منذ سنواتٍ طويلة واليمن قِبلة رئيسة لـ اللاجئين الأفارقة الفارين من ويلات الحروب والباحثين عن ظروف معيشية أفضل، والمهاجرين لأسباب اقتصادية، على الرغم من تردي الأوضاع في اليمن خلال سنوات العدوان، إلا أن الواقع على الأرض إلى جانب لغة الأرقام يشيران إلى أن الوصول إلى اليمن مازال وجهة مفضلة للراغبين في اللجوء أو الهجرة من القرن الافريقي.
هذا الواقع الاستثنائي، في أن تكون اليمن في حالة حرب ومعاناة وفي ذات الوقت تكون ملاذاً للآلاف من اللاجئين، يجب أن يستوقف جميع الدول والمنظمات “دولية وإقليمية”، فحسب العديد من التقارير الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “عَبَرَ مئات الآلاف من اللاجئين والمهاجرين من القرن الافريقي إلى اليمن خلال أكثر من ثلاثة عقود”
والمُلفت في التقارير الأممية أن طريق اللجوء الواصل ما بين اليمن والقرن الافريقي “خليج عدن – بحر العرب – البحر الأحمر” يعتبر أحد أكثر طرق الهجرة البحرية اكتظاظاً على مستوى العالم، لا سيما بعد أن تجاوز في سنوات سابقة طريق اللجوء في البحر الأبيض المتوسط والواصل إلى الشواطئ الأوروبية، وكشفت البيانات “المتوفرة” على سبيل المثال أن العام 2019 شهد عبور أكثر من 138 ألف شخص إلى اليمن من القرن الأفريقي ، فيما عَبَرَ البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا حوالي 110ألف شخص.
ما يجب أن يقال وبصوت مرتفع أن اليمن ومنذ سنوات طويلة مازال يمثل وجهة مفضّلة للاجئين الأفارقة ولا سيما من القرن الافريقي “الصومال – أثيوبيا – إرتيريا”، هذا الواقع ورغم وضوحه إلى أنه لا يعكس نفسه على التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية المتخصصة، وإن وجدت الأرقام في بعض التقارير، إلا أنها تبقى أرقام فقط دون مواكبة أو تحرّك فعليّ من قِبل المعنيين من المفوضية الأممية للاجئين والمنظمة الدولية للهجرة.
والمشاهدات على الأرض تشير أن الأرقام الصادرة عن المنظمات الأممية عن أعداد اللاجئين المتواجدين في اليمن والمقدّر بـ 387 ألف مهاجر لا يمثل إلا جزء بسيط من الأرقام الحقيقية للمهاجرين “غير الشرعيين” أو اللاجئين، هذا الواقع تعاظم تأثيره السلبي مع مرور الوقت؛ لاسيما في تفاقم الأعباء الاقتصادية إلى جانب زيادة المخاطر الأمنية وتعاظم التحديات الاجتماعية داخل المجتمع اليمني.
لكن المخاطر المحدقة بسبب زيادة أعداد اللاجئين والمهاجرين لم تؤثّرعلى قناعة اليمنيين في أن هناك حقوق فرضها الدين الإسلامي والعادات والتقاليد المحمودة لا بد من الوفاء بها، وعديد الشهادات خلال العقود الماضية تؤكد على أن اليمن -حكومة وشعباً- كان سبّاقاً في التعامل الإنساني مع الوافدين من الخارج ،الباحثين عن الأمن والاستقرار وفرص العمل.
وعلى الدوام كان “ومازال” التعامل الرسمي والشعبي ينطلق من واقع أن اللاجئ لم يأتِ بمحض إرادته ولكن الظروف الطارئة فرضت عليه الخروج وترك بلده الأصلي، والمخاطرة بحياته في خوض غمار اللجوء بكل ما فيه من مخاطر مميته.
هذا ما يدركه اليمنيين جيداً في أن التعامل الحسن القائم على أن الوافد ليس إلا ضيف له كامل الحقوق التي فرضها الإسلام والأعراف في مثل هكذا حالات، والتعامل الإنساني من قبل اليمنيين يتّسق مع ما جاء في الشريعة الإسلامية من حقوق وهي تكاليف شرعية على المسلمين كافة، وفي مقدمة تلك الحقوق: الحق في دخول بلاد المسلمين، والإقامة فيها قدر الحاجة، وفي حفظ دينه، وفي التعلم والتنقل وفي حفظ نفسه، وفي حفظ عقله، وحفظ عرضه، وحقه في المسكن المناسب، وحقه في التعامل مع الناس بالبيع والشراء والملكية، وحقه في عدم إعادته إلى دولة الاضطهاد.
وفيما يخص انضمام اليمن والدول العربية للاتفاقية الخاصة باللاجئين والبروتوكول الملحق بها، يجب التذكير أن الانضمام انحصر فقط في 9 دول عربية من بين 22 دولة عربية، وكانت اليمن هي الدولة الوحيدة من عرب آسيا بعد توقيعها على الانضمام عام 1980م
في سياق متصل، نعلم أن المهاجرين وبعد وصولهم إلى اليمن يسعى الكثير منهم إلى التنقل بين المحافظات اليمنية بغية الوصول إلى الحدود الشمالية بهدف الدخول إلى المملكة السعودية، اعتقادا منهم أن ما كان من حسن التعامل من قبل الشعب اليمني تجاه المهاجرين واللاجئين سوف يتكرر مع دخولهم الأراضي السعودية، ولكن الواقع يحكي غير ذلك لا سيما مع اقترابهم من الحدود الفاصلة بين البلدين يفاجئون بإطلاق أعيرة نارية من قبل قوات الحدود السعودية.
وبحسب البيانات الأممية كانت هناك بلاغات من قبل شركاء المنظمة الدولية للهجرة والمجتمع المحلي “أن أكثر من ألف مهاجر،بينهم نساء وأطفال، أصيبوا بجراح أو قُتلوا نتيجة هجمات واستهداف متعمد على الحدود”، إضافة إلى “أن كل شهر، يتم علاج المئات من الإصابات بأعيرة نارية في مستشفى تدعمه المنظمة الدولية للهجرة بالقرب من بلدة صعدة الحدودية”.
في الختام: لغة الأرقام تشير إلى أن تردي الأوضاع الاقتصادية خلال سنوات العدوان لم تؤثر على حقيقة أن الجمهورية اليمنية ما زالت محطة رئيسية للاجئين والمهاجرين الأفارقة، وهذا ما يُفاقم من الأعباء من جهة ,ويضاعف من التحديّات المطروحة حاضراً ومستقبلا.