ألقى قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، كلمة اليوم خلال اللقاء الموسع لخطباء ومرشدي محافظات الجمهورية فيما يلي نصها:
حياكم الله وأهلاً وسهلاً ومرحباً…
أرحب بآبائي العلماء الأجلاء والإخوة الخطباء وكافة الحاضرين أجمعين، حياكم الله جميعاً…
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلى إِبْرَاهِيمَ وَعَلى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ الحَاضِرُونَ جَمِيعاً
مساهمةً معكم في هذا اللقاء- الذي حضر فيه الآباء العلماء الأجلاء، وفي حضورهم ما يكفي ويفي؛ وإنما من باب المساهمة- نتحدث حول ما يتعلَّق بدور الخطباء ومسؤولياتهم، وأهمية ما يقومون به، وما يتعلق بذلك، ببعضٍ من العناوين، ونتحدث عن بعضها- إن شاء الله- ببعضٍ من النصوص القرآنية.
دور الخطباء في المساجد في خطب الجمعة وفي غيرها دورٌ مهم، يتعلق بتذكيرهم للأمة بهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وبسعيهم لهداية الناس، والدعوة إلى الله “جَلَّ شَأنُه”، وهذه مسؤوليةٌ عظيمةٌ ومقدَّسة، كما أنه دورٌ مهمٌ للغاية، يحتاج إليه المجتمع حاجةً ضرورية؛ ولذلك فهو إلى جانب أنه فضلٌ كبير، وإذا توفَّق الخطيب أو الداعية في مسجدٍ معين، وفي واقع المجتمع، إلى هداية شخصٍ واحد، أسهم في هدايته، ففي ذلك فضلٌ عظيم، وأجرٌ كبير، بل كما ورد في الحديث النبوي الشريف: ((خَيرٌ لك مِمَا طَلَعت عَليهِ الشمس))، فضل عظيم جداً، وأجر كبير جداً.
هو إلى جانب ذلك: مسؤولية، من يحمل العلم والمعرفة بدين الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وبكتاب الله، وبهدي الله، عليه مسؤولية في التذكير للمجتمع، في التوعية للمجتمع، في تبليغ هدى الله، وإيصال صوت الحق إلى المجتمع، وخاصةً أنَّ المجتمع بحاجةٍ إلى ذلك، الواقع يتطلب ذلك، بكل ما يعانيه مجتمعنا المسلم من استهدافٍ واسع من جانب أعدائه الضالين المضلين من اليهود والنصارى، وأتباعهم والموالين لهم، والذين قال الله عنهم في القرآن الكريم: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}[الصف: من الآية8]، وقال أيضاً: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}[التوبة: من الآية32]، فهم يسعون إلى إضلال المجتمع، إلى إفساده، وتحدَّث القرآن عن المسألة في آياتٍ كثيرة: عن رغبتهم الشديدة في إضلال المسلمين، في أن يحوِّلوهم إلى حالة الكفر والارتداد عن دين الله، ومبادئ هذا الدين وقيمه.
فالمقام يتطلب التبليغ، والدعوة إلى الله، وإيصال الهدى إلى الناس، والتذكير لهم، والتوعية لهم، والتبصير لهم، وإذا كتم الإنسان أمام ذلك، أمام هذا الواقع الذي يتطلب التبيين والتبليغ والتذكير؛ يعتبر ذلك جرماً خطيراً جداً، ويعتبر أمراً سيئاً للغاية، ولهذا ورد الوعيد في القرآن الكريم في قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}[البقرة: الآية159]، وعيد شديد، {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[البقرة: الآية160]، ففي هذه الظروف التي تعيش فيها الأمة حالةً من الاستهداف الكبير من جانب أعدائها، لإضلالها، وإفسادها، وإغوائها، لابدَّ من البيان، البيان هو مسؤولية، التبليغ، إيصال الهدى إلى الناس هو مسؤولية، التذكير لهم، السعي لهدايتهم، الحماية لهم من الاستهداف هو مسؤولية كبيرة، إلى جانب أنه فضلٌ عظيم، والأجر عليه كبير كما وعد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
الإنسان يحتاج دائماً إلى التذكير، الإنسان المؤمن بنفسه، دع عنك بقية الناس، الإنسان المؤمن يحتاج إلى التذكير، المجتمع بشكلٍ عام يحتاج إلى التذكير، حالة الغفلة تشكِّل خطورةً كبيرةً على الإنسان، إذا غفل؛ يمكن أن يتأثر بوساوس الشيطان، يمكن أن يتأثر بوساوس المضلين، يمكن أن يتأثر بإغراءات، أو مخاوف، أو مؤثرات الحياة التي تعرض للإنسان في ظروف حياته؛ ولذلك يحتاج الإنسان إلى التذكير، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال في القرآن الكريم: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات: الآية55]، فالمؤمنون ينتفعون بالذكرى، فهم يتنبَّهون مما غفلوا عنه، أو تجاوزوا فيه، يتنبَّهون لمسؤوليات، ويدركون تقصيرهم فيها، فيسعون لتفادي ذلك، يدركون تجاوزات، أو أخطاء معينة، فيتنبهون ويرجعون إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يتنبهون إلى أمور مهمة تتعلق بمسؤولياتهم الإيمانية والدينية، فيتحركون في ذلك، يتذكرون الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” والدار الآخرة، وما وعد الله به، ووعده ووعيده، فيتأثرون بذلك، وتحيا ونفوسهم بحياة الإيمان، التذكير مهم جداً، والإنسان المؤمن ينتفع به، ويقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى}[الأعلى: 9-13]، فالتذكير مطلوب.
وكان من المهام الأساسية لرسول الله وخاتم أنبيائه محمد بن عبد الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، كان من مهامه الأساسية كرسولٍ لله أن يذكِّر لله، وكذلك هي مهمة كل أنبياء الله، كل رسل الله، هي مهمتهم الأساسية: أن يذكِّروا وأن ينذروا، أن يوصلوا هدى الله وتعليماته إلى عباده، فهي مسؤولية عظيمة، مسؤولية مقدَّسة، القادة والقدوة فيها والمعنيون الأوائل فيها هم الأنبياء والرسل “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم”، فهي مسؤولية في غاية القداسة والأهمية؛ ولذلك عندما يتحرَّك الإنسان فيجب أن يعي هذه الأهمية أو هذه القدسية لهذا الدور ولهذه المسؤولية العظيمة.
ثم عندما يتحرَّك الإنسان، أن يتحرَّك بروحٍ إيمانية، وبإخلاصٍ لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أن يكون مبتغاه رضى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ألَّا يكون مبتغاه وهدفه من وراء هذا الدور، هذا النشاط: أن ينال شيئاً من الدنيا، أو من المقام، أو من السمعة، أو من الجاه، وخاصةً إذا كان خطيباً بارعاً، يكون دائماً مركزاً على حالة الاعجاب به شخصياً، وليس مركزاً على أن يوصل إلى الناس هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأن يبلِّغ ويدعو، وأن يحرص على أن تصل إلى الناس تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وتوجيهاته، بل يركِّز على عرض عضلاته، يعني: عرض موهبته الخطابية، وأن يقدم نفسه كخطيب بارع، وأن يركِّز على الاعجاب به شخصياً، أن يكون حذراً من ذلك، هذا مزلق من مزالق الشيطان الخطرة التي ينبغي الحذر منها، وأن يكون مخلصاً لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومستعيناً بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأن يطلب التوفيق من الله “جَلَّ شَأنُه”، ولذلك نبيٌ من أنبياء الله: نبي الله شعيب “عَلَيْهِ السَّلَامُ” الذي يقول: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ}[هود: من الآية88]، أنت تحتاج إلى توفيق الله في كل شيءٍ من أمورك أو أعمالك، ومن ضمن ذلك، وفي مقدِّمة ذلك: عندما تتحرك في مثل هذا الدور العظيم والمهم.
ثم أن يمتلك الحرص على هداية الناس، هذه مسألة مهمة جداً، من أهم ما اتصف به أنبياء الله: أنهم كانوا يحملون الحرص على هداية الناس، بل هذه من أبرز صفات سيِّد الرسل وخاتم الأنبياء محمد “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” وبلغ في ذلك إلى مستوىً عجيب، إلى المستوى الذي قال الله عنه له في القرآن الكريم: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[الشعراء: الآية3]، امتلك حرصاً عجيباً جداً على هداية الناس، يؤلمه ويحزنه أن يضلوا، أن يضيعوا، أن تكون مسيرة حياتهم تتجه بهم نحو سخط الله، أن تكون عاقبتهم في الأخير هي المصير إلى جهنم، يمتلك الرحمة بالناس، والاهتمام بأمرهم؛ ولذلك يندفع باهتمام كبير، وبحرص كبير، وهو يسعى إلى هدايتهم، إلى إنقاذهم، وهذه مسألة مهمة جداً، والذي يهتدي بهدى الله، ويحمل العلم النافع، وتتزكى نفسه، ويتربى التربية الإيمانية، هو سيحمل هذا الحرص: الحرص على هداية الناس، على إنقاذهم، الرحمة بهم، الإشفاق عليهم من عذاب الله، من سخط الله، من عواقب الضلال، وعواقب الزيغ، وعواقب الانحراف عن دين الله، عن تعليمات الله، عواقب المخالفة لتعليمات الله، وما يترتب عليها من مخاطر كبيرة على الناس، فأن يحمل الإنسان الحرص على هداية الناس، ثم أن يكون معتمده الأساس في التذكير، في التبليغ، في الدعوة إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هو القرآن الكريم، أن يكون المصدر الأساس الذي يعتمد عليه، هذه مسألة مهمة جداً.
رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” كانت مهمته الأساسية تتمحور حول ذلك، التبليغ للقرآن، التذكير بالقرآن، الإنذار بالقرآن، ولهذا يتكرر في الآيات القرآنية نفسها قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَذَكِّرْ بِهِ}[الأنعام: من الآية70]، يعني: بالقرآن، {وَذَكِّرْ بِهِ}، {لِتُنْذِرَ بِهِ}[الأعراف: من الآية2] في آيةٍ أخرى، {وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ}[الأنعام: من الآية70]، ويتكرر من مثل هذا التعبير: {لِتُنْذِرَ بِهِ}، {وَذَكِّرْ بِهِ}… إلى آخره، فتأتي عبارة: {بِهِ}، التي تعني بالقرآن، لتبين أنَّ المحور الأساس في التذكير هو التذكير بالقرآن، الإنذار بالقرآن، فرسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” كان يركِّز على ذلك.
والقرآن الكريم كتابٌ عظيم، كلمات الله، وهديه لعباده، وهو عظيم التأثير والبركة، عندما تقدِّم للناس القرآن الكريم، أنت تقدِّم لهم أبلغ موعظة، وتقدِّم لهم أحسن الحديث، وتقدِّم لهم أرقى تذكير يمكن أن يؤثر، ولهذا يأتي في القرآن الكريم عن مستوى التأثير القرآني في قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الحشر: الآية21]، هذه هي قوة القرآن في تأثيره البليغ، تأثيره البليغ أن لو أنزل على جبل بصخوره الصماء لأثَّر فيه إلى درجة أن يخشع، وأن يتصدع من خشية الله.
الله يقول عن القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}[يونس: الآية57]، فالقرآن الكريم موعظةٌ بليغة، ومؤثِّرة، وزاجرة للإنسان، ولها أثرها الكبير في نفسية الإنسان ومشاعره ووجدانه، لكلمات الله ما ليس لغيرها من التأثير في النفوس والمشاعر والوجدان، من الأثر المهم في القلوب، {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}؛ لأن للقرآن الأثر الكبير في تزكية النفس البشرية، في معالجة الكثير من الإشكالات، والشكوك، والشبهات، والرواسب السلبية التي تترسب في قلب الإنسان، {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}.
فالقرآن الكريم هو تلك الموعظة الشافية، الهادية، المؤثرة، النافعة، وله أثره العظيم، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قد يسَّره للذكر، لا يحتاج كل خطيب أن يتحوَّل إلى مفسر، وأن يتكلف التفسير، وأن يتكلف التعمق في ما لا يعلمه، أن يتجاوز حدود معرفته، حدود علمه بمجازفة، فيقع في محذور أن يقول على الله ما لا يعلم، وهذه مسألة خطيرة، {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة: من الآية169]، مما يسعى له الشيطان، ويأمر به الشيطان، يكفي الإنسان أن يذكِّر بآيات الله، أن يقدِّمها مع التذكير فيما يتعلق بالواقع، والله قد يسَّر القرآن للذكر، كما قال “جَلَّ شَأنُه”: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر: الآية17].
ثم مع القرآن الكريم، والتركيز على القرآن الكريم بشكلٍ أساسي، ويحرص الإنسان على أن يتقن قراءة الآيات القرآنية، البعض من الخطباء قد يكون عنده قصورٌ في هذا الجانب، عليه أن يتلافى هذا القصور، وأن يتعلَّم القرآن الكريم، ويسعى لإتقان قراءته، هذه مسألة مهمة جداً.
ثم إلى جانب ذلك يأتي الحديث النبوي في إطار النصوص القرآنية وفي سياقها، ومن المصادر المؤتمنة الموثوقة، وإذا كان نص الحديث في إطار النص القرآني، وفي نفس السياق والمضمون، فهذا مما يساعد على أن يكون الإنسان اختار فعلاً نصاً موثوقاً، إضافة إلى اعتماد المصادر المؤتمنة، ثم إذا أتت أي نصوص أخرى من الحِكَم، أو من أقوال أمير المؤمنين “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، فتكون في هذا السياق، هذا بالنسبة للمصدر الذي يقتبس منه الخطيب.
ثم على مستوى المواضيع: البعض من الخطباء يعتمد أسلوباً غير دقيق، أسلوب الشتات، الشتات في طريقة ما يقدمه، ليس عنده برنامج محدد يركِّز عليه في طريقته في الخطابة، وفيما يقدمه للحاضرين في المسجد، فأسلوبه أسلوب مشتت، ليس هناك قضايا أساسية يسعى إلى ترسيخها، وإلى البناء المعرفي والتوعوي لمن يحضرون ويستمعون، وحالة الشتات تغيب عنها كثيرٌ من الأشياء المهمة.
المفترض أن يكون لدى الخطيب اهتمامات محددة وواضحة، ويلحظ فيها الأشياء الأساسية:
في مقدِّمتها: عنوان الإيمان، العنوان الأساسي: الإيمان، وترسيخ الانتماء الإيماني، هذه مسألة جامعة، وعنوان أساس، تتفرع عنه بقية التفاصيل، التركيز على الجانب الإيماني في عناوينه الكبرى: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، كما ورد في الآيات القرآنية، هذه العناوين التي ركَّزت عليها الآيات القرآنية في مسألة الإيمان.
ثم في مسألة الإيمان بالله، والشد إلى الله، والربط بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وترسيخ الخوف من عذاب الله، والإيمان بوعده، والرغبة فيما وعد به، والثقة في وعده “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والإيمان بوعيده، واليقين بذلك، كم هناك من آيات في القرآن الكريم تركِّز على هذه المسائل، هذه مسائل أساسية، إذا ترسَّخت لدى المجتمع؛ يصبح متقبِّلاً إلى حدٍ كبير لبقية التفاصيل العملية، وملتزماً بها، ثم تربط بها أيضاً التفاصيل العملية، يرتبط الجانب العملي بها، ثم كذلك التركيز على القيم الإيمانية، ومسألة الطاعة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والتحذير من المعاصي، ومن عواقبها السيئة في الدنيا والآخرة.
وكذلك مما يتصل بالجانب الإيماني على المستوى العملي: التذكير بالمسؤوليات الأساسية الإيمانية، حسب ما ورد في القرآن الكريم، مثل:
– مسألة الجهاد في سبيل الله “سبحانه وتعالى”.
– والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
– والتعاون على البر والتقوى.
– ووحدة الكلمة، والاعتصام بحبل الله جميعاً، والتحذير من الفرقة والاختلاف.
– وكذلك تبصير المجتمع وتوعيته تجاه الأعداء ومؤامراتهم ومكائدهم تجاه الأمة.
كل هذا له صلة بالجانب الإيماني.
كذلك التذكير بالالتزام الأخلاقي، والاهتمام بمكارم الأخلاق، والقيم الإسلامية والقرآنية، هذه من أهم الأمور، في الحديث النبوي: ((إِنَّما بُعِثتُ مُتمِماً لِمَكَارِمِ الأَخْلَاق))، والأمة مستهدفة في أخلاقها، بينما تجد في مواصفات القرآن الكريم التي يعرضها للمؤمنين، يقدِّمها عن المؤمنين، أكثرها مواصفات أخلاقية، أخلاق عظيمة: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}[آل عمران: الآية17]، كثير من المواصفات مواصفات أخلاقية، المجتمع يحتاج إلى تربية مستمرة على الأخلاق، وعلى مكارم الأخلاق، وتندرج كل هذه المسألة في إطار عنوان مهم جداً ركَّز عليه القرآن الكريم، وبرز من أهم الأدوار والمسؤوليات للرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” في قوله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عنه: {وَيُزَكِّيهِمْ}[آل عمران: من الآية164]، التزكية، التزكية للنفوس، والتربية على مكارم الأخلاق من أهم الأمور في الإسلام، في القرآن الكريم، في الدعوة إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فلاح الناس مرتبطٌ بذلك، الله يقول: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى}[الأعلى: الآية14]، يقول عن النفس البشرية: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}[الشمس: الآية9]، فالتزكية والتربية على مكارم الأخلاق، وحماية المجتمع من الحرب المفسدة التي تستهدفه في أخلاقه؛ لأن من أكبر ما يركِّز عليه الأعداء في هذه المرحلة: الاستهداف للأمة في أخلاقها، في قيمها، في طهارتها، في عفتها، ومحاولة أن تسود وتنتشر حالة الرذيلة، والفساد، والمنكرات، والفواحش، المجتمع بحاجة إلى تحصين قوي تجاه ذلك، والتذكير في هذا مجال واسع.
إضافةً إلى ذلك: التذكير تجاه قضايا المجتمع، وهمومه، ومشاكله، والقضايا الاجتماعية، والتصدي للظواهر السلبية في أوساط المجتمع.
وكذلك المواكبة للمستجدات المهمة التي تستجد في الواقع، سواءً في داخل الأمة، أو من جهة أعدائها، ويحتاج المجتمع فيها إلى توعية وتذكير.
ومن الأشياء الأساسية والمهمة: التذكير بالجانب الروحي والعبادي، والتركيز عليه، والعناية بشد الناس إلى الاهتمام بأركان الإسلام، مثل: الشهادتين، والوعي عن الشهادتين، والصلاة، وأهمية فريضة الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وربط هذه الأركان وهذه العبادات المهمة بغاياتها: في التزكية، والتطهير للنفوس، والحفاظ على الإنسان من الانزلاق في المعاصي والرذائل والمفاسد، من مثل قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عن الصلاة: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[العنكبوت: من الآية45]، ومن مثل قوله عن الزكاة: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}[التوبة: من الآية103]، ومن مثل قوله عن فريضة الصيام في شهر رمضان: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: من الآية183]، أن تربط بغاياتها التربوية، وأن يأتي الحديث الواسع عن ذلك في سياق الحديث عنه، وعلى ضوء ما ورد في القرآن الكريم.
هذه العناوين يفترض أن تكون حاضرة بشكل منظم في برنامج الخطباء، أن تؤخذ بعين الاعتبار، ويمكن أن تكون وزارة الإرشاد وهيئة الأوقاف مساعدةً في ذلك، في جدولة وبرمجة اهتمامات الخطباء، ومسار تقديمهم في الخطب.
ثم في الأخير لأننا لا نريد أن نطيل عليكم هناك توصيات مهمة تتعلق بالأداء:
من أهم ما يفيد في أداء الخطيب، وفي التأثير من جانبه، هو: أن يكون هو نموذجاً وقدوةً حسنة، هذا من أهم الأمور المتعلقة بمدى تأثيره، وانتفاع الناس بخطبه وتذكيره، عندما يكون هو القدوة، ويقدم صورة لائقة عن الدين، في التزامه الإيماني، في تدينه، في روحيته الإيمانية، وهذا شيءٌ يجب أن يكون الإنسان مهتماً به ما بينه وبين الله؛ من أجل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتقرباً إلى الله.
أن يكون مهتماً بالتحضير الجيد، وليس أن يكون حديثه ارتجالياً من دون سابق تحضير وإعداد، التحضير الجيد والإعداد المسبق يساعده على أن يأتي بما يفيد، بما ينفع.
أن يحرص على حسن الأداء في أسلوبه في التقديم، وأن يكون المضمون كذلك مضموناً حسناً، مفيداً، نافعاً، مرتباً، منظماً؛ حتى يخرج المستمع بما يفيده وينتفع به، وهذا يدخل ضمن قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}[النحل: من الآية125]، {بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، لا بدَّ من الحكمة، ولا بدَّ أن يحرص الإنسان أن تكون الموعظة حسنةً حتى في مضمونها، وفي محتواها، وفي طريقة التقديم، هذا يدخل ضمن الآية المباركة.
ثم فيما يتعلق بخطب الجمعة أن يحرص الخطباء على أن تكون بقدرٍ متناسب، وغير مطولة، ولا مرهقة للمستمعين، أن تكون موجزةً بقدر الإمكان، التطويل في خطب الجمعة يرهق البعض من الحاضرين، أو يصيبهم بالملل، فالاختصار بالقدر الممكن أمرٌ مهمٌ جداً، وخاصةً في خطب الجمعة يحضر من هو طاعنٌ في السن، من هو تاعب، من له ظروف معينة، فالتطويل على الناس يرهقهم، ويجعل الكثير يتذمرون، بل أن البعض ينفرون من بعض المساجد؛ لأن الخطيب فيها معروفٌ بالتطويل، فهم يهربون من المسجد الذي يخطب فيه، فينبغي الحذر من التطويل.
أيضاً مراعاة مستوى السامعين، من تتخاطب معهم، من تتحدث إليهم، فيهم العامي، الذي ينبغي أن تقدم له العبارات الواضحة، المفهومة، لا تتحدث وكأنك في وسط جامعي، أو تعتمد أسلوباً غير مناسب، احرص على أن تكون العبارات واضحة مفهومة للجميع؛ لأن هذا من التبيين، وأن تقدم المسائل المهمة التي يحتاج إليها الناس، وما هم بحاجةٍ إليه أكثر، وما يلامس واقعهم أكثر، ويمكن أن تستشهد بالبعض من الأمثلة التوضيحية وهكذا، هذه من الأمور المهمة.
فيما يتعلق بالموسم القادم، الموسم العظيم (شهر رمضان المبارك): من المهم التركيز عليه بشكل مكثف، في تذكير الناس، وربطهم بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأن يعوا الأهمية التربوية لشهر رمضان في صيامه، وقيامه، وبركاته، وفرصة العمل الصالح فيه، والتقرب إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وما يتصل بذلك.
من الأشياء المهمة أيضاً التي تأتي عادةً مع موسم شهر رمضان: الحث على الزكاة، والاهتمام بأمر الزكاة؛ لأنه عادةً مثل أموال التجارة وما يتصل بذلك مما الزكاة فيه سنوية، عادةً ما يكون موسمها في شهر رمضان المبارك، هناك غفلة كبيرة في موضوع الزكاة، وتأثير للمرحلة الماضية، والإهمال لهذا الركن، أثَّر على الكثير من الناس، مع أنها ركنٌ عظيمٌ من أركان الإسلام، واقترنت في القرآن الكريم بالصلاة كثيراً في الأمر بها، والتأكيد عليها، والحث عليها كبيرٌ في القرآن الكريم، وفي الأحاديث النبوية الشريفة، يحتاج الناس إلى تذكير، ولأن هذه المسألة مسألة مهمة جداً، والإخلال بها خطير على الناس في دينهم وفي دنياهم.
كذلك من أهم المشاكل التي تشكل خطورة على الناس: مسألة الأوقاف؛ لأنها كذلك تأثرت في المرحلة الماضية بشكل كبير، فضاعت الكثير من الأوقاف، يحتاج الناس إلى تذكير بمثل هذه الأمور.
تذكير فيما يتعلق بمظالم الإرث، مظالم مهور النساء، الأشياء المهمة التي ينبغي الحذر تجاهها.
ثم الاهتمام بالواقع: من أهم ما نعيشه في هذه المرحلة هو الصراع مع أعداء الإسلام على أشده، هم يتحركون بكل إمكاناتهم، وبكل الوسائل، ويشنون حرباً شاملةً على الأمة: الاستهداف العسكري، الاستهداف الأمني، السياسي، الثقافي، الفكري، الاقتصادي، فعندما يتحرك الخطيب يتحرك كمجاهد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويسعى أن يكون في عداد من يقتدون بأنبياء الله ورسله، الذين قال الله عنهم: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ}[الأحزاب: من الآية39]، وأن يكون متصدياً للأعداء في حربهم الثقافية، وسعيهم لإفساد الأمة، وسعيهم لإضلال الأمة، هناك حملة تستهدف الأمة حتى من داخل الأمة، هناك من يُشَغِّل علماء السوء في بعض الدول والبلدان التي هي موالية علناً لأمريكا وإسرائيل، لتقديم صورة محرفة عن الإسلام في قيمه وأخلاقه، وتماشياً مع توجهات أعداء الإسلام، فيما يركزون عليه من التمييع، والإفساد، والإضلال، والتضييع للأمة، وفي تجريدها من روح المسؤولية، والروحية الإيمانية، يجب أن يكون الإنسان متنبهاً.
ثم في الواقع الداخلي: الاهتمام بدفع الناس إلى التعاون على البر والتقوى، والإغاثة للملهوفين والضعفاء والفقراء والمساكين، والتعاون فيما بينهم على البر والتقوى هو دائرة واسعة، تشمل أشياء كثيرة لا يتسع الوقت للحديث عن تفاصيلها، ولأن الكلمة كمساهمة، ولأننا حثثنا فيها، وأكدنا على أهمية الاختصار، وحذرنا من التطويل؛ لا نريد أن نقع في محذور التطويل.
نكتفي بهذا المقدار.
وَنَسْأَلُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛