صنعاء – سبأ :
تسارعت في العامين الأخيرين، خطوات التطبيع مع الكيان الصهيوني من قبل الأنظمة العميلة، في ظل هشاشة النظام العربي وغياب الرؤية والاستراتيجية العربية، وهو ما حذر منه الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي.
لقد أخذ التطبيع شكلاً شرعياً لدى تلك الأنظمة العميلة، التي وقّعت اتفاقيات رسمية ووصلت إلى حالة من الاندماج الكامل مع الكيان الصهيوني المغتصب للأراضي الفلسطينية.
فكيان العدو يدرك أن التطبيع يمثل الدعامة الرئيسية لتغلغله في المنطقة العربية واختراق الثوابت التاريخية والدينية والحضارية وتدمير الذاكرة العربية بإعادة كتابة التاريخ الحضاري للمنطقة، وتزييف الحقائق والبديهيات المتعلقة بالطريقة الاستعمارية الاستيطانية.
يقول قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، إنه “مع الزمن والمتغيرات تتجلى الحقائق أكثر فأكثر، لتكشف عن مواقف مغايرة، متنكِّرة للحق الواضح البيِّن، فتتجه للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، وإقامة العلاقات والتحالفات معه، وتحاول أن تغيِّر الصورة التي كانت تمثل الحقيقة الثابتة عنه كعدوٍ لهذه الأمة، وكمجرمٍ له سجلٌ إجراميٌ حافلٌ بالجرائم البشعة، التي يهتز لها الضمير الإنساني”.
وأشار قائد الثورة في كلمته بالذكرى السنوية للشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، إلى أن المواقف المتنكرة للحق “تحاول أن تزيف للعدو صورةً مختلفةً، وتغيِّر في هذه الصورة من الواقع والحقيقة؛ لتقدمه صديقاً يجب التحالف والتعايش والتعاون معه، وتفترض بواقع الأمة أن تتجه بكلها إلى إقامة علاقاتٍ كاملةٍ وشاملة معه، ثم وصولاً إلى إقامة تحالفات معه”.
فالتطبيع يستهدف إعادة صياغة المفاهيم بما ينسجم مع مصالح وقناعات العدو الإسرائيلي، وتغيير النظرة الإٍيجابية للمقاومة الفلسطينية، وتوجيه الإعلام لاستهدافها الممنهج وتقديم صورة سلبية عنها وعن الشعب الفلسطيني عامة، ونصنيفها بالإرهاب، فضلاً عن تغيير الموقف من العدو القاتل، المجرم، المغتصب، المنتهك لكل الحرمات، المستهدف للشعب الفلسطيني وللأمة بشكلٍ عام.
ولفت قائد الثورة إلى أن الأنظمة والكيانات العميلة في داخل الأمة تتبنى هذا الموقف والتوجه السلبي، المتنكر للبديهيات والثوابت وتتجه لترسيخ مفاهيم جديدة عن الحق الفلسطيني بغية إسقاطه والضغط من أجل التنازل عنه، كما تستمر في تقديم صورة نمطية عن الشعب الفلسطيني وكأنه شعبٌ متعنتٌ لا يريد السلام، ليس منصفاً، أو متفاهماً، وأنه لا يحمل قضيةً حقيقيةً لنفسه، وأنَّ مجاهديه إنما يعملون لصالح قوى أخرى وليسوا أصحاب قضية، وليس لهم مبرر في أن يستمروا في مواجهة العدو الإسرائيلي، والتصدي له.
كما قامت تلك الأنظمة وإعلامها بعملية تحريف واسعة، وصناعة مفاهيم ومعتقدات دينية تتبنى في أساسها تعظيم اليهود وتقديسهم، وتمكين العدو الإسرائيلي لبناء كيانٍ نافذٍ وقويٍ في أوساط الأمة الإسلامية وفي قلب العالم العربي وتوظيف الدين لخدمتها ومصالحها وأهدافها السياسية للحفاظ على أمن إسرائيل.
انتهج العدو الإسرائيلي والأمريكي هذه الاستراتيجية للوصول بالواقع إلى وضعية يطمئن فيها أن الأمة العربية والإسلامية لا تستطيع أن تفعل شيئاً للنهوض والتحرر والاستقلال، وتصل إلى الانهيار والاستسلام التام، وأن تعمل لخدمته.
يقول السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، إن “سقف مخططات العدو عال جداً فهو يريد [ضماناً نهائياً لأمن إسرائيل لأنها الصديق الوحيد]، وفعلاً هذه نظرتهم، لا يمكن أن يعتبروا من تحالف معهم من العرب والمسلمين صديقاً حقيقياً، ولا شريكاً، بل ينظرون إليه كأداةٍ رخيصةٍ، يستغلونها حسب الحاجة، وفي حال الاستغناء عنها يسحقونها”.
فالنتيجة الحتمية التي ستصل إليها الأنظمة العربية المُطبّعة مع الكيان الصهيوني، أنها خسرت الكثير، وأن مسار التطبيع، الذي انساقت إليه ما هو إلاّ خديعة كبيرة ستتّضح معالمها في المستقبل القريب، عندما تجد تلك الأنظمة أن أطماع العدو الإسرائيلي كبيرة جداً، وأن ثمن التطبيع أكبر بكثير مما كانت ترجوه، وأن الكيان الصهيوني لا يمكن أن يكون حليفاً أو صديقاً في يوم من الأيام.
لقد جاءت اتفاقيات التطبيع الأخيرة بين بعض الأنظمة العربية والكيان الصهيوني، تحت عناوين متعددة، منها عنوان الإبراهيمية، والتعاون والاندماج بصبغة دينية، فيسمون اتفاق التطبيع والخيانة للأمة، والتحالف مع أعدائها، بالاتفاق الإبراهيمي، ومن خلال هذه الطريقة الجديدة، يريدون أن يقدِّموا أو أن يفرضوا زعامةً دينيةً لليهود الصهاينة، بغطاء وعنوان ديني، على الأمة الإسلامية، ومعها المجتمع الغربي عموماً.
ويتابع قائد الثورة توضيحه قائلاً: إن “الهدف من هذا العنوان جعل الزعامة الدينية لليهود وفي الوقت نفسه لا يتغير شيء بالنسبة لليهود الصهاينة، في معتقداتهم أو مناهجهم، بحيث تبقى النصوص والتربية والنظرة والأسس العقائدية العدائية، وكل شيء على ما هو، لكن بالنسبة للمنافقين وأبناء أمتنا المغفلين، الذين يتجهون ذلك التوجه الغبي، فيقبلون بذلك، ويتأثرون بتلك العناوين، ناسين ومتجاهلين أنَّ الوارث الحقيقي لنبي الله إبراهيم، ولنبييه موسى وعيسى، وللكتب السماوية، وللدين الإلهي الحق، هو: خاتم النبيين، وسيد المرسلين رسول الله محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، هو الأوْلى.
إن المغفلين من أبناء الأمة يحرّفون الثوابت والقيم والمعتقدات ويعملون على تحريف نصوص ومعاني آيات القرآن ويختلقون بعضاً من النصوص والفتاوى، التي تساند توجههم السلبي والتضليلي، كما يريدون من أبناء الأمة تبني تلك التوجهات في الثقافة العامة، والمناهج، ويروجون للعناوين المتنوعة التي يأتي بها الغرب ولها مضمون آخر ومنها: القبول بالآخر، والحريات والحقوق والسلام، وهي كلها تعني الاستسلام للأعداء، والمصادرة للحقوق، والقبول بهيمنة أولئك الأعداء، واستعباد الأمة والفرقة والاختلاف والشتات والترويج للفساد، والمنكرات والجرائم، تحت تلك العناوين البراقة وبأساليب مختلفة.
يهدف التطبيع أيضاً للترويج للغربي كنموذج حضاري يُحتذى به، وتقديم صورة مشوهة عن الحرية والتحرر في مفهومهما الحقيقي، الذي يسمو بالإنسان، فيجعل منه إنساناً لا يخضع إلَّا لله، حتى ترتسم صورة مختلفة لكل الأشياء المهمة.
ويسعى التطبيع إلى أن يكون الولاء للأعداء مُعتقداً دينياً، وثقافةً في المناهج التعليمية، والأنشطة الثقافية، والإعلامية، وأن يكون الولاء سياسةً تُبنى عليها مواقف تؤيد أمريكا، وبرامج عمل في الشؤون السياسية والتربوية والتعليمية والإعلامية والاجتماعية والاقتصادية.
ويؤكد قائد الثورة أن أولئك المغفلين يعملون على أن تطغى العناوين والتوجهات التي يرسمها الأمريكي والإسرائيلي، وكان من أخطرها توجيه بوصلة العداء إلى من تريد أمريكا وإسرائيل من الناس أن يعادوه، والولاء نحو من تريد أن يوالوه.
إن المشروع القرآني للشهيد القائد جاء في مواجهة كل تلك الحملات التضليلية الهائلة، والتي تجعل من الاستهداف أو من الاختراق للأمة الإسلامية، وتحريك أدوات من داخلها، أسلوباً أساسياً يعتمد عليه أعداء هذه الأمة، بهدف تسهيل سيطرتهم عليها وتقبُّل تلك السيطرة.
ويوضح قائد الثورة، أن المشروع القرآني جاء لتحصين الأمة من الداخل وينير دربها وينهض بها في مواجهة تلك المؤامرات والحملات التضليلية بكل أشكالها وأنواعها، لأن هذه نقطة جوهرية وأساسية في الصراع مع العدو، يخترق الأمة، ويشغِّل كل عملائه، ليحولها إلى موالية له، ومتقبلة لكل مؤامراته، ومنفِّذة لمخططاته التي تستهدفها، وتجعلها تخسر دينها ودنياها.
وتطرق إلى مواقف وتحركات الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، التي تعبر عن هذا التوجه ومنها الشعار، ومقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، وبسببها تمت محاربته.
وأضاف السيد عبدالملك الحوثي، “ندرك أهمية ودور هذا المشروع والموقف القرآني، المنطلق من أصالة انتمائنا الإيماني والإسلامي، للحفاظ على الشعب وهويته، وانتمائه، وحريته، وصموده في مواجهة مؤامرات الأعداء، فهذا المشروع هو الخيار الأسلم من أجل أن يكون الإنسان حراً، شجاعاً، مستقلاً، كريماً، شريفاً لا يتبع أعداءه أو ينفذ مخططاتهم، ولا يبقى أداةً بأيديهم”.
إذن فالمشروع القرآني هو الخيار الصحيح، الذي يعبر عن وعي الأمة تجاه مؤامرات ومخططات ومكائد أعدائها وعن تحركها القوي في دفع شرهم، أما الخيار الذي تبناه المنافقون من أبناء الأمة في العمالة والخيانة لمصلحة أمريكا وإسرائيل، والولاء لهما، فهو خيارٌ دنيءٌ مآلاته الخسارة والندم إذ تنكروا لانتمائهم الإسلامي والإيماني والإنساني، وجعلوا أنفسهم عبيداً لأعدائهم.