما يتعرضون له من انتهاكات وجرائم حرب وإبادة من قبل الصهاينة.
بات الجميع يدركون أن الاستمرار في شراء واستهلاك منتجات تلك الشركات والدول يوفر لها الكثير من العوائد الاقتصادية لتمويل حروبها على المسلمين وتسخير جزء كبير منها لشراء الأسلحة والذخائر التي توجهها إلى صدور أبناء الأمة، كما حدث في اليمن ويحدث في فلسطين، وبالتالي فإن شراء تلك المنتجات والسلع يعد مشاركة فعلية في الحرب على المسلمين والمجازر الوحشية التي يرتكبها أعداء الإنسانية في غزة وغيرها من البلدان.
لم يعد من الممكن أن يقبل الشعب اليمني المسلم والشجاع وغيره من الشعوب الحرة بأي سلعة أو منتج لأي شركة لها ارتباط بالجانب الأمريكي أو الإسرائيلي وغيرهما من دول الكفر التي تشن حربا معلنة ضد الإسلام والمسلمين ومقدسات الأمة خصوصا بعد العدوان الصهيوني الأمريكي على غزة وما أظهره من إجرام ووحشية وتجرد عن الإنسانية، وعداء وحقد على المسلمين ورغبة جامحة في قتلهم والخلاص منهم.
كما لم يعد بالإمكان أن يسكت أحرار الأمة وفي طليعتهم الشعب اليمني الأصيل وقيادته الحرة على ما يرتكبه الصهاينة والأمريكان من جرائم حرب وإبادة جماعية بحق الفلسطينيين لم يسبق حدوثها في تاريخ الحروب بل إنها فاقت حتى النازية والفاشية بما اقترفوه من محارق الموت والتصفية التي طالت عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والمدنيين داخل المستشفيات والمدارس وأماكن النزوح والأحياء السكنية وحتى الشوارع العامة في قطاع غزة تزامنا مع قطع الإمدادات الغذائية والدوائية والمشتقات النفطية عن مليوني إنسان لعدة أسابيع سعيا لقتل أكبر عدد منهم إما بالقصف أو الجوع أو الأمراض المتفشية نتيجة العدوان والحصار وغيرها من وسائل القتل والإرهاب.
ولهذا فان سلاح المقاطعة لمنتجات ألد أعداء الأمة يعد الموقف الصحيح والسلاح الفاعل والمؤثر والمتاح الذي ينبغي أن تجمع عليه كل الدول والشعوب العربية والإسلامية لتستعيد هيبتها وتفرض على الآخرين احترامها، خصوصا تلك الشعوب التي تمنعها أنظمتها الحاكمة من التظاهر والتعبير عن مساندة الشعب الفلسطيني وقضايا الأمة.
وفي أحد خطاباته يشير قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي إلى أن الأمة تمتلك بيدها الكثير من الوسائل الفاعلة التي سيكون لها أبلغ الأثر على أعداء الأمة أمريكا وإسرائيل، من ضمنها المقاطعة الجماعية للبضائع والمنتجات التابعة لتلك الدول التي تعتبر المال والمادة غايتها وأهم شيء بالنسبة لها، مؤكدًا أنه لو توحدت الأمة الإسلامية، في هذا الموقف فحسب، لأركعت تلك الدول ولأرغمتها على التراجع والكف عن عدوانها وإساءاتها المستمرة للمسلمين ومقدساتهم.
ومما يؤكد هذا الطرح هو أن الأمة الإسلامية باتت اليوم أكبر سوق استهلاكية في العالم؛ وتعتمد عليها الدول المنتجة إلى حد كبير في تسويق بضائعها، وفي حال عزوفها عن شراء المنتجات الغربية وبالأخص الأمريكية وغيرها من منتجات الشركات الأوروبية الداعمة للكيان الصهيوني، فإن النتيجة ستكون كارثية على هذه الدول.
يحرص اليمنيون على المستويين الرسمي والشعبي على أن تكون المقاطعة ثقافة مجتمعية وأسلوب حياة وأن تستمر على المدى الطويل كونها لا يمكن أن تحقق أي نتائج على المدى القصير، كما أن مقاطعة تلك المنتجات يترتب عليها التوجه نحو المنتجات الوطنية وتعزيز الإنتاج المحلي، إلى جانب كونها سلاح لا يقل أهمية عن المواجهة العسكرية مع العدو.
باتت المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الداعمة للكيان الصهيوني نابعة من اقتناع الشعب اليمني وغيره من الشعوب الحرة بأهميتها وأثرها الكبير في إنهاك الدول الداعمة للكيان الصهيوني اقتصادياً، وبالتالي تراجعها عن قراراتها ومواقفها ومراجعة كل حساباتها في هذا الجانب.
ويؤكد الكثير من خبراء الاقتصاد على فاعلية سلاح المقاطعة كونها تمس عصب المتآمرين، غير أن الأهم من وجهة نظرهم التركيز على أهم الشركات وأكبرها، وقطع المصالح الاقتصادية للشركات الكبرى، التي من السهل لفت انتباه الناس إليها من خلال الصور والإعلانات، لما لذلك من أثر سريع ومباشر.
بدورهم دعا العلماء على مستوى اليمن ودول محور المقاومة كل الجهات المعنية بالاستيراد إلى مقاطعة سلع الشركات الأمريكية والغربية الداعمة للاحتلال الصهيوني، معتبرين توريد وشراء واستهلاك هذه السلع تعاونًا ومشاركة في الإثم والعدوان على الشعب الفلسطيني والأمة ومقدساتها.
وأكدوا أهمية التحلي بالعزيمة والنفس الطويل ليرى الجميع التغيير الذي ستحدثه المقاطعة الاقتصادية وما ستلحقه من ضرر بالكيان الصهيوني، وبمصادر تمويله لصنع وشراء السلاح التي يقتل ويستعبد الشعوب بها.
وإلى جانب سلاح المقاطعة للسلع والمنتجات الأمريكية والشركات الداعمة للكيان الصهيوني، عزز اليمن حربه الاقتصادية ضد العدو الصهيوني بمنع السفن الإسرائيلية من عبور باب المندب والبحر الأحمر ليشكل بذلك تهديدا وضغطاً إضافياً أربك العدو الصهيوني لما له من تبعات خطيرة على اقتصاده، وإنهاء تواجده وهيمنته على واحد من أهم المنافذ البحرية وممرات الملاحة التي استمرت طيلة العقود الماضية بمساعدة عملائهم في المنطقة.
أفشلت التحركات اليمنية في البحر الأحمر كل ما نفذه العدو الصهيوأمريكي من مخططات طيلة الفترات الماضية للسيطرة على باب المندب والممرات المائية المهمة في المنطقة والتي جند في سبيلها أنظمة الدول الخاضعة له، بما فيها الأنظمة السابقة في اليمن والتي قدمت الكثير من التنازلات التي حرمت البلد من حقه في إدارة مياهه الإقليمية ومضيق باب المندب، ومكنت العدو الصهيوني من تحريك سفنه في المنطقة بكل حرية.
كما أن من أهم أهداف العدوان الذي شنته أذرع أمريكا وإسرائيل في المنطقة ضد اليمن في العام 2015م كان السيطرة على باب المندب والساحل الغربي للبلد بمشاركة ودعم أمريكي صهيوني انتهى بالفشل الذريع بعد انتصار الإرادة الحرة للشعب اليمني على عملاء تحالف العدوان، ووصولا إلى إعلان القيادة الثورية توسيع خيارات الشعب اليمني في مساندة ونصرة الشعب الفلسطيني من خلال متابعة ورصد تحركات السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر والتنكيل بها.
ولأن ما بعد عملية طوفان الأقصى لن يكون كما قبلها، يمضي اليمنيون قدما في خوض معركة الجهاد المقدس إلى جانب الشعب الفلسطيني وحركات محور المقاومة لمواجهة العدوان والاحتلال الصهيوني، باستخدام كل الخيارات والوسائل والأوراق المتاحة ومنها المقاطعة الاقتصادية للسلع والبضائع والمنتجات الأمريكية والشركات الداعمة للصهاينة كخيار متاح وله الأثر الكبير على الأعداء.