تجلّت الحكمة اليمانية بانتصار اليمنيين في إنهاء أزمة صافر وإنقاذ الخزان العائم الذي يبعد حوالي 4.8 ميلاً بحرياً عن ساحل محافظة الحديدة ويحمل ما يقدّر بنحو مليون و140 ألف برميل من النفط الخام.
يأتي ذلك بعد أكثر من ثمانية أعوام، من مماطلة دول تحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي في السماح بتصدير النفط الخام أو إجراء صيانة للسفينة وتفريغ حمولتها لتجنب حدوث كارثة بيئية وشيكة، على اليمن والمنطقة بصورة عامة.
إجراءات تفريغ السفينة صافر إلى سفينة بديلة، جاءت بعد مناشدات ومطالبات متكررة، من قبل السلطات الوطنية في صنعاء للأمم المتحدة بتحمل مسؤوليتها الكاملة لإيجاد الحلول الكفيلة بمنع تسرب النفط أو انفجار الخزان، وإجراء صيانة عاجلة للسفينة وتفريغ الكميات التي على متنها لتجنيب المياه الإقليمية في البحر الأحمر من مخاطر التلوث.
ومنذ ثماني سنوات، ظل تحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي الذي شن حرباً ضروساً على الشعب اليمني منذ 26 مارس 2015م، واستهدافه للبنية التحتية ومقدرات البلاد، يماطل ويمنع وصول الفرق الفنية التابعة للأمم المتحدة لدراسة وضع سفينة صافر والكارثة البيئية المحتملة التي تهدد الدول المطلة على البحر الأحمر.
ولم تكتف دول العدوان بمنع وصول الخبراء والفرق الفنية لإجراء أعمال الصيانة للسفينة، بل تعمّدت بشكل سافر التأخير في التعاطي مع هذه الأزمة لتحميل صنعاء كارثة تسرب النفط الخام من الخزان العائم أو انفجاره.
ولم تقتصر عرقلة التحالف الأمريكي السعودي على عدم السماح بتصدير كميات النفط الموجودة في الخزان العائم فحسب، لكن حقده وإجرامه بلغ مداه بمنع تزويد السفينة بمادة المازوت اللازمة لتشغيلها وصيانتها لحمايتها من التآكل والتلف.
ورغم النداءات المتكررة للأمم المتحدة والمجتمع الدولي والمنظمات المعنية بالبيئة، تحملت السلطات الوطنية في صنعاء المسؤولية وسعت بكل السبل والإمكانيات لإيجاد الحلول والمعالجات للسفينة لتلافي كل التهديدات بشأن النشاط الملاحي والسلامة البحرية.
تلك النداءات والمطالبات المستمرة، عجزت الأمم المتحدة في التعاطي الإيجابي معها تفادياً لانفجار الخزان العائم وحدوث كارثة بيئية سيكون آثارها وتداعياتها مدّمرة للبيئة البحرية في المنطقة والعالم الذي سيتضرر ممره البحري الدولي بهذه الكارثة.
وحرصاً من حكومة صنعاء، على تجنب الكارثة البيئية البحرية، واصلت توجيه الرسائل التحذيرية والمطالبات المتكررة والدعوات المستمرة، وأعربت عن الأمل في اضطلاع المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة ومجلس الأمن في اتخاذ قرار عاجل وإجراءات ملزمة، لتفادي ما يمكن حدوثه من كارثة وشيكة جراء أي تسرب نفطي قد يكلف ما يقارب 20 مليار دولار لتنظيف البيئة البحرية وفقاً لتقارير دولية.
حينها تلكأت الأمم المتحدة واكتفت بتقديم وعود سرابية، وتنصلت كعادتها عن القيام بمسؤوليتها كمظلة للدول الأعضاء المنضوية تحت سقفها، ومنها اليمن، وساومت بأزمة صافر من خلال تبرئة الجلاد وتحميل الضحية مسؤولية حدوث الكارثة.
استمرت مناشدات ودعوات سلطات صنعاء لكنها لم تلق أي تجاوب أو تفاعل من قبل الأمم المتحدة، وواصلت دول العدوان عرقلة مسار التوصل إلى حلول بشأن أزمة صافر سواء تفريغ كمية النفط الخام أو السماح بدخول فرق فنية لإجراء صيانة للسفينة، وكان ذلك بدافع المزايدة والابتزاز بهدف تحميل طرف صنعاء المسؤولية في هذا الجانب.
أطلقت صنعاء مبادرات عدة بشأن أزمة صافر تلافياً لخطرها الكارثي، وقوبلت بالرفض من قبل تحالف العدوان وحكومة الفنادق ومنها مبادرة الرئيس الشهيد صالح الصماد مطلع العام 2017 المتضمنة منح الأمم المتحدة دور العمل على السماح بتصدير المخزون النفطي بالسفينة وبيعه مقابل أدوية للشعب اليمني، وكذا دعوة عضو السياسي الأعلى محمد علي الحوثي في الأول من مايو 2019، للأمم المتحدة ومجلس الأمن، لوضع آلية تقوم على بيع النفط الخام اليمني، من سفينة صافر مقابل توفير واستيراد البترول والديزل والغاز المنزلي، وإعادة ما يتم بيعه إلى بنكي صنعاء وعدن، وتخصيصه لصرف مرتبات الموظفين.
واهتمت القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى بمعالجة أزمة صافر وتابعت بصورة مستمرة الخطوات الإجرائية والعملية بشأنها لإنجاح ما تم الاتفاق عليه مع الأمم المتحدة فيما يتعلق بتفريغ السفينة في أسرع وقت حفاظاً على البيئة البحرية من مخاطر التلوث الذي قد يتسبب بإعاقة الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب والمنطقة بصورة عامة.
تزامنت الإجراءات التعسفية والخطوات العدوانية، مع احتجاز تحالف العدوان للسفن النفطية والغازية وإعاقة إجراءات دخولها بصورة مستمرة إلى ميناء الحديدة لتفريغ حمولتها في تعمد واضح لخنق الشعب اليمني والتسبب في أزمات اقتصادية ومعيشية متوالية.
وبالرغم من تعقيدات وعوائق تحالف العدوان، بشأن أزمة صافر اتخذت السلطات الوطنية في صنعاء، خطوات من شأنها تفادي ومنع حصول كارثة بيئية على اليمن والمنطقة، وشكلت لجنة اشرافية لتنفيذ اتفاق الصيانة العاجلة والتقييم الشامل للخزان العائم صافر، تتولى تنفيذ عدد من المهام والاختصاصات في الحصول على نسخة من الوثائق المسلمة من شركة صافر إلى فريق الأمم المتحدة والعكس ومرافقة فريق الأمم المتحدة أثناء القيام بالأعمال على متن خزان صافر العائم وتسهيل وصول ومهمة فريق الخبراء الأممي والفريق الوطني لتنفيذ الاتفاق والإشراف على الالتزام بنطاق العمل الخاص باتفاق الصيانة العاجلة والتقييم الشامل.
وفي التاسع من مارس 2023م، أعلنت الأمم المتحدة توقيع اتفاقية لتأمين شراء “ناقلة نفط خام كبيرة” بديلة لاستخدامها في تفريغ أكثر من مليون برميل من النفط من الناقلة العملاقة المتهالكة صافر، الراسية قبالة ساحل اليمن على البحر الأحمر.
تزامنت هذه الخطوة، مع تقديم حكومة صنعاء إعفاءات للسفن العاملة مع فريق الأمم المتحدة لتسهيل تنفيذ مشروع إنقاذ الخزان العائم صافر تنفيذاً لتوجيهات رئيس المجلس السياسي الأعلى والتأكيد ضرورة الالتزام بالبرنامج الزمني للخطة واعتماد برنامج الصيانة المستمرة للسفينة البديلة.
ومع وصول السفينة البديلة “اليمن” إلى ميناء الحديدة، اعتبر وزير النقل عبدالوهاب الدرة، في مؤتمر صحفي، وصولها إنجازاً يتوّج جهود حكومة الإنقاذ التي أسهمت بدور فاعل في الإيفاء بكامل التزاماتها لإنهاء أزمة صافر التي استمرت سنوات طويلة ورافقها تضليل إعلامي من قبل العدوان وأدواته.
وشدد الوزير الدرة على ضرورة الصيانة الدورية لهذه السفينة حتى لا تتكرر المشكلة التي حدثت للخزان النفطي العائم صافر.
رئيس اللجنة الإِشرافية لتنفيذ اتفاق الصيانة زيد الوشلي، أشار في المؤتمر إلى الإجراءات التي تم الاتفاق عليها بالتنسيق مع الأمم المتحدة لتسهيل إنقاذ خزان صافر قبل حدوث كارثة بيئية في البحر الأحمر والمياه الإقليمية اليمنية.
ولفت إلى وضع الخزان والمعالجات التي اتُخذت عام 2014مـ قبل بدء العدوان على اليمن والمتمثلة بمشروع بناء خزانات برية تم إنجاز ما يقارب من 30 بالمائة من المشروع لتكون بديلاً عن خزان صافر العائم.. مشيرا إلى أن المشروع الذي كانت شركة صافر تبنت تنفيذه خلال تلك الفترة خيار معقول لإنقاذ السفينة من المخاطر والتهديدات المحتملة، لكنه تعرض للتوقف والانهيار بسبب العدوان على اليمن ومغادرة الشركة المنفذة.
ومع بدء تفريغ خزان صافر، يتطلع اليمنيون إلى إزالة المخاطر المحدقة بالبيئة البحرية في البحر الأحمر وتجاوز تحديات هذه الأزمة التي طال مداها وشكلت مصدر قلق للشعب اليمني.