[17/مارس/2022]
صنعاء – سبأ : مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي
من أبرز وأهم المفكرين في الثلاثة العقود الأخيرة، وأحد فرسان الصحافة الحرة المغردين خارج سرب بلاط السلاطين، وسياسي وناشط حقوقي، ومُناضل لا يُهادن ولا يُساوم ولا يُجامل، ولا يخاف في الله لومة لائم.
كان دولة قائمة بذاتها في مواجهة الطغاة والمستبدين، التقيته مرات عديدة ما بعد العام 1999، بمقر صحيفة الأمة، خلال فترة دراستي الجامعية، وتعلمت منه كل معاني العزة والإباء والشموخ، وبعد انضمامي لمهنة المتاعب في العام 2003، كنت ألتقيه بين الفينة والأخرى، وحتى استشهاده بأشهر، لم أرى في حياتي في مثل عزته ونظافة قلبه ولسان، وصبره وإصراره على المُضي في مقارعة الظالمين والانتصار للمظلومين، وكان على الدوام يعلمُ بأن نهاية هذا النهج الحسيني الكربلائي الشهادة، وقالها في أكثر من مقابلة أنه مقتولٌ لا محالة، وكأن لسانُ حاله يقول لسلاطين زمانه: “إن تركتمونا فقيادة، وإن سجنتمونا فعبادة، وإن قتلتمونا فشهادة”، وربح البيع أبا محمد.
وهو بشهادة رفيق الكلمة والحرف والنضال “علي جاحز”: “رائد العمل الحقوقي ومُؤسس الصحافة الاحترافية في اليمن، يصفه مؤرخون بأنه استطاع وحده أن يُفشل مشروع التوريث الذي كان الرئيس السابق علي عبدالله صالح يعمل عليه منذ منتصف التسعينيات”، وأنجز بمفرده ما عجزت عنه أحزاب اللقاء المشترك المعارضة بكَلِّها وكُلكُلِها، ولهذا كانت تصفيته، على الدوام في سلم الأولويات لنظام صالح، الى أن تسنى لهم ذلك، وإن تمت نسبت عملية الاغتيال لداعش والغبراء، لكنها لم تكن بعيدة عن تخطيط وترتيب النظام الآفل، كل الشواهد والقرائن تؤكد ذلك.
مولده في العام 1965 بمدينة تعز، وإستشهاده في يوم الأربعاء 27 جمادى الأول 1436 هـ، الموافق 18 مارس 2015 بالمحروسة صنعاء، اغتالته إحدى الجماعات الدينية المتشددة أمام منزله، وتبنى تنظيم داعش الإرهابي التكفيري العملية.
ينحدر من أسرة يمنية عريقة، تعود جذورها إلى منطقة خيوان من أعمال خمر بمحافظة عمران، برز منها المئات من القامات العلمية والأدبية والسياسية والعسكرية.
أُشتهر بلقب “الصحافي المشاكس”، وهو من الصحافيين اليمنيين والعرب البارزين، وأحد دُعاة الدولة المدنية في اليمن، وأحد المناضلين من أجل الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية، وأحد قرابينها.
أخذ مُقدمات العلوم الشرعية عن كوكبة من علماء تعز وصنعاء، ودرس الأساسي والثانوية في محافظة تعز.
حصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية من كلية التجارة والاقتصاد، جامعة صنعاء.
شغل العديد من الوظائف الحزبية، منها:
1 – رئيس الدائرة السياسية في حزب الحق، وأحد المشاركين في تأسيس الحزب.
2 – رئيس تحرير صحيفة الأمة التابعة لحزب الحق.
3 – رئيس تحرير صحيفة الشورى التابعة لحزب اتحاد القوى الشعبية، 2004.
4 – مؤسس ورئيس تحرير موقع “الشورى نت” الإخباري التابع لحزب اتحاد القوى الشعبية.
وكان له الفضل في التأطير لفكرة المقاومة الإعلامية في اليمن.
النشاط الاجتماعي والإنساني:
1 – عضو مؤسس في نقابة الصحفيين اليمنيين.
2 – عضو اتحاد الأدباء والكُتّاب اليمنيين.
3 – عضو اتحاد الأدباء والكُتّاب العرب.
4 ـ عضو مؤتمر الحوار الوطني عن مكون حركة أنصار الله، “18 مارس 2013 – 20 يناير 2014”.
5 ـ سفير النوايا الحسنة للمجلس الدولي لحقوق الإنسان في اليمن، مايو 2014، وهو أول يمني يُمنح هذا المنصب.
حصل على أكثر من جائزة إقليمية ودولية في المجال الحقوقي والإعلامي.
منحته منظمة العفو الدولية الجائزة الخاصة بصحافة حقوق الإنسان المعرضة للخطر تقديراً لشجاعته الثابتة، سبتمبر 2008.
شارك في العديد من الندوات العلمية والثقافية والسياسية.
السجل النضالي:
أشتهر بكتاباته الصحافية الجريئة والشُجاعة في نقد نظام علي عبدالله صالح، والسياسات العبثية التي سادت اليمن في الفترة التي تلت قيام الوحدة اليمنية 1990، وتعرّض بسبب كتاباته ومواقفه الوطنية للكثير من المضايقات والتهديدات بالتصفية، ومحاولات الاغتيال، والاعتقالات والخطف، وتقييد حركته، ومنعه من السفر، والتعذيب بصورة وحشية، ووضعه النظام الحاكم في قائمة المغضوب عليهم.
ومن أهم الاعتقالات وعمليات الخطف التي تعرض لها:
1 – اعتقاله في مارس 2003، بسب دعوته مع بعض أصدقائه للخروج في مظاهرة غاضبة نحو السفارة الأميركية بصنعاء للتنديد بالعدوان الأميركي على العراق، وأفرج النظام الحاكم بصنعاء بعد أيامٍ عن رفاقه فقط، وظل في سجون نظام صالح، ليتم الإفراج عنه بعد سلسلة من الوساطات والضغوطات من مشائخ محليين ومنظمات حقوقية وإعلاميين وعددٍ من الرؤساء العرب منهم الرئيس العراقي حينها “صدام حسين” والرئيس الفلسطيني المناضل “ياسر عرفات.
2 – اعتقاله في 5 سبتمبر 2004، وبعد عامٍ من إيداعه سجن الأمن السياسي صدر حكم قضائي بحقه على خلفية تُهم عديدة بينها الإهانة والمساس بذات الرئيس اليمني آنذاك “علي عبدالله صالح”، وأحدث اعتقاله ردة فعل عنيفة في أوساط منظمات حقوق الإنسان المحلية والعربية والدولية، وأُطلق صراحه في أواخر العام 2005 بعفوٍ رئاسي.
3 – الحكم عليه في مارس 2005، بالسجن لمدة عام.
4 – في 20 يونيو 2007 اقتحمت قوات الأمن منزله، وأخذته من غرفة نومه، قامت بالعبث بمحتويات المنزل ونهب تلفونه ومجموعة الأوراق والوثائق والسيديهات والصور وكاميرة تصوير، مُحدثةً هلعاً وخوفاً في أوساط عائلته وأطفاله، ووضعته قيد الاحتجاز الاحترازي في السجن المركزي بصنعاء لمدة شهرين، وأُفرِج عنه دون توضيح سبب الاعتقال.
5 – تعرضه في 27 أغسطس 2007 للاختطاف من قبل عصابة مسلحة، بعد خروجه من مقر صحيفة “النداء”، بشارع الزبيري، وهددته وأسرته بالتصفية الجسدية إن عاود الكتابة في الصحف، وألقوا به في مزرعة خارج العاصمة صنعاء.
6 – في 9 يونيو 2008 حكمت عليه محكمة أمن الدولة بصنعاء بالسجن 6 أعوام، على خلفية اتهامه بتزويد حركة أنصار الله بالمعلومات، وتأليف خلية وعصابة مسلحة، وكتابة مقالات تنتقد حروب صعدة الست الظالمة والجائرة، بعد عامٍ من الإفراج المشروط عنه، وتم اقتياده الى السجن عقب النطق بالحكم مباشرة دون مُراعاة لظروفه الصحية المتدهورة، وكان يومها يعاني من أمراضٍ في القلب، واضطرّ النظام الحاكم لإطلاق صراحه بعد أشهر من الاعتقال، بسبب ضغط المنظمات الحقوقية الدولية.
نشر في العام 2004 ملفات شديدة الحساسية بالنسبة للحكومة اليمنية، كان لها الفضل في رفع سقف الحرية للصحافة الناقدة في اليمن، منها:
1 – توريث الحكم والمناصب الوظيفية في الدولة.
2 – الفساد في القطاع النفطي.
3 – جمع المسئولين الحكوميين بين مناصبهم وبين ممارسة التجارة.
4 – تغطيته أحداث حرب صعدة المندلعة في مارس 2004، وكشف الكثير من حقائقها.
وهو أحد مهندسي ثورة 11 فبراير 2011، وكان له دوراً محورياً في ثورة 21 سبتمبر 2014.
الإنتاج الفكري:
كتب للعديد من الصحف والمجلات والمواقع المحلية والعربية والدولية، وهو شاعرٌ ثوري بنفس مطري، وله كتاب، كشف فيه العديد من الأسرار التي صاحبت ثورة 11 فبراير 2011، والجرائم التي ارتكبها النظام الحاكم، وأهمها جريمة جمعة الكرام، وكانت أحد أسباب التخلص منه.
وآخر ما كتبه على صفحته في “الفيسبوك” قبل رحيله:
الابتزاز أسلوب الفاشلين للحصول على ما ليس لهم به حق، لا يلجأ إليه، ولا يقبل به، إلا مجرد من كرامة، وذليل، تسكن الخسة نفسه.
ومن أبرز عناوين المقالات التي أثارت غضب علي عبدالله صالح والجنرال العجوز علي محسن الأحمر:
1 – عيد الجلوس.
2 – علي كاتيوشا.
3 – وطن في مهب التوريث.
4 – مسؤولون وتجار.
ويبقى الخيواني مدرسة تستوجب التوقف أمامها، والإحاطة بسمات هذه المدرسة بحاجة الى مجلدات.
الخيواني في عيون رفاقه وأحبائه:
1 – وزير الإعلام ضيف الله الشامي:
الشهيد الخيواني مثَل أمة لوحده، وكان جبهة كاملة بمفرده، فأراد العدوان أن يُزيل هذه العقبة من أمامه قبل الشروع في ارتكاب جرائمه، فكانت الرصاصة الأولى موجهة له لإسكات كلمته.
لو كان الخيواني مازال موجوداً بيننا لأوصل مالم تستطع مئات المنظمات الإنسانية والحقوقية إيصاله عما يحصل في اليمن من مجازر وجرائم لهذا استهدفه العدوان.
2 – الصحافي والأديب علي جاحز:
لم يبكِ اليمنيون أحداً في السابق كما بكوا عبدالكريم الخيواني، ولم تهتز جماعة “أنصار الله” لطعنةٍ كما اهتزت يوم 18 مارس 2015 بعد سماعها نبأ اغتياله.
الخيواني مُفجِّر أول صرخة بوجه نظام علي عبدالله صالح، في وقتٍ لم يكن يجرؤ فيه أحد على أن يمسّ قُدسية ذلك النظام.
3 – روج الوزير، ناشط وباحث في مركز الخليج لحقوق الإنسان:
الصحفيون اليمنيون وعلى وجه التحديد عبدالكريم الخيواني، لازالوا شديدي العزم على تحقيق وكشف الحقيقة حتى وإن علموا بأن حياتهم في خطر.
4 – خالد إبراهيم، مدير مشارك في مركز الخليج لحقوق الإنسان:
لقد عرفت عبدالكريم الخيواني لسنوات عديدة كصحفي شُجاع جداً، وأحد المدافعين عن حقوق الإنسان.
كان يحلم بيمنٍ جديد، مُزدهر، خالٍ من أي عنف أو تمييز، وتسوده العدالة الاجتماعية.
لا شك أنه سيُفتقد كأحد الناشطين البارزين الذين حاولوا أن يكونوا جسراً للسلام في البلاد.
5 – الإعلامي القدير أحمد محي الدين:
الصحفي والأديب الكبير الأستاذ عبدالكريم الخيواني ناضل بالكلمة الصادقة في سبيل العدالة والحرية وقيم الخير والتطور ومقارعة الظلم والظالمين، وذاق مرارة السجن والتعذيب النفسي والجسدي لعدة سنوات، وقدّم نفسه الزكية وروحه الطاهرة انتصاراً للقيم التي ناضل من أجلها وآمن بها.
6 – الصحافي والأديب صلاح الدكاك:
كيف يمكنُ لرجلٍ استثنائي عميم الحضور حَدَّ الطغيان كعبدالكريم الخيواني أن يكون غيابُه استثنائياً وجارفاً ومُدمراً بحجم حضوره المستبد العميم؟.
كيف يمكن لرجل أشعل حرائق كونية بحجم ما أشعلت أن ينسحب بهدوء من يوميات كوكب الأرض دون أن يترك في القلب والذاكرة رماداً بحجم الكوكب وجمراً بوفرة نجوم سمائه.
كيف لرجل الأعاصير والعواصف الكونية العظيمة المدمرة أن ينصرفَ بخفُوت وَخالي الوفاض دون أن يأخذ في معاطف رحيله الشموس والأقمار والدقائق والساعات وَأوراق الكتابة ومداد الكلمات وبذور الأبجدية وأنساغ الدلالات وغاب السنديان الموصول بلحاء أنامله فلا يُبقِ لنا ولا يذر إلا هدير الذكرى في الفراغ الفسيح؟.
7 – الأديب جمال جبران:
طويلاً وشاقاً كان درب الآلام الذي سار عليه الصحافي اليمني المُعارض عبدالكريم الخيواني.
لم يدّخر النظام السابق عِقاباً نوعياً ومُبتكراً إلا ومارسه في حقه.
8 – الصحافي محمد النعماني:
الخيواني هو صاحب المقالات الناقدة والصريحة وصاحب التقارير الصحفية الجريئة، والتي لامست خُطوطاً حمراء بنظر القائمين على الحكم والدولة، وحتى بنظر الصحفيين وزملاء المهنة.
9 – محمد عبد الكريم الخيواني:
الخيواني ضحّى من أجل الشعب، ولم يُضحِّ من أجل أولاده أو أسرته، واستشهاده هو مصدر فخر وعزة لنا.
الخيواني لم يرحل وإنما هو باقٍ بيننا، فمن أراد أن يكون إعلامياً فليلتحق بمدرسة الخيواني، ومن أراد أن يكون حُقوقياً فليلتحق بمدرسة الخيواني، ومن أراد أن يكون سِياسياً فليلتحق بمدرسة الخيواني.
المصادر:
1 – مدونة صاحب الترجمة على قوقل.
2 – المجلس الزيدي الإسلامي.
3 – الموسوعة الدولية “ويكيبيديا”.
4 – علي جاحز، اغتيال عبد الكريم الخيواني… مجهض التوريث في عهد صالح، صحيفة الأخبار اللبنانية، 19 مارس 2015.
5 – موقع مراسلون بلا حدود، الحكم على عبد الكريم الخيواني بالسجن لمدة ستة أعوام، 10 يونيو 2008.
6 – مركز الخليج لحقوق الإنسان، الصحفي والناشط عبد الكريم الخيواني، 18 مارس 2015.
7 – وكالة الصحافة اليمنية، الذكرى الرابعة لاستشهاد الصحفي عبدالكريم الخيواني، 18 مارس 2019.
8 – محمد النعماني، الصحفي اليمني عبدالكريم الخيواني صحافي مشاكس صديق السجون وغاندي الصحفيين، موقع الحوار المتمدن، 19 يونيو 2008.