نص الدرس السابع عشر لقائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي من وصية الإمام علي لابنه الحسن عليهما السلام 24-12-1444 هـ 12-07-2023 م:
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيم.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُــه؛؛؛
وصلنا بالأمس إلى قوله “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((رُبَّ دَائِبٍ مُفَرِّط))، هذا بعد قوله: ((سَوْفَ يَأْتيِكَ مَا قُدِّرَ لَكَ)). وتحدثنا بالأمس عن تلك الجملة المهمة والمفيدة: ((سَوْفَ يَأْتيِكَ مَا قُدِّرَ لَكَ))، أن عليك الأخذ بالأسباب، والعمل بشكلٍ صحيح، ولست أنت من يصنع الأقدار، اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو الذي يقدر لك، وما قدره لك سوف يأتيك. لذلك عندما تتحرك في إطار العمل والسعي، فلْتدرك هذه الحقائق: أن الذي عليك هو الأخذ بالأسباب، والعمل على وجه الصحة، وأن يكون أملك ورجاؤك في اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأن ما قدره اللّٰه لك سوف يتحقق، اجعل كل رجائك في اللّٰه، وأدرك أن الذي عليك: هو حسن النية، التوكل على اللّٰه، العمل بشكلٍ صحيح، والأخذ بالأسباب، وفي نفس الوقت، التوجه العملي وفق هدي اللّٰه وتعليماته. ولا تقتل نفسك غمًّا وهمًّا، وتفترض أنك أنت المعنيّ بخلق النتائج، وإيجادها مهما كان، أنت عليك الأخذ بالأسباب، والباقي هو إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هو الرحيم، العظيم، الكريم، والعالم بك، والعالم بجهدك، والذي لا يضيع جهود عباده الذين يحسنون أعمالهم، ينطلقون من منطلقات صحيحة وإيجابية.
((رُبَّ دَائِبٍ مُفَرِّط))، في بعض الحالات، هناك من هو مداوم ومستمر على عمله، يبذل الجهد، ويلازم العمل؛ ومستمرٌ فيه، ولكنه مع ذلك مفرِّط، فهو لا يصل بسعيه ذلك، وبعمله ذلك بالرغم من الاستمرار، والملازمة، والمداومة، لا يصل إلى النتيجة المرجوة، لماذا؟ لأنه لا يكفي فقط هِمَّة العمل، وملازمة العمل، والروح العملية، والتحرك في مجال العمل، من دون أن تعتمد على رؤية صحيحة، وبصيرة، وفهمٍ صحيح، وأن تأخذ بأسباب النجاح.
فلذلك البعض من الناس قد لا يتنبه لهذه الحقيقة، ويتصور أن المطلوب هو- فقط- الاستمرار في العمل، المواصلة للعمل، من دون تقييم لمستوى النجاح، تقييم للأداء، ومستوى النجاح في هذا الأداء، وهذه مسألة مهمة جدًّا؛ لأنه مما ينبغي أن نركِّز عليه: هو أن نرتقي في أدائنا العملي، حتى يكون لجهدنا العملي الثمرة والنتيجة المطلوبة. فمنذ البداية نحن ننطلق مثلًا بدافع حسن النية، بالنية الصالحة، ثم نأخذ بأسباب النجاح، ونسعى في أن يرتقي عملنا، ولذلك في دعاء زين العابدين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، في دعاء مكارم الأخلاق، علَّمنا أن ندعو اللّٰه بأن ينتهي بِنِيَّتِنَا إلى أحسن النيَّات، ((وَبِعَمَلِي إلَى أَحْسَنِ الأعمَال))، هذه روحية وأيضًا طَلِبَة نطلبها من اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ونسأله التوفيق لها، وفي نفس الوقت ينبغي أن نحرص على ذلك، وأن نسعى لذلك. فلا يكفي مجرد الاهتمام العملي، والجهد العملي، والاستمرار في العمل، والمداومة عليه، من دون الأخذ بعين الاعتبار تقييم هذا الأداء؛ إن كان بالشكل الصحيح، إن كان يصل بنا إلى النتيجة المطلوبة والمرجوة، أو أن فيه خللًا معيَّنًا، أو إشكاليةً معينة، أو أننا لم نأخذ فيه بأسباب النجاح، أو غير ذلك.
((رُبَّ دَائِبٍ مُفَرِّط وَرُبَّ سَاعٍ مُضَيِّع))، وأحيانًا قد يكون هناك في بعض الحالات من يسعى ويبذل الجهد، في مجالٍ معين، أو في عملٍ معين، ولكنه يضيع المقصود، قد يستخدم الأسلوب الخاطئ، الذي لا يصل به إلى المقصود أصلًا، بل ويسهم في أسلوبه الخاطئ في ضياع المقصود، وفعلًا بعض الأخطاء العملية ليس ضررها منحصرًا، في أنها لم تصل بك إلى الثمرة، وإلى النتيجة المطلوبة بل وتبعدك عن النتيجة المطلوبة، تُشكِّل عائقًا أحيانًا عن الوصول إلى النتيجة المطلوبة. فيجب أن يكون هناك مع الاهتمام العملي وهو مطلوبٌ جدًّا، والحركة العملية، هي مسألة ضرورية للغاية، يكون إلى جانبه: وعي، فهم، وأخذ بأسباب النجاح، وتقييم للعمل، مسألة التقييم للعمل، من أهم عوامل النجاح، وبالذات عندما ينطلق بموضوعية، عندما يكون بموضوعية، ومن منطلق الحرص على نجاح العمل، مسألةٌ مهمة.
وأحيانًا في بعض مجالات العمل يمكن كما سبق لنا في بعض المهام في قوله “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((وَلَيسَ كُلُّ طَالِبٍ يُصِيب))، أن بعض المهام التي قد يكلَّف فيها من يسعى، فلا يكون ناجحًا في سعيه؛ لما ينقصه هو مثلًا في أسلوبه، أو في مستوى كفاءته لأداء تلك المهمة، يمكن أن يقوم غيره بتلك المهمة، أن يسعى غيرُه، بدلًا عنه حتى لا يضيع شأنه، بالذات في المهام العملية، والمسؤوليات المهمة، ((وَرُبَّ سَاعٍ))، هو مهتم وجادّ، ويتحرك عمليًا بجد، وجهد، واهتمام، ولكنه مضيِّع؛ يضيِّع المقصود، ففي بعض الأمور ينبغي المراعاة لحُسن الاختيار لمن يسعى.
((التَّاجِرُ مُخَاطِر))، التاجر- في نشاطه التجاري وطلبًا للربح- عنده حافز كبير، وفي بعض الحالات يعتمد المخاطرة في حركته التجارية، قد يسافر من مناطق خطرة، قد يدخل في صفقات لا يضمن نتيجتها، قد يتحرك في بعض الأمور المخوفة، عنده حافز لذلك وهو طلب الربح، هناك جانب إيجابي من جهة، وجانب سلبي. الجانب الإيجابي: هو جُرأته في بعض المواطن التي تتطلب الجُرأة، تحتاج إلى جرأة، وفي بعض الحالات السلبية: تعتبر المخاطرة فيها غباءً، وتعتبر خطأً؛ لأنها ليست في الاتجاه الصحيح. فهناك مثلًا في بعض الظروف التي يخاطر فيها؛ في حركته مثلًا، غير المخاطرة في بعض الصفقات، يخاطر فيها في حركته، ولكنه بتلك المخاطرة يقدم خدمة للناس للمجتمع، يصل إليهم بمتطلباتهم، واحتياجاتهم، تلك المخاطرة وإن كانت تشكل خطورةً عليه هو، وعلى تجارته، لكنها في حال النجاح تخدم المجتمع، وفي بعض الحالات قد تكون مخاطرته في صفقة معينة، أو في مجال معين، على غير رَوِيَّة، على غير اعتمادٍ على عملٍ مدروس، وصفقة مدروسة، تسبب له الخسارة الفادحة. أما لو افترضنا أنه يخاطر فيما هو محرم، فهي خسارة على كل حال، وإثم، ووزر، وذنب.
فيستفاد من هذه الجملة؛ الجوانب الإيجابية: أن بعض الأمور تحتاج إلى جرأة، بعض الأمور المهمة التي يترتب عليها ثمرة مهمة، ونتائج إيجابية، وفيها قدرٌ، قدرٌ من المخاطرة، مستوى معيّن من التوقعات الخطيرة، فلا يمثل ذلك عائقًا، طالما أن عوامل النجاح أيضًا موجودة، عندما ندرس المسألة من جوانب متعددة، هناك مثلًا عوامل، واحتمالات، وتوقعات للنجاح، وهناك، عوامل وتوقعات للمخاطر، ولكن النتيجة التي نريد الوصول إليها هي مهمة، وإيجابية، ولها نتيجتها في الواقع، نتيجتها الجيدة في الواقع، فلا تؤثر علينا بعض الاحتمالات، والتوقعات التي فيها شيء من الخطورة، ما دامت عوامل النجاح والنتائج أرجح من ذلك وأكبر، وهناك ما يستحق، ما يستحق التضحية، ما يستحق التحمُّل، فيما لو حصلت أضرار معينة، أو مخاطر معينة، ما يستحق التحمُّل، هذا هو الجانب الإيجابي.
أما الجوانب السلبية فواضحة، عندما تكون المخاطرة هي الراجحة، والنتيجة ليست تستحق تلك المخاطرة، ولا هي في مستوى ما يترتب على ذلك؛ إن حصل شيءٌ ما، ضررٌ ما، خطرٌ ما، ففي هذه الحالة يجب الحذر، والانتباه، والكف عن ذلك، كما يفعله التجار المحترفون، الناجحون، وإن خاطر فمخاطرته أيضًا محسوبة، وهو يدرك متى يخاطر، ومتى لا يخاطر، وما هي الأمور التي تُعتبر المخاطرة فيها مغامرة خطيرة، قد تكون لها آثار كارثية عليه.
((وَرُبَّ يَسِيرٍ أَنْمَى مِنْ كَثِيرٍ))، وهذه أيضًا قاعدة في أشياء كثيرة، في الأعمال، أحيانًا العمل الذي أتيت به على وجه الصحة، وبنيته على أساس صحيح، وهو قابل للنمو، إيجابيته أكثر أو أكبر من الأعمال الكثيرة؛ من عملٍ كثير لكنه سينتهي أو يتلاشى، أو ليس قابلًا للنمو. وهذا يرشدنا إلى أن نلحظ في الأعمال الكيف، وليس فقط الكم، أن نلحظ جودة العمل، صحة العمل، قابلية العمل للنمو، وللاستمرار، تثبيت وترسيخ قواعد وأسس النجاح في ذلك العمل، فهذه مسألة مهمة جدًّا، يعني لا تكون اهتماماتنا في مسألة العمل فقط تتجه إلى الكم، الكثير كيفما كان، ولو بشكلٍ عشوائي، ولو كان سيتلاشى، أو تكون فائدته محدودة، ونتيجته وثمرته بسيطة، هذا العمل الذي تبدأ به ولو كان بدايةً محدودة، لكنك وهو لا يزال يسيرًا في البداية؛ لكنه قابلٌ للنمو، أنت أسست عملًا صحيحًا، عملًا جيدًا، عملًا ثابتًا، عملًا قابلًا للنمو، وثمرته المستقبلية مهمة، وثمرته كبيرة. فهذا إرشادٌ مهم في مسألة العمل الذي يقبل النمو وهو مبنيٌ على أسس صحيحة، وألا نلحظ فقط المجازفة في أعمال معينة نلحظ فيها الكم، ولا نلتفت إلى مدى نجاحها، إلى مدى تأثيرها، إلى إمكانية استمرارها، إلى إمكانية نموها، وغير ذلك.
((لَا خَيْرَ فِي مُعِينٍ مَهِينٍ))، التعاون على البر والتقوى: هو من أهم ما أمرنا اللّٰه به “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم، قال “جَلَّ شَأنُهُ”: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة: 2]، والتعاون له ثمرة مهمة في الواقع، وكل الأعمال التي يتهيأ فيها التعاون بشكلٍ صحيح، تكون الثمرة كبيرة؛ لأن ثمرة الجهد الجماعي، المنظم، الصحيح، ستتفوق بلا شك على المجهود الفردي، وبركتها، ونتيجتها أكبر وأهم، ويمكن بذلك تحقيق ما لا يمكن تحقيقه أصلًا بالمجهود الفردي، المجهود الفردي له سقف محدد، إمكانية محددة، نتيجة محددة، لا يرقى إلى مستوى المجهود الجماعي الناجح والصحيح. وفي الواقع عندما نتحرك بالتعاون؛ يجب أن نتحرك بدافعٍ إيماني هذا أولًا، ثم أن نتحلى في أدائنا العملي بقيم الإسلام وأخلاقه، ولذلك عندما تتحرك لِتُعِين، كيف تتحرك وأنت إنسان مُعِين بما تعنيه الكلمة، تساهم فعلًا في نجاح ذلك العمل، في تحقيق نتيجة في ذلك العمل.
إذا كان الإنسان الذي يُعِين إنسانًا سيئًا، إما أنه مَهين في نفسه؛ يعني هو إنسان هَيِّن، لا كرامة فيه، لا احترام عنده للأمور، جريءٌ على فعل الإساءة، جريءٌ على الإخلال بالعمل نفسه، فهو لن يؤدي دوره بما يسهم فعلًا في نجاح العمل بشكل صحيح ومشرِّف، بل قد يكون دوره سلبيًا، في الوقت الذي يُنتظَر فيه أن يكون- وينتظر منه أن يكون مُعِينًا، هو يسهم سلبًا؛ بسلبيته هو، بمقدار ما هو سيء وما فيه من سوء، هو يشوِّه ذلك العمل، هو يسيء فيه، هو يعمل ما فيه إخلالٌ به، وتأثيرٌ سيءٌ عليه، فينقلب دوره من مُعِين بما تعنيه الكلمة، إعانة حقيقية، إلى مخرِّب، إلى مسيء، إلى مشوِّه، وفي مجال المسؤوليات والأعمال المهمة، يكون الضرر أبلغ، والتأثير السيئ أكبر، وكذلك يكون لذلك النتائج السيئة في واقع الناس؛ مدى استيائهم من ذلك شخص الذي قد يستغل أيضًا موقعه كمُعين، قد يستغله استغلالًا سيئًا، فتحول دوره إلى دور سيء.
أما في العبارة بصيغة أخرى مُهين، ((لَا خَيْرَ فِي مُعِينٍ مُهِينٍ))، فهو أيضًا كذلك لا خير فيه، إذا كان في مقابل ما يقدمه من جهد، يوجه إليك الإهانات، يسيء إليك، يتكلم معك، فهو في مقابل ما أعانك به، قد أساء إليك أكثر وأكثر، ووجه الإهانات إليك كثيرًا، فأنت لا تهنأ بدوره المعين لك، بل أنت استأت، تضايقت منه كثيرًا، جرح مشاعرك كثيرًا، وهي من الأشياء السيئة. البعض من الناس إذا أعان، لا يلحظ القيم المطلوبة، قيم الإسلام، أخلاق الإسلام، في أن يؤدي دوره بشكل صحيح، ليكون فعلًا مُعِينًا بشكل صحيح، فكأنه تحمَّل الطامَّات الكبرى، يُعِين لكن بضيق نفس، يُعِين وهو معقَّد، وكأنه مجبور على ذلك، وقد يوجه الإهانات والإساءات، وإذا حصل أبسط خطأ قابله بأكبر إهانة، فيتحول دوره إلى دور سيء لا خير فيه، ولذلك ((لَا خَيْرَ فِي مُعِينٍ مَهِينٍ))، ولا في مُعينٍ مَهين، لا مَهين ولا مُهين، كلاهما لا خير، لا خير فيه، فقدَ خيريَّته، ليس فيه خير؛ لأنه حوَّل دوره إلى دور سيء، بدلًا من أن يُعِين بشكلٍ صحيح، وبشكلٍ إيجابي. فالإنسان الذي هو بذلك الشكل: هو جريء على الإساءة، جريء على خيانة في العمل، جريءٌ أيضًا على التفريط في العمل، وأيضًا- وهو يؤدي دوره كمُعِين- يسيء التعامل، بكل ما لذلك من تأثيرات سيئة، فكِلا هذين النوعين لا خير فيهما، في الاستعانة بهما، والاعتماد عليهما.
((وَلَا فِي صَدِيقٍ ضَنِينٍ))، الصديق الذي هو بخيل، لا خير فيه، قد يخذلك وأنت في الظرف الصعب، فلا يُعينك ولا يسهم معك أحوج ما تكون إليه، فهو ذلك الذي يخذلك ويتركك من دون إعانة، ولا يسهم معك بشيء، مهما توفر لديه؛ لأن عنده عِلَّة البخل، وهي عِلَّة سيئة جدًّا: هي من المساوئ الفظيعة في صفات الإنسان؛ البخل– والعياذ بالله. اللّٰه توعد البخلاء بالنار: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النساء: 47]، صفة سيئة، يعني أنه إنسان لا يمكن الوثوق به، ولا الاعتماد عليه.
وكذلك بالمفهوم الآخر للعبارة؛ لأنها تستخدم الضنين: بمعنى البخيل، وتستخدم أيضًا بمعنى المتَّهَم، كذلك الشخص المتَّهَم؛ يعني الذي ليس محلًا للثقة، ليس محلًا للثقة، هو مشبوه، لم يظهر من واقعه ما يُطَمئِن تجاهه، لا ينبغي الاعتماد عليه إلى درجة أن يكون صديقًا، وأن تتبرع أنت بإعطائه الثقة، من دون أن يكون هناك ما يثبت في واقعه أنه شخصٌ موثوقٌ، ويُعتمد عليه.
((سَاهِلِ الدَّهْرَ مَا ذَلَّ لَكَ قَعُودُهُ))، أصل القَعود: الجمل الذي يُركب، من بداية ما يمكن أن تركب على الجمل، يسمى قَعود، يسمى قَعودًا، فعندما يُذلَّل لك، يعني أصبح قابلًا لأنْ تركب عليه، وهذا تشبيه لظروف الحال، فعندما قال: ((سَاهِلِ الدَّهْرَ مَا ذَلَّ لَكَ قَعُودُهُ))، يعني حينما يكون منقادًا لك، بمعنى استفِد من الظروف المواتية بمقدار ما يمكن، لا تحمِّلها فوق الإمكان، ولا تُحمِّل أنت نفسك فوق طاقتك.
أحيانًا يكون عند الإنسان اهتمام زائد، يريد أن يحصل في بعض الأمور، أو في بعض الأعمال فوق الممكن، عنده اهتمام، الاهتمام صفة إيجابية، لكن لو أصبح الإنسان في اندفاعه واهتمامه غير واقعي، بمعنى أنه يريد أن يتجاوز حتى الظروف الممكنة المتاحة، ويريد أن يحقق فوق ما يمكن تحقيقه، فهو إما سيترك الممكن، البعض يفعل ذلك، يتعلق بغير الممكن، وينشغل بغير الممكن، ويعطل الممكن، ويهمل الممكن، وفي الممكن الخير الكبير، وأحيانًا يكون السبيل للوصول إلى ذلك الذي ليس ممكن حاليًا، هو فِعلُ الممكن، إذا فعلته الآن أمكن لك فيما بعده أن تصل إلى ذلك الذي تطمح إليه ولم يكن ممكنًا. كثير من الأمور لا يمكن فيها الطفرات والنقلات، التي تتجاوز فيها الوسائل الأساسية، والمراحل الأساسية التي هي لابد منها في الوصول إلى ذلك المستوى من الإنجاز، أو من المتطلبات التي تسعى لتحقيقها. فليكن عندك وعيٌ بمستوى ما يمكن أن تحصل عليه، أو أن تعمله في ظرفك ذلك، ثم تسير في ذلك بحسب الإمكان، وتستفيد من تلك الظروف بقدر ما هي متاحةٌ أمامك، وأن تحسن الاستفادة منها في ذلك. إذا أصبحت الأمور فعلًا صعبة، إذا تصعَّب الظرف، واحتاج إلى جهد أكبر، كان عندك استعداد لبذل جهدٍ أكبر، وسعيٍ أكبر، لكن طالما والظروف مواتية استفد منها بقدر ما هي مواتية.
((وَلَا تَبْنِيَنَّ فِي أَمْرٍ عَلَى غُرُورٍ))، ما تعتمد عليه في أمورك وأعمالك: يكون شيئًا واضحًا، لا لبس فيه، وليس فيه غفلة، أو جهالة، أو خديعة، اِبنِ في أمورك العملية، في عقودك، في إجراءاتك: على الأشياء الواضحة، على الأشياء البيِّنة، على الأشياء الوثيقة التي يمكن أن تكون محل اعتماد، وليس على المجازفات، ولا على الجهالة، ولا على الغموض، ولا على الالتباس.
((مَنْ حَلِم سَادَ، وَمَنْ تَفَقّهَ ازْدَادَ))، الحِلم صفة مهمة جدًا، من صفات الكمال الإنساني، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أثنى في القرآن الكريم على نبيه وخليله إبراهيم “عَلَيهِ السَّلَامُ” بصفة الحِلم: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ}[هود : 45]، وكذلك على نبي الله إسماعيل، حينما بشَّرَ به والده: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}، فالحلم صفة مهمة جدًّا، وهي صفة مطلوبة لكل إنسان مؤمن، فإذا كان الإنسان في موقع مسؤولية، أو ذو وجاهة، أو أنه ذو وجاهة، فهو بحاجة أكبر إلى هذه الصفة، وهي ذات أهمية كبيرة لموقعه ولدوره ولمسؤوليته.
ومن أهم ما في الحلم، والحليم: هو الذي لا يستخفه الهوى ولا الطيش، لا ينزل وراء أهواء النفس في الأمور السيئة، في الأمور السخيفة، في الأمور التافهة، لا ينحطّ في الأمور السيئة، وكذلك في حال الغضب، لا يُستخف في حال الغضب والانفعال، فيتصرف بدون رُشد، بدون توازن، بدون مقتضى الحكمة.
ومن أهم ما في الحلم: هو السيطرة على النفس في حالة هيجان الغضب والانفعال، هذا من أهم ما في الحلم، ولذلك من المهم أن يتعود الإنسان، ((وَلَنْ تَسْتَطِيعَ الحِلْمَ حَتَّى تَحَلَّمَ))، أن يتعود الإنسان على الحلم، وهو يعبر عن أخلاق راقية، إذا تحلى به الإنسان، عن وعي، عن رشد، عن زكاء نفس، إذا كان الإنسان بهذه الصفة، لا يستخفه الهوى، لا يستخفه الطيش، يضبط نفسه عند الانفعال، يسيطر على نفسه عند هيجان الغضب، وبالتالي يتعامل مع الأمور برشد، بحكمة، بمراعاة الأصوب والأنفع، وليس وفق غضبه، الكثير من الناس إذا غضب، تصرف وفق غضبه، بل حرص على أن يكون إما كلامه أو فعاله، بما يرضي حالة الانفعال لديه، فسيتكلم بأقسى كلام، بمقدار حالة الغضب والانفعال، يتحول في تلك الحالة يشتغل ويعمل بشكل غريزي كالحيوان، بالحالة النفسية؛ ليس بالمسؤولية، ليس بالرشد، ليس بالقيم، ليس بالأخلاق، فهي حالة خطيرة جدًّا، وأخطر شيء في ذلك من هم في موقع مسؤولية: هم الأحوَج إلى الحلم، ومن لهم وجاهة في الناس وتأثير في المجتمع، هؤلاء هم من أحوج الناس إلى صفة الحلم.
وهناك مسؤوليات وأعمال ذات احتكاك بالناس، تحتاج إلى حلم أكثر من غيرها، تحتاج إلى هذا المعنى: السيطرة على النفس عند الغضب والانفعال، والعمل في تلك اللحظات ليس بمقتضى دافع الغضب، ولا وفق الحالة النفسية، ولا بالمزاج الشخصي، بل الابتعاد عن تلك الحالة تمامًا، والنظر فيما هو الأصوب، والأرشد، والأنفع، الأوفق للصواب.
ولذلك الحليم هو الأكثر صبرًا على الأذى من الناس، والتحمُّل للمكروه، والناس يعظِّمون فيه هذه الصفة، ينظرون إليه بإكبار واحترام، بل يجدون فيه هو ملاذًا لحل مشاكلهم؛ لأنه لصبره وتحمله للأذى، هو يُبدي حرصًا على الناس، ويترفع عن كثير من المشاكل، وهو الأوفق لأنْ يحل مشاكل الآخرين، يجدونه هو الأقرب إلى أن يكون عنده حرص على حل مشاكل الآخرين، بل وأن يهدئهم هم، أن يحاول أن يقلل من انفعالهم، من غضبهم، أن يصل بهم إلى القناعة في حل همومهم ومشاكلهم، فيجدون فيه الأمل لأنْ يساعدهم هم في حل مشاكلهم، وينظرون إليه بما هو فيه من حلم، إلى أنه يسودهم، يعني هو في منزلة رفيعة عندهم في كماله، وفي دوره في واقعهم، يعودون إليه في أمورهم، في مشاكلهم، في همومهم، فهي صفة مهمة جدًّا: صفة الحلم، وينبغي التركيز عليها وبالذات من هم في موقع المسؤولية، وكلما كبرت مسؤولية الإنسان كان عليه أن يحرص على أن يكبر معها أيضًا حِلمه، أن يكون حليمًا وأن يتحلَّم، يتعود على هذه.
((وَمَنْ تَفَقّهَ ازْدَادَ))، من تفهَّم دين اللّٰه، وتفهَّم هدى اللّٰه، وتفهَّم تعليمات اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وتوجيهاته، وحرص على معرفة دينه، فهو يزداد من الكمال، يزداد من الخير، يزداد في أخذه بأسباب النجاح، ويرتقي.
((لِقَاءُ أَهْلِ اَلْخَيْرَاتِ عِمَارَةَ اَلْقُلُوبِ))، قد يجد الإنسان في مشاعره فتورًا عن التفاعل مع الأمور المهمة، مع الأعمال الصالحة، مع أعمال الخير والبِر، فإذا لقي أهل الخيرات؛ من هم القدوة في قولهم وفعلهم، في اهتمامهم بالخيرات ومسارعتهم إليها، كان في ذلك حياة قلبه، عمارة قلبه، تحركت مشاعره إيجابًا بشكل أكبر، وتنشَّط لفعل الخير؛ لأنه يجد معه نماذج راقية، تظهر على اهتماماتها وأعمالها جماليةُ فعل الخير، جمال فعل الخير، يظهر على أعمالها واهتمامها، والحالة هي حالة إيجابية وجذابة أصًلا. فإذا شاهد الإنسان أهل الخيرات بروحيتهم العالية، باهتمامهم الكبير، بإحسانهم، بمسارعتهم، بأخلاقهم الكريمة، ينجذب، وينتعش، ومشاعره بالخير كذلك تتأجَّج، مشاعره تتفاعل وتتحرك لفعل الخير.
((إِيَّاك أَنْ تَجْمَحَ بِكَ مَطَايَا اللَّجَاجِ))، اللَّجاج: الخصومة، والإنسان إذا دخل في الخصومة بشدة، وركب المطايا فيها بلدادة، بلحاج، بمبالغة في الخصومة، فهو قد يتجاوز الحق، وقد يتجاوز العدل، وقد يتجاوز ما لا ينبغي تجاوزه، مما يشوهه، قد يصل إلى الظلم، قد يتورط في الظلم، قد يتورَّط في أعمال سيئة ويشوِّه نفسه، وهذه مسألة خطيرة جدًّا على الإنسان. الإنسان في حالة الخصام يجب أن يكون منضبطًا بضوابط الشرع، والأخلاق، والقيم، والحق، والعدل. والقران الكريم بيَّن الحالة السيئة في اللُّدِّ في الخصام، والمبالغة في الخصومة: أنها لا تنسجم بأي حالٍ من الأحوال مع تقوى اللّٰه ومع الإيمان، هي حالة خطيرة جدًّا، ولهذا يقول في القرآن الكريم: {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}[البقرة: من الآية 204]، من؟ الذي قال عنه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}[البقرة: 206]،.
{وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}، يبالغ في خصومته، شديد الخصومة، البعض من الناس وكأنه يحب الخصومة، عنده دافع عدائي عدواني، وسلبي، وشرير إلى حد عجيب، فهو يصر على الاستمرار في الخصومة، ويبالغ في الخصومة، يَفجُر، يظلم، يعتدي، يتجاوز القيم، يتجاوز الأخلاق، لا يلتزم بأي ضوابط من ضوابط الإسلام وتعليماته، حالة خطيرة جدًّا. الحالة هذه قد يكون وراءها إما كِبر في نفس الإنسان؛ هو إنسان متكبر، أو قِلَّة خير، قلة دِين، قلة إيمان، قلة تقوى، وارتفاع منسوب الحالة النفسية السلبية؛ حالة السخط، حالة السوء، حالة الكره، الحقد، العُقَد، النزعة الانتقامية السيئة جدًّا، الحالة الشريرة في نفسه، حالة الشر، حالة الشر متأججة فيه، وحالة الخير منسوبها ضعيفٌ فيه، فهي تدفعه إلى أن يتعامل ولو مع أبسط مشكلة، بشكل كبير جدًّا، ويبالغ في التعامل مع أبسط إشكالية. إذا كانت خصومته في أي موضوع فهو سيتعامل ويبالغ في الخصومة، يبالغ في موقفه، وأبسط مشكلة وكأنها قضية القرن الحادي والعشرين، وكأنها أكبر مشكلة في الدنيا، قد يقول أي شيء، قد يتعامل بأي طريقة، قد يجازف، ولهذا: البعض من الناس لهذا السبب يتورطون في جرائم، يقابل كلمة استفزته بقتل، بجريمة قتل، أو يقابل قضية معينة أو تصرُّف بسيط، تصرفًا بسيطًا يقابله بتصرف عدواني كبير، فهو في حالة خصام شديدة جدًّا، أبسط شيء وقابله بأكبر منه بكثير. ثم إذا دخل في مشكلة، لا يريد الخروج منها، لا يحمل روحية الإنصاف، ولا روحية التسامح، مهما كان هناك من جهود، وإنصاف، لا يقابل الإنصاف بالإنصاف، ولا يحمل روحية التسامح، حتى لمن اعتذر إليه، وحاول أن يحل مشكلته معه، فهي حالة خطيرة جدًّا، ولهذا قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عن مشركي قريش ومَن على شاكلتهم: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}[الزخرف: من الآية 58]، وقال: {وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا}[مريم: من الآية 97]، لُدَّا، قومًا لُدَّا: يصرّ على مشكلته ولا يريد الخروج منها، لا يقابل الإنصاف بالإنصاف، ولا يتسامح مع من يريد أن يتسامح معه، وأن يحل المشكلة معه، ولا يتفاهم مع من يريد أن يتفاهم معه، يصر على المشاكل، عنده عُقد متجذرة في نفسه، يحسب المشكلة ثم تبقى مشكلةً أمد الدهر، ولا ينفع شيءٌ للتخلص منها!
فحالة الخصام إذا كانت متأججة لدى الإنسان، فجَمحَت به مطِيَّةُ اللَّجاج، المبالغة في الخصومة، جاوزت به الحد المعروف، الإنصاف، العدل، الحق، الخير، التسامح، القيم العظيمة، فهي ستورطه في الإساءة، تورط البعض في الجريمة، تسبب للبعض عُقدًا مستمرة في حياته، والبعض بسبب ذلك قد يدخل في جفاء حتى مع قريبه، مع أخيه، البعض مع والده، البعض مع ابنه، البعض مع صديقه، مع صاحبه، مع إخوته، البعض مع رفقائه في العمل، الواقع بينه وبينهم معقد، ومشاكل مستمرة، وتعقيدات صعبة، حلحلتها صعبة؛ لأنه متشبث بالعُقد، لا يتقبل معالجة الأمور، حل الإشكالات، إنهاء الخصومات، يتشبث بها.
((لَا تَسْتَوْثِقُ بِثِقَةٍ رَجَاءً))، يعني الأمور التي ينبغي أن تعتمد فيها على وثيقة، على أمور موثوقة، على أشياء ثابتة، لازمة، تُعتبر أو معتبَرة في اعتبار الشرع، في اعتبار العرف، لا تستبدل عن ذلك مجرَّد الرجاءِ والأملِ في معاملاتك مع الآخرين، وهذا يحصل فعلًا مع الثقة طبعًا، مع الاطمئنان، تجري كثيرٌ من المعاملات، بين الأصدقاء، بين الأصحاب، مما ينبغي أن تُبنى على أسس موثوقة، معتبرة شرعًا، وموثقة بما يحفظ الحقوق، بما يحدّ من النزاع مستقبلًا، فيُكتفى عن ذلك بالرجاء، أن هذا رجل أنا أؤمل فيه، أنه سيكون صادقًا معي في المستقبل، أنه سيكون وفيًا بالتزاماته، أنه لن يتعامل مستقبلًا بخلاف ما اتفقنا عليه في ذلك، ثم يتغير الأمر في المستقبل.
فالأمور التي ينبغي أن تُبنى على مستندات صحيحة، على وثائق مُلزِمة شرعًا وعُرفًا، على أسس موثوقة ومؤكدة لا تقبل النقض: لا ينبغي الاعتماد فيها على الآمال، والرجاء، والانطباعات، والمشاعر الإيجابية؛ لأن اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” شرع للناس فيها أن تُبنى على أسس واضحة وموثقة، حتى يكون ذلك عاملًا على نجاحها، وأيضًا في حال الاختلاف مستقبلًا، أو ظهور إشكالات مستقبلية، يكون هناك ما يحفظ الحق ويصونه، وهذا طبعًا يدخل في أشياء كثيرة، إنما هذا على سبيل المثال.
((وَلَا تُخَاطِرْ بِشَيءٍ رَجَاءَ أَكْثَرَ مِنْهُ))، المخاطرة بما هو في يدك، أملًا في الحصول على ما هو أكبر، من دون أن يكون هناك أسس تستند عليها في إجراءك ذلك: هو تصرفٌ خاطئ قد يسبب لك الندم، فقد تخسر ما بيدك، ولا تحصل على ذلك الشيء الكثير الذي أمَّلته، وفي نهاية المطاف تصبح مفلسًا، وتندم على ذلك. فالذي بيدك: هو شيءٌ موجود، وأنت متحقق منه، وذلك الشيء الذي أنت ترجو أن تحصل عليه؛ ولكن ليس من خلال وسيلة صحيحة، ومقدمات تصل بك باطمئنان إلى تلك النتيجة، أو على الأقل الشيء الطبيعي أنه يفترض أن تصل بك إلى تلك النتيجة، أن تصل بك تلك المقدمات إلى تلك النتيجة، لكن مجرد المخاطرة ليست أسلوبًا صحيحًا، هذا يدخل في معاملات تجارية، في أعمال وأشياء متعددة.
((جُدّ بِالْفَضْلِ))، كن إنسانًا يجود، يتفضل على الآخرين، يحسن إلى الآخرين، احمل روحية الإحسان مما بيدك، مما منَّ اللّٰه به عليك، مما بإمكانك أن تقدمه إلى الآخرين، أو تُحسن به إلى الآخرين، بحسب إمكاناتك، وبحسب مستوى تأثيرك.
((وَأَحْسَنِ اَلْبَذْلَ))، ما تبذله، قدِّمه بطريقة راقية، بدون منٍّ ولا أذى، ليس بطريقة مسيئة، ولا مُهينة، ولا فيها احتقار، ولا فيها إساءة، وبشكلٍ متوازن، مثلما قال اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم في تعليم مهم يضبط لنا حالة العطاء: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}[آل عمران: 29].
((قَلَّ لِلنَّاسِ حُسْنًا))، ما تقوله للناس وما تتخاطب به مع الناس، طريقتك في الكلام مع الناس، ركِّز فيها واعتمد فيها على أن تقول ما هو حُسنٌ، أن تقول الحُسن للناس، يعني كلامًا حسنًا، يعني نظِّف كلامك من الكلام المسيء، الجارح لمشاعر الناس، المحتقر، تعامل مع الناس بكلام محترم، سليم مما فيه إساءة، مما فيه جَرحٌ للمشاعر، وهذه مسألة مهمة، {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: من الآية 83].
((قَلَّ مَا تَسَلَمُ مِمَّنْ تَسَرَّعَتَ إِلَيْهِ))، إذا تسرَّعتَ إلى إنسان بالإساءة، فتوقَّع، توقع ردود الفعل السلبية من الناس إذا كنت مسيئًا إليهم؛ لأن البعض من الناس هو جريء في كلامه المسيء إلى الناس، بحسب التعبير المحلي في (لقافته)، يعني تجاوزه في الكلام، يبادر الآخرين بالكلام المسيء، بالكلام الجارح، بالتدخُّل فيما لا يعنيه، ثم إذا حصلت ردود أفعال يغضب، مشكلة عنده، ويريد من الناس جميعًا ألا يقابلوا إساءته إليهم، أو كلامه الجارح فيهم، أو تدخله فيما لا يعنيه من خصوصياتهم، ألا يقابلوه بكلامٍ جارح. فإذا كنت إنسانا لا تلتزم بهذه القيم ولا الأخلاق، فتوقَّع أن تحصل ردود الفعل تجاهك بنفس الشاكلة، بنفس الطريقة، أسأت، توقع الإساءة إليك بشكل كبير، كنت تتدخل فيما لا يعنيك، توقع من الناس ردود الفعل، وهكذا. فالأفضل لك إذا أردت السلامة من كثير من الإساءات، من كثير من المشاكل، من كثير مما يجرح مشاعرك، فاحترم نفسك أنت يحترمْك الآخرون.
((أَوْ تَنْدَمُ أَنْ تَفَضَّلْتُ عَلَيْهِ))، يعني قَلَّ أن تندم إذا كنت إنسانًا متفضلًا، إذا كنت تجود بالفضل على الآخرين، وتُحسن إلى الآخرين، فالحالات التي قد تندم فيها على إحسان إلى شخص: هي حالات نادرة، قَلَّ أن تندم. فإذًا سلوك الفضل والجود والإحسان: هو الأولى بك، والأسلم لك، والأفضل لك، والأرقى لك، والأعظم قربةً إلى اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
((مِنْ اَلْكَرَمِ اَلْوَفَاءُ بِالذِّمَمِ))، من كرم النفس، من أصالة نفسك، من طيب نفسك، من زكاء نفسك، من صلاح نفسك، من الخير في نفسك، من الشهامة، ومن الكرامة: أن تفي بذِمَمِك، يعني تفي بالتزاماتك، وما في ذمتك، وما التزمت به، الوفاء بالالتزامات مسألة مهمة، والوفاء بالعهود، والوفاء بالعقود، إلى غير ذلك. فعادة الكرام من الناس، وأهل الشهامة، وأهل الشهامة والوفاء، الذين ليسوا دنيئين في أنفسهم، حريصون، هم حريصون على كرامة أنفسهم، على ألا تصدر منهم خيانة، غدر، تنكُّر لما تعهدوا به، أو التزموا به.
((الصُّدُودُ آيَةُ الـمَقْتِ))، الصدود: الإعراض إلى درجةٍ تفوق مستوى الوحشة أو حالة الحالة حالة الفتور في العلاقات، بل عندما يصل الإعراض إلى حد كبير، إلى حد المباينة، فهو علامة المقت، يعني علامة الكُره، من هو مُعرض عنك، لا يرغب بالتعامل معك، ولا بالعلاقة معك، ولا وهو ينفر من ذلك، يبتعد من ذلك، فعلامة أنه لا يرغب أصلًا بالعلاقة معك، علامة المقت.
((الاِنْقِبَاضُ يَجْلِبُ العَدَاوَةَ وَالخُلْطَةُ تُورِثُ الَمَحَبَّة))، الانقباض الذي هو ناتج عن حالة نفور وتباعد، يسبب فجوة كبيرة في الواقع المجتمعي، حتى ما بين الأقارب، ما بين الأصحاب، ما بين الآخرين كمجتمع معين مثلًا، بينما الاختلاط بينهم واللقاء له أثر إيجابي في النفوس، لكن مع الابتعاد يمكن أن ينجح الواشون، أن ينجح سُعاة الشر، أن ينجح النمَّامون في أن يوجدوا فجوة كبيرة، قد تصل بالبعض إلى درجة العداوة، وهذا يحصل للبعض، مع ابتعادهم عن بعضهم البعض، وعدم رغبتهم في اللقاء ولا الاختلاط، ومع النشاط الذي يقوم به النمَّامون، وسُعاة الشر، والمغرِضون والواشون، يصلون بالبعض إلى مستوى العِداء فيما بينهم، بينما الخُلطة واللقاء والحديث من قريب، والتعامل الإيجابي المباشر، يورث المحبة؛ له هذه الثمرة الإيجابية.
((كَثْرَةُ العِلَلِ آيَةُ المَلَل))، كثرة العِلل: عندما يكون الإنسان يُكثر من العلل في عمل معين، أو في قضية معينة، أو في علاقة معينة؛ فهي علامة على مَلَلِه، وهذا شيءٌ صحيح وواقعي، البعض من الناس إذا أصبح لا يرغب في أن يستمر في عمل هو فيه، قدم الكثير والكثير من الإشكالات، ويستمر في ذلك في كل وقت، والمسألة أنه قد ملّ من ذلك العمل، وهكذا في أمور مشابهة.
((مِنْ الكَرَمِ صِلَةُ الرَّحِم))، من كرم النفس ومن كرم العطاء؛ من الجود، من الدلائل على الإنسان كريم: عندما يصل رَحِمَه. الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بقدر ما أمر بالإحسان إلى الناس، أيضًا أمر وأكثر من ذلك بصلة ذوي الأرحام، عندما يأتي الأمر بالإحسان يقدم في كثير من الآيات القرآنية التي تحدثت عن ذلك: الأرحام قبل غيرهم من الناس، {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى}[النساء: من الآية 36]، تأتي المرتبة الثانية بعد الوالدين: ذوي القربى الأرحام؛ لأن البعض من الناس يكون كريمًا لكن للآخرين؛ أما أرحامه، أما أقاربه فليس كريمًا إليهم، ولا محسنًا إليهم.
((التَّجَنِّي وَجْهُ القَطِيعَة))، التجني: الادِّعاء على الآخرين بما ليس فيهم، عندما توجِّه إلى آخر تهمة، أو توجه ضده دعاية هو بريء منها، فأنت تتجنى عليه، تنسب إليه ما بريء منه، تتكلم عليه بما ليس فيه، تقول عنه ما ليس فيه، هذا هو التجني، والذي يفعل ذلك هو المُقاطِع، هو الذي قد وصل معك إلى درجة المباينة والقطيعة، إذا كان يرعى الأخوَّة، إذا كان يرعى الصحبة، إذا كان يرعى الألفة، إذا كان يرعى مبدأ الأمة الواحدة؛ فهو سيحترم نفسه عن مثل هذا التصرف.
((اِحْمِلْ نَفْسَكَ مِنْ أَخِيكَ عِندَ صَرمِهِ عَلَى الصِّلَةِ، وَعِندَ صُدُودِهِ عَلَى اللُّطْفِ وَالمُقَارَبَةِ، وَعِندَ جُمُودِهِ عَلَى البَذْلِ، وَعِندَ تَبَاعُدِهِ عَلَى الدُّنُوِّ، وَعِندَ شِدَّتِهِ عَلَى اللَّينِ، وَعِندَ جُرمِهِ عَلَى العُذرِ، وَإَيَّاكَ أَنْ تَضَعَ ذَلِكَ فِي غَيرِ مَوضِعِهِ، أَو أَنْ تَفعَلَهُ بِغَيرِ أَهْلِهِ))، والمقصود هنا رعاية الأخوَّة، الأخوَّة: هي من أهم القيم الإنسانية والإلهية، رعاية الأخوَّة، وتشمل ذلك الأخوَّة من النسب، والأخوَّة في الدين، والأخوَّة في الموقف الحق، والأخوَّة في المسيرة الإيمانية والجهادية، الأخوَّة هي ذلك الارتباط، الأخوَّة الإيمانية هي ذلك الارتباط الوثيق، الذي يجب على كل من هو في إطاره أن يرعاه؛ يحتاج إلى رعاية، يحتاج إلى رعاية، وإلا حصل التفريط فيه، وتفككت تلك الروابط، ومع الزمن إذا لم يكن هناك رعاية للأخوَّة؛ تحصل الكثير من المؤثرات السلبية التي تؤثر حتى على المستوى النفسي، فتُحدِث في الحالة النفسية حالةَ الجفاء والفتور، والضعف في التفاعل والتعاون، ثم يترتب على ذلك آثار سلبية على مستوى التعامل، فتزداد نتائجها النفسية أكثر وأكثر.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أمرنا برعاية الأخوَّة؛ أخوَّة النسب والقرابة والأخوَّة الإيمانية، ولذلك يقول اللّٰه في القرآن الكريم: {إِنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}[الحجرات: من الآية 10]، قدَّم لنا القيم المهمة التي من خلال التزامنا بها؛ نتمكن تلقائيًا من رعاية الأخوَّة، حينما نهانا “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عن كل المؤثرات سلبًا على الأخوَّة، نهانا عن الظلم، نهانا عن الإساءة، نهانا عن الغيبة، عن النميمة، نهانا عن السخرية، عن كل التعامل السيئ الذي يؤثر سلبًا على الأخوَّة، قدَّم لنا ما يعالج الحالات النفسية التي تؤثر سلبًا على الأخوَّة، قدَّم لنا القيم العظيمة التي هي مساهمة بلا شك في رعاية الأخوَّة؛ عندما قال “جَلَّ شَأنُهُ” في العلاقة المفترَضة بين المؤمنين: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْـمُؤْمِنِينَ}[المائدة: من الآية 45]، ليس هناك تعبير أبلغ من هذا التعبير؛ في عدم الجُرأة على بعضهم البعض، في الإساءة تجاه بعضهم البعض، أو الغلظة على بعضهم البعض، أو التعدي على بعضهم البعض، أذِلَّة: أنهى مستوى من التواضع، أبلغ تعبير يعبر عن تواضع كبير جدًّا فيما بينهم، والتواضع أمر ضروري جدًّا للحفاظ على الأخوَّة، مما يُحطِّم الأخوَّة: إذا فقد أحدٌ ما التواضع؛ تعامل بطريقة ليس فيها تواضع مع الآخرين، أسلوب منفِّر جدًّا، إذا تعامل بتكبُّر، أو تعالي، أو بطريقة مسيئة إليهم، جريئة في الإساءة إليهم، هذا يحطم حالة الأخوَّة.
يقول: “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح: من الآية 29]، رحماء بينهم؛ تجسيد هذه الرحمة في التعامل، في بذل المعروف، في الاهتمام بحال بعضهم البعض، في التعامل مع بعضهم البعض، وهكذا، يعني معنى واسع؛ يشمل مختلف المعاملات فيما بينهم، والاهتمام بأمرهم، إلى غير ذلك.
وهكذا في القرآن الكريم يُثني اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ثناءً عظيمًا، في قوله “جَلَّ شَأنُهُ” عن المتقين: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}[آل عمران: من الآية 134]، كظم الغيظ والعفو عن الناس هو مما يساعد على الحفاظ على الأخوَّة، حتى لا تكون مجرد إساءة، أو كلمة، أو زلة: إشكالية كبيرة تنهي الأخوَّة، أو توجِّه ضربة قاضية للأخوَّة وتسبب التفرقة.
الأخوَّة الإيمانية: لها غاية عظيمة، هي ترتبط بأداء المؤمنين لمسؤولياتهم الجماعية ذات الأهمية الكبيرة جدًّا، من الجهاد في سبيل اللّٰه، من الأمر بالمعروف، من النهي عن المنكر، {وَالْـمُؤْمِنُونَ وَالْـمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنْكَرِ}[التوبة: من الآية 71]، من التعاون على البر والتقوى، لها غايات مقدسة، ولذلك هي هامة بأهمية هذه المسؤوليات العظيمة، وما ينتج عنها وما يترتب عليها في الواقع، فإذا لم تُرعَ؛ كان لذلك آثار سلبية على مستوى الاهتمام بتلك المسؤوليات نفسها، يعني يضعف التعاون فيما بينهم على البر والتقوى، يضعف التعاون بينهم والذوبان فيما بينهم في إطار النهوض بمسؤولياتهم الجماعية؛ من جهادٍ في سبيل اللّٰه، من أمر بالمعروف، من نهي عن منكر من غير ذلك، تؤثر بينهم الحساسيات، والمشاكل، والعقد، والتنافر فيما بينهم، فتفرقهم، فلا يستطيعون أن يجتمعوا على العمل، وعلى المسؤوليات ذات الطابع الجماعي، ذات الطابع الجماعي، بالمقدار الذي ينبغي.
فلرعاية الأخوَّة قال أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((اِحْمِلْ نَفْسَكَ مِنْ أَخِيكَ عِندَ صَرمِهِ عَلَى الصِّلَةِ))، أنت بالدافع الإيماني، بزكاء نفسك، بما تتحلى به من قِيَم، احمل نفسك على ذلك، حتى لو لم تكن ترغب نفسُك، لكن أنت ذلك الذي يدرك قيمة هذه القيم، وأهمية المسؤوليات وما يترتب عليها، ولذلك تبادر أنت، ((اِحْمِلْ نَفْسَكَ مِنْ أَخِيكَ عِندَ صَرمِهِ عَلَى الصِّلَةِ))، عند قطيعته، بعد أن بدأ بمقاطعتك، لا تقابل مقاطعته بمقاطعة، إذا بادلته بنفس أسلوبه الخاطئ، هو قد تصرَّف تصرُّفًا خاطئًا، عندما استخدم القطيعة في التعامل معك، لكن أنت لا تتصرف بمثله بطريقته، رعايةً لحق الأخوَّة بادِر أنت بالصلة، اذهب إليه، تحدث إليه، انظر ما هو سبب قطيعته لك؟ ما الذي في نفسه عليك، اعمل على حل المشكلة.
((وَعِندَ صُدُودِهِ عَلَى اللُّطْفِ))، عندما يبدأ بهجرك والابتعاد عنك، وإظهار الاستياء منك، تعامل معه ((عِندَ صُدُودِهِ عَلَى اللُّطْفِ وَالمُقَارَبَةِ))، اقترب منه أنت، تفاهم معه أنت، تعامل معه بلطف، لا تقابل صدوده ذلك بصدود مقابل.
((وَعِندَ جُمُودِهِ عَلَى البَذْلِ))، عند جموده في المعروف؛ في فعل المعروف، ابذل أنت، بادره أنت بالإحسان إليه، وبذل المعروف إليه.
((وَعِندَ تَبَاعُدِهِ عَلَى الدُّنُوِّ، وَعِندَ شِدَّتِهِ عَلَى اللَّينِ))، قابل شدته في كلامه في تصرفه، قابله باللين.
((وَعِندَ جُرمِهِ عَلَى العُذرِ))، عند إساءته إليك، على قبول الاعتذار منه؛ عندما يعتذر منك، طبعًا هذا هو أعلى مستوى من رعاية الأخوَّة، مع الإخوة الذين هم جديرون بهذا المستوى من الرعاية للأخوَّة، أن تعاملهم بهذه الطريقة، أن تقابل قطيعتهم بالصلة، صدودهم باللطف والمقاربة، جمودهم بالبذل، تباعدهم بالدنو، شدتهم باللين، الإساءة احتمال العذر في الإساءة إليك، تجاه الإساءة إليك.
((وَإَيَّاكَ أَنْ تَضَعَ ذَلِكَ فِي غَيرِ مَوضِعِهِ، أَو أَنْ تَفعَلَهُ بِغَيرِ أَهْلِهِ))؛ لأن هذا هو أعلى مستوى من رعاية الأخوَّة، ومعنى ذلك أن الجدير بذلك هم الإخوة الحقيقيون، الإخوة الذين هم إخوة بمعنى الكلمة، ولذلك هم من يرعى لك هذا التعامل، ويقابلونه بالإقبال إليك، ليسوا من لئام الناس، إذا قابلتَ تباعده بالدنو، أو مقاطعته بالصلة، أو صدوده باللطف والمقاربة، أساء إليك أكثر، واحتقرك أكثر، وزاد من إساءته أكثر وأكثر، الناس صنفان: كرامٌ، ولئام، كرام النفوس: هم الذين يقابلون الإحسان بالإحسان، والمعروف بالمعروف، والتعامل الإيجابي بالتعامل الإيجابي، والكلمة الطيبة بالكلمة الطيبة. ولئام الناس: هم على العكس من ذلك، عندما تتعامل معه بمثل هذه الطريقة زاد سوءًا، زاد كبرًا، زاد غطرسةً، زاد تشددًا فيما هو فيه من الإساءة، تعامل معك بطريقة سلبية.
ولذلك يمكن أن يكون التعامل حتى في رعاية الأخوَّة على مستويات، الذين هم موضعٌ وأهلٌ لهذا المستوى الذي هو أعلى مستوى من رعاية الإخوة: فيهم كرامة النفوس، كرامة الأخلاق، عندهم الاستشعار للمسؤولية، عندهم وعي بأهمية هذه الأخوَّة وقيمتها فيما يُبنى عليها، وفي ثمرتها المطلوبة في إطار المسؤولية والعمل الصالح، هؤلاء يمكن أن تتعامل معهم بهذا المستوى الأعلى من رعاية الأخوَّة، فيمن ليسوا بهذا المستوى، تعاملْ معهم بالحد الأدنى: بأن تكون إنسانًا مُنصفًا متفاهمًا، تستجيب لأي جهود لحل المشكلة، في أن تكون كاظمًا للغيظ، في أن تعفو وقت الاعتذار، هذا هو المستوى الأدنى، أن تكون منصفًا، أن تكون متفاهمًا، أن لا تذهب أنت لتزيد من المشكلة، أو تكبِّر المشكلة أكثر، أو أن ترفع من سقف المشكلة، كُن إنسانًا منصفًا، متفاهمًا قريبًا من حل الإشكال، هذا هو الحد الأدنى.
((لَا تَتَّخِذَنَّ عَدُوَّ صَدِيقِكَ صَدِيقًا فَتُعَادِي صَدِيقَكَ، وَامْحَضْ أَخَاكَ النَّصِيحَةَ حَسَنَةً كَانَتْ أَو قَبِيحَة)).
نكتفي بهذا المقدار.
وَنَسْأَلُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن يُوَفِّقَنَا وَإيَّاكُمْ لمِا يُرضِيهِ عَنَّا، وأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَارَ، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّــــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتـــُه؛؛؛