مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي
تحتفي الأمة الإسلامية في الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام بمولد رسول الله صلى عليه وآله وسلم، وللاحتفاء بهذه الذكرى الغالية على قلوب الموحدين، نكهة خاصة في اليمن، خصوصاً بعد ما شهده هذا البلد المؤمن المُبارك من تغييرات جذرية عقب ثورة 21 سبتمبر 2014 بقيادة حفيد رسول الله السيد القائد العلم “عبدالملك بدر الدين الحوثي” حفظه الله ووفقه لكل خير، من أهم مُدخلاتها استعادة هذا الشعب العظيم هويته الإيمانية وأخلاقه العربية الأصيلة، ودوره الريادي في مُناصرة الإسلام وقضاياه، وسط مُحيطٍ عربي يموج بالتفسّخ والتعرّي الأخلاقي والديني، والانبطاح والتقزّم لأمّةٍ أراد الله لها العلّية وأراد لها حُكّامها من صهاينة العرب الضعف والوهن، أمّة جعلها الله شاهدة على الأمم وجعلها حُكّامها من صهاينة العرب مضحكة للأمم.
فعاليات إحياء ذكرى المولد النبوي في اليمن هذا العام تكتسب أهمية خاصة لإتيانها مع وصول اليمن إلى مراحل متقدمة من التصنيع العسكري، صار طُغاة العالم وأحذيتهم الإقليمية يحسبون لها ألف حساب، وفي هذا عزة وتمكين لأحفاد أنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبلادهم الميمون المبارك، بالتوازي مع تزايد الهجوم الغربي والصهيوني على الإسلام ونبيه عليه وعلى آله الصلاة والسلام، ما يجعل من فعاليات إحياء المولد النبوي المليونية لأحفاد الأنصار رسالة واضحة لكل من تُسِّول له نفسه الإساءة لنبي الرحمة، بأن شعب الأنصار حاضرٌ بكل قوّته للدفاع عن الإسلام ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورفع راية الإسلام خفاقة أبيّة، والإعلاء من مكانة الإنسان المسلم الذي كرّمه الله في مُحكم التنزيل على سائر مخلوقاته وأناط به مُهمّة إعمار الأرض بالخير والصلاح والفضيلة.
الإسلام في جوهره ثورة اجتماعية على الظلم والطغيان وكل ألوان الاستعباد والاستغلال لبني الإنسان، ولهذا كان أنبياء الله ورُسله عليهم السلام يحملون مشاعل النور والحق والحرية ويستقطبون بنور الحق كل المعذبين والمستضعفين في الأرض، والجماهير البائسة التي مزقتها أساطير الآلهة الدنيوية المُزيّفة روحياً، وشتتها الجاهلية فكرياً، ووقعت فريسة أشكال مختلفة من الاستغلال والظلم الاجتماعي.
لهذا كانت النبوة كظاهرة ربانية تُمثّل رسالة ثوريّة، وعملاً تغييرياً جذريّاً، وإعداداً ربانيّاً للجماعة المؤمنة، لكي تستأنف دورها الصالح في مجتمعٍ تسوده الفضيلة وترفرف فوق ربواته راية الحق والعدل.
هذه الثورة الإلهية تستدعي بأن يتسلّم شخص النبي الخلافة التي تُعتبر وسام السعادة للبشرية، ومن بعده أهل الصلاح من ذريته الطيبة الطاهرة، وبموجب هذا التكريم الإلهيّ للبشرية ببعثة الأنبياء والرُسل لم يعد بمقدور أحدٍ من طُغاة البشرية أن يستغلّ الآخرين أو يظلمهم أو ينهب ثرواتهم أو يغشّ في معاملتهم أو يكذب عليهم أو يسخر منهم، بل لا بُدّ أن يتعامل معهم – والخطاب هنا للحُكّام ومن بيده المسؤولية على بني الإنسان أياً كان نوعها ومُستواها – بالقسط والعدل والتعاون على أساس الحب والاحترام، وبسبب هذه المقاصد السامية حظي الإنسان في ظلّ الإسلام بالاحترام والتقدير والتحرر من عبودية غير الله “لا إله إلا الله” عكس سائر الأديان التي لم تَسلم من التحريف والتوظيف السياسي لصالح مصالح الأنا البشرية الهادمة لصروح الفضيلة والعدالة.
حروف مُضيئة من سيرته العطرة:
بينما كان سكان مكة غارقين في أحلامهم وشهواتهم وملذاتهم، والظلم بلغ مداه، والجهل في أوجه، والحريات قُيِّدت، والحقوق سُلِبت، والأفواه كُمّمت، والأحجار قُدِّست وعُبِدَت، والحدود عُطِّلت، والطفلة وئِدت، والمرأة صارت من سِقط المتاع تُباع وتُشترى، والطبقية تجذّرت وتغوّلت، والعنصرية أُثيرت وطغت، والفتنة تأجّجت نيرانها وأحرقت في طريقها البسطاء والمساكين والمستضعفين، وصار قانون الغاب سيد الموقف، والإنحلال والانحطاط سلعة التفاخر البائرة في أوساط عِلية القوم.
في هذه الأجواء الملغومة كانت البشارة الإلهية بخروج نور الرحمة المُهداة للعالمين من بيت عبدالمطلب بن هاشم ليبدّد الله به حُجب الظلام.
مولده صلى الله عليه وآله وسلم في صبيحة يوم 2 وقيل 3 وقيل 8 وقيل 9 وقيل 10 وقيل 12 وقيل 17 وقيل 22 ربيع الأول، وقيل في ربيع الثاني، وقيل في رمضان، وقيل في صفر، وقيل في رجب، وهناك من علماء المدرستين من رجح 9 و12 و17 ربيع الأول، وما نميل إليه في أحد يوميّ 12 و17 ربيع الأول.
والمؤكد هنا أن مولده صلى الله عليه وآله وسلم بعد 55 يوماً من هلاك أصحاب الفيل عام 570، وفي رواية 20 أو 22 أبريل 571 م، وسنة 882 من تاريخ الإسكندر ذي القرنين عليه السلام، و40 سنة خلت من مُلك كسرى أنو شيروان.
وُلد صلى الله عليه وآله وسلم مختوناً طاهراً مُطهراً وحبله السري مقطوع، ولا صحة لدعاوى البعض فيما يتعلق بحادثة شق الصدر المُختلقة وإخراج مُضغة الشيطان منه لما فيها من قدح في حقه صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا الرواية من الروايات الإسرائيلية المدسوسة، تحدّث عنها العديد من علماء المدرستين ونسفها من جذورها، وليست محل بحثنا هنا وإنما غرضنا التوضيح فقط.
بعد ولادته صلى الله عليه وآله وسلم أرسلت أُمّه رحمة الله عليها إلى جدّه رحمه الله تُبشّره بحفيده، فجاء مُستبشراً، ودخل به الكعبة، ودعا الله وشكره، وسمّاه “محمداً”، ولم يكن هذا الاسم مُعروفاً في العرب.
تُوفّي والده وهو لايزال في بطن أمّه، وتوفيت أمّه بالأبواء – موضع بين مكة والمدينة – وله 6 سنين.
فتولى جده رعايته، وتوفّي – بعد أن أوصى به إلى ابنه أبي طالب وله صلى الله عليه وآله وسلم 8 سنوات وشهرين و10 أيام، فكفله عمه أبو طالب شيخ الأبطح رحمة الله عليه – وكان مؤمناً موحداً عكس ما ادّعى البعض من عُتاة الوهابية وهناك العديد من الكتب حول إيمانه وعدم مقاربته المحرمات منها كتاب “أسنى المطالب في إيمان أبي طالب” وكذا الحال بالنسبة لأم رسول الله ووالده وجده ولم يشذّ عن الطوق من أبناء عبدالمطلب سوى أبو لهب، وظلّ فوقه 40 سنة يُعِزُّ جانبه، ويبسط عليه حمايته، ويُصادق ويخاصم من أجله.
وحكّمت قريش رسول الله في وضع الحجر الأسود بركن الكعبة وعمره 25 سنة، وفيها تزوج خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي سلام الله عليها، وتوفيت هي وكافل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وناصره أبو طالب عليه السلام قبل الهجرة بثلاثة أعوام، وبعثه الله إلى الخلق وهو في 40 سنة.
نزل إليه روح القُدس جبريل الأمين عليه السلام يوم الاثنين 12 ربيع الأول، وقبضه الله صبح يوم الاثنين 12 ربيع الأول، وقيل 28 وقيل 29 صفر، وفي بعض السِيَر في شهر رمضان، والأرجح عند أطياف المدرسة السُنية 12 ربيع الأول وعند إخواننا الجعفرية 28 صفر، والمؤكد أنه في سنة 63 من عام الفيل، و23 من عام البعثة، و11 من عام الهجرة، ودُفن صلى الله عليه وآله وسلم في حُجرته المباركة، في موضع وفاته، بمسجده بالمدينة المنورة.
وُلد صلى الله عليه وآله وسلم وبُعث وهاجر ودخل المدينة وقُبض يوم الاثنين، وفي هذا التوافق سِرٌ عظيم.
هذا هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طِفل ما تعرّى مع الصبيان، ولا شرب الخمر مع الشبان، ولا تعاطَ اللهو مع اللاهين كما يدّعي أقتام الوهابية، ولا عرف طريق البغايا، ولا سجد لصنم، حفظه الله في غُدوّهِ ورواحه، في جلوسه وترحاله، يقول عنه تلميذه ووصيه الإمام علي عليه السلام: “لقد قرن الله برسوله أعظم مَلك من ملائكته”.
وعند بلوغه سن اليافعين اشتغل في رعي الأغنام ليتعلم منها كيفية قيادة وسياسة الأمة وإدارة أمورها، لأن مهنة الرعي من أروع الدروس في تعلّم فنون التعامل مع الآخرين، كما أنها تغرس في النفس البشرية الصبر والتحمل وسعة الصدر.
عمل بعدها في التجارة بمال خديجة بنت خويلد سلام الله عليها، لكي لا يكون عالة على الآخرين ، وليكسب قوته بعرق جبينه، وفي مرحلة متقدمة أصبحت له تجارته بدعم عمه أبو طالب سلام الله عليه.
أطلق عليه كفار قريش لقب الصادق الأمين لما لمسوه منه من صدق وأمانة وأخلاق عالية، كانت من أهم عناوين رسالته الخالدة: “إنما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق”، فكان مستودع أمانات قومه، والقاضي في فصل خصوماتهم وحلّ قضاياهم ومشاكلهم ونزاعاتهم المُعضلة، كما في حادثة وضع الحجر الأسود بمكانه بعد بناء الكعبة الذي كان له الشرف الأعلى في كل مراحلها وصولاً إلى تحكيمه في حل معضلة الحجر الأسود.
ومن أرض مكة القاحلة طلع ربيع الإنسانية، وسطع نور الحق واليقين فملأ الأرض عدلاً ونوراً بعد أن مُلئت ظُلماً وجورا.
أسرته بنو هاشم، وقومه قريش، وأمّته المسلمون، ووطنه شبه الجزيرة العربية، هذا هو وطنه، وتلك أمّته، وأولئك قومه، وهؤلاء عشيرته.
وهو صلى الله عليه وآله وسلم رجل الدنيا وواحدها حقاً، يتردد اسمه الشريف وتُصلي وتسلم عليه وعلى آله ملايين الشفاه، وتخشع لذكره ملايين القلوب في كل يوم وليلة خمس مرات على الأقل، وترتجّ وتتزلزل خشية وخوفاً بمجرد ذكره ملايين القلوب الكافرة به وبرسالته.
عُرف صلى الله عليه وآله وسلم بالتسامح والتواضع والحلم والذكاء والصدق والسخاء ومكارم الأخلاق، ولا عجب، فهو القائل: “أدبني ربي فأحسن تأديبي”، وهو من قال الله فيه: “وإنك لعلى خُلقٍ عظيم”، وأعجز برسالته الخاتمة للرسالات الإلهية أرباب البلاغة والبيان وأساطير الفلسفة والمنطق، وعلَّمه ربه فقال له “اقرأ”، فسُميت أمته أمة “اقرأ”، ولنا هنا أن نتساءل: لو كان صلى الله عليه آله وسلم كما يذهب البعض أُميّ لا يقرأ ولا يكتب، فلما خاطبه الله سبحانه وتعالى بقوله “اقرأ”؟.
أمّة محمد بين الأمس واليوم:
استطاع صلى الله عليه وآله وسلم خلال 23 عاماً من الدعوة إلى دين الله بمرحلتيها المكية والمدنية، أن يصنع أعظم دولة عرفها التاريخ، أرسى قواعدها على مبادئ العدل والمساواة والعمل الصالح وحُب الآخرين واحترام حقوق الإنسان ومنع العنصرية والطبقية والتسلُّط والاستعباد.
وامتازت رسالته بالعالمية والصلاحية للخلود رغم تطور الزمن، عكس الديانات الإلهية الأخرى فقد كانت رسالتهم الإلهية محصورة في نطاق جُغرافي وعِرقي محدد، فقبلُ سايَرت الرسالة المحمدية عالم السيف والرمح والقوس والناقة كما أنها تساير اليوم عالم الصواريخ والأقمار الصناعية والطائرات والبواخر والكمبيوتر، دستورها القرآن الكريم، وهو كتابٌ إلهيٌ شاملٌ لكل مناحي الحياة الإنسانية ومحفوظٌ بحفظ الله إلى قيام الساعة عكس الكتب الإلهية الأخرى.
وهذا أمرٌ طبيعي لأنه صلى الله عليه وآله وسلم جاء بما لم يكن في حُسبان أحدٍ من الناس روحياً ومادياً، بِشِرعةٍ واضحة البيان والأركان، صالحة لكل زمانٍ ومكان، حوت في ثناياها خير الدنيا والآخرة.
الحديث عن حياة رسول الرحمة والمحبة والإخاء والعدل والانصاف والأمن والسلام هو حديث عن شخصية عجزت عن إدراك غاياتها عقول الناس، لأن حياته صلى الله عليه وآله وسلم تجمّعت فيها كل معاني النبل والفضيلة والكمال، وأصبحت مصدر إشعاع لكل القيم الشريفة والمُثل العليا.
كيف لا وهو المبعوث رحمة وهُداً ونوراً للعالمين، نعم إن الحديث عن هذه الشخصية الإنسانية الربانية ليس كالحديث عن حياة شخص آخر لا يمتاز عن الحيوان إلا أنه عرف أمسه وأدرك يومه ومات في غده، فحياته صلى الله عليه وآله وسلم مختلفة عن ذلك تمام الاختلاف، إذ هو الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، ولذا كانت حياته كلها حقائق تخضع لها عُقولنا، ونور ينسج ليل أفكارنا وظُلُمات صدورنا.
كلما زاد الإنسان المسلم حياة نبيه درساً، زادته شوقاً إليها، وعلماً ونوراً وعقلاً، لأن حياته صلى الله عليه وآله وسلم خالدة فياضة بالنور والهدى، مُتجددة بتجدُد الأيام، متطورة بتطور العقل، لها في كل جيل أثر، وفي كل أمة آية، وفي كل عصر قيمة ومكانة هامة.
ما أحوجنا ونحن نحتفل بمولد النور طه صلى الله عليه وآله وسلم إلى التذكير بأنه صلى الله عليه وآله وسلم “الآن”، ليس جسداً يرقد في المدينة المنورة، بل: “موقف وشعار وجبهة وراية وسيف”، موقف الحق ضد الباطل، وشعار الفضيلة ومكارم الأخلاق ضد الرذيلة والعادات الجاهلية الرعناء، وجبهة العدل ضد الظلم، وراية الحرية ضد العمالة، وسيف العدل في وجه الطاغوت والشيطان، فلا تضيعوا جبهته فتضيعوا، ولا تُنكسوا رايته فتسقطوا، لأنه رفيق الله لا السلاطين وأحزابهم، ومن عزّ بغير الله ذل.
والإسلام ليس مجرد طقوس وشعائر جامدة، بل ثورة شاملة وجذرية على مبادئ وعادات وأخلاق الجاهلية، ثورة على تاريخ طالما احتضن الفساد لا سواه، ثورة رسالية عالمية غير مسبوقة في تاريخ الإنسانية غيّرت مجرى التاريخ البشري كله، لأنها أكبر من التاريخ، وأقوى منه على الصمود والديمومة والخلود، ثورة رسالية حملت بين ثناياها آمال الإنسانية وأحلامها وتطلُعاتها، واحتضنت بين آياتها وسورها خيرات الأمم والشعوب وعزتها وكينونتها وكرامتها، ورفعت على الرؤوس لواء الحق والعدل والحرية والأمن والسلام والرحمة والتسامح والتعايش والإنصاف.
يا رسول الله يا نبي الرحمة يا من كنت تقول حتى جاءك ملك الموت عليه السلام: “أمتي أمتي”، وتسأله وأنت في نزعك الأخير: “أهكذا تنزع أرواح أمتي”، فيقول لك: “وأشد من ذلك”، فترمق بطرفك الشريف إلى السماء مُناجياً ربك: “إلهي شدِّد علي وخفف عنهم”.
ها هي أمتك اليوم تعيش النزع الأخير، وها هم الطُغاة الذين أسقطت عروشهم ينتزعون أرواح أحبابك وأحباب أهل بيتك عليهم السلام في اليمن وفلسطين والبحرين والإحساء والقطيف بلا رحمة وبلا إنسانية وبلا وازع وبلا ضمير، وها هي مكة والمدينة، البقاع الطاهرة المطهرة والمكرمة بمبعثك ونبوتك ورسالتك أصبحت ساحة مفتوحة يقصدها ما يُسمى بالفنانين من الكفار والمشركين والمثليين وغيرهم من شذاذ العالم لإقامة فعالياتهم الصاخبة بالمجون دون احترام أو مراعاة لقداستها وأهمية مكانتها لدى المسلمين.
ها هي أمتك يا رسول الله من الكثرة بمكان ولكنهم والعزاء لك كغثاء السيل، قادتهم متناحرون يلتقون بالسلام والعناق الأخوي الذي ظاهره الألفة والرحمة وحقيقته الباطنة التدابر والتقاطع والشحناء، وبعد لقاءاتهم التي لم تُقدم للأمة سوى الذل والهوان وتمكين أعداء الإسلام من بلاد الإسلام، وجعل أمة الإسلام تابعة ذليلة لطُغاة العالم من اليهود والنصارى، بعد تلك اللقاءات الطافحة بالكذب المعسبل والنفاق الدبلوماسي، يمسحون عرق المُجاملة ويشرعون في تقطيع وذبح بعضهم.
هذه هي أمتك يا نبي الرحمة والمستضعفين وهذا هو حالها، أمتك يا نبي الرحمة والعزاء لك لم تعد تحفظ من سجل الرسالة الخالدة سوى الاسم، ولم تعد تُجيد سوى رفع وترديد الشعارات المُجافية لواقعنا الذي بات أشبه ما يكون بالجاهلية الأولى.
يا حبيب الله ها هو أبو لهب يطل على أمتك من جديد رافعاً رايتك ومنادياً بشعاراتك، وباسم الحفاظ على دينك ينشر في أوساط أُمتك الكبت والإرهاب، ويصادر حُريتهم، ويشتري ذممهم وضمائرهم وولائهم.
يا حبيب الله ها هو أبو لهب يعود إلينا بأمواله وبناياته وعماراته ليحتقر أمتك ويستهين بها ويتلاعب بمصائرها، بينما أمتك كالسوائم.
يا رسول الله لنا في كلِ قُطرٍ عربي وإسلامي جُرحٌ ينزف وأخلاقٌ تنتحب وتعاليمٌ دينية تتلاشى، ومن أراد إعادة أمتك إلى المحجة البيضاء من القادة والعلماء الأحرار وصموه بكل المقذعات ورموه بكل الموبقات واتهموه بكل المنكرات واستشاطوا ضده غضباً وحركوا كل كلابهم المسعورة لإسكاته والقضاء عليه، وما نراه من تكالب تحالف العاصفة على اليمن الميمون في سنوات عدوانهم الثمان وسُعارهم المتطاير ضد أحرار المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان والعراق ومحور الصمود والممانعة كاشف لأحفاد أبو لهب من صهاينة العرب وفاضحٌ لعدائهم الدفين والمتجذّر للإسلام ونبي الإسلام.
ووالله لو عاد إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن على ما نحن فيه من الضعف والوهن والابتعاد عن تعاليم الله لأخذ سوطاً وألهب به ظهور القادة والساسة والزعماء الغُثائيين من صهاينة العرب، وأعاد جمع أحرار أمته تحت رايته مُعلناً الجهاد المقدس من جديد لحماية الإسلام وحُرماته ومقدساته المُستباحة، وشرع في إعادة الحقوق المُستلبة من المسلمين المستضعفين، وكشف القناع عن علماء السلاطين وما ألحقوه بالأمة من خراب ودمار فكري ومعنوي، وجعل كلمة الذين آمنوا العليا وكلمة الذين كفروا السفلى كما أراد الله سبحانه وتعالى، ووضع يده الشريفة وقُدراته في يد كل مشروعٍ من شأنه أن يضرب أعداء الإسلام ويُذلّهم ويرفع راية أهل الحق ويُعزّ مُحبيه.
فهل حان الوقت للعودة الصادقة إلى ديننا والاقتداء بنبينا حين امتنع عن عطية الاستبعاد السياسي القرشي، فخدعها بالصبر عليها وعالجها بالترويض حتى أصبحوا المطية الذلول في فتح مكة!.